عود الي بدء











عود الي بدء



10ـ عن سبط ابن الجوزي: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، و حبيب النجار، و هو مؤمن آل يس، و علي بن أبي طالب و هو أفضلهم، و حزقيل کان نبيا من أنبياء بني إسرائيل مثل يوشع، فدل علي فضل علي عليه السلام علي أنبياء بني إسرائيل[1] .

11ـ عن العلامة الأجل، الشيخ زين الدين العاملي النباطي )المتوفي سنة 877(: «أکثر شيوخنا يفضلونه )يعني عليا عليه السلام( علي اولي العزم عليهم السلام لعموم رئاسته و انتفاع جميع أهل الدنيا بخلافته، لکونه خليفة لنبوة عامة بخلاف نبوتهم، و لقول النبي صلي الله عليه و آله و سلم في خبر الطائر المشوي: «ائتني باحب خلقک إليک»، و لم يستثن الأنبياء، و لأنه مساو للنبي الذي هو أفضل في قوله تعالي: و أنفسنا و أنفسکم[2] ، و المراد المماثلة لامتناع الاتحاد، و لأنه أفضل من الحسنين في قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «أبوهما خير منهما»، و قد جعلهما جدهما سيدين لأهل الجنة في الحديث المشهور فيهما، و قد أسند الأعمش إلي جابر الأنصاري قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «أي الإخوان أفضل؟ قلت: النبيون، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: أنا أفضلهم، و أحب الإخوة إلي علي بن أبي طالب، فهو عندي أفضل من الأنبياء، فمن قال: إنهم خير منه فقد جعلني أقلهم لأني اتخذته أخا لما علمت من فضله و أمرني ربي به[3] .

12ـ عن الکفعمي رحمه الله: «ثم اشتق سبحانه من نور نبيه صلي الله عليه و آله و سلم نور وليه علي بن أبي طالب عليه السلام فباسمه العظيم دعا آدم ربه فلباه، و افتخر به إذ تاب عليه و اصطفاه، و افتخر به نوح إذ نجاه الله به طوفانه و طماه، و افتخر به إبراهيم إذ خلصه الله به من النار و أنجاه، و افتخر به اسماعيل إذبه من الذبح بذبح عظيم فداه، و افتخر به يوسف إذ أخرجه به من الجب و ملکه مصر و أعطاه، و افتخر به يعقوب إذ دعا الله به فرد عليه ولده، و بصره بعد عماه، و افتخر به لوط إذ نجاه من القرية التي کانت تعمل الخبائث و حماه، و افتخر به ايوب إذ به کشف الله ضره و بلواه، و أهله و مثلهم معهم أعطاه.

و عن هبيرة، قال: خطبنا الحسن بن علي عليه السلام فقال: «لقد فارقکم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، و لا يدرکه الآخرون، و کان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يبعثه بالراية، جبرئيل عن يمينه، و ميکائيل عن شماله، لا ينصرف حتي يفتح له[4] ـ الخ».

تتميم و مما يدل علي أفضليته قوله عليه السلام: «سلوني قبل أن تفقدوني» و الأثر في ذلک کثير، ذکرنا منها ما لا يخرجنا عما نحن فيه:

1ـ قال عليه السلام: «سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض، فجاء جبرئيل في صورة رجل، فقال: إن کنت صادقا فأخبرني أين جبرئيل؟ فنظر إلي السماء يمينا و شمالا، ثم إلي الأرض کذلک فقال: ما وجدته في السماء و لا في الأرض و لعله أنت[5] .

2ـ قال الحافظ محمد بن يوسف بن محمد البلخي الشافعي في کتابه )علي ما في تلخيصه، ص 16(: «و روي عن علي ـ کرم الله وجهه ـ أنه قال في مجلسه العام: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن علم السماء فإني أعلمها زقاقا زقاقا، و ملکا ملکا، فقال رجل من الحاضرين: حيث ادعيت ذلک يا ابن أبي طالب، أين جبرئيل هذه الساعة؟ فغطس قليلا و تفکر في الأسرار، ثم رفع رأسه قائلا: إني طفت السماوات السبع فلم أجد جبرئيل، و أظنه أنت أيها السائل، فقال السائل: بخ، بخ، من مثلک يا ابن أبي طالب، و ربک يباهي بک الملائکة؟! ثم سجي من الحاضرين[6] .

3ـ عن محمد بن طلحة الشافعي، فقال عليه السلام مرة: «سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرض»، و قال مرة: «لو شئت لأوقرت بعيرا من تفسير بسم الله الرحمن الرحيم»، و قال مرة: «لو کسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين أهل الزبور بزبورهم، و بين أهل الفرقان بفرقانهم، و الله ما من آية انزلت في بر، أو بحر، ولا سهل، و لا جبل، و لا سماء، و لا أرض، و لا ليل، و لا نهار، إلا و أنا أعلم فيمن نزلت، و في أي شي ء نزلت[7] .

4ـ عن سبط ابن الجوزي: «و قال عليه السلام: سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرضين، و لو کشف الغطاء ما ازددت يقينا[8] .

5ـ عن الأصبغ بن نباتة، قال: «لما جلس علي عليه السلام في الخلاقة و بايعه الناس خرج إلي المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لابسا بردة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، متنعلا نعل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، متقلدا سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فصعد المنبر، فجلس عليه السلام عليه متمکنا، ثم شبک بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه، ثم قال: يا معشر الناس! سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم[9] ، هذا لعاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، هذا ما زقني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم زقا زقا[10] ، سلوني، فأن عندي علم الأولين و الآخرين، أما و الله، لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوارة بتوراتهم حتي تنطق التوارة، فنقول: صدق علي، ما کذب، لقد أفتاکم بما أنزل الله في، و أفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتي ينطق القرآن فيقول: صدق علي، ما کذب، لقد أفتاکم بما أنزل الله في، و أنتم تتلون القرآن ليلا و نهارا، فهل فيکم أحد يعلم ما نزل فيه؟ و لو لا آية في کتاب الله لاخيرتکم بما کان و بما يکون و ما هو کائن إلي يوم القيامة، و هي هذه الآية:/ يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الکتاب/[11] .

ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فو الله الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية، آية في ليل انزلت أو في نهار أنزلت، مکيها و مدنيها، سفريهاو حضريها، ناسخها و منسوخها، محکمها و متشابهها، و تأويلها و تنزيلها لأخبرتکم. فقام إليه رجل يقال له ذعلب ـ و کان ذرب اللسان بليغا في الخطب، شجاع القلب ـ فقال: لقد ارتقي ابن أبي طالب مرقاة صعبة، لا خجلنه اليوم لکم في مسألتي إياه، فقال: يا أميرالمؤمنين! هل رأيت ربک؟ قال: ويلک يا ذعلب، لم أکن بالذي أعبد ربا لم أره، فقال: فکيف رأيته؟ صفه لنا، قال: ويلک، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، و لکن رأته القلوب بحقائق الإيمان.

ويلک يا ذعلب، إن ربي لا يوصف بالبعد، و لا بالحرکة، و لا بالسکون، و لا بالقيام قيام انتصاب و لا بجيئة و لا بذهاب، لطيف اللطافة، لا يوصف باللطف، عظيم العظمة، لا يوصف بالعظم، کبير الکبرياء، لا يوصف بالکبر، جليل الجلالة، لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة، لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرک لا بمحسة، قائل لا باللفظ، هو في الأشياء علي غير ممازجة، خارج منها علي غير مباينة، فوق کل شي ء فلا يقال: شي ء فوقه، و أمام کل شي ء فلا يقال: له أمام، داخل في الأشياء لا کشي ء في شي ء داخل، و خارج منها لا کشي ء من شي ء خارج.

فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال: تالله، ما سمعت بمثل هذا الجواب، و الله لا عدت إلي مثلها

ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أميرالمؤمنين! کيف يؤخذ من المجوس الجزية و لم ينزل عليهم کتاب، و لم يبعث إليهم نبي؟ قال: بلي، يا أشعث! قد أنزل الله عليهم کتابا و بعث إليهم رسولا حتي کان لهم ملک سکر ذات ليلة، فدعا بابنته إلي فراشه، فارتکبها، فلما أصبح تسامع به قومه، فاجتمعوا إلي بابه فقالوا: أيها الملک دنست علينا ديننا و أهلکته، فاخرج نطهرک و نقم عليک الحد. فقال لهم: اجتمعوا و اسمعوا کلامي، فإن يکن لي مخرج مما ارتکبت و إلا فشأنکم.

فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أکرم عليه من أبينا آدم وامنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملک، قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته و بناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين، فتعاقدوا علي ذلک فمحا الله ما في صدورهم من العلم، و رفع عنهم الکتاب، فهم الکفرة يدخلون النار بلا حساب، و المنافقون أشد حالا منهم، قال الأشعث: و الله، ما سمعت بمثل هذا الجواب، و الله، لاعدت إلي مثلها أبدا.

ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه رجل من أقصي المسجد متوکئا علي عصاه، فلم يزل يتخطي الناس حتي دنا منه، فقال: يا أميرالمؤمنين! دلني علي عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار، قال له: اسمع يا هذا، ثم افهم، ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، و بغني لا يبخل بماله علي أهل دين الله، و بفقير صابر، فإذا کتم العالم علمه، و بخل الغني، و لم يصبر الفقير، فعندها الويل و الثبور، و عندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلي بدئها أي الکفر بعد الإيمان.

ايها السائل! فلا تغترن بکثرة المساجد، و جماعة أقوام أجسادهم مجتمعة و قلوبهم شتي، أيها السائل! إنما الناس ثلاثة: زاهد و راغب و صابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشي ء من الدنيا أتاه، و لا يحزن علي شي ء منها فاته، و أما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرک منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، و أما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام.

قال له: يا أميرالمؤمنين! فما علامة المؤمن في ذلک الزمان؟ قال: ينظر إلي ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه، و ينظر إلي ما خالفه فيتبرأ منه و إن کان حميما قريبا، قال: صدقت و الله، يا أميرالمؤمنين! ثم غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسم علي عليه السلام علي المنبر ثم قال: مالکم؟ هذا أخي الخضر عليه السلام.

ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فلم يقم إليه أحد، فحمد الله و أثني عليه، و صلي علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم ثم قال للحسن عليه السلام: يا حسن! قم، فاصعد المنبر فتکلم بکلام لا تجهلک قريش من بعدي فيقولون: إن الحسن بن علي لا يحسن شيئا، قال الحسن عليه السلام: يا أبت! کيف أصعد و أتکلم و أنت في الناس تسمع و تري؟ قال له: بأبي و أمي، اواري نفسي عنک و أسمع و أري و أنت لا تراني، فصعد الحسن عليه السلام المنبر، فحمد الله بمحامد بليغة شريفة و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم صلاة موجزة ثم قال: ايها الناس! سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «أنا مدينة العلم و علي بابها، و هل تدخل المدينة إلا من بابها».

ثم نزل، فوثب إليه علي عليه السلام فحمله و ضمه إلي صدره، ثم قال للحسين عليه السلام: يا بني! قم، فاصعد المنبر و تکلم بکلام لا تجهلک قريش من بعدي فيقولون: إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا، و ليکن کلامک تبعا لکلام أخيک، فصعد الحسين عليه السلام المنبر، فحمد الله و أثني عليه، و صلي علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم صلاة موجزة ثم قال: معاشر الناس! سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقول: «إن عليا هو مدينة هدي، فمن دخلها نجا، و من تخلف عنها هلک». فوثب إليه علي فضمه إلي صدره و قبله، ثم قال: معاشر الناس! اشهدوا أنهما فرخا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وديعته التي استودعنيها و أنا أستودعکموها، معاشر الناس! و رسول الله سائلکم عنهما[12] .

تذييل: قال العلامة الأميني )ره(: «لم أر في التاريخ قبل مولانا أميرالمؤمنين من عرض نفسه لمعضلات المسائل و کراديس الأسئلة، و رفع عقيرته بجأش رابط بين الملأ العلمي بقوله: «سلوني» إلا صنوه النبي الأعظم، فإنه صلي الله عليه و آله و سلم کان يکثر من قوله: «سلوني عما شئتم» و قوله: «سلوني سلوني» و قوله: «سلوني، و لا تسألوني عن شئي إلا أنبئتکم به»، فکما ورث أميرالمؤمنين علمه صلي الله عليه و آله و سلم ورث مکرمته هذه و غيرها، و هما صنوان في المکارم کلها، و ما تفوه بهذا المقال أحد بعد أميرالمؤمنين عليه السلام الا و قد فضح و وقع في ربيکة، و أماط بيده الستز عن جهله المطبق، نظراء:

الف ـ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي و الي مکة و المدينة، و الموسم لهشام بن عبد الملک، حج بالناس سنة 107 و خطب بمني، ثم قال: «سلوني فأنا ابن الوحيد، لا تسألوا أحدا أعلم مني»، فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الاضحية أواجبة هي؟ فمادري أي شي ء يقول له، فنزل عن المنبر[13] .

ب ـ مقاتل بن سليمان، قال إبراهيم الحربي: قعد مقاتل بن سليمان، فقال: «سلوني عما دون العرش إلي لويانا»، فقال له رجل؟ آدم حين حج من حلق رأسه، قال: فقال له: ليس هذا من عملکم و لکن الله أراد أن يبتليني بما أعجبتني نفسي[14] .

ج ـ قال سفيان بن عيينة: قال مقاتل بن سليمان يوما: «سلوني عمادون العرش»، فقال له إنسان: يا أبا الحسن! أرايت الذرة أو النملة أمعاؤها في مقدمها أو مؤخرها؟ قال: فبقي الشيخ لا يدري ما يقول له، قال سفيان: فظننت أنها عقوبة عوقب بها[15] .

د ـ قال موسي بن هارون الحمال: بلغني أن قتادة قدم الکوفة فجلس في مجلس له و قال: «سلوني عن سنن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي اجيبکم»، فقال جماعة لأبي حنيفة: قم إليه فسله، فقام إليه فقال: ما تقول يا أبا الخطاب، في رجل غاب عن أهله فتزوجت أمرأته، ثم قدم زوجها الأول فدخل عليها و قال: يا زانية تزوجت و أنا حي؟ ثم دخل عليها زوجها الثاني فقال لها: تزوجت يا زانية و لک زوج؟ کيف اللعان

فقال قتادة: قد وقع هذا؟ فقال له أبو حنيفة: و إن لم يقع نستعدله، فقال له قتادة: لا اجيبکم في شي ء من هذا، سلوني عن القرآن، فقال له أبو حنيفة: ما تقول في قوله عزوجل:/ قال الذي عنده علم من الکتاب أنا آتيک به/[16] من هو؟ قال قتادة: هذا رجل من ولد عم سليمان بن داود، کان يعرف اسم الله الأعظم، فقال أبو حنيفة: أکان سليمان يعلم ذلک الاسم؟ قال: لا، قال: سبحان الله و يکون بحضرة نبي من الأنبياء من هو أعلم منه؟

قال قتادة: لا اجيبکم في شي ء من التفسير، سلوني عما اختلف الناس فيه، فقال له أبو حنيفة: أمؤمن أنت؟ قال: أرجو، قال له أبو حنيفة: فهلا قلت کما قال إبراهيم فيما حکي الله عنه حين قال له:/ أو لم تؤمن؟ قال: بلي/[17] قال قتادة: خذوا بيدي، و الله، لا دخلت هذا البلد أبدا[18] .

ه ـ حکي عن قتادة أنه دخل الکوفة، فاجتمع عليه الناس، فقال: سلوا عما شئتم، و کان أبو حنيفة حاضراـ و هو يومئذ غلام حدث ـ فقال: سلوه عن نملة سليمان أکانت ذکرا أم أنثي؟ فسألوه، فافحم، فقال أبو حنيفة: کانت أنثي، فقيل له: کيف عرفت ذلک؟ فقال: من قوله تعالي: «قالت» و لو کانت ذکرا لقال: «قال نملة» )لأن النملة( مثل الحمامة و الشاة في وقوعها علي الذکر و الانثي[19] .

أقول: قال ابن الحاجب في بعض تصانيفه: «إن مثل الشاة و النملة و الحمامة من الحيوانات فيها تأنيث لفظي، و لذا کان قول من قال: إن النملة في قوله تعالي: «قالت نملة» انثي لورود تاء التأنيث في «قالت» و هما لجواز أن يکون ذکرا في الحقيقة، و ورود تاء التأنيث في الفعل نظرا إلي التأنيث اللفظي و لذا، قيل: إفحام قتادة خير من جواب أبي حنيفة، و هذا هو الحق[20] .

وـ قال عبيد الله بن محمد بن هارون، سمعت الشافعي بمکة، يقول: سلوني عما شئتم أحدثکم من کتاب الله و سنة نبيه، فقيل: يا أبا عبد الله! ما تقول في محرم قتل زنبورا؟ قال: و ما آتاکم الرسول فخذوه[21] .

زـ «إن ابن الجوزي قال يوما علي منبره: سلوني قبل أن تفقدوني، فسألته امرأة عما روي أن عليا سار في ليلة إلي سلمان فجهزه و رجع، فقال: روي ذلک، قالت: فعثمان ثم ثلاثة أيام منبوذا في المزابل و علي عليه السلام حاضر، قال: نعم، فقالت: فقد لزم الخطاء لأحدهما، فقال إن کنت خرجت من بيتک بغير إذن زوجک فعليک لعنة الله، و إلا فعليه، فقالت: خرجت عائشة إلي حرب علي بإذن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، أو لا؟ فانقطع و لم يحر جوابا[22] .

و افتخر به داود إذا به شد الله ملکه، و الحکمة و فصل الخطاب آتاه، و افتخر به سليمان إذ به الملک أولاه، و جعل الريح الرخاء تجري بامره إلي مرتضاه، و افتخر به إدريس إذ به رفعه الله مکانا عليا و آواه، و افتخر به ذو النون إذ أخرجه الله به من الظلمات الثلاث و کلاه، و أنبت عليه شجرة من يقطين، و من الغم أنجاه، و افتخر به زکريا إذ نادي: رب لا تذرني فردا، فوهب له به يحيي و أعطاه، و افتخر به دانيال إذ به خلصه الله من السباع و رعاه، و افتخر به ذو القرنين إذ به ملکه الأرض، و نصره علي من ناواه، و افتخر به صالح إذ ايده الله بناقته، و من شر ثمود کفاه، و افتخر به هود إذ به نجاه الله، و قطع دابر من کفر به و عاداه، و افتخر به شعيب إذ به أخذت الرجفة من کذبه و عصاه، و افتخر به موسي إذ به کلمه الله و ناداه، و فلق له البحر باسمه، و أغرق فرعون و من والاه، و افتخر به يوشع بن نون حين رد الله به عليه الشمس، و أجابه حين دعاه، و افتخر به عيسي إذ کلمه الله به الميت، و ناجاه، و افتخر به محمد صلي الله عليه و آله و سلم إذ فداه بنفسه و وقاه، و ساواه في الشرف، و في الشدائد واساه، و قال صلي الله عليه و آله و سلم فيه: «من کنت مولاه فعلي مولاه» و فتخر به جبرائيل إذ کان خادمه و مولاه، و ما حمل في معرکة قط إلا حمل معه بإذن الله، و وقف ببابه سائلا، فآثره بقوته في طواه، و افتخر به ميکائيل و قال: «من مثلي و قد قبلت من علي فاه»، و افتخر به إسرافيل إذ حرک مهده الشريف و ناغاه، و افتخر به عزرائيل فقال: «من مثلي و قد امرت ان أقبض أرواح شيعته بإذنه و رضاه»، و افتخر به رضوان فقال: من مثلي و قد امرت أن أزخرف الجنان لعلي و من والاه، و افتخر به مالک فقال: من مثلي و قد امرت أن اسعر النار لمن أبغض عليا و عاداه، و افتخر به البيت الحرام إذ کان فيه مولده و مرباه، و رفع شرفه و حط عنه الجبت و رماه، و افتخرت به الجنة إذ کتب علي أبوابها: «علي ولي الله»، و افتخرت به النار إذ کتب علي حيطانها: «أنا حرام علي من أحب عليا و والاه»، و صافحته الاملاک و الأفلاک حين ارتقي منکبي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، إمام توسل به کل متوسل إلي الله ـ الخ[23] .

13ـ عن العلامة الفيض القاساني رحمه الله: «و إن نبينا صلي الله عليه و آله و سلم أرسل إلي سائر الأنبياء و أوصيائهم عليهم السلام في مقامه العقلي الکلي، و بشرهم و أنذرهم و هم يومئذ مکلفون بطاعته و امتثال أمره و اجتناب معصيته تصديقا لقوله سبحانه:/ هذا نذير من النذر الأولي/[24] ، و إنه الضامن علي الله سبحانه ما وعد به أهل الاستجابة و الطاعة، و ما توعد به أهل التکذيب و المعصية، و إن أميرالمؤمنين عليه السلام خليفته علي ذلک کله في سائر أمته من الأولين و الآخرين، سواء الأنبياء و الامم[25] .

و قال ـ أيضا: «فإن النبي و الولي في السر واحد، فمدح الولي مدح النبي... و من عجيب ما اتفق أن ابن أبي الحديد المعتزلي العقيدة العامي المذهب قد نطق بهذا السر فيما مدح به عليا عليه السلام حيث قال:


و الله لولا حيدر ما کانت ال
دنيا و لا جمع البرية مجمع


و إليه في يوم المعاد حسابنا
و هو الملاذ لنا غدا و المفزع


فانظر کيف أقسم أنه لولا حيدر ما کانت الدنيا، فلأجله الإيجاد و إليه الحساب يوم المعاد، لأن من هو المصدر، إليه العود و الرجوع ضرورة، و لقد ضمن هذا المعنيـ أيضاـ ابن أبي الحديد في قوله:


و يا علة الدنيا و من بدء خلقها
له و سيتلو البدء في الحشر تعقيب[26] .


14ـ عن العلامة المجلسي رحمه الله: «تأکيد و تأييد: اعلم أن ما ذکره رحمه الله[27] . من فضل نبينا و أئمتناـ صلوات الله عليهم ـ علي جميع المخلوقات، و کون أئمتنا عليهم السلام أفضل من سائر الأنبياء، هو الذي لا يرتاب فيه من تتبع أخبارهم عليهم السلام علي وجه الإذعان و اليقين، و الأخبار في ذلک أکثر من أن تحصي، و إنما أوردنا في هذا الباب )يعني باب تفضيلهم علي الأنبياء( قليلا منها و هي متفرقة في الأبواب لا سيما باب صفات الأنبياء و أصنافهم عليهم السلام، و باب أنهم عليهم السلام کلمة الله، و باب بدء أنوارهم، و باب أنهم أعلم من الأنبياء، و أبواب فضائل أميرالمؤمنين و فاطمةـ صلوات الله عليهماـ، و عليه عمدة الإمامية، و لا يأبي ذلک إلا جاهل بالأخبار[28] .

15ـ عن العلامة الخوئي في شرحه علي نهج البلاغة: «إن أميرالمؤمنين عليه السلام أفضل جميع امة النبي صلي الله عليه و آله و سلم... من حيث کثرة الثواب، و من حيث جمعه للخصال الحميدة و الکمالات الذاتية و الفضائل النفساتية، أما کثرة الثواب فلظهور أن الثواب مترتب علي العبادة، و بکثرتها و قلتها تتفاوت الثواب و الجزاء زيادة ونقصانا، و ستعرف أنه أعبد من الکل، فيکون أکثر مثوبة، و لو لم يکن له من العبادات إلا ضربته يوم الخندق التي قال فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إنها أفضل من عبادة الثقلين لکفي في إثبات هذا المرام فضلا عن سائر عباداته التي لا يضبطها الصحف و الدفاتر، و لا يحصيها الزبر و الطوامير[29] .

16ـ عن العلامة المظفر رحمه الله: «في «الدر المنثور»، عن الديلمي في مسند الفردوس بسند أخرجه عن علي عليه السلام قال: سألت النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن قول الله تعالي:/ فتلقي آدم من ربه کلمات فتاب عليه/[30] ، فقال: إن الله أهبط آدم بالهند... حتي بعث الله إليه جبرئيل قال: قل: «اللهم إني أسألک بحق محمد و آل محمد، سبحانک لا إله إلا أنت، عملت سوءا و ظلمت نفسي، فاغفرلي إنک أنت الغفور الرحيم.

اللهم إني أسألک بحق محمد و آل محمد، سبحانک لا إله إلا أنت، عملت سوءا و ظلمت نفسي فتب علي إنک أنت التواب الرحيم». فهذه الکلمات التي تلقي آدم.

و أما دلالة هذه الآية مع تفسيرها بهذه الأخبار علي إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام فأوضح من أن تحتاج إلي بيان، لأن توسل شيخ النبيين بمحمد و آله بتعليم الله سبحانه و هم في آخر الزمان، و الإعراض عن أعاظم المرسلين و هم أقرب إليه زمانا لأدل دليل علي فضلهم علي جميع العالمين، و علي عصمتهم من کل زلل و إن کان مکروها، فإن آدم عصي بارتکاب المکروه فلا يصح التوسل بهم في التوبة عما ارتکب إلا لانهم لم يرتکبوا معصية و مکروها، فلا بد أن تنحصر خلافة الرسول بآله لفضلهم علي الأنبياء...[31] .

و قال ـ أيضاـ )ص 139(: «... لأن اتحاد نورهما الذي سبق أدل دليل علي امتياز علي بالفضل حتي علي الأنبياء عليهم السلام، و من کان کذلک يتعين للإمامة لا سيما وفي بعض أخبار النور الآتية أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: «فأخرجني نبيا، و أخرج عليا وصيا»، و في بعضها: «ففي النبوة، و في علي الإمامة».

و قال ـ أيضاـ )ص 302(: «إن عليا عليه السلام هو الساقي علي حوض النبي صلي الله عليه و آله و سلم يذود عنه الناس، و هو بظاهره يقتضي الامتياز و الفضل علي جميع الناس».

و قال ـ أيضاـ )ص 402(: «فإن عليا حسنة من حسناته )أي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم( فلا أفضل من سيد الوصيين، إلا سيد المرسلين زاد الله في شرفهما و صلي عليهما و علي آلهما الطاهرين».

و قال ـ أيضاـ )ص 204(: «لو ذکر )رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم( فضله الواقعي )أي فضل علي عليه السلام( و أن الله أقدره علي خوارق العادات حيث إنه أظهر مصاديق قوله تعالي في الحديث القدسي: «عبدي أطعني تکن مثلي، تقول للشي ء: کن، فيکون» أو بين فضائله الفاضلة التي يفوق بها الأنبياء و السابقين و يمتاز بها عن الامة أجمعين لخاف صلي الله عليه و آله و سلم من طوائف من امته أن يقولوا بربوبيته کما وقع لکثير منهم لما رأوا منه بعض خوارق العادات».

و قال ـ أيضاـ )ص 244(: «قال صلي الله عليه و آله و سلم: «علي مني و أنا من علي» و هو دليل المشارکة في العصمة و الفضل و سائر الصفات الحميدة».

و قال ـ أيضاـ )ص 248(: «إن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عليا مخلوقان من نور واحد متفقان بالصفات الفاضلة و المنافع، و مخالفان للناس کما أن الناس مختلفون بينهم».

و قال ـ أيضاـ )ص 169(: «و دلالتها[32] علي إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام واضحة، فإن بعث الرسل و أخذ الميثاق عليهم في القديم بولاية علي عليه السلام و جعلها محل الاهتمام العظيم في قرن أصلي الدين الربوبية و النبوة لا يمکن أن يراد بها إلا إمامة من له الفضل عليهم کفضل محمد صلي الله عليه و آله و سلم».

و قال )ص 170(: «فما أعظم قدر نبينا الأطيب و أخيه الأطهر عند الله تبارک و تعالي حتي ميزهما علي جميع عباده، و أکرمهما ببعث الرسل الأکرمين علي الإقرار بفضلهما و رسالة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و أمامة علي عليه السلام، و أخذ الميثاق عليهم بها مع الشهادة بالوحدانية».

17ـ عن العلامة السيد علي البهبهاني رحمه الله: «و قد تبين مما بيناه أيضا أن أئمتناـ سلام الله عليهم ـ أفضل من سائر الأنبياء حتي اولي العزم منهم، أما تقدمهم علي غير اولي العزم منهم فقد اتضح مما ظهر لک من أن مرتبة الإمامة فوق مرتبة النبوة و الرسالة، و أما تقدمهم علي اولي العزم منهم مع ثبوت الإمامة لهم فمن جهة أن الإمامة و الولاية لها مراتب، و أتم مراتبها و أکملها ما ثبت لنبينا صلي الله عليه و آله و سلم، و لذا کان أفضل الأنبياء عليهم السلام و مرتبة إمامة الفرع في مرتبة أصله، فإمامة أئمتناـ سلام الله عليهم ـ أيضا أتم مراتب الإمامة و الولاية، و قد تبين أيضا أن النبوة و الإمامة قد يجتمعان کما في نبينا صلي الله عليه و آله و سلم و إبراهيم الخليل، بل في اولي العزم مطلقا، و قد تفترق النبوة عن الإمامة کما في غير اولي العزم من الأنبياء عليهم السلام، و قد تفترق الإمامة عن النبوة کما في أئمتنا عليهم السلام.

فان قلت: ما ذکرت من أن الإمامة مرتبة فوق النبوة يتنافي مع افتراق الإمامة عنها لأن نيل المرتبة الفائقة متفرع علي نيل المرتبة النازلة.

قلت: استحقاق المرتبة الفائقةـ أي الإمامةـ علي استحقاق المرتبة النازلة و هي النبوة متحقق، و استحقاقها ثابت في أئمتنا عليهم السلام و إنما منع عنها ثبوت مرتبة الخاتمية لخاتم النبيين صلي الله عليه و آله و سلم، و إليه يشير قوله صلي الله عليه و آله و سلم في بعض أحاديث المنزلة المروي عن طرق العامة بعد قوله صلي الله عليه و آله و سلم «إلا أنه لا نبي بعدي» «و لو کان لکنت[33] .

أقول: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «لو لا أني خاتم الأنبياء لکنت شريکا في النبوة، فان لا تکن نبيا فإنک وصي نبي و وارثه، بل أنت سيد الأوصياء، و إمام الأتقياء[34] .

و قال ـ أيضا: «عن زيد الشحام قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارک و تعالي اتخذ إبراهيم عليه السلام عبدا قبل أن يتخذه نبيا، و إن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، و إن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، و إن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له الأشياء قال: «إني جاعلک للناس إماما» فمن عظمها في عين إبراهيم، قال: «و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين»، قال: لا يکون السفيه إمام التقي و إذا ثبت أن إمامته کانت بعد نبوته بل رسالته و خلته تبين لک أنها مرتبة فوق النبوة[35] .

و قال ـ أيضاـ )ص 60(: «و أما کونه من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم... علي ما رواه الفريقان أنه قال صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا و علي من شجرة واحدة و الناس من أشجار شتي، و علي مني و أنا منه». و هي منقبة جليلة دالة علي اتحادهما و تساويهما في الکمال و عدم ارتقاء أحد من الناس مرتبته و درجته».

و قال )ص 50(: «و بعد ما ظهر لک أن الآية الکريمة[36] تدل علي أن علم

الکتاب کله عند مولانا أميرالمؤمنين و الائمة المعصومين من ذريته ـ سلام الله عليهم أجمعين ـ ظهر لک أنهم أعلم و أفضل من اولي العزم من الانبياء عليهم السلام لأن علومهم محدودة و ليس عندهم علم الکتاب کله».

و قال )ص 130(: «و اعلم أن هذه الروايات المستفيضة[37] من الجانبين تدل علي أن الخمسة الطيبةـ صلوات الله عليهم ـ أفضل الخلائق أجمعين من الأولين و الآخرين حتي اولي العزم من الأنبياءـ سلام الله عليهم ـ ضرورة أنهم لو لم يکونوا أفضل من جميعهم لم يکونوا واسطة في إيجادهم».

و قال )ص 142(: إن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام و أبناءه الطاهرين ـ سلام الله عليهم أجمعين ـ هم الذين اختارهم الله علي جميع خلقه».

و قال )ص 184(: «إنه عليه السلام أفضل الخلق بعد خاتم النبيين صلي الله عليه و آله و سلم حتي الأنبياء عليهم السلام».

و قال )ص 236(: «و يستفاد من هذه الروايات الشريفة المفسرة للآية الکريمة[38] المستفيضة من طريق العامة المتواترة من طريقنا: أن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام سيد المؤمنين، و خيرهم، و أفضلهم بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و أنه بمنزلة نفس النبي صلي الله عليه و آله و سلم و ليس أحد أقرب منه إلي النبي درجة و منزلة، توضيح ذلک: أن قوله صلي الله عليه و آله و سلم في جواب السائل: «إن داري و دار علي واحدة غدا في مکان واحد، يدل علي أن منزلته عليه السلام منه صلي الله عليه و آله و سلم منزلة نفسه الشريفة، و هما في درجة واحدة عند الله تعالي شأنه».

18ـ عن العلامة الشيخ محمد حسين آل کاشف الغطاء رحمه الله: «و قد ذکروا أن مريم عليها السلام لما جاءها المخاض بعيسي عليه السلام أوت إلي بيت المقدس لتضعه فيه، فنوديت: اخرجي يا مريم، فهذا بيت العبادة لا بيت الولادة، و فاطمة بنت أسد لما أحست بالطلق ـ و هي بالکعبةـ أنسدت أبوابها و لم تقدر علي الخروج حتي وضعت علياـ سلام الله عليه ـ، لعل في هذه الحادثة الغريبة أسرارا و رموزا أجلها و أجلاها أن الله سبحانه کأنه يقول: أيها الکعبة، إني ساطهرک من رجس الأوثان، و الأنصاب، و الأزلام بهذا المولود فيک، و هکذا کان، فإن النبي صلي الله عليه و آله و سلم دخلها عام الفتح، و الأصنام معلقة علي جدرانها، و لکل قبيلة من قبائل العرب صنم، فأصعد عليا عليه السلام علي منکبه و صار حطمها و يرمي بها إلي الأرض و النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول:/ جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل کان زهوقا/[39] .

و قد نظم الشافعي هذه الفضيلة بأبيات تنسب إليه، يقول في آخرها:


و علي واضع أقدامه
في محل وضع الله يده


فإن النبي صلي الله عليه و آله و سلم کان يحدث عن المعراج قائلا: «أن الله عز شأنه وضع يده علي کتفي حتي أحسست بردها علي کبدي». و في ولادته رمز آخر لعله أدق و أعمق، و هو أن حقيقة التوجه إلي الکعبة هو التوجه إلي ذلک النور المتولد فيها، و لو أن القصد مقصور علي محض التوجه إلي تلک البنية و الأحجار لکان ـ أيضاـ نوعا من عبادة الأصنام )معاذ الله( و لکن التناسب يقتضي أن البدن و هو تراب يتوجه إلي الکعبة التي هي تراب، و الروح التي هي جوهر مجرد تتوجه إلي النور المجرد، و کل جنس لاحق بجنسه، النور للنور، و التراب للتراب. و إلي بعض هذا أشار بعض شعراء فاطميين إذ يقول عن الإمام:


بشر في العين إلا أنه
من طريق الحق نور و هدي


جل أن تدرکه أبصارنا
و تعالي أن نراه جسدا


فهو التسبيح زلفي راکع
سمع الله به من حمدا


تدرک الأفکار منه جوهرا
کاد من إجلاله أن يعمدا


فهو الکعبة و الوجه الذي
وحد الله به من وحدا


و هذان السطران من الشعر و إن کان فيه شي ء من الغلو ففيه کثير من الحقيقة، و فيه لمعات من التوحيد، نعم، نتوجه بأبداننا في صلواتنا إلي الکعبة، و بأرواحنا إلي النور الذي أشرق و أضاء فيها...[40] .

و عنه رحمه الله في خطبته يوم ميلاد أميرالمؤمنين عليه السلام: «قال الله سبحانه في محکم کتابه:/ و أشرقت الأرض بنور ربها و وضع الکتاب و جي ء بالنبيين و الشهداء/[41] .

نعم، في مثل هذا اليوم أو هذه الليلة أشرقت الأرض بنور ربها، وجي ء بوارث النبيين و جامع علوم الاولين و الآخرين، إمام الشهدا و سيد الصديقين، و احتفالنا بانبثاق هذا النور الإلهي[42] في مثل هذا اليوم ليس کاحتفال الأمم بيوم ولادة ملوکها أو عظمائها و سلاطينها و رجال نهضتها، بل احتفال بالنعمة و الآية الکبري و المثل الأعلي الذي تنزلت الأحدية به من عليا ملکوتها الشامخ، و جبروتها الباذخ، و قدس تجردها إلي عوالم الناسوت و تقمص المادة لتعود المادة روحا، و الجسد عقلا، و الموت حياة. نحتفل بذکري ولادة بحر العلم الخضم الذي تدفق بنهج البلاغة، و هو نبع من ينابيعه، و شرعة من مشاريعه، و لا جاءت العصور، و لا انجلت الدهور عن کتاب بعد کتاب الله العظيم أنفع و لا أجمع و لا ألمع و لا أنصع منه في إقامة براهين التوحيد، و دلائل الصنعة، و أسرار الخلقة، و أنوار الحقيقة، و تهذيب النفس، و سياسة المدن، و حکمة التشريع، و العظات البليغة، و الحجج الدامغة، و إنارة العقول، و طهارة النفوس بينا نراه يفيض ينابيع الحکمة النظرية و العملية و يرهق علي توحيد الصانع، و يعرق في وصف الملائکة و المجردات بيانا، و يمثل لک الجنة و النار اعيانا...

نحتفل بذکري ولادة الأمام الذي وضع الدنيا تحت قدميه، و کانت ـ و هي العزيزة لغيره ـ أحقر شي ء لديه، الإمام الذي عرف حقيقتها، و أعطاها حقها، قال: «يا دنيا غري غيري»، الإمام الذي لو لا ضرب ماضيه ما اخضر للإسلام عود، و لا قام له عمود، بل لولاه لما استقام الوجود، و لا عرف المعبود...[43] .

19ـ عن المولي الحاج محمد علي[44] : «اعلم أن من تتبع الأخبار و الآثار، و جاس خلال تلک الديار ظهر عنده کالشمس في رائعة النهار أن أفضل جميع المخلوقات، و أشرف جميع الموجودات هم الأنوار الأربعة عشر، و هم أهل دائرة واحدة هي أعلي الدوائر الکونية لا دائرة فوقها في الشرف و الفضيلة، و هم من طينة واحدة، و نور کل واحد منهم من جنس نور الآخر، لکن بالتقدم و التأخر کالضوء من الضوء علي ما في الخبر. و المبدأ في تلک الدورة العلية و السلسلة الجلية هو ختم الأنبياء و المنتهي هي فاطمة الزهراء و بعد ختم الأنبياء في درجة الفضيلة هو ختم الأولياء و بعده أولاده المعصومون...

ثم المحقق من الروايات و الأخبار أن مرتبة الأنبياء مطلقا تحت مرتبة هؤلاء الأنوار، فيکون کل من الأنوار الأربعة عشر أفضل من الأنبياء حتي اولي العزم منهم أيضا لکون الأنبياء مطلقا مخلوقين من أنوار هؤلاء الأنوار، و النور أسفل من المنير بمراتب کثيرة[45] .

و قال ـ أيضا: «و في کتاب «المناقب» مسندا إلي صعصعة بن صوحان أنه دخل علي أميرالمؤمنين لما ولي، فقال: يا أميرالمؤمنين! أنت أفضل، أم آدم أبو البشر؟ قال علي عليه السلام: تزکية المرء نفسه قبيح، قال الله تعالي لآدم:/ يا آدم اسکن أنت و زوجک الجنةـ الآية/[46] ، و إن أکثر الاشياء أباحنيها الله، و ترکتها و ما قاربتها، ثم قال: أنت أفضل أم نوح؟ فقال علي عليه السلام: إن نوحا دعا علي قومه، و أنا ما دعوت علي ظالمي حقي، و ابن نوح کان کافرا، و ابناي سيدا شباب أهل الجنة.

قال: أنت أفضل، أم موسي؟ قال عليه السلام: إن الله تعالي أرسل موسي إلي فرعون فقال:/ إني أخاف أن يقتلون/[47] ، و أنا ما خفت حين ارسلني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بتبليغ سورة براءة أن أقرأها علي قريش في الموسم مع أني کنت قتلت کثيرا من صناديدهم، فذهبت إليهم و قرأتها عليهم و ما خفتهم.

قال: أنت أفضل، أم عيسي بن مريم؟ فقال عليه السلام: عيسي کانت امه في بيت المقدس، فلما جاءت وقت ولادتها سمعت قائلا يقول: اخرجي، هذا بيت العبادة لا بيت الولادة، و أما أمي فاطمة بنت أسد لما قرب وضع حملها کانت في الحرم، فانشق حائط الکعبة و سمعت قائلا يقول لها: ادخلي، و دخلت في وسط البيت و أنا ولدت به، و ليس لأحد هذه الفضيلة لا قبلي و لا بعدي[48] .

20ـ عن الشيخ محمد عبده: و أحيانا کنت أشهد أن عقلا نورانيا لا يشبه خلقا جسدانيا فصل عن الموکب الألهي، و اتصل بالروح الإنساني، فخلعه عن غاشيات الطبيعة، و سمابه إلي الملکوت الأعلي، و نما إلي مشهد النور الأجلي، و سکن به إلي عمار جانب التقديس بعد إستخلاصه من شوائب التلبيس[49] .

21ـ قال الجاحظـ مع نصبه ـ في رسالة له في فضل أهل البيت عليهم السلام: «و المولد مکان عظيم، و النشأ مبارک مکرم، و الشأن عظيم، و العلم کثير، و ليس له نظير، و الهمة عالية، و القوة کاملة، و البيان عجيب، و اللسان خطيب، و الصدر رحيب ـ الخ[50] .

22ـ عن العلامة ابن الصباغ المالکي: «فهؤلاء )أي الآل( هم أهل البيت المرتقون بتطهيرهم إلي ذروة أوج الکمال، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام و الإجلال، و لله در القائل إذ قال:


هم القوم فاقوا العالمين مناقبا
محاسنها تجلي و آياتها تروي[51] .


أقول: إذا کان عليه السلام عقلا نورانيا لا يشبه خلقا جسدانيا، أو إذا کان لم يکن له نظير، أو فاق هو و أولاد، المعصومون العالمين صاروا أفضل من جميع الأنبياء، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم و إن کان أفضل منهم إلا أنهم من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو منهم عليهم السلام.

و إلي هنا نختم البحث عن أفضلية علي و ذريته عليهم السلام، فخذ قصيرة من طويلة، و في هذا غني و کفاية. و لنشرع الآن في البحث عن مقاماته و مقاماتهم الأربعة في مواقف الآخرة و هو الباب الثالث من هذا الکتاب.









  1. ابن الجوزي: تذکرة الخواص، ص 52، ط نجف..
  2. آل عمران، 3: 61.
  3. النباطي: الصراط المستقيم، ج 1: ص 210/ الفصل 18.
  4. أحمد بن حنبل: المسند، ج 1: ص 199.
  5. الصفوري: نزهة الجليس، ص 458، ط بيروت..
  6. قاضي نور الله: احقاق الحق، ج 7: ص 621.
  7. ابن طلحة: مطالب السؤول، ص 46.
  8. ابن الجوزي: تذکرة الخواص، ص 17.
  9. السفط: الذي يعيي فيه الطيب و ما أشبهه، و السفط کالجوالي.
  10. الزق مصدر «زق الطائر الفرخ»، وزقه: أطعمه بفيه.
  11. الرعد، 13: 39.
  12. الصدوق رحمه الله التوحيد، ص 305. و لا يخفي ما في الذيل و لعله خلط لعدم مساعدته سنهما ثم شأنهما عليهما السلام..
  13. ابن عساکر: تاريخ دمشق، ج 2: ص 305.
  14. الخطيب: تاريخ البغدادي، ج 13: ص 163.
  15. الخطيب: تاريخ البغدادي، ج 13: ص 166.
  16. النمل، 27: 40.
  17. البقرة، 2: 260.
  18. الانتفاء، لابي عمر صاحب الاستيعاب، ص 156.
  19. الدميري: حياة الحيوان، ج 2: ص 368.
  20. شرح نهج البلاغة، للعلامة الخوئي، ج 7: ص 75.
  21. طبقات الحفاظ للذهبي، ج 2: ص 288. )و راجع الغدير الاغر، ج 6: صص 195ـ 196(..
  22. شرح نهج البلاغة، للعلامة الخوئي، ج 7: ص 74.
  23. الکفعمي: المصباح، صص 733ـ 735.
  24. النجم، 53: 56.
  25. القاساني: علم اليقين، ج 2: ص 600 و 605.
  26. القاساني: علم اليقين، ج 2: ص 600 و 605.
  27. يعني الصدوق )ره( في «رسالة الاعتقاد.
  28. المجلسي: بحار الانوار، ج 26: ص 297.
  29. الخوئي: شرح نهج البلاغة، ج 2: ص 394.
  30. البقرة، 2: 37.
  31. المظفر، محمد حسن: دلائل الصدق، ج 2: ص 88.
  32. قوله: «و دلالتها» أي دلالة الاية الکريمة و هي قوله تعالي:/ و أسأل من أرسلنا من قبلک من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون/ )الزخرف، 43: 45(. جاء في «ينابيع المودة» )الباب 15 ص 82(: «عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لما عرج بي إلي السماء انتهي بي السير مع جبرئيل إلي السماء الرابعة، فرأيت بيتا من ياقوت أحمر، فقال جبرئيل: هذا البيت المعمور، قم، يا محمد فصل إليه. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: جمع الله النبين ورائي صفا، فصليت بهم، فلما سلمت أتاني آت من عند ربي فقال: يا محمد، ربک يقرئک السلام و يقول لک: سل الرسل علي ما ارسلتم من قبلک، فقلت: معاشر الرسل علي ما ذا بعثکم ربي قبلي؟ فقالت الرسل: علي نبوتک، و ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام. و هو قوله تعالي:/ و اسأل من أرسلنا من قبلک من أرسلنا/ ـ الآية.
  33. البهبهاني: مصباح الهداية في إثبات الولاية، ص 115.
  34. شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج 13: ص 210.
  35. البهبهاني: مصباح الهداية، ص 112.
  36. يعني آية و من عنده علم الکتاب التي بحثنا عنها تفصيلا سابقا.
  37. الأحاديث المستفيضة هي الاخبار التي تصرح ب: لولاهم ما خلق الله جل جلاله آدم، و لا الجنة، و لا النار، و لا العرش، و لا الکرسي، و لا السماء، و لا الملائکة، و لا الإنس، و لا الجن.
  38. الآية الکريمة هي قوله تعالي:/ طوبي لهم و حسن مآب/ )الرعد، 13: 28(. و الأخبار و الروايات المفسرة للآية الکريمة أحاديث کثيرة تصرح و تبين أن طوبي شجرة أصلها في دار علي عليه السلام في الجنة، و في دار کل مؤمن منها غصن، و جاءت ـ أيضاـ أخبار کثيرة بأن طوبي شجرة أصلها في دار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و مقتضي الجمع بين الأخبار، و الأحاديث أن نقول: إن دار علي عليه السلام و دار النبي صلي الله عليه و آله و سلم واحدة غدا في الجنة، کما تعلن بهذا الجمع رواية شريفة أوردها مصباح الهداية )ص 234( من طريق العامة عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سئل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن قوله:/ طوبي لهم و حسن مآب/ ، فقال: شجرة في الجنة أصلها في داري، و فرعها علي أهل الجنة: فقيل له: يا رسول الله! سألناک عنها فقلت: شجرة في الجنة أصلها في دار علي، و فرعها علي أهل الجنة، فقال: إن داري واحدة غدا في مکان واحد.
  39. الاسراء، 17: 84.
  40. جنة المأوي، ص 122، ط تبريز.
  41. الزمر، 39: 69.
  42. يعني هجومه و إقباله.
  43. جنة المأوي، ص 136.
  44. قال في «الذريعة» )ج 18: ص 350(: «اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء عليها السلام المسماة ب «خطبة اللمعة» للمولي محمد علي بن أحمد القراچه داغي الاونساري المحشي للقوانين، فرغ منه في 1286، و کان حيا الي 1306، و قد طبع بايران في 1297، و صدر الکتاب بشطر واف من مناقبها و فضائلها و أحوالها و ما يتعلق بها من ذکر أدعيتها و أحرازها و عدد أولادها. و الاونسارـ بالواو و النون و السين ـ من قري قراچه داغ.
  45. اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء ص 93.
  46. البقرة، 2: 35.
  47. الشعراء، 26: 14. و في المصحف: «فأخاف.
  48. اللمعة البيضاء، ص 99.
  49. مقدمة شرح نهج البلاغة، ص 4.
  50. بهج الصباغة، ج 3: ص 150.
  51. الفصول المهمة، ص 29.