العناية الخاصّة بالأيتام











العناية الخاصّة بالأيتام



1534- الکافي عن حبيب بن أبي ثابت: جاء إلي أميرالمؤمنين عليه السلام عسل وتين من هَمدان[1] وحُلْوان،[2] فأمر العُرَفاء[3] أن يأتوا باليتامي، فأمکنهم من رؤوس الأزْقاق[4] يلعقونها وهو يقسمها للناس قدحاً قدحاً، فقيل له: يا أميرالمؤمنين، ما لهم يلعقونها؟ فقال: إنّ الإمام أبو اليتامي، وإنّما ألعقتهم هذا برعاية الآباء.[5] .

1535- ربيع الأبرار عن أبي الطفيل: رأيت عليّاً- کرّم اللَّه وجهه- يدعو اليتامي فيطعمهم العسل، حتي قال بعض أصحابه: لوددت أنّي کنت يتيماً.[6] .

1536- أنساب الأشراف عن الحکم: شهدت عليّاً واُتي بزِقاق من عسل، فدعا اليتامي وقال: دِبُّوا[7] والعقوا، حتي تمنّيت أنّي يتيم، فقسمه بين الناس وبقي منه زِقّ،[8] فأمر أن يُسقاه أهل المسجد.[9] .

[صفحه 208]

1537- المناقب لابن شهر آشوب: نظر عليّ إلي امرأة علي کتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة فحملها إلي موضعها، وسألها عن حالها فقالت: بعث عليّ بن أبي طالب صاحبي إلي بعض الثغور فقُتل، وترک عليَّ صبياناً يتامي وليس عندي شي ء، فقد ألجأتني الضرورة إلي خدمة الناس. فانصرف وبات ليلته قلقاً.

فلمّا أصبح حمل زِنْبِيلاً فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنک. فقال: مَن يحمل وِزري عنّي يوم القيامة! فأتي وقرع الباب، فقالت: من هذا؟ قال: أنا ذلک العبد الذي حمل معک القربة، فافتحي فإنّ معي شيئاً للصبيان. فقالت: رضي اللَّه عنک وحکم بيني وبين عليّ بن أبي طالب! فدخل وقال: إنّي أحببت اکتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين[10] وتخبزين، وبين أن تُعَلِّلين[11] الصبيان لأخبز أنا. فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، ولکن شأنک والصبيان؛ فعلِّلْهم حتي أفرغ من الخبز. فعمدت إلي الدقيق فعجنته، وعمد عليّ عليه السلام إلي اللحم فطبخه، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره، فکلّما ناول الصبيان من ذلک شيئاً قال له: يا بنيَّ، اجعل عليّ بن أبي طالب في حلٍّ ممّا مرَّ في أمرک. فلمّا اختمر العجين قالت: يا عبداللَّه، سجِّر التنّور. فبادر لسجره، فلمّا أشعله ولفَح في وجهه جعل يقول: ذُق يا عليّ! هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامي. فرأته امرأة تعرفه

[صفحه 209]

فقالت: ويحکِ! هذا أميرالمؤمنين. قال: فبادرت المرأة وهي تقول: وا حَياي منک يا أميرالمؤمنين! فقال: بل وا حَياي منکِ يا أمة اللَّه فيما قصّرت في أمرک![12] .

1538- کشف اليقين: روي أنّه [عليّاً عليه السلام] اجتاز ليلة علي امرأة مسکينة لها أطفال صغار يبکون من الجوع، وهي تُشاغلهم وتلهيهم حتي يناموا، وکانت قد أشعلت ناراً تحت قدر فيها ماء لا غير، وأوهمتهم أنّ فيها طعاماً تطبخه لهم، فعرف أميرالمؤمنين عليه السلام حالها، فمشي عليه السلام ومعه قنبر إلي منزله، فأخرج قَوْصَرَّة[13] تمر وجِراب[14] دقيق وشيئاً من الشحم والأرز والخبز، وحمله علي کتفه الشريف، فطلب قنبر حمله فلم يفعل.

فلمّا وصل إلي باب المرأة استأذن عليها، فأذنت له في الدخول، فأرمي شيئاً من الأرز في القدر ومعه شي ء من الشحم، فلمّا فرغ من نضجه عرّفه للصغار وأمرهم بأکله، فلمّا شبعوا أخذ يطوف بالبيت ويُبَعْبِع لهم، فأخذوا في الضحک.

فلمّا خرج عليه السلام قال له قنبر: يا مولاي، رأيت الليلة شيئاً عجيباً قد علمت سبب بعضه وهو حملک للزاد طلباً للثواب، أمّا طوافک بالبيت علي يديک ورجليک والبَعْبَعة فما أدري سبب ذلک!

فقال عليه السلام: يا قنبر، إنّي دخلت علي هؤلاء الأطفال وهم يبکون من شدّة الجوع، فأحببت أن أخرج عنهم وهم يضحکون مع الشبع، فلم أجد سبباً سوي ما فعلت.[15] .

[صفحه 210]



صفحه 208، 209، 210.





  1. هَمَدان: مدينة تقع في غرب إيران، وهي مرکز محافظة همدان، قريبة من مدينة کرمانشاه.
  2. حُلْوان: مدينة قديمة في العراق العجمي (إيران) فتحها العرب 640 م. أحرقها السلجوقيّون 1046م. وأکمل الزلزال هدمها 1149م (المنجد في الأعلام: 257).
  3. جَمْع عَرِيف: وهو القيِّم باُمور القبيلة أو الجماعة من الناس يَلي اُمورَهم ويتعرّف الأميرُ منه أحوالهم (النهاية: 2183).
  4. الزِّقّ: السِّقاء يُنْقَل فيه الماءُ، أو جِلدٌ يُجَزّ شَعْرُه ولا يُنْتَف نَتْفَ الأدِيم. وقيل: الزِّقّ من الاُهُب: کلّ وعاءٍ اتُّخِذ للشراب وغيره. والجمع أزْقاق وزِقاق وزُقّان (تاج العروس: 196:13).
  5. الکافي: 5:406:1، بحارالأنوار: 30:123:41.
  6. ربيع الأبرار: 148:2، المعيار والموازنة: 251 نحوه؛ المناقب لابن شهر آشوب: 75:2.
  7. الدبيب: حرکة علي الأرض أخفّ من المشي (معجم مقاييس اللغة: 263:2).
  8. في المصدر: «زقّاً»، وهو تصحيف.
  9. أنساب الأشراف: 373:2.
  10. کذا في المصدر وبحارالأنوار، ومقتضي القواعد النحوية المعمول بها اليوم أن يقال: «أن تعجني وتخبزي... وتعلّلي»؛ لمکان «أنْ» الناصبة للفعل المضارع. لکن ذکر صاحب النحو الوافي أنّ بعض القبائل العربيّة يهملها، فلا ينصب بها المضارع برغم استيفائها شروط نصْبه؛ کقراءة من قرأ قوله تعالي: «وَالْوَ لِدَ تُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ کَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ» برفع المضارع «يتمُّ» علي اعتبار «أنْ» مصدريّة مهملة. والأنسب اليوم ترک هذه اللغة لأهلها، والاقتصار علي الإعمال؛ حرصاً علي الإبانة، وبُعداً عن الإلباس (النحو الوافي: 267:4).
  11. عَلَّلَهُ بطعامٍ وحديثٍ ونحوهما: شَغَلَهُ بهما (لسان العرب: 469:11).
  12. المناقب لابن شهر آشوب: 115:2، بحارالأنوار: 52:41. راجع: القسم العاشر/الخصائص العمليّة/إمام المستضعفين.
  13. هي وعاءٌ من قَصَب يُعمَل للتمر، ويُشَدَّد ويُخفَّف (لسان العرب: 121:4).
  14. هو وِعاءٌ من إهاب [: جلد] الشاء لا يُوعَي فيه إلّا يابس (لسان العرب: 261:1).
  15. کشف اليقين: 129:136.