سياسة أخذ الخراج











سياسة أخذ الخراج



206- الإمام عليّ عليه السلام- في کتابه إلي اُمراء الخراج-: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من عبد اللَّه عليّ أميرالمؤمنين إلي اُمراء الخراج، أمّا بعد، فإنّه من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدّم لنفسه ولم يحرزها، ومن اتّبع هواه وانقاد له علي ما يعرف نفع عاقبته عمّا قليل ليصبحنّ من النادمين.

ألا وإنّ أسعد الناس في الدنيا من عدل عمّا يعرف ضرّه، وإنّ أشقاهم من اتّبع هواه. فاعتبروا.

واعلموا أنّ لکم ما قدّمتم من خير، وما سوي ذلک وددتُم لو أنّ بينکم وبينه أمَدَاً بعيداً، ويحذّرکم اللَّه نفسه، واللَّه رؤوف ورحيم بالعباد. وإنّ عليکم ما فرّطتم فيه. وإنّ الذي طلبتم لَيسير، وإنّ ثوابه لکبير.

[صفحه 372]

ولو لم يکن فيما نُهيَ عنه من الظلم والعدوان عقابٌ يخاف، کان في ثوابه ما لا عذرَ لأحدٍ بترک طَلِبته، فارحموا تُرحموا، ولا تعذّبوا خلق اللَّه، ولا تکلّفوهم فوق طاقتهم، وأنصفوا الناس من أنفسکم، واصبروا لحوائجهم؛ فإنّکم خزّان الرعيّة. لا تتّخِذُنّ حُجّاباً، ولا تَحجُبُنّ أحداً عن حاجته حتي ينهيها إليکم، ولا تأخذوا أحداً بأحد، إلّا کفيلاً عمّن کفل عنه، واصبروا أنفسکم علي ما فيه الاغتباط، وإيّاکم وتأخير العمل، ودفع الخير؛ فإنّ في ذلک الندم. والسلام[1] .

207- الکافي عن مهاجر عن رجل من ثقيف: استعملني عليّ بن أبي طالب عليه السلام علي بانقيا وسواد من سواد الکوفة، فقال لي- والناس حضور-: انظر خراجک فجُد فيه، ولا تترک منه درهماً، فإذا أردتَ أن تتوجّه إلي عملک فمُرّبي.

قال: فأتيتُه، فقال لي: إنّ الذي سمعتَ منّي خدعة، إيّاک أن تضرب مسلماً أو يهوديّاً أو نصرانيّاً في درهم خراج، أو تبيع دابّة عمل في درهم، فإنّما اُمرنا أن نأخذ منهم العفو[2] .

208- السنن الکبري عن عبد الملک بن عمير: أخبرني رجل من ثقيف قال: استعملني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه علي بُزُرْجَسابور، فقال: لاتضربنّ رجلاً سوطاً في جباية درهم، ولا تبيعنّ لهم رزقاً، ولا کسوة شتاء ولا صيف، ولا دابّة يعتملون عليها، ولا تُقِم رجلاً قائماً في طلب درهم.

[صفحه 373]

قال: قلتُ: يا أميرالمؤمنين، إذاً أرجع إليک کما ذهبتَ من عندک! قال: وإن رجعتَ کما ذهبتَ، وَيحک إنّما اُمرنا أن نأخذ منهم العفو- يعني الفضل-[3] .

209- تاريخ دمشق عن عبد الملک بن عمير: حدّثني رجل من ثقيف أنّ عليّاً استعمله علي عُکبَرَا[4] - قال: ولم يکن السواد يسکنه المصلّون- فقال لي بين أيديهم: لتستوفي خراجهم، ولا يجدون فيک رخصة، ولا يجدون فيک ضعفاً. ثمّ قال لي: إذا کان عند الظهر فرُح إليَّ. فرُحتُ إليه، فلم أجد عليه حاجباً يحجبني دونه، وجدتُه جالساً وعنده قدح وکوز فيه ماء، فدعا مطيّبه[5] ، فقلتُ في نفسي: لقد أمنني حتي يُخرِج إليَّ جوهراً[6] - إذ لا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم، فکسر الخاتم فإذا فيها سويق، فأخرج منه وصبّ في القدح، فصبّ عليه ماء، فشرب وسقاني.

فلم أصبر أن قلت له: يا أميرالمؤمنين، أتصنع هذا بالعراق؟!! طعام العراق أکثر من ذلک!!

قال: أما واللَّه ما أختم عليه بُخلاً عليه، ولکنّي أبتاع قدر ما يکفيني، فأخاف

[صفحه 374]

إن نمي[7] فيصنع فيه من غيره، فإنّما حفظي لذلک، وأکره أن اُدخل بطني إلّا طيّباً.

وإنّي لم أستطِع أن أقول لک إلّا الذي قلتُ لک بين أيديهم، إنّهم قوم خدع، ولکنّي آمرک الآن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلتَ وإلّا أخذک اللَّه به دوني، فإن يبلغني عنک خلاف ما أمرتُک عزلتُک! فلا تبيعنّ[8] لهم رزقاً يأکلونه، ولا کسوة شتاء ولا صيف،ولا تضربنّ رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تُقبّحه في طلب درهم؛ فإنّا لم نؤمر بذلک، ولا تبيعنّ لهم دابّة يعملون عليها، إنّما اُمرنا أن نأخذ منهم العفو.

قال: قلت: إذاً أجيؤک کما ذهبتُ! قال: وإن فعلت.

قال: فذهبت فتتبّعتُ ما أمرني به، فرجعتُ واللَّه ما بقي عليَّ درهم واحد إلّا وفيته[9] .

210- الإمام عليّ عليه السلام- من عهده إلي بعض عمّاله وقد بعثه علي الصدقة-:آمره بتقوي اللَّه في سرائر أمره، وخفيّات عمله، حيث لا شهيد غيره، ولا وکيل دونه. وآمره أن لا يعمل بشي ء من طاعة اللَّه فيما ظهر، فيخالف إلي غيره فيما أسرّ، ومن لم يختلف سرّه وعلانيته وفعله ومقالته، فقد أدّي الأمانة، وأخلص العبادة.

وآمره أن لا يَجبَهُهم، ولا يَعضَهُهم، ولا يرغب عنهم، تفضّلاً بالإمارة عليهم؛

[صفحه 375]

فإنّهم الإخوان في الدين، والأعوان علي استخراج الحقوق.

وإنّ لک في هذه الصدقة نصيباً مفروضاً، وحقّاً معلوماً، وشرکاء أهل مسکنة، وضعفاء ذوي فاقة، وإنّا موفّوک حقّک، فوفِّهم حقوقَهم، وإلّا تفعل فإنّک من أکثر الناس خصوماً يوم القيامة، وبؤسي لمن خصمُه عند اللَّه الفقراءُ والمساکين والسائلون والمدفوعون والغارمون وابن السبيل.

ومن استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزّه نفسه ودينه عنها، فقد أحلّ بنفسه الذلّ والخزي في الدنيا، وهو في الآخرة أذلّ وأخزي. وإنّ أعظم الخيانة خيانة الاُمّة، وأفظع الغشّ غشّ الأئمّة. والسلام[10] .

211- عنه عليه السلام- من وصيّة له کان يکتبها لمن يستعمله علي الصدقات[11] -: انطلق علي تقوي اللَّه وحده لا شريک له، ولا تَروعن مسلماً، ولا تجتازنّ عليه کارهاً، ولا تأخذنّ منه أکثر من حقّ اللَّه في ماله، فإذا قدمت علي الحيّ فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثمّ امضِ إليهم بالسکينة والوقار حتي تقوم بينهم فتسلّم عليهم، ولا تُخدِج بالتحيّة لهم، ثمّ تقول: عبادَ اللَّه، أرسلني إليکم وليّ اللَّه وخليفته لآخذ منکم حقّ اللَّه في أموالکم، فهل للَّه في أموالکم من حقّ فتؤدّوه إلي وليّه؟ فإن قال قائل: لا، فلا تراجعه. وإن أنعم لک منعم فانطلق معه من غير أن تُخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاک من ذهب أو فضة. فإن کان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلّا بإذنه، فإنّ أکثرها له، فإذا أتيتَها فلا تدخل عليها

[صفحه 376]

دخول متسلّط عليه ولا عنيف به.

ولا تُنفِّرنّ بهيمة ولا تُفزِعنَّها، ولا تَسوءنَّ صاحبَها فيها. واصدع المال صدعين، ثمّ خيّره، فإذا اختار فلا تَعرضنَّ لما اختاره. ثمّ اصدع الباقي صدعين، ثمّ خيّره، فإذا اختار فلا تَعرضنَّ لما اختاره. فلا تزال کذلک حتي يبقي ما فيه وفاء لحقّ اللَّه في ماله، فاقبض حقّ اللَّه منه. فإن استقالک فأقِله، ثمّ اخلطهما، ثمّ اصنع مثل الذي صنعت أوّلاً حتي تأخذ حقّ اللَّه في ماله.

ولا تأخذنّ عَوداً، ولا هَرِمة، ولا مکسورة، ولا مهلوسة، ولا ذات عوار، ولا تَأمننَّ عليها إلّا من تثقُ بدينه، رافقاً بمال المسلمين حتي يوصله إلي وليّهم فيقسمه بينهم، ولا تُوکّل بها إلّا ناصحاً شفيقاً، وأميناً حفيظاً، غير مُعنِفٍ ولا مُجحفٍ، ولا مُلغِبٍ ولا مُتعِبٍ. ثمّ احدُر إلينا ما اجتمع عندک نُصيِّره حيث أمر اللَّه به.

فإذا أخذها أمينُک فأوعز إليه ألَّا يَحولَ بين ناقة وبين فصيلها، ولا يمصُر لبنها فيضرّ ذلک بولدها، ولا يَجهدنّها رکوباً، وليعدل بين صواحباتها في ذلک وبينها، وليُرفِّه علي اللاغب.

وليَستأنِ بالنَّقِبْ والظالِع، وليوردها ما تمرّ به من الغُدُر، ولا يَعدِل بها عن نبت الأرض إلي جوادّ الطرقِ، وليُروِّحها في الساعات، وليُمهِلها عند النِّطافِ والأعشاب؛ حتي تأتينا بإذن اللَّه بُدّنا مُنقِيات غير مُتعَبات ولا مَجهودات، لنقسمها علي کتاب اللَّه وسنّة نبيه صلي الله عليه وآله؛ فإنّ ذلک أعظم لأجرک، وأقرب لرشدک،

[صفحه 377]

إن شاء اللَّه[12] .

212- عنه عليه السلام- في عهده إلي مالک الأشتر-: وتفقّد أمرَ الخراج بما يصلح أهله؛ فإنّ في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاحَ لمن سواهم إلّا بهم؛ لأنّ الناس کلّهم عيال علي الخراج وأهله. وليَکُن نظرک في عمارة الأرض أبلغ من نظرک في استجلاب الخراج، لأنّ ذلک لا يُدرک إلّا بالعمارة؛ ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلک العباد، ولم يستقم أمرهُ إلّا قليلاً. فإنْ شکوا ثقلاً أو علّةً، أو انقطاع شربٍ أو بالّة، أو إحالة أرضٍ اغتمرها غرقٌ، أو أجحف بها عطشٌ، خفّفت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم؛ ولا يثقلنّ عليک شي ءٌ خفّفت به المؤونة عنهم، فإنه ذخرٌ يعودون به عليک في عمارة بلادک، وتزيين ولايتک، مع استجلابک حسن ثنائهم وتبجّحک باستفاضة العدل فيهم، معتمداً فضل قوّتهم بما ذخرت عندهم من إجمامک لهم، والثقة منهم بماعوّدتهم من عدلک عليهم ورفقک بهم، فربّما حدث من الاُمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعدُ احتملوه طيّبةً أنفسهم به؛ فإن العمران محتملٌ ما حمّلته، وإنّما يؤتي خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنّما يُعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة علي الجمع وسوء ظنّهم بالبقاء، وقلّة انتفاعهم بالعِبر[13] .

[صفحه 378]

213- عنه عليه السلام- في عهده إلي مالک الأشتر (في رواية تحف العقول)-: فاجمع إليک أهل الخراج من کلّ بلدانک، ومُرهم فليُعلموک حال بلادهم وما فيه صلاحهم ورخاء جبايتهم، ثمّ سَل عمّا يرفع إليک أهل العلم به من غيرهم؛ فإن کانوا شکوا ثقلاً أو علّة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بهم العطش أو آفة خفّفتَ عنهم ما ترجو أن يصلح اللَّه به أمرهم، وإن سألوا معونة علي إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاکفهِم مؤونته؛ فإنّ في عاقبة کفايتک إيّاهم صلاحاً، فلا يثقلنّ عليک شي ء خفّفت به عنهم المؤونات؛ فإنّه ذخر يعودون به عليک لعمارة بلادک، وتزيين ولايتک، مع اقتنائک مودّتهم وحسن نيّاتهم، واستفاضة الخير، وما يسهّل اللَّه به من جلبهم، فإنّ الخراج لا يُستخرج بالکدّ والأتعاب، مع أنّها عقد تعتمد عليها إن حدثَ حدثٌ کنتَ عليهم معتمداً؛ لفضل قوّتهم بما ذخرت عنهم من الجَمام، والثقة منهم بما عوّدتهم من عدلک ورفقک،ومعرفتهم بعذرک فيما حدث من الأمر الذي اتّکلت به عليهم، فاحتملوه بطيب أنفسهم، فإنّ العمران محتمل ما حمّلته، وإنّما يؤتي خراب الأرض لإعواز أهلها، وإنّما يعوز أهلها لإسراف الولاة وسوء ظنّهم بالبقاء وقلّة انتفاعهم بالعبر[14] .

[صفحه 379]


صفحه 372، 373، 374، 375، 376، 377، 378، 379.








  1. وقعة صفّين: 108؛ المعيار والموازنة: 122 نحوه وراجع نهج البلاغة: الکتاب 51.
  2. الکافي 8:540:3، تهذيب الأحکام 275:98:4 عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن رجل من ثقيف، من لا يحضره الفقيه 1605:24:2.
  3. السنن الکبري 18736:345:9، اُسد الغابة 98:4:م

    3789 وفيه «مدرج سابور» بدل «بُزُرْجسابور»، کنز العمّال 11488:501:4 نقلاً عن سنن سعيد بن منصور وفيه «برج سابور».

  4. عُکبَرَا- يمدّ ويقصر: قال حمزة الأصبهاني، بُزُرْجَسابور معرّب عن وزرک شافور وهي المسمّاة بالسريانيّة عُکْبَرَا... وهو اسم بُليدة من نواحي دُجيل، قرب صريفين وأوانا، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ (معجم البلدان 142:4).
  5. کذا، وفي حلية الأولياء: «بطينة» وفي هامشه: «کذا في «ز» وفي «ج» بظبية، ولعله الصحيح، والظبية: جراب صغير أو هي شبه الخريطة والکيس».
  6. في المصدر «جوهر» والصحيح ما أثبتناه کما في حلية الاولياء.
  7. کذا في المصدر، وفي حلية الأولياء: «فأخاف أن يغني فيُصنع من غيره» وهي أظهر.
  8. في الطبعة المعتمدة: «يتبعنّ» وهو تصحيف والتصحيح من تاريخ دمشق «ترجمة الامام عليّ عليه السلام» تحقيق محمّدباقر المحمودي (1249:199:3).
  9. تاريخ دمشق 487:42، حلية الأولياء 82:1 وفيه إلي «طيّباً» وراجع المعيار والموازنة: 248 وکنز العمّال 14346:773:5 وشرح الأخبار 726:364:2.
  10. نهج البلاغة: الکتاب 26، بحارالأنوار 719:528:33 وراجع دعائم الإسلام 252:1.
  11. قال الشريف الرضي: وإنّما ذکرنا هنا جملاً ليعلم بها أنّه عليه السلام کان يقيم عماد الحقّ ويشرع أمثلة العدل في صغير الاُمور وکبيرها ودقيقها وجليلها.
  12. نهج البلاغة: الکتاب 25، الکافي 1:536:3، تهذيب الأحکام 274:96:4 کلاهما عن بريد ابن معاوية، المقنعة: 255 عن بريد العجلي،الغارات 126:1 عن عبد الرحمن بن سليمان وکلّها عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلام نحوه.
  13. نهج البلاغة: الکتاب 53 وراجع دعائم الإسلام 362:1.
  14. تحف العقول: 137.