الالتزام بالحقوق











الالتزام بالحقوق



1582- الإمام عليّ عليه السلام- في صفّين-: أمّا بعد، فقد جعل اللَّه سبحانه لي عليکم حقّاً بولاية أمرکم، ولکم عليَّ من الحقّ مثل الذي لي عليکم، فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلّا جري عليه، ولا يجري عليه إلّا جري له، ولو کان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لکان ذلک خالصاً للَّه سبحانه دون خلقه؛ لقدرته علي عباده، ولعدله في کلّ ما جرت عليه صروف قضائه، ولکنّه سبحانه جعل حقّه علي العباد أن يُطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضّلاً منه، وتوسّعاً بما هو من المزيد أهله.

ثمّ جعل سبحانه من حقوقه حقوقاً افترضها لبعض الناس علي بعض، فجعلها تتکافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضاً، ولا يستوجب بعضها إلّا ببعض، وأعظم ما افترض سبحانه من تلک الحقوق حقّ الوالي علي الرعيّة، وحقّ الرعيّة علي الوالي، فريضة فرضها اللَّه سبحانه لکلّ علي کلّ، فجعلها نظاماً لاُلفتهم، وعزّاً لدينهم، فليست تصلح الرعيّة إلّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعيّة.

فإذا أدّت الرعيّة إلي الوالي حقّه، وأدّي الوالي إليها حقّها عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت علي أذْلالها[1] السنن، فصلح بذلک الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء.

وإذا غلبت الرعيّةُ واليها، أو أجحف الوالي برعيّته، اختلفت هنالک الکلمة،

[صفحه 231]

وظهرت معالم الجور، وکثر الإدغال في الدين، وتُرکت محاجّ السنن، فعُمل بالهوي، وعُطّلت الأحکام، وکثرت علل النفوس، فلا يُستوحش لعظيم حقّ عُطّل، ولا لعظيم باطل فُعِل!

فهنالک تذلّ الأبرار، وتعزّ الأشرار، وتعظم تبعات اللَّه سبحانه عند العباد، فعليکم بالتناصح في ذلک، وحسن التعاون عليه، فليس أحد- وإن اشتدّ علي رضي اللَّه حرصه، وطال في العمل اجتهاده- ببالغ حقيقة ما اللَّه سبحانه أهله من الطاعة له.

ولکن من واجب حقوق اللَّه علي عباده: النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون علي إقامة الحقّ بينهم، وليس امرؤٌ- وإن عظمت في الحقّ منزلته، وتقدّمت في الدين فضيلته- بفوقِ أن يعان علي ما حمّله اللَّه من حقّه. ولا امرؤ- وإن صغّرته النفوس، واقتحمته العيون- بدون أن يعين علي ذلک أو يُعان عليه.[2] .

1583- عنه عليه السلام: جعل اللَّه سبحانه حقوق عباده مقدّمة لحقوقه؛ فمن قام بحقوق عباد اللَّه کان ذلک مؤدّياً إلي القيام بحقوق اللَّه.[3] .



صفحه 231.





  1. أي وجوهها وطرقها، وهو جمع ذِلّ (النهاية: 166:2).
  2. نهج البلاغة: الخطبة 216 وراجع الکافي: 550:352:8.
  3. غرر الحکم: 4780، عيون الحکم والمواعظ: 4347:223.