شريح القاضي











شريح القاضي



1402- نهج البلاغة: روي أن شريح بن الحارث قاضي أميرالمؤمنين عليه السلام اشتري علي عهده داراً بثمانين ديناراً، فبلغه ذلک فاستدعي شُريحاً وقال له:

بلغني أنک ابتعت داراً بثمانين ديناراً، وکتبت لها کتاباً، وأشهدت فيه شهوداً! فقال له شريح: قد کان ذلک يا أميرالمؤمنين.

[صفحه 143]

قال: فنظر إليه نظر المغضب ثمّ قال له: يا شريح! أما إنّه سيأتيک من لا ينظر في کتابک، ولا يسألک عن بيّنتک حتي يخرجک منها شاخصاً، ويسلّمک إلي قبرک خالصاً. فانظر يا شريح! لا تکون ابتعت هذه الدار من غير مالک، أو نقدت الثمن من غير حلالک؛ فإذا أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة. أما إنّک لو کنت أتيتني عند شرائک ما اشتريت، لکتبت لک کتاباً علي هذه النسخة، فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم فما فوق. والنسخة هذه:

هذا ما اشتري عبدذليل من ميّتٍ قد أزعج للرحيل، اشتري منه داراً من دار الغرور من جانب الفانين، وخطّة الهالکين، وتجمع هذه الدار حدود أربعة: الحدّ الأوّل ينتهي إلي دواعي الآفات، والحدّ الثاني ينتهي إلي دواعي المصيبات، والحدّ الثالث ينتهي إلي الهوي المردي، والحدّ الرابع ينتهي إلي الشيطان المغوي، وفيه يُشرَع باب هذه الدار.

اشتري هذا المغترّ بالأمل، من هذا المَزعَج بالأجلّ هذه الدار بالخروج من عزّ القناعة، والدخول في ذلّ الطلب والضَّراعة؛ فما أدرک هذا المشتري فيما اشتري منه من دَرَکٍ.

فعلي مُبَلْبِل أجسام الملوک، وسالب نفوس الجبابرة، ومزيل ملک الفراعنة، مثل کسري وقيصر، وتُبَّع وحِمْيَر، ومَن جمع المال علي المال فأکثر، ومَن بني وشيّد وزخرف، ونَجَّد[1] وادَّخر، واعتقد ونظر بزعمه للوَلَد- إشخاصُهم[2] جميعا إلي موقف العرض والحساب، وموضع الثواب والعقاب إذا وقع الأمر بفصل

[صفحه 144]

القضاء «وَ خَسِرَ هُنَالِکَ الْمُبْطِلُونَ)[3] شهد علي ذلک العقل إذا خرج من أسر الهوي وسلم من علائق الدنيا.[4] .



صفحه 143، 144.





  1. من التنجيد: التزيين (النهاية: 19:5).
  2. إشخاصُهم، مبتدأ مرفوع، وخبره الجار والمجرور المقدّم؛ وهو قوله: «فعلي مُبلبل أجسام الملوک».
  3. غافر: 78.
  4. نهج البلاغة: الکتاب 3، روضة الواعظين: 489 نحوه.