عدم العقوبة علي الظنّة والتهمة











عدم العقوبة علي الظنّة والتهمة



445- الجمل: دخل [ابن عبّاس] علي أميرالمؤمنين عليه السلام فابتدأه عليه السلام وقال: يابن عبّاس، أعندک خبر؟

فقال: قد رأيت طلحة والزبير.

فقال له: إنّهما استأذناني في العمرة، فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان ألّا يغدرا ولا ينکُثا ولا يُحدثا فساداً. واللَّه يابن عبّاس ما قصدا إلّا الفتنة، فکأنّي بهما وقد صارا إلي مکّة ليستعينا علي حربي، فإنّ يعلي بن منية الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلک، وسيفسد هذان الرجلان عليَّ أمري، ويسفکان دماء شيعتي وأنصاري.

فقال عبد اللَّه بن عبّاس: إذا کان عندک الأمر کذلک فَلِمَ أذنت لهما؟ وهلّا حبستهما وأوثقتهما بالحديد، وکفيتَ المسلمين شرّهما؟

فقال له عليه السلام: يابن عبّاس، أ تأمرني أن أبدأ بالظلم وبالسيّئة قبل الحسنة، واُعاقب علي الظنّة والتهمة وآخذ بالفعل قبل کونه؟ کلّا! واللَّه لا عدلتُ عمّا أخذ اللَّه عليَّ من الحکم بالعدل، ولا القول بالفصل. يابن عبّاس، إنّني أذنت لهما وأعرف ما يکون منهما، لکنّني استظهرتُ باللَّه عليهما، واللَّه لأقتُلنّهما وليخيبنّ ظنّهما، ولا يلقيان من الأمر مُناهُما، فإنّ اللَّه يأخذهما بظلمهما لي، ونکثهما بيعتي، وبغيهما عليَّ[1] .

446- تاريخ الطبري عن جندب: لمّا بلغ عليّاً مصابُ بني ناجية وقتلُ صاحبهم، قال: هوت اُمّه! ما کان أنقصَ عقلَه، وأجرأه علي ربّه! فإنّ جائياً

[صفحه 546]

جاءني مرّة فقال لي: في أصحابک رجال قد خشيتُ أن يفارقوک، فما تري فيهم؟ فقلت له: إنّي لا آخذ علي التهمة، ولا اُعاقب علي الظنّ، ولا اُقاتل إلّا من خالفني وناصبني وأظهر لي العداوة، ولستُ مقاتلَه حتي أدعوه وأعذر إليه، فإن تاب ورجع إلينا قبلنا منه، وهو أخونا، وإن أبي إلّا الاعتزام علي حربنا استعنّا عليه اللَّه، وناجزناه، فکفّ عنّي ما شاء اللَّه.

ثمّ جاءني مرّة اُخري فقال لي: قد خشيتُ أن يفسد عليک عبدُ اللَّه بن وهب الراسبي وزيدُ بن حصين، إنّي سمعتُهما يذکرانک بأشياء لو سمعتَها لم تفارقهما عليها حتي تقتلهما أو توبقهما، فلا تفارقهما من حبسک أبداً. فقلت: إنّي مستشيرک فيهما، فماذا تأمرني به؟

قال: فإنّي آمرک أن تدعو بهما، فتضرب رقابهما، فعلمتُ أنّه لا ورِعٌ ولا عاقل،فقلت: واللَّه ما أظنّک ورعاً، ولا عاقلاً نافعاً، واللَّه لقد کان ينبغي لک لو أردت قتلَهم أن تقول: اتّق اللَّه، لِمَ تستحلّ قتلهم ولم يقتلوا أحداً، ولم ينابذوک، ولم يخرجوا من طاعتک؟![2] .

447- الإمام الصادق عليه السلام: کان أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه يقول للناس بالکوفة: يا أهل الکوفة، أتروني لا أعلم ما يصلحکم؟! بلي،

[صفحه 547]

ولکنّي أکره أن اُصلحکم بفساد نفسي[3] .

448- الغارات- في خبر مفارقة الخرّيت بن راشد (وهو من الخوارج) أميرَ المؤمنين عليه السلام-: قال عبد اللَّه بن قعين:... أتيت أميرالمؤمنين عليه السلام... فأخبرته بما سمعت من الخرّيت وما قلت لابن عمّه وما ردّ عليّ. فقال عليه السلام: دعه، فإن قبل الحقّ ورجع عرفنا ذلک له وقبلناه منه؛ وإن أبي طلبناه.

فقلت: يا أميرالمؤمنين فلِمَ لا تأخذه الآن فتستوثق منه؟

فقال: إنّا لو فعلنا هذا لکلّ من نتّهمه من الناس ملأنا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب علي الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتي يظهروا لنا الخلاف[4] .

راجع: القسم السادس/وقعة النهروان/خروج الخرّيت بن راشد.

[صفحه 548]


صفحه 546، 547، 548.








  1. الجمل: 166.
  2. تاريخ الطبري 131:5، شرح نهج البلاغة 148:3 عن حبيب؛ الغارات 371:1 وفيهما «توثقهما» بدل «توبقهما» وکلاهما نحوه.
  3. الأمالي للمفيد 40:207 عن هشام، بحارالأنوار 18:110:41.
  4. الغارات 333:1 و ص 335، بحارالأنوار 628:407:33؛ شرح نهج البلاغة 129:3.