التاکيد علي آداب القضاء
واعلم أنّه لا يحمل الناسَ علي الحقّ إلّا من ورّعهم عن الباطل، ثمّ واسِ بين المسلمين بوجهک ومنطقک ومجلسک حتي لا يطمع قريبک في حيفک، ولا ييأس عدوّک من عدلک، وردّ اليمين علي المدّعي مع بيّنة؛ فإنّ ذلک أجلي للعمي وأثبت في القضاء. واعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم علي بعض إلّا مجلوداً في حدّ لم يتُب منه، أو معروف بشهادة زور، أو ظَنين.[2] وإيّاک والتضجّرَ والتأذّي في مجلس القضاء الذي أوجب اللَّه فيه الأجر، ويحسن فيه الذخر لمن قضي بالحقّ. واعلم أنّ الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً، واجعل لمن ادّعي شهوداً غُيّباً أمداً بينهما؛ فإن أحضرهم أخذت له بحقّه وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضيّة، فإيّاک أن تنفّذ فيه قضيّة في قصاص أو حدّ من [صفحه 254] حدود اللَّه أو حقّ من حقوق المسلمين حتي تعرض ذلک عليَّ إن شاء اللَّه، ولا تقعدنّ في مجلس القضاء حتي تَطعَم.[3] . 1650- الکافي عن أحمد بن أبي عبداللَّه رفعه: قال أميرالمؤمنين عليه السلام لشريح: لا تسارّ أحداً في مجلسک، وإن غضبت فقم؛ فلا تقضينّ وأنت[4] غضبان.[5] . 1651- الإمام عليّ عليه السلام- لمّا بلغه أنّ شريحاً يقضي في بيته-: يا شريح، اجلس في المسجد؛ فإنّه أعدل بين الناس، وإنّه وهنٌ بالقاضي أن يجلس في بيته.[6] . 1652- عنه عليه السلام- من کتابه إلي رِفاعة لمّا استقضاه علي الأهواز-:[7] ذَر المطامع، وخالف الهوي، وزيّن العلم بسمتٍ صالحٍ، نِعْمَ عون الدينِ الصبرُ، لو کان الصبرُ رجلاً لکان رجلاً صالحاً. وإيّاک والملالةَ؛ فإنّها من السخف والنذالة، لا تُحضِر مجلسک من لا يشبهک، وتخيّر لوردک، اقضِ بالظاهر، وفوّض إلي العالِم الباطن، دع عنک: «أظُنُّ وأحسِبُ وأري» ليس في الدين إشکال، لا تمارِ سفيهاً ولا فقيهاً، أمّا الفقيه فيحرمک خيره، وأمّا السفيه فيحزنک شرّه. لا تجادل أهل الکتاب إلا بالّتي هي أحسن بالکتاب والسنّة. لا تعوِّد نفسک الضحک؛ فإنّه يذهب بالبهاء، ويجرّئُ [صفحه 255] الخصوم علي الاعتداء، إيّاک وقبولَ التحف من الخصوم. وحاذر الدُّخْلَة.[8] من ائتمن امرأةً حمقاء، ومن شاورها فقبل منها ندم، احذر من دمعة المؤمن؛ فإنّها تقصِف من دَمَّعها، وتطفِئُ بَحُورَ النَيِّران عن صاحبها، لا تَنبُزِ الخصُومَ، ولا تنهر السائل، ولا تُجالس في مجلس القضاء غير فقيه، ولا تشاور في الفُتيا؛ فإنّما المشورة في الحرب ومصالح العاجل، والدين ليس هو بالرأي، إنّما هو الاتّباع، لا تضيِّعِ الفرائض وتتّکِلَ علي النوافل، أحسن إلي من أساء إليک، واعف عمّن ظلمک، وادعُ لمن نصرک، وأعطِ من حرمک، وتواضع لمن أعطاک، واشکر اللَّه علي ما أولاک واحمده علي ما أبلاک، العلم ثلاثة: آية محکمة، وسنّة متّبعة، وفريضةٌ عادلة، وملاکهنّ أمرُنا.[9] . 1653- عنه عليه السلام:- لرِفاعة-: لا تقضِ وأنت غضبان، ولا من النوم سکران.[10] . 1654- عنه عليه السلام- في کتابه إلي محمّد بن أبي بکر-: وإذا أنت قضيت بين الناس فاخفض لهم جناحک، وليّن لهم جانبک، وابسط لهم وجهک، وآسِ بينهم في اللحظ والنظر، حتي لا يطمع العظماء في حيفک لهم، ولا يأيس الضعفاء من عدلک عليهم.[11] . 1655- عنه عليه السلام: من ابتلي بالقضاء فليواسِ بينهم في الإشارة وفي النظر، وفي المجلس.[12] . [صفحه 256] 1656- عنه عليه السلام: ينبغي للحاکم أن يدَعَ التلفّت إلي خصم دون خصم، وأن يقسم النظر فيما بينهما بالعدل، ولا يدَعُ خصماً يُظهر بغياً علي صاحبه.[13] . 1657- الإمام الصادق عليه السلام: إنّ رجلاً نزل بأمير المؤمنين عليه السلام، فمکث عنده أيّاماً، ثمّ تقدّم إليه في خصومة لم يذکرها لأمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: أخصم أنت؟ قال: نعم. قال: تحوّل عنّا! إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله نهي أن يضاف الخصم إلّا ومعه خصمه.[14] .
1649- الإمام عليّ صلي الله عليه و آله- لشريح-: انظر إلي أهل المَعْک[1] والمطل، ودفع حقوق الناس من أهل المقدرة واليسار ممّن يدلي بأموال المسلمين إلي الحکّام، فخذ للناس بحقوقهم منهم، وبِع فيها العقار والديار؛ فإنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «مَطْل المسلم الموسر ظلم للمسلم، ومن لم يکن له عقار ولا دار ولا مال فلا سبيل عليه».
صفحه 254، 255، 256.