اهمية الإمامة و الولاية











اهمية الإمامة و الولاية



نعم، إن الدين الذي رجعوا عنه و استحقوا به الطرد و البعد عن رحمة الله تعالي يوم يقوم الناس لرب العالمين هو الإمامة و الولاية لأميرالمؤمنين عليه السلام، لأن الإمامة من أرکان الدين، و اصول الإيمان و اليقين بحيث تجب معرفتها کمعرفة رب العالمين و خاتم النبيين، و الإعتقاد بها واجب علي کافة المسلمين[1] ، و أن المنحرفين عنها و المنکرين لها عن الإسلام خارجون و في جهنم داخلون ـ إلا القاصرين منهم و المستضعفين ـ و إن عومل بهم معاملة الاسلام و المسلمين حفظا لمذهب أهل البيت عليهم السلام و مصلحة المؤمنين، و هذا عقيدتي و عقيدة جميع فقهاء الامامية و أعلام الدين ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ و قد نقلنا أقوالهم في ذلک في ص 124، لأن الله سبحانه و تعالي جعل الولاية و الامامة إکمال الدين، و رضاه عن المؤمنين، و قرن المولي ـ عز شأنه ـ في الکتاب المبين ولاية نفسه و ولاية نبيه بولاية أميرالمؤمنين، و جعل ـ سبحانه ـ طاعته و طاعة نبيه و وصيه قرينا، و جعل الولاية بحيث لو لم تبلغ ما بلغت رسالة خير المرسلين، و إنک إن کنت من أهل الإنصاف و اليقين لا يبقي لک شک بأن ولاية علي و أولاده المعصومين و إمامتهم من اصول الدين و أرکان اليقين، و ها نذکر لک آراء المحققين و أعلام الدين حتي تکون من أمرک علي بصيرة و يقين:

1ـ قال المحقق الأکبر العلامه المظفر رحمه الله: «لا يخفي أن أصل الشي ء أساسه و ما يبتني عليه، فاصول الدين هي التي يبتني عليها الدين، و بالضرورة أن الشهادتين کذلک إذ لا يکون الشخص مسلما إلا بهما، و کذلک الاعتراف بالامام للکتاب و السنة.

أما الکتاب، فقوله تعالي:/ أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابکم/[2] فإن الاستفهام فيه ليس علي حقيقته لاستلزامه الجهل، فلا بد أن يراد به الإنکار أو التوبيخ، و کل منهما لا يکون إلا علي أمر محقق بالضرورة، فيکون انقلابهم بعد موت النبي صلي الله عليه و آله و سلم محققا، و لذا قال: «انقلبتم» بصيغة الماضي تنبيها علي تحققه.

و من المعلوم أن الصحابة بعد موت النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يعدلوا عن الشهادتين فيتعين أن يراد به أمر آخر، و ما هو إلا إنکار إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام إذ لم يصدر منهم ما يکون وجها لانقلابهم عموما غيره بالاجماع، فإذا کان إنکار إمامته عليه السلام انقلابا عن الدين کانت الامامة أصلا من اصوله.

و لا ينافيه أن الآية نزلت يوم احد حيث أراد بعض المسلمين الارتداد، فإن سببية نزولها في ذلک لا تمنع صراحتها في وقوع الانقلاب بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم کما يقتضيه الترديد في الآية بين الموت و القتل، فإن ما وقع يوم احد إنما هو لزعم القتل، و قد فهم ذلک أميرالمؤمنين عليه السلام فيما رواه ابن عباس قال: «کان علي عليه السلام يقول في حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إن الله تعالي يقول:/ أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابکم/؟ و الله لا ننقلب علي أعقابنا بعد إذ هدانا الله[3] ، و الله لئن مات أو قتل لاقاتلن علي ما قاتل عليه حتي أموت، و الله إني لأخوه، و وليه، و ابن عمه، و وارث علمه، فمن أحق به مني[4] .

و أما السنة: فنحن لا نذکر منها إلا أخبار القوم ـ کعادتنا ـ لتکون حجة عليهم، فمنها، ما هو کالآية الشريفة في الدلالة علي ارتداد الامة بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم کروايات الحوض، و لنذکر منها ما هو صريح بارتداد الامة إلا النادرـ ثم ذکر رواية البخاري المذکور في ص 358، ـ ثم قال: «فهذه الرواية قد دلت علي ارتداد الصحابة إلا القليل الذي هو في القلة کالنعم المهملة المتروکة سدي، و قد عرفت أن الصحابة لم يرتکبوا ما يمکن أن يکون سببا للارتداد غير إنکار إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام، فلا بد أن تکون الامامة أصلا من اصول الدين.

و منها: الأخبار المستفيضة الدالة علي أن من مات بلا إمام مات ميتة جاهلية، و نحو ذلک، فتکون أصلا للدين البتة، کرواية مسلم في باب ـ الأمر بلزوم الجماعة من کتاب الامارة عن عمر قال: «و سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، و من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».

و منها: الأخبار الکثيرة التي ناطت الايمان بحب آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و الکفرببغضهم، فإنها کناية عن الاعتراف بإمامتهم و إنکارها للملازمة عادة بين حبهم الحقيقي و الاعتراف بفضلهم، و بغضهم و إنکاره، و لا يراد الحب و البغض بأنفسهما إذ لا دخل لهما بماهية الايمان و الکفر، فلا بد أن يکونا کناية عن ذلک، فلا بد أن تکون الامامة أصلا...».

و يشهد لکون الامامة من اصول الدين أن منزلة الامام کالنبي في حفظ الشرع و وجوب اتباعة و الحاجة إليه و رئاسته العامة بلا فرق، و قد وافقنا علي أنها أصل من اصول الدين جماعة من مخالفينا کالقاضي البيضاوي في مبحث الأخبار، و جمع من شارحي کلامه کما حکاه عنهم السيد السعيد رحمه الله[5] .

و قال ـ أيضا: «لا يخفي أن رئاسة الامام رئاسة دينية و زعامة إلهية و نيابة عن الرسول في أداء وظائفه، فلا تکون الغاية منها مجرد حفظ الحوزة و تحصيل الأمن في الرعية و إلا لجاز أن يکون الامام کافرا أو منافقا أو أفسق الفاسقين إذا حصلت به هذه الغاية، بل لا بد أن تکون الغاية منها تحصيل ما به سعادة الدارين کالغاية من رسالة الرسول، و هي لا تتم إلا أن يکون الإمام کالنبي معصوما...[6] .

و قال ـ أيضا: «الإمامة من اصول الدين کما هو الحق[7] .

2ـ قال العلامة الأميني ـ رضوان الله عليه ـ: «إن الخلافة إمرة إلهية کالنبوة و إن کان الرسول خص بالتشريع و الوحي الإلهي، و شأن الخليفة التبليغ و البيان و تفسير المجمل[8] .

و قال ـ أيضاـ في رد کلام ابن تيمية الحراني بعد أسطر: «...علي أن أحدا لوعد الامامة من اصول الدين فليس بذلک البعيد عن مقائيس البرهنة بعد أن قرن الله سبحانه ولاية مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام بولايته و ولاية الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بقوله:/ إنما وليکم الله و رسوله و الذين آمنوا/ ـ الآية[9] و خص المؤمنين بعلي عليه السلام کما مر الايعاز إليه في الجزء الثاني )ص 52( و سيوا فيک حديثه مفصلا بعيد هذا، و في آية کريمة اخري جعل المولي ـ سبحانه ـ بولايته کمال الدين بقوله:/ اليوم أکملت لکم دينکم و أتممت عليکم نعمتي و رضيت لکم الإسلام دينا/[10] ، و لا معني لذلک إلا کونها أصلا من اصول الدين، لولاها بقي الدين مخدجا و نعم الله علي عباده ناقصة، و بها تمام الاسلام الذي رضيه رب المسلمين لهم دينا.

و جعل هذه الولاية بحيث إذا لم تبلغ کان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ما بلغ رسالته، فقال:/ يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليک من ربک و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمک من الناس/[11] ، و لعلک تزداد بصيرة فيما قلناه لو راجعت الأحاديث الواردة من عشرات الطرق في الآيات الثلاث کما فصلناها في الجزء الأول )ص 214ـ 223 و 230ـ 238( و في هذا الجزء.

و بمقربة من هذه کلها ما مر في الجزء الثاني )ص 301، 302( من إناطة الأعمال کلها بصحة الولاية و قد اخذت شرطا فيها، و هذا هو معني الأصل کما أنه کذلک بالنسبة إلي التوحيد و النبوة، و ليس في فروع الدين حکم هو هکذا، و لعل هذا الذي ذکرناه کان مسلما عند الصحابة الأولين، و لذلک يقول عمر بن الخطاب ـ لما جاءه رجلان يتخاصمان عنده ـ «هذا مولاي و مولي کل مؤمن، و من لم يکن مولاه فليس بمؤمن»، راجع الجزء الأول )ص 382(.

و ستوافيک في هذا الجزء زرافة من الأحاديث المستفيضة الدالة علي أن بغضه ـ صلوات الله عليه ـ سمة النفاق و شارة الالحاد، و لولاه عليه السلام لما عرف المؤمنون بعدرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لا يبغضه أحد إلا و هو خارج من الايمان، فهي تدل علي تنکب الحائد عن الولاية عن سوي الصراط کمن حاد عن التوحيد و النبوة، فلترتب کثير من أحکام الأصلين علي الولاية يقرب عدها من الاصول، و لا ينافي ذلک شذوذها عن بعض أحکامها لما هنالک من الحکم و المصالح الاجتماعية کما لا يخفي[12] .

3ـ قال شيخ الاسلام العلامة المجلسي رحمه الله: «لا ريب في أن الولاية و الاعتقاد بإمامة الأئمة عليه السلام و الاذعان بها من جملة اصول الدين، و أفضل من جميع الأعمال البدنية، «لأنها مفتاحهن» أي بها تفتح أبواب معرفة تلک الأمور و حقائقها و شرائطها و آدابها[13] .

4ـ قال العلامة المحقق، الحاج آقا رضا الهمداني الغروي رحمه الله: «في أوصاف المستحقين للزکاة، و هي امور: الأول الايمان، يعني الاسلام مع الولاية للأئمة الاثني عشر عليهم السلام، فلا يعطي الکافر بجميع أقسامه، بل و لا معتقد لغير الحق من سائر فرق المسلمين بلا خلاف فيه علي الظاهر بيننا، و النصوص الدالة عليه فوق حد الاحصاء... و خبر إبراهيم الاوسي عن الرضا عليه السلام قال: «سمعت أبي يقول: کنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال: إني رجل من الري، و لي زکاة، فإلي من أدفعها؟ فقال: إلينا، فقال: الصدقة عليکم حرام! فقال: بلي، إذا دفعتها إلي شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إني لا أعرف لهذا أحدا، فقال: فانتظر بها سنة، قال: فإن لم اصب لها أحدا؟ قال: انتظر بها سنتين حتي بلغ إلي أربع سنين، ثم قال له: إن لم تصب لها أحدا فصرها صررا و اطرحها في البحر، فإن الله عز و جل حرم أموالنا و أموال شيعنا علي عدونا» لعل ما في ذيله من الأمر بإلقائها في البحرـ علي تقدير أن لا يصيب لها أحدا من الشيعة في تلک المدة الذي هو مجرد فرض لا يکاد يتفق حصوله في الخارج ـ للتنبيه علي أن إلقاءها في البحر و إتلافها لدي تعذر إيصالها إلي الشيعة أولي من إيصالها إلي المخالفين علي سبيل الکناية[14] .

أقول: أنشدکم الله أيها القراء الأعزاء، هل تفهمون من هذا الحديث معني غير أنهم ترکوا رکنا من أرکان الاسلام و أصوله و اسسه؟!

5ـ قال العلامة الحلي رحمه الله: «و لا يکفي الاسلام، بل لا بد من اعتبار الايمان، فلا يعطي غير الإمامي، ذهب إليه علماؤنا أجمع خلافا للجمهور کافة و اقتصروا علي اسم الاسلام، لنا إن الامامة من أرکان الدين و اصوله، و قد علم ثبوتها من النبي صلي الله عليه و آله و سلم ضرورة، فالجاحد بها لا يکون مصدقا للرسول صلي الله عليه و آله و سلم في جميع ما جاء به فيکون کافرا فلا يستحق الزکاة، و لأن الزکاة معونة و إرفاق، فلا يعطي غير المؤمن لأنه يحاد الله و رسوله، و المعونة و الارفاق موادة فلا يجوز فعلها مع غير المؤمن...[15] .

6ـ و قال ـ أيضا: «الامامة لطف عام، و النبوة لطف خاص لامکان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الامام لما سيأتي، و إنکار اللطف العام شر من إنکار اللطف الخاص، و إلي هذا أشار الصادق عليه السلام عن منکر الإمامة أصلا و رأسا: و هو شرهم[16] .

7ـ قال ابن خلدون: «الفصل السابع و العشرون في مذاهب الشيعة في حکم الامامة... و مذهبهم جميعا متفقين عليه أن الامامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلي نظر الامة و يتعين القائم بها بتعيينهم، بل هي رکن الدين و قاعدة الاسلام و لا يجوز لنبي إغفاله و لا تفويضه إلي الامة، بل يحب عليه تعيين الامام لهم، و يکون معصوما من الکبائر و الصغائر، و إن عليا رضي الله عنه هو الذي عينه ـ صلوات الله و سلامه عليه ـ[17] .

8ـ قال العلامة، السيد شهاب الدين المرعشي رحمه الله: «إن الامامة خلافة عن النبوة و قائمة مقامها، و إذا کان کذلک کان کل ما استدللنا به علي وجوب النبوة في حکمة الله تعالي فهو بعينه دال علي وجوب الامامة في حکمته أيضا لأنها سادة مسدها قائمة مقامها لا فرق بينها و بينها إلا في تلقي الوحي الالهي بلا واسطة بشر[18] .

9ـ و قال ـ أيضا: «اصول الدين هي التي يبتني عليها الدين، و اصول دين الاسلام علي قسمين: قسم منها ما يترتب عليه جريان حکم المسلم في الفقهيات، و هو الشهادة بالوحدانية و الشهادة بالرسالة، و قسم منها يتوقف عليه النجاة الاخروي فقط، و التخليص من عذاب الله، و الفوز برضوانه، و الدخول في الجنة، فيحرم دخولها علي من لم يعترف به، و يساق إلي النار في زمرة الکفار، دون العاصين و المرتکبين للذنب في الفروع فإنهم لا يحرم عليهم الجنة، و إن دخلوا النار و وقعوا في العذاب، بل يعود مآل أمرهم إلي النجاة إن ارتحلوا عن هذه الدنيا بالعقائد الصحيحة، و هذا القسم من الاصول يسمي أيضا باصول الإيمان.

و من القسم الثاني الإعتقاد بالإمامة و الإعتراف بالإمام، فإن الإمامة مرتبة تالية للنبوة، و نسبتها إلي النبوة نسبة العلة المبقية إلي العلة المحدثة، و قد وافقنا علي کونها من الاصول جمع من المخالفين کالقاضي البيضاوي في مبحث الأخبار، و جمع من شارحي کلامه[19] ـ قال استاذ البشر، المحقق الأکبر الطوسي رحمه الله: «اصول الإيمان ثلاثة: التصديق بوحدانية الله عز و جل في ذاته و العدل في أفعاله، و التصديق بنبوة الأنبياء، و التصديق بإمامة الأئمة المعصومين عليهم السلام...[20] .

11ـ قال العلامة البهبهاني رحمه الله: «إن الإمامة من اصول الدين، و الاعتراف بإمامة الإمام و ولايته کالاقرار بنبوة النبي صلي الله عليه و آله و سلم من الاصول لا من الفروع، و لذا قال صلي الله عليه و آله و سلم: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية». بل معرفة النبي صلي الله عليه و آله و سلم إنما يکون أصلا واجبا باعتبار کونه رسولا أو إماما لان النبي مع قطع النظر عن رسالته و إمامته لا يجب علي الناس معرفته کمن کان نبيا علي نفسه و لا يکون رسولا إلي أحد و لا إماما علي الامة، فالمعرفة إنما تجب لأحد الوصفين، فإن وجبت المعرفة لأجل الرسالة استلزم وجوب معرفة الامام بطريق أولي، لأن الامامة مرتبة فوق الرسالة، و إن وجبت لأجل الامامة فالوجوب أوضح لاتحاد الموضوع و استحالة التفکيک[21] .

12ـ قال الفاضل المحقق، الدکتور مصطفي غالب: «و الإمامة بمفهومها العرفاني أساس الدين، و المحور العقلاني الذي تدور حوله کل العقائد الباطنية و الظاهرية، لأن الدين لا يستقيم أمره إلا بوجود الامامة، و لا يکمل وجوده و تتم تفاعلاته الروحية و الوجدانية إلا بوجودها باعتبارها تتمة النبوة و استمرارا لها[22] .

13ـ قال الفاضل المحقق، کامل سليمان: «إن مرتبة الامامة کالنبوة، فکما لا يجوز للخلق تعيين نبي لا يجوز لهم إمام، و أيضا العقول قاصرة و الأفهام حاسرة عن معرفة من يصلح لهذا المنصب العظيم و الامر الجسيم، و الوجدان يغني عن البيان.[23] .

14ـ قال العلم العلامة، الشيخ محمد حسين آل کاشف الغطاء: «قد أنبأناک أن هذا هو الأصل الذي امتازت به الامامية و افترقت عن سائر فرق المسلمين، و هو فرق جوهري أصلي و ما عداه من الفروق فرعية عرضية کالفروق التي تقع بين أئمة الاجتهاد عندهم کالحنفي و الشافعي و غيرهما، و عرفت أن مرادهم بالإمامة کونها منصبا إلهيا يختاره الله بسابق علمه کما يختار النبي...[24] .

15ـ قال المحقق العلامة، الشيخ محمد رضا المظفر: «نعتقد أن الإمامة أصل من اصول الدين لا يتم الايمان إلا بالاعتقاد بها، و لا يجوز فيها تقليد الآباء و الأهل و المريين مهما عظموا و کبروا بل يجب النظر فيها کما يجب النظر في التوحيد و النبوة... فالإمامة استمرار للنبوة، و الدليل الذي يوجب إرسال الرسل و بعث الأنبياء هو بنفسه يوجب أيضا نصب الامام بعد الرسول فلذلک نقول: إن الامامة لا تکون إلا بالنص من الله تعالي علي لسان النبي أو لسان الامام الذي قبله، و ليست هي بالاختيار و الانتخاب من الناس، فليس لهم إذا شاؤوا أن ينصبوا أحدا نصبوه، و إذا شاؤوا أن يعينوا إماما لهم عينوه، و متي شاؤوا أن يترکوا تعيينه ترکوه[25] .

أقول: لما جر البحث إلي هنا فينبغي أن نشير إلي بعض الآيات التي يستفاد منها أن الامامة من اصول الدين و أرکانه و أن صاحبها أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام، فنختار منها آية واحدة و هي: قوله تعالي: «و اسئل من أرسلنا من قبلک من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون[26] .

قال العلامة، الشيخ سليمان القندوزي: «موفق بن أحمد الحمويني و أبو نعيم الحافظ بأسانيدهم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لما عرج بي إلي السماء انتهي بي السير مع جبرئيل إلي السماء الرابعة، فرأيت بيتا من ياقوت أحمر، فقال جبرئيل: هذا البيت المعمور، قم يا محمد، فصل إليه، قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: جمع الله النبيين فصفوا ورائي صفا فصليت بهم، فلما سلمت أتاني آت من عند ربي فقال: يا محمد! ربک يقرئک السلام و يقول لک: سل الرسل: علي ما ارسلتم من قبلک؟ فقلت: معاشر الرسل! علي ماذا بعثکم ربي قبلي؟ فقالت الرسل: علي نبوتک و ولاية علي بن أبي طالب، و هو قوله تعالي:/ و اسئل من أرسلنا من قبلک من رسلنا/ ـ الآية[27] .

قال العلامة الأکبر، المحقق المظفر رحمه الله: «و دلالتها علي إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام واضحة، فإن بعث الرسل و أخذ الميثاق عليهم في القديم بولاية علي عليه السلام و جعلها محل الاهتمام العظيم في قرن أصلي الدين: الربوبية و النبوة لا يمکن أن يزاد بها إلا إمامة من له الفضل عليهم کفضل محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

فإن قلت: لم تذکر الآية الکريمة النبوة و الامامة بل و لا الارسال بشهادة أن لا إله إلا الله فإنها قالت: «أجعلنا» و لم تقل أأرسلناهم بالشهادة.

قلت: السؤال و الاستفهام في الآية للتقرير بمعني تقرير الرسل عما استقر عندهم نفيه و هو جعل آلهة من دون الرحمن يعبدون، لکن لما کان المناسب لتقرير الرسل بماهم رسل هو تقريرهم عما ارسلوا به کان الظاهر إرادة تقريرهم عن ذلک بما هم رسل بنفسه و هو راجع إلي الارسال بالشهادة بالوحدانية، فصح ما أفادته الروايات من أن المراد بالآية السؤال عما بعث به الرسل من الشهادة بالوحدانية، و لما کان بعثهم بهذا معلوما للنبي صلي الله عليه و آله و سلم البتة لم يحسن أن يراد أن يقرهم به خاصة بل ينبغي أن يراد تقريرهم به بضميمة ما لا يعلم النبي صلي الله عليه و آله و سلم إقرارهم به لعدم علمه بإرسالهم عليه و هو الذي ذکرته الروايات أعني إرسالهم علي نبوته و إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام.

و إنما لم تذکر الآية الشريفة للاکتفاء بذکر الأصل و هو البعث علي الشهادة بالوحدانية کما أن بعض الروايات المذکورة اکتفت بذکر نبوة نبينا و إمامة ولينا لأنهما الداعي إلي السؤال و التقرير مع وضوح بعثهم علي الشهادة بالوحدانية لکونه الأصل و لذکر الآية له فما أعظم قدر نبينا الأطيب و أخيه الأطهر عند الله تبارک و تعالي حتي ميزهما علي جميع عباده، و أکرمهما ببعث الرسل الأکرمين علي الإقرار بفضلهما و رسالة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و إمامة علي عليه السلام و أخذ الميثاق عليهم بهما مع الشهادة بالوحدانية[28] .

و قال العلامة، السيد علي البهبهاني رحمه الله: «فاعلم أنها )أي الآية المذکورة( تدل علي اختصاص الإمامة و الخلافة بمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام و أبنائه الطاهرين ـ سلام الله عليهم أجمعين ـ توضيح ذلک: أن ولاية مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام التي بعث الله الأنبياء عليهم السلام عليها إن کانت بمعني ولاية التصرف في الامورـ کما هو الظاهرـ فقد ثبت أن خلافته عليه السلام عن الله تعالي و عن رسوله صلي الله عليه و آله و سلم منصوصة في الکتاب المجيد و سائر الصحف السماوية، و النص علي خلافته و إمامته يوجب اختصاصها به عليه السلام إذ لا مجال مع النص للعدول إلي غيره باختيار الامة و تقديمه عليه عليه السلام.

و إن کانت بمعني المودة و المحبة فبعث الأنبياء عليهم السلام عليها و جعلها تلو ولاية سيد الأنبياء صلي الله عليه و آله و سلم و رسالته يدل علي أنها أقرب وسيلة يتوسل بها إلي الخالق ـ تبارک و تعالي ـ بعد التوحيد و الإقرار برسالته و نبوته صلي الله عليه و آله و سلم، فيدل علي أنه عليه السلام أفضل الخلق بعد خاتم النبيين صلي الله عليه و آله و سلم حتي الأنبياء عليهم السلام[29] و قال العلامة، السيد شهاب الدين النجفي المرعشي في ربط ذيل الآية بما قبلها: «لا يبعد تعميم الآلهة بحيث يشمل کل ما عبد من دون الله، فيشمل صنمي قريش أيضا[30] .

و لقد أجاد من قال:


آل النبي هم النبي و إنما
بالوحي فرق بينهم فتفرقوا


أبت الإمامة أن تليق بغيرهم
إن الرسالة بالامامة أليق


و من قال إسلام، فما قال حيدر
فذلک قلب ليس ينبضه دم


أو سنة ليست من الفضول
لکنها من أعظم الأصول


و أکمل الشهادتين بالتي
قد اکمل الدين بها في الملة


فإنها مثل الصلاة خارجة
عن الخصوص بالعموم و الجة


ولايته هي الإيمان حقا
فذرني من أباطيل الکلام









  1. لاية الاکمال، و آية الولاية، و آية الاطاعة، و آية التبليغ کما بين في محله.
  2. آل عمران، 144:3.
  3. صدور الکلام باعتبار الجماعة لا خصوص شخصه عليه السلام حيث لم يکن ضالا قط.
  4. الحاکم: المستدرک، ج 3: ص 126/ باب معرفة الصحابة؟.
  5. المظفر: دلائل الصدق، ج 2: صص 11 و 29.
  6. المظفر: دلائل الصدق، ج 2: ص 29.
  7. المصدر، ص 296.
  8. الاميني: الغدير، ج 7: ص 131....
  9. المائدة، 55:5.
  10. المائدة، 3:5.
  11. المائدة، 67:5.
  12. الاميني: الغدير، ج 3: ص 152.
  13. المجلسي: بحار الانوار، ج 68: ص 334.
  14. الهمداني: مصباح الفقيه/ کتاب الزکاة، ص 104 و 105، النجفي: الجواهر، ج 15: ص 382.
  15. الحلي: المنتهي/ کتاب الزکاة، ج 1: ص 543.
  16. الحلي: الالفين، ص 13، ط بيروت..
  17. مقدمة ابن خلدون، ص 196، ط بيروت..
  18. ذيل احقاق الحق، ج 2: ص 306.
  19. هامش إحقاق الحق، ج 2: ص 294.
  20. المجلسي: مرآة العقول، ج 7: ص 128.
  21. البهبهاني: مصباح الهداية، ص 114.
  22. مصطفي غالب: الإمامة و قائم القيامة، ص 19، ط بيروت..
  23. کامل سليمان: صک الخلاص، ص 33، ط بيروت..
  24. آل کاشف الغطاء: أصل الشيعة و اصولها، ص 107، ط بيروت..
  25. المظفر: عقائد الامامية، ص 93.
  26. الزخرف، 45:43.
  27. القندوزي: ينابيع المودة، الباب 15: ص 82.
  28. المظفر: دلائل الصدق، ج 2: ص 169.
  29. البهبهاني: مصباح الهداية، ص 184.
  30. هامش احقاق الحق، ج 3: ص 146.