منهج حكومة القلوب











منهج حکومة القلوب



تنتهي عمليّة تفحّص النصوص الإسلاميّة في مضمار القواعد التي تنهض عليها مرتکزات النظام الإسلامي، إلي أنّ الإسلام هو دين الحکومة علي القلوب؛ وإلي أنّ المنطلقات السياسيّة للحکم الإسلامي هي اُصول هذا النوع من الحکم والإدارة، ومن ثَمَّ فإنّ المباني السياسيّة للنظام العلوي هي ليست شيئاً غير مرتکزات الإدارة الإسلاميّة نفسها.

فالإسلام منهج لتکامل الإنسان ماديّاً ومعنويّاً، وإنّ الحبّ هو أهم العناصر التي تدخل في قوام هذا المنهج. لقد بلغ موقع الحبّ في قيام الحکومة الإسلاميّة، ودوره في برامج هذا الدين من أجل تقدّم المجتمع الإنساني، حدّاً جعل الإمام الباقر عليه السلام لا يري الإسلام إلّا أنّه دين الحبّ وحسب، وهو يقول: «هل الدين إلّا الحبّ!».[1] .

ومن وجهة نظر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام تقوم الدعائم الأساسيّة للإسلام

[صفحه 20]

واُصول منهاجه التکاملي، علي أساس محبّة اللَّه، حيث يقول:

«إنّ هذا الإسلام دين اللَّه الذي اصطفاه لنفسه، واصطنعه علي عينه، وأصفاه خيرة خلقه، وأقام دعائمه علي محبّته».[2] .

کما أنّ أئمّة الدين والقادة السياسييّن الصادقين للاُمّة الإسلاميّة، ما هُم إلّا مظاهر محبّة الناس للخالق جلّ جلاله؛ وما محبّة الناس لهم إلّا محبّة للَّه سبحانه.[3] .

وعلي هذا الأساس تتخطّي القاعدة الصلبة التي تقوم عليها الحکومة الإسلاميّة دائرة البيعة ورأي الناس؛ إذ للحکم الإسلامي جذر راسخ في حبّ الناس وقلوبهم. وهنا يکمن سرّ کلّ هذا الترکيز القرآني والأحاديث الإسلاميّة، علي محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم.[4] .

من جهةٍ اُخري نعرف أنّ المحبّة لا ترتکن إلي الأمر؛ إذ يمکن إجبار الإنسان علي أن يقوم بعمل خلاف رغبته وضدَّ ميله الباطني، ولکن لا يمکن إجباره علي حبّ شخصٍ من دون أن ينجذب إليه ويميل له ذاتياً.

إنّ الإنسان عاشق للجمال بطبيعته، فهو يحبّ جميع مظاهر الجمال المادّي والمعنوي. فإذا أحبّ منهج إنسان وسيرته وارتاح إلي فعله وعمله مالَ إليه وتوثّقت علاقته به، وإذا نفر منه واستوحش فعله وسيرته لم يحبّه.

[صفحه 21]

من هنا نفهم أنّ فلسفة وجوب محبّة أهل البيت، تکمن في السعي من أجل معرفتهم معرفة حقيقيّة؛ لأنّ سيرتهم وسلوکهم هما من الجمال والجاذبيّة بحيث لا يطّلع عليها إنسان وهو سليم الوجدان لم يفقد ضميره الإنساني، إلّا أحبّهم وشعر بالمودّة إزاءهم.

وهنا بالضبط يکمن سرّ حبّ کلّ الذين عرفوا عليّ بن أبي طالب سواء أکانوا مسلمين أم غير مسلمين.

لقد استطاع الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام أن يعکس في حياته وبالأخصّ خلال عهده السياسي القصير أبهي صورة للإنسانيّة، وأعظم صيغة للحکم المبتني علي أساس القيم الإنسانيّة؛ فليس بمقدور إنسان ينظر إلي جمال فِعال عليّ وحکمه ثمّ لا يهيم به حبّاً.

وفيما يلي نمرّ سريعاً علي الاُصول السياسيّة للإمام ومرتکزاته في إدارة البلاد؛ هذه المرتکزات التي تعدّ في حقيقتها سرّ إيجاد ضروب الجمال، ودائرة النفوذ العلويّة، کما تؤلّف الاُصول السياسيّة للحکومة علي القلوب، وذلک علي أمل أن يقترب مسؤولو نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وقادته من الإمام أکثر فأکثر، ويعکسوا للعالم ملامح من الصورة الوضّاءة للحکم العلوي.



صفحه 20، 21.





  1. دعائم الإسلام: 71:1.
  2. نهج البلاغة: الخطبة 198.
  3. من أحبّکم فقد أحبّ اللَّه» (تهذيب الأحکام: 97:6 وص 1:101، من لا يحضره الفقيه: 3213:613:2.
  4. راجع: کتاب «المحبّة في الکتاب والسنّة»/الفصل السابع/من تجب محبّته.