عقيل











عقيل



1552- الإمام الصادق عليه السلام: لمّا وُلّي عليّ عليه السلام صعد المنبر فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: إنّي واللَّه لا أرْزَؤکم[1] من فيئکم درهماً ما قام لي عَذْق[2] بيثرب، فليصدقکم أنفسُکم،[3] أفتروني مانعاً نفسي ومعطيکم؟

قال: فقام إليه عقيل فقال له: واللَّه لتجعلني وأسود بالمدينة سواءً! فقال: اجلس، أما کان هاهنا أحد يتکلّم غيرک! وما فضلک عليه إلّا بسابقة أو بتقوي![4] .

1553- الإمام عليّ عليه السلام: واللَّه لَأن أبِيت علي حَسَک السَّعْدان مُسهَّداً،[5] أو اُجَرّ في الأغلال مُصفَّداً، أحبّ إليّ من أن ألقي اللَّه ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشي ءٍ من الحطام! وکيف أظلم أحداً لنفْس يُسرع إلي البِلي قُفُولها،[6] ويطول في الثري حُلولها؟!

واللَّه، لقد رأيت عقيلاً وقد أملَق حتي استماحني من بُرّکم صاعاً، ورأيت صبيانه شُعْث الشعور، غُبْر الألوان من فقرهم، کأنّما سُوّدت وجوههم بالعِظْلِم،[7] .

[صفحه 217]

وعاودني مؤکِّداً، وکرّر عليَّ القول مردِّداً، فأصغيت إليه سمعي، فظنّ أنّي أبيعه ديني، وأتّبع قِياده مفارقاً طريقتي.

فأحميت له حديدة، ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دَنَف[8] من ألمها، وکاد أن يحترق من مِيْسَمها،[9] فقلت له: ثکلتک الثواکل يا عقيل! أتَئِنّ من حديدة أحماها إنسانها للَعِبه، وتجرّني إلي نارٍ سجرَها جبّارها لغضبه؟! أتَئِنّ من الأذي ولا أئِنّ من لظي؟![10] .

1554- المناقب لابن شهر آشوب: قدم عليه [عليٍّ عليه السلام] عقيل فقال للحسن: اکسُ عمّک، فکساه قميصاً من قمصه[11] ورداءً من أرديته. فلمّا حضر العشاء فإذا هو خبز وملح، فقال عقيل: ليس [إلّا][12] ما أري؟

فقال: أوليس هذا من نعمة اللَّه؟! فله الحمد کثيراً.

فقال: أعطني ما أقضي به دَيني وعجِّل سراحي حتي أرحل عنک.

قال: فکم دَينک يا أبايزيد؟

قال: مائة ألف درهم.

قال: واللَّه ما هي عندي ولا أملکها، ولکن اصبر حتي يخرج عطائي فاُواسِيکه، ولولا أنّه لابدّ للعيال من شي ء لأعطيتک کلّه.

فقال عقيل: بيت المال في يدک وأنت تسوّفني إلي عطائک؟ وکم عطاؤک وما

[صفحه 218]

عسي يکون ولو أعطيتنيه کلّه!

فقال: ما أنا وأنت فيه إلّا بمنزلة رجل من المسلمين- وکانا يتکلّمان فوق قصر الإمارة مشرفَين علي صناديق أهل السوق- فقال له عليّ عليه السلام: إن أبيت يا أبايزيد ما أقول فانزل إلي بعض هذه الصناديق فاکسر أقفاله وخذ ما فيه.

فقال: وما في هذه الصناديق؟

قال: فيها أموال التجّار. قال: أتأمرني أن أکسر صناديق قوم قد توکّلوا علي اللَّه وجعلوا فيها أموالهم؟!

فقال أميرالمؤمنين: أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فاُعطيک أموالهم وقد توکّلوا علي اللَّه وأقفلوا عليها؟! وإن شئتَ أخذتَ سيفک وأخذتُ سيفي وخرجنا جميعاً إلي الحيرة؛[13] فإنّ بها تجّاراً مَياسِير،[14] فدخلنا علي بعضهم فأخذنا ماله!

فقال: أوَسارق جئتُ؟!

قال: تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً!

قال له: أفتأذن لي أن أخرج إلي معاوية؟

فقال له: قد أذنت لک.

قال: فأعنّي علي سفري هذا.

[صفحه 219]

قال: يا حسن، أعطِ عمّک أربعمائة درهم.

فخرج عقيل وهو يقول:

سيُغْنيني الذي أغناکَ عنّي ويقضي دَينَنا ربٌّ قريبُ[15] .



صفحه 217، 218، 219.





  1. ما رَزَأَ فلاناً شيئاً: أي ما أصاب من ماله شيئاً ولا نَقَص منه (لسان العرب: 85:1).
  2. العَذْق: النخلة (النهاية: 199:3).
  3. أي ارجعوا إلي أنفسکم وأنصِفوا، وليَقُلْ أنفسُکم لکم صِدْقاً في ذلک (مرآة العقول: 72:26).
  4. الکافي: 204:182:8 عن محمّد بن مسلم، تنبيه الخواطر: 151:2، الاختصاص: 151 نحوه.
  5. السَّعْدان: نبتٌ ذو شوک، ومَنْبَتُه سُهول الأرض، وهو من أطيب مَراعي الإبل مادام رَطْباً. ولهذا النبْت شوکٌ يقال له حَسَکَةُ السَّعْدان. والسُّهاد: نقيض الرُّقاد، وفُلان يُسَهَّد: لا يُترَک أن ينام (لسان العرب: 215:3 و ص 224).
  6. أي رجوعها. يقال: قَفلَ من سَفره: أي رجع (انظر: المصباح المنير: 511).
  7. العِظْلِم: عصارة بعض الشجر وقيل هو الوسمة (لسان العرب: 412:12).
  8. الدَّنَف: المرض اللازِم المُخامِر (لسان العرب: 107:9).
  9. المِيْسَم: المِکواة (لسان العرب: 636:12).
  10. نهج البلاغة: الخطبة 224 وراجع الأمالي للصدوق: 988:719.
  11. في المصدر «قميصه»، والصحيح ما أثبتناه کما في بحارالأنوار نقلاً عن المصدر.
  12. ما بين المعقوفين سقط من المصدر، وأثبتناه من بحارالأنوار.
  13. الحِيْرَة: مدينة جاهلية، وهي عن الکوفة علي نحو فرسخ، وکانت منازل آل النعمان بن المنذر. وهي کثيرة الأنهار، والجوّ فيها أفضل من جوّ الکوفة (راجع تقويم البلدان: 299).
  14. جمع مُوسِر. وأيْسَرَ الرجلُ: صار ذا غِنيً (تاج العروس: 634:7).
  15. المناقب لابن شهر آشوب: 108:2، بحارالأنوار: 23:113:41. والظاهر أنّ عقيل بن أبي طالب لم يأتِ معاوية قبل استشهاد الإمام عليّ عليه السلام.