النقد بدل الإطراء











النقد بدل الإطراء



1440- الإمام عليّ عليه السلام- في عهده إلي مالک الأشتر بعد ذکر خصائص البطانة الصالحة-: فاتّخذ اُولئک خاصّة لخلواتک وحَفَلاتک، ثمّ ليکن آثرهم عندک أقولهم بمرّ الحقّ لک، وأقلّهم مساعدةً فيما يکون منک ممّا کره اللَّه لأوليائه، واقعاً ذلک من هواک حيث وقع. والصَق بأهل الورع والصدق، ثمّ رُضْهُم علي ألّا يُطروک ولا يَبْجَحوک[1] بباطل لم تفعله؛ فإن کثرة الإطراء تُحدث الزهو، وتُدني من العزّة.[2] .

[صفحه 165]

1441- عنه عليه السلام- في جواب من قال: أنت أميرنا ونحن رعيّتک، بک أخرجنا اللَّه عزّ وجلّ من الذلّ، وبإعزازک أطلق عباده من الغلّ، فاختَر علينا وأمضِ اختيارک، وائتمر فأمض ائتمارک؛ فإنّک القائل المصدَّق، والحاکم الموفّق والملک المخوّل، لا نستحلّ في شي ء معصيتک، ولا نقيس علماً بعلمک، يعظم عندنا في ذلک خطرک ويجلّ عنه في أنفسنا فضلک-: إنّ مِن حَقّ من عَظُمَ جلال اللَّه في نفسه، وجلّ موضعه من قلبه أن يصغر عنده- لعظم ذلک- کلّ ما سواه، وإنّ أحقّ من کان کذلک لمن عظمت نعمة اللَّه عليه، ولطف إحسانه إليه، فإنّه لم تعظم نعمة اللَّه علي أحد إلّا زاد حقّ اللَّه عليه عظماً.

وإنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظنّ بهم حبّ الفخر، ويوضع أمرهم علي الکبر، وقد کرهت أن يکون جال في ظنّکم أنّي اُحبّ الإطراء، واستماع الثناء، ولست- بحمد اللَّه- کذلک، ولو کنت اُحبّ أن يقال ذلک لترکته انحطاطاً للَّه سبحانه عن تناول ما هو أحقّ به من العظمة والکبرياء. وربّما استحلي الناس الثناء بعد البلاء.

فلا تُثنوا عليَّ بجميل ثناء، لإخراجي نفسي إلي اللَّه وإليکم من البقيّة في حقوق لم أفرغ من أدائها، وفرائض لابدّ من إمضائها؛ فلا تکلّموني بما تُکلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يُتحفّظ به عند أهل البادرة،[3] ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقّ قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي؛ فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، کان العمل بهما أثقل عليه.

[صفحه 166]

فلا تکفّوا عنّي مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل؛ فإنّي لست في نفسي بفوق ما أن اُخطئ، ولا آمن ذلک من فعلي، إلّا أن يکفي اللَّه من نفسي ما هو أملک به منّي، فإنّما أنا وأنتم عبيد مملوکون لربّ لا ربّ غيره، يملک منّا ما لا نملک من أنفسنا، وأخرجنا ممّا کنّا فيه إلي ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدي، وأعطانا البصيرة بعد العمي.[4] .



صفحه 165، 166.





  1. يَبْجَحوک أو کما في شرح النهج: يُبَجِّحوک: أي لا يجعلوک ممّن يبجَح أي يفخر بباطل لم يفعله کما يبجِّح أصحابُ الاُمراء الاُمراء (شرح نهج البلاغة: 45:17).
  2. نهج البلاغة: الکتاب 53، تحف العقول: 129 نحوه، بحارالأنوار: 744:602:33.
  3. البادرة من الکلام: الذي يسبق من الإنسان في الغضب (النهاية: 106:1) والمراد بأهل البادرة هنا السلاطين والملوک؛ فالإنسان يتحفّظ من الکلام أمامهم خوفاً من أن يُثير غضبهم.
  4. الکافي: 550:355:8 عن جابر عن الإمام الباقر عليه السلام، نهج البلاغة: الخطبة 216 وفيه «التقيّة» بدل «البقيّة».