الحرص علي جماعة الاُمّة











الحرص علي جماعة الاُمّة



1637- الإمام عليّ عليه السلام- من کتاب له إلي أبي موسي الأشعري جواباً في أمر الحکمين-: فإنّ الناس قد تغيّر کثير منهم عن کثير من حظّهم، فمالوا مع الدنيا، ونطقوا بالهوي، وإنّي نزلت من هذا الأمر منزلاً معجباً، اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم، وأنا اُداوي منهم قرحاً أخاف أن يکون علقاً، وليس رجل- فاعلم- أحرص علي جماعة اُمّة محمّد صلي الله عليه و آله واُلفتها منّي، أبتغي بذلک حُسن الثواب، وکرم المآب، وسأفي بالذي وأيت[1] علي نفسي.[2] .

1638- عنه عليه السلام- في التحذير من الفتن-: لا تکونوا أنصاب الفتن، وأعلام البدع، والزموا ما عُقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أرکان الطاعة.[3] .

1639- عنه عليه السلام- من کلامه مع الخوارج-: الزموا السواد الأعظم؛ فإنّ يد اللَّه مع الجماعة، وإيّاکم والفُرقة! فإن الشاذّ من الناس للشيطان، کما أنّ الشاذّ من الغنم

[صفحه 246]

للذئب.[4] .

1640- عنه عليه السلام: ليردعْکم الإسلام ووقاره عن التباغي والتهاذي، ولتجتمع کلمتکم، والزموا دين اللَّه الذي لا يُقبل من أحد غيرُه، وکلمة الإخلاص التي هي قوام الدين.[5] .

1641- عنه عليه السلام: إيّاکم والتلوُّن في دين اللَّه؛ فإنَّ جماعة فيما تکرهون من الحقِّ خير من فرقة فيما تحبّون من الباطل، و إنّ اللَّه سبحانه لم يعط أحداً بفرقة خيراً، ممّن مضي ولا ممّن بقي.[6] .

1642- عنه عليه السلام: إنَّ الشيطان يسنّي[7] لکم طرقه، ويريد أن يحلَّ دينکم عقدة عقدة، ويعطيکم بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة، فاصدفوا عن نزغاته ونفثاته.[8] .

1643- عنه عليه السلام: وايم اللَّه، ما اختلفت اُمّة بعد نبيّها إلّا ظهر باطلها علي حقِّها، إلّا ما شاء اللَّه.[9] .

[صفحه 247]

1644- عنه عليه السلام: وإنّي، واللَّه، لأظنُّ أنَّ هؤلاء القوم سيدالون[10] منکم باجتماعهم علي باطلهم، وتفرُّقکم عن حقِّکم.[11] .

1645- عنه عليه السلام- في تحذير الاُمّة من الفرقة-: احذروا ما نزل بالاُمم قبلکم من المَثُلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال! فتذکّروا في الخير والشرّ أحوالهم، واحذروا أن تکونوا أمثالهم.

فإذا تفکّرتم في تفاوت حالَيهم فالزموا کلّ أمر لزمت العزّة به شأنهم، وزاحت الأعداء له عنهم، ومدّت العافية به عليهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الکرامة عليه حبلهم من الاجتناب للفرقة، واللزوم للاُلفة، والتحاضّ عليها والتواصي بها، واجتنبوا کلّ أمر کسر فقرتهم، وأوهن منّتهم. من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي، وتدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلکم، کيف کانوا في حال التمحيص والبلاء، ألم يکونوا أثقل الخلائق أعباءً، وأجهد العباد بلاءً، وأضيق أهل الدنيا حالاً؟ اتّخذتهم الفراعنة عبيداً؛ فساموهم سوء العذاب، وجرّعوهم المرار؛ فلم تبرح الحال بهم في ذلّ الهلکة وقهر الغلبة. لا يجدون حيلة في امتناع، ولا سبيلاً إلي دفاع.

حتي إذا رأي اللَّه جدّ الصبر منهم علي الأذي في محبّته، والاحتمال للمکروه من خوفه جعل لهم من مضايق البلاء فرجاً، فأبدلهم العزّ مکان الذلّ، والأمن مکان الخوف، فصاروا ملوکاً حکّاماً، وأئمّة أعلاماً، وقد بلغت الکرامة من اللَّه لهم ما لم تذهب الآمال إليه بهم.

[صفحه 248]

فانظروا کيف کانوا حيث کانت الأملاء[12] مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة. ألم يکونوا أرباباً في أقطار الأرضين، وملوکاً علي رقاب العالمين؟ فانظروا إلي ما صاروا إليه في آخر اُمورهم حين وقعت الفرقة، وتشتّتت الاُلفة، واختلفت الکلمة والأفئدة، وتشعّبوا مختلفين، وتفرّقوا متحاربين، قد خلع اللَّه عنهم لباس کرامته، وسلبهم غضارة نعمته. وبقي قصص أخبارهم فيکم عبراً للمعتبرين.

فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل عليهم السلام؛ فما أشدّ اعتدال الأحوال، وأقرب اشتباه الأمثال. تأمّلوا أمرهم في حال تشتّتهم وتفرّقهم ليالي کانت الأکاسرة والقياصرة أرباباً لهم، يحتازونهم عن ريف الآفاق، وبحر العراق وخضرة الدنيا إلي منابت الشِّيح، ومهافي الريح، ونَکَد المعاش. فترکوهم عالة مساکين، إخوان دَبَر وَوَبَر، أذلّ الاُمم داراً، وأجدَبهم قراراً. لا يأوون إلي جناح دعوة يعتصمون بها، ولا إلي ظلّ اُلفة يعتمدون علي عزّها. فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة، والکثرة متفرّقة. في بلاء أزْلٍ، وإطباق جهل! من بناتٍ موؤودة، وأصنامٍ معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة.

فانظروا إلي مواقع نعم اللَّه عليهم حين بعث إليهم رسولاً، فعقد بملّته طاعتهم، وجمع علي دعوته اُلفتهم. کيف نشرت النعمة عليهم جناح کرامتها، وأسالت لهم جداول نعيمها، والتفّت الملّة بهم في عوائد برکتها. فأصبحوا في نعمتها غَرِقِين، وفي خضرة عيشها فَکِهين. قد تربّعت الاُمور بهم، في ظلّ سلطان قاهر، وآوتهم الحال إلي کنف عزّ غالب. وتعطّفت الاُمور عليهم في ذري ملک ثابت. فهم حکّام علي العالمين، وملوک في أطراف الأرضين. يملکون الاُمور علي من کان

[صفحه 249]

يملکها عليهم. ويُمضون الأحکام فيمن کان يمضيها فيهم. لا تُغمز لهم قناة، ولا تُقرع لهم صَفاة.[13] .

ألا وإنّکم قد نفضتم أيديکم من حبل الطاعة. وثلمتم حصن اللَّه المضروب عليکم بأحکام الجاهلية؛ فإنّ اللَّه سبحانه قد امتنّ علي جماعة هذه الاُمّة فيما عقد بينهم من حبل هذه الاُلفة التي ينتقلون في ظلّها، ويأوون إلي کنفها، بنعمة لايعرف أحد من المخلوقين لها قيمة؛ لأنّها أرجح من کلّ ثمن، وأجلّ من کلّ خطر.[14] .

راجع: السياسة القضائية/موقع مصالح النظام الإسلامي في صدور الأحکام

القسم الرابع/قصّة السقيفة/دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه/مخافة الفرقة.

[صفحه 251]



صفحه 246، 247، 248، 249، 251.





  1. الوَأْي: الوعد الذي يوثّقه الرجل علي نفسه، ويعزم علي الوفاء به (النهاية: 144:5).
  2. نهج البلاغة: الکتاب 78، بحارالأنوار: 554:304:33.
  3. نهج البلاغة: الخطبة 151؛ ينابيع المودّة: 4:372:3.
  4. نهج البلاغة: الخطبة 127، عيون الحکم والمواعظ: 2312:101 وفيه من «إيّاکم والفُرقة...»، بحارالأنوار: 604:373:33.
  5. شرح نهج البلاغة: 45:4.
  6. نهج البلاغة: الخطبة 176، بحارالأنوار: 76:313:2؛ ينابيع المودّة: 9:437:3 وليس فيه من «فإنّ جماعة» إلي «الباطل».
  7. يقال: سنَّيتُ الشي ء: إذا فتحته وسهّلته. وتسنّي لي کذا: أي تيسّر وتأتيّ (النهاية: 415:2).
  8. نهج البلاغة: الخطبة 121.
  9. الأمالي للمفيد: 5: 235، الأمالي للطوسي: 13:11 کلاهما عن الأصبغ بن نباتة، وقعة صفّين: 224 عن أبي سنان الأسلمي؛ شرح نهج البلاغة: 181:5 وفيهما «أهل باطلها علي أهل حقّها».
  10. الإدالة: الغلبة (النهاية: 141:2).
  11. نهج البلاغة: الخطبة 25.
  12. جمع ملأ؛ أشراف الناس ورؤساؤهم ومقدّموهم الذي يُرجَع إلي قولهم (النهاية: 351:4).
  13. الصَّفاة: هي الصخرة والحجر الأملَس، أي لا ينالُهم أحد بسوء (النهاية: 41:3).
  14. نهج البلاغة: الخطبة 192، بحارالأنوار: 37:472:14.