فيما ورد من العلماء و المؤرخين في أفضلية علي من جميع البشر
«بسم الله الرحمن الرحيم، إلي أميرالمؤمنين عمر بن عبد العزيز، عن ميمون بن مهران: سلام عليک و رحمة الله و برکاته. أما بعد فقد ورد علينا أمر ضاقت به الصدور و عجزت عنه الأوساع، هربنا بأنفسنا و وکلناه إلي عالمه، يقول الله عزوجل:/ و لو ردوه إلي الرسول و إلي اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم/[1] . و هذه المرأة و الرجلان أحدهما زوجها و الآخر أبوهاـ يا أميرالمؤمنين ـ زعم أن زوجها حلف بطلاقها أن علي بن أبي طالب خير هذه الامة و أولاها برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنه يزعم أن ابنته طلقت منه و أنه لا يجوز له في دينه أن يتخذه سهرا، و هو يعلم أنها حرام عليه کأمه. و إن الزوج يقول: کذبت و أثمت فقد بر قسمي و صدقت مقالتي، و إنها امرأتي علي رغم أنفک و غيظ قلبک، فاجتمعوا إلي يختصمون في ذلک، فسألت الرجل عن يمينه فقال: نعم قد کان ذلک و قد حلفت بطلاقها أن عليا خير هذه الامة و أولاها برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، عرفه من عرفه، و أنکره من أنکره، و ليرضي من رضي. فتسامع الناس بذلک فاجتمعوا إليه، و إن کانت الألسن مجتمعة و القلوب شتي، و قد علمت ـ يا أميرالمؤمنين ـ اختلاف الناس في أهوائهم و تسرعهم إلي ما فيه الفتنة، فأحجمنا عن الحکم لتحکم بما أراک الله و إنهما تعلقا بها، و أقسم أبوها أنه لا يدعها معه، و أقسم زوجها أن لا يفارقها و لو ضربت عنقه إلا أن يحکم عليه بذلک حاکم لا يستطيع مخالفته و الإمتناع منه، فرفعناهم إليک ـ يا أميرالمؤمنين ـ أحسن الله توفيقک و أرشدک». و کتب في أسفل الکتاب هذه الأبيات: إذا ما المشکلات وردن يوما و ضاق القوم ذرعا من نباها لأنک قد حويت العلم طرا و خلفک الإله علي البرايا قال: فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم و بني امية و أفخاذ قريش، ثم قال لأب المرأة: ما تقول أيها الشيخ؟ فقال: يا أميرالمؤمنين هذا الرجل زوجته ابنتي و جهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها، حتي إذا أملت خيره و رجوت صلاحه حلف بطلاقها کاذبا، ثم أراد الإقامة معها، فقال عمر: يا شيخ لعله لم يطلق امرأته فکيف حلف؟ فقال الشيخ: سبحان الله، إن الذي حلف أبين حنثا و أوضح کذبا من أن يختلج في صدري منه شک مع سني و علمي، إنه زعم أن عليا خير هذه الامة و إلا امرأته طالق ثلاثا. فقال للزوج: ما تقول؟ هکذا طلقت؟ قال: نعم، فقيل لما قال کاد المجلس يرتج بأهله و بنو امية ينظرون إلا أنهم لا ينطقون بشي ء، کل ينظر إلي وجه عمر، فأکب عمر مليا ينکت الأرض بيده و القوم صامتون ينظرون ما يقول، ثم رفع رأسه و قال: إذا ولي الحکومة بين قوم و ما خير الأنام إذا تعدي ثم قال للقوم: ما تقولون في يمين هذا الرجل؟ فسکتوا، فقال: سبحان الله قولوا، فقال رجل من بني امية: هذا حکم فرج، و لسنا نجتري علي القول فيه، و أنت عالم بالقول، مؤتمن لهم و عليهم، فقال: قل ما عندک فإن القول ما لم يحق باطلا أو يبطل حقا جائز علي في مجلسي. قال: لا أقول شيئا، فالتفت إلي رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب، قال: ما تقول فيما حلف عليه هذا الرجل يا عقيلي؟ فاغتنمها فقال: يا أميرالمؤمنين إن جعلت قولي حکما، و حکمي جائزا قلت، و إن لم يکن ذلک فالسکوت أولي و أوسع لي و أبقي للمودة؟ فقال: قولک حکم، و حکمک ماض. قال: فلما سمع ذلک بنو امية قالوا: ما أنصفتنا يا أميرالمؤمنين إذا جعلت الحکم إلي غيرنا و نحن من لحمتک و اولي رحمک. فقال عمر: اسکتوا عجزا و لوما، عرضت ذلک عليکم فما أبديتم له، فقالوا: ما أعطيتنا مثل ما أعطيت العقيلي و لا حکمتنا ما حکمته، فقال عمر: إن کان أصاب و أخطأتم، و جز و عجزتم، و أبصر و عميتم فما ذنب عمر لا أبالکم؟ أتدرون ما مثلکم؟ قالوا لا ندري قال: لکن العقيلي يدري، قال: ما تقول يا رجل؟ قال يا أميرالمؤمنين مثلهم کما قال الأول: دعيتم إلي أمر فلما عجزتم فلما رأيتم ذاک أبدت نفوسکم فقال عمر: أحسنت و أصبت فقل فيما سألتک، فقال: يا أميرالمؤمنين بر قسمه و لم يطلق امرأته، فقال: و أني علمت ذلک؟ فقال: نشدتک الله يا أميرالمؤمنين ألم تعلم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة عليها السلام ـ و هو عندها في بيتها عائدا لهاـ: بنية! ما علتک؟ قالت: الوعک يا أبتاه و کان علي غائبا في بعض حوائج النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال لها: أتشتهين شيئا؟ فقالت: نعم، أشتهي عنبا و أنا أعلم أنه عزيز و ليس بوقت عنب، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إن الله قادر أن يجيئنا به، ثم قال: اللهم آتنا به مع أفضل امتي عندک منزلة. فطرق علي عليه السلام الباب فدخل و معه مکتل قد ألقي عليه طرف ردائه، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ما هذا يا علي؟ فقال: عنب التمسته فاطمة عليها السلام، فقال الله أکبر الله أکبر، اللهم فکما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء ابنتي، ثم قال: کلي علي اسم الله يا بنية، فأکلت، و ما خرج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي برئت. قال عمر: صدقت و بررت، أشهد لقد سمعته و وعيته، يا رجل خذ بيد امرأتک، فإن عرض لک أبوها فاهشم وجهه ـ الخبر[2] . 2ـ روي عن جماعة ثقات انه: «لما وردت حرة بنت حليمة السعديةـ رضي الله عنهاـ علي الحجاج بن يوسف الثقفي فمثلت بين يديه، قال لها: أنت حرة بنت حليمة السعدية؟ قالت له: فراسة من غير مؤمن. فقال لها: الله جاء بک فقد قيل عنک أنم تفضلين عليا علي أبي بکر و عمر و عثمان، فقالت: لقد کذب الذي قال: إني أفضله علي هؤلاء خاصة، قال: و علي من غير هؤلاء؟ قالت: افضله علي آدم و نوح و لوط و إبراهيم و داود و سليمان و عيسي بن مريم عليهم السلام، فقال لها: ويلک إنک تفضلينه علي الصحابة و تزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من اولي العزم من الرسل! إن لم تأتيني ببيان ما قلت ضربت عنقک. فقالت: ما أنا مفضله علي هؤلاء الأنبياء و لکن الله عزوجل فضله عليهم في القرآن بقوله عزوجل في حق آدم:/ فعصي آدم ربه فغوي/[3] . و قال في حق علي،/ و کان سعيکم مشکورا/[4] . قال: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه علي نوح و لوط؟ فقالت: الله عزوجل فضله عليهما بقوله:/ ضرب الله مثلا للذين کفروا إمرأة نوح و امرأة لوط کانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين/[5] . و قال تعالي بعدها: و ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندک بيتا في الجنة و نجني من فرعون و عمله و نجني من القوم الظالمين و مريم ابنة عمران التي احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و صدقت بکلمات ربها و کتبه و کانت من القانتين قال الزمخشري. «في طي هذين التمثيلين تعريض باميرالمؤمنين المذکورتين في أول السورة و ما فرط منهما من التظاهر علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم )و إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائکة بعد ذلک ظهير( بما کرهه و تحذير لهما علي أغلظ وجه و أشده لما في التمثيل من ذکر الکفر و نحوه في التغليظ قوله تعالي/ و من کفر فإن الله غني عن العالمين/ و إشارة إلي أن من حقهما أن تکونا في الإخلاص و الکمال فيه کمثل هاتين المؤمنتين و أن لا تتکلا علي أنهما زوجتا رسول الله فإن ذلک الفضل لا ينفعهما إلا مع کونهما مخلصتين، و التعريض بحفصة أرجح لأن امرأة لوط افشت عليه کما أفشت حفصة علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم» إذ قال تعالي:/ و إذا أسر النبي إلي بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به و أظهره الله عليه عرف بعضه و أعرض عن بعض/. و بعد کلام العلامة الزمخشري لاحظ ما قاله العلامة الطبري و ابن أبي الحديد و غيرهما في عائشة و کيفية عمله مع وصي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أميرالمؤمنين عليه السلام الذي هو نفس الرسول و أخوه و زوج کريمته و نور بصره: «و لما انتهي إلي عائشة قتل علي ـ رضي الله عنه ـ قالت: فألقت عصاه و استقرت به النوي کما قر عينا بالإياب المسافر فمن قتله؟ فقيل: رجل من مراد. فقالت: فإن يک نائيا فقد نعاه غلام ليس في فيه التراب فقالت زينب ابنة أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت: إني أنسي فإذا نسيت فذکروني، و کان الذي ذهب بنعيه سفيان بن عبد شمس بن أبي وقاص الزهري )تاريخ الطبري، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، ج 5: ص 150(. و معني البيت: کما أن المسافر إذا جاء من السفر ألقي عصاه و استقر في مکانه و بيته، و قرت أعين الأبناء و الأصدقاء بإيابه و مجيئه، کذلک قرت عيني من قتل علي، فلما وصل إليها قتل علي سألت: من قاتله؟ قيل: رجل مرادي قالت: و إن کان قاتل علي سألت: و بعيدا إلا من أخبرني بقتله غلام ليس في فيه التراب لأنه من بني امية. قال ابن أبي الحديد في «شرح النهج»، )ج 9: ص 198(: «ماتت فاطمة فجاءت نساء رسول الله کلهن إلي بني هاشم في العزاء، إلا عائشة فإنها لم تأت و أظهرت مرضا، و نقل إلي علي عليه السلام عنها کلام يدل علي السرور» و في «صحيح البخاري»، )ج 1: ص 160، ط محمد علي صبيح و أولاده( «قالت عائشة: لما ثقل النبي صلي الله عليه و آله و سلم و اشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض، و کان بين العباس و رجل آخر. قال عبد الله: قد ذکرت ذلک لابن عباس ما قالت عائشة، فقال لي: هل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب». و قال علي عليه السلام في الخطبة 154 من «النهج»: «أما فلانة فأدرکها رأي النساء وضغن غلا في صدرها کمرجل القين، و لو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل». و قال محمد عبده في شرح هذه الکلام: «المرجل: القدر. و القين ـ بالفتح ـ الحداد. اي أن ضغينتها و حقدها کانا دائمي الغليان کقدر الحداد فانه يغلي مادام يصنع، و لو دعا أحد لتصيب من غيري غرضا من الإساءة و العدوان مثل ما أتت إلي ـ أي فعلت بي ـ لم تفعل لأن حقدها کان علي خاصة». و قال العلامة الخوئي في «شرح النهج»، )ج 9: ص 281، ط طهران( «عن مسروق، قال: دخلت علي عائشة و عندها غلام أسود يقال له عبد الرحمن، قالت: أتدري لم سميته عبد الرحمن؟ قلت: لا، قالت: حبا مني لعبد الرحمن ابن ملجم»، )و أيضا الطوسي: تلخيص الشافي، ج 4: ص 158(. علي بن أبي طالب کان مع ملائکة الله تحت سدرة المنتهي، زوجته بنت محمد فاطمة الزهراء التي يرضي الله تعالي لرضاها و يسخط لسخطها. فقال الحجاج: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه علي أبي الأنبياء إبراهيم خليل الله؟ فقالت: الله عزوجل فضله بقوله:/ و إذا قال إبراهيم رب أرني کيف تحيي الموتي قال أ و لم تؤمن قال بلي و لکن ليطمئن قلبي/[6] ، و مولاي أميرالمؤمنين قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين: «لو کشف الغطاء ما ازددت يقينا»، و هذه کلمة ما قالها أحد قبله و لا بعده. فقال: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه علي موسي کليم الله؟ قالت: يقول الله عزوجل:/ فخرج منها خائفا يترقب/[7] ، و علي بن أبي طالب عليه السلام بات علي فراش رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يخف حتي أنزل الله تعالي في حقه:/ و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله/[8] . قال الحجاج: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه علي داود و سليمان عليهما السلام؟ قالت: الله تعالي فضله عليهما بقوله عزوجل:/ يا داود إنا جعلناک خليفة في الأرض فاحکم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوي فيضلک عن سبيل الله/[9] . فقال لها: في أي شي ء کانت حکومته؟ قالت: في رجلين رجل کان له کرم[10] و الاخر له غنم، فنفشت الغنم بالکرم فرعته، فاحتکما إلي داود عليه السلام فقال: تباع الغنم و ينفق ثمنها علي الکرم حتي يعود إلي ما کان عليه. فقال له ولده: لا، يا أبه، بل يؤخذ من لبنها و صوفها. قال الله تعالي./ ففهمناها سليمان/[11] ، و إن مولانا أميرالمؤمنين عليا عليه السلام قال: «سلوني عما فوق العرش، سلوني عما تحت العرش، سلوني قبل أن تفقدوني»، إنه عليه السلام دخل علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم فتح خيبر فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم للحاضرين: «أفضلکم و أعلمکم و أقضاکم علي». فقال لها: أحسنت، فبما تفضلينه علي سليمان عليه السلام؟ فقالت: الله تعالي فضله عليه بقوله تعالي: «رب )اغفرلي و( هب لي ملکا لا ينبغي لأحد من بعدي[12] ، و مولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام قال: «طلقتک يا دنيا، ثلاثا لا حاجة لي فيک»، فعند ذلک أنزل الله تعالي فيه:/ تلک الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا/[13] . فقال: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه علي عيسي ابن مريم عليه السلام؟ قالت: الله تعالي عزوجل فضله بقوله تعالي:/ إذ قال الله يا عيسي ابن مريمء أنت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون الله قال سبحانک ما يکون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن کنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسک إنک أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به.../[14] فأخر الحکومة إلي يوم القيامة، و علي بن ابي طالب لما ادعوا النصيرية فيه ما ادعوه قتلهم و لم يؤخر حکومتهم، فهذه کانت فضائله لا تعد بفضائل غيره. قال: أحسنت يا حرة، خرجت من جوابک، و لو لا ذلک لکان ذلک، ثم أجازها و أعطاها و سرحها سراحا حسنا، رحمة الله عليها[15] . ـ مناظرة قيمة ظريفة للمأمون العباسي ـ في أفضلية علي عليه السلام ـ مع الفقهاء و في طويلة نختار و نقتطف منها موضع الحاجة: «ثم قال )يحيي بن أکثم(: إني لم ابعث فيکم لهذا )يعني مسألة فقهية دارت بينهم( و لکني أحببت أن انبئکم أن أميرالمؤمنين أراد مناظرتکم في مذهبه الذي هو عليه و الذي يدين الله به، قلنا: فليفعل أميرالمؤمنين ـ وفقه الله ـ، فقال: إن أميرالمؤمنين يدين الله علي أن علي بن أبي طالب خير خلق الله بعد رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و أولي اللناس بالخلافة له. المأمون: يا إسحاق أي الأعمال کان أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قال إسحاق: الإخلاص بالشهادة، قال: أليس السبق إلي الإسلام؟ قلت: نعم، قال: اقرء ذلک في کتاب الله تعالي يقول:/ و السابقون السابقون اولئک المقربون/[16] ، إنما عني من سبق إلي الإسلام، فهل علمت أحدا سبق عليا إلي الإسلام؟ قلت: يا أميرالمؤمنين! إن عليا أسلم و هو حديث السن لا يجوز عليه الحکم، و أبوبکر أسلم و هو مستکمل يجوز عليه الحکم، قال: اخبرني أيهما أسلم قبل؟ ثم أناظرک من بعده في الحداثة و الکمال، قلت: علي حين أسلم لا يخلو من أن يکون رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم دعاه إلي الإسلام، أو يکون إلهاما من الله، قال: فأطرقت، فقال لي: يا إسحاق! لا تقل إلهاما فتقدمه علي رسول الله، لأن رسول الله لم يعرف الإسلام حتي أتاه جبرئيل عن الله تعالي. قلت: أجل: بل دعاه رسول الله إلي الإسلام. قال: يا إسحاق! فهل يخلو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حين دعاه إلي الإسلام من أن يکون دعاه بأمر الله أو تکلف ذلک من نفسه؟ قال: فأطرقت: فقال: يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلي التکلف فإن الله يقول:/ و ما أنا من المتکلفين/[17] ، قلت: أجل، يا أميرالمؤمنين! دعاه بأمر الله. قال: فهل من صفة الجبار ـ جل ثناؤه ـ أن يکلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حکم؟ قلت: أعوذ بالله، فقال: أفتراه في قياس قولک، يا إسحاق أن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحکم قد کلف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون فهو يدعوهم الساعة و يرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شي ء و لا يجوز عليهم حکم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أتري هذا جائزا عندک أن تنسبه إلي الله عزوجل؟ قلت: أعود بالله ـ الخبر[18] . 4- عن الشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الملقب بالصدوق )المتوفي سنة 381( ـ رحمه الله ـ: «يجب أن نعتقد أن الله عزوجل لم يخلق خلقا أفضل من محمد صلي الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام و أنهم أحب الخلق إلي الله و أکرمهم و أولهم إقرارا به لما أخذ الله ميثالق النبيين )يعني في الذر(... و أن الله عزوجل أعطي ما أعطي کل نبي علي قدر معرفته و معرفة نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم و سبقه إلي الاقرار به، و نعتقد أن الله تبارک و تعالي خلق جميع الخلق له و لأهل بيته، و أنه لولا هم لما خلق الله سبحانه السماء و لا الأرض و لا الجنة و لا النار و لا آدم و لا حواء و لا الملائکة و لا شيئا مما خلق ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ[19] . 5ـ عن عميد الطائفة و زعيمها الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ: «يجب علي کل مکلف أن يعرف إمام زمانه، و يعتقد إمامته و فرض طاعته، و أنه أفضل أهل عصره و سيد قومه و أنهم في العصمة و الکمال کالأنبياء عليهم السلام، و يعتقد أن کل رسول من الله تعالي فهو نبي إمام، و ليس کل إمام نبيا... و أنهم الحجة علي کافة الأنام کالأنبياء عليهم السلام، و أنهم أفضل خلق الله بعد نبيه صلي الله عليه و آله و سلم[20] . 6ـ و عنه ـ رحمه الله ـ بعد ذکر الإختلافات في هذا الباب: «فاستدل من حکم لأميرالمؤمنين عليه السلام بأنه أفضل من سالف الأنبياء عليهم السلام و کافة الناس سوي نبي الهدي صلي الله عليه و آله و سلم بأن قال: قد ثبت أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أفضل من کافة البشر بدلائل تسلمها أکثر من الحصر، و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: أنا سيد البشر و قوله: أنا سيد ولد آدم و لا فخر، و إذا ثبت أنه عليه السلام أفضل البشر وجب أن يليه أميرالمؤمنين عليه السلام بالفضل بدلالته علي ذلک و ما قام عليه البرهان، فمن ذلک أنه صلي الله عليه و آله و سلم لما دعا نصاري نجران إلي المباهلة ليوضح عن حقه و يبرهن عن ثبوت نبوته و يدل علي عنادهم في مخالفتهم له صلي الله عليه و آله و سلم بعد الذي أقامه من الحجة عليهم، جعل عليا في مرتبة الحکم بأنه عدله، و قضي له بأنه نفسه، و لم يحطه عن مرتبته في الفضل، و ساوي بيني و بينه، فقال مخبرا عن ربه عزوجل بما حکم به من ذلک و شهد و قضي و أکد/ فمن حاجک فيه من بعد ما جاءک من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم و نساءنا و نساءکم و أنفسنا و أنفسکم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الکاذبين/[21] فدعا الحسن و الحسين للمباهلة فکانا ابنيه في ظاهر اللفظ، و دعا فاطمة عليها السلام و کانت المعبر عنها بنسائه، و دعا أميرالمؤمنين عليه السلام و کان المحکوم له بأنه نفسه، و قد علمنا أنه لم يرد بالنفس إفادة العدل و المثل و من يحل منه في العز و الأکرام و المودة و الصيانة و الإيثار و الإعظام و الإجلال محل ذاته عند الله فيما فرض الله عليه من الإعتقاد بها، و لو لم يدل من دليل خارج علي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أفضل من أميرالمؤمنين عليه السلام لقضي هذا الإعتبار بالتساوي بينهما في الفضل و الرتبة و لکن الدليل أخرج ذلک و بقي ما سواه بمقتضاه. و من ذلک )أي من أدلة الأفضلية(: أنه صلي الله عليه و آله و سلم جعل أحکام ولائه )و لاء علي عليه السلام( أحکام و لاء نفسه، و حکم عداوته کحکم العداوة له علي الانفراد... و إذا کان الحکم بذلک من حيث ما وصفناه وجب أن يکون مساويا له في الفضل الذي أوجب له من هذه الحال و إلا لم يکن له وجه في الفضل، و هذا کالأول فيما ذکرنا، فوجب التساوي بينهما في کل حال إلا ما أخرجه الدليل من فضله صلي الله عليه و آله و سلم: و من ذلک: قوله عليه السلام المروي عن الفئتين الخاصة و العامة: «اللهم ائتني بأحب خلقک إليک يأکل معي من هذا الطائر» فجاء علي عليه السلام... و إذا ثبت أن أميرالمؤمنين عليه السلام أحب الخلق إلي الله تعالي فقد وضح أنه أعظمهم ثوابا عند الله و أکرمهم عليه، و ذلک لا يکون إلا بکونه أفضلهم عملا و أرضاهم فعلا و أجلهم في مراتب العابدين، و عموم اللفظ بأنه أحب خلق الله إليه تعالي علي الوجه الذي فسرناه و قضينا يقضي بأنه أفضل من جميع البشرـ رحمه الله ـ إلخ[22] . و من ذلک: ما جاءت الأخبار علي التظاهر و الإنتشار، و نقله رجال العامة و الخاصة علي التطابق و الاتفاق عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أن أميرالمؤمنين عليه السلام يلي معه الحوض يوم القيامة، و يحمل بين يديه لواء الحمد إلي الجنة، و أنه قسيم الجنة و النار، و يوضع له منبر، و أنه يعلو ذروته و أعلاه، و يجلس أميرالمؤمنين عليه السلام دونه بمرقاة، و يجلس الأنبياءـ صلوات الله عليهم ـ دونها، و أنه يدعي صلي الله عليه و آله و سلم فيلبس حلة اخري، و أنه لا يجوز الصراط يوم القيامة إلا من معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام». و قال رحمه الله: فمنها )أي من الأخبار و الأحاديث التي تدل علي أفضلية أميرالمؤمنين عليه السلام(: قول أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: «و الله، و لو لم يخلق علي بن أبي طالب عليه السلام لما کان لفاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم کفو من الخلق من، آدم فمن دونه»، و قوله عليه السلام: «و کان يوسف نبيا و ابن نبي ابن خليل الله، و کان صديقا رسولا؟ و کان و الله، أبي، أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل منه» و قوله عليه السلام و قد سئل عن أميرالمؤمنين عليه السلام: ما کانت منزلته من النبي صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال عليه السلام: «لم يکن بينه و بينه فضل سوي الرسالة»، و جاء مثل ذلک بعينه عن أبيه أبي جعفر و أبي الحسن و أبي محمد الحسن العسکري، و قولهم بالآراء المشهورة: «لولا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي بن أبي طالب عليه السلام لم يخلق الله سماء و لا أرضا و لا جنة و لا نارا»، و هذا يفيد فضلهما بالأعمال و تعلق الخلق في مصالحهم بمعرفتهما و الطاعة لهما و التعظيم و الإجلال». و قال رحمه الله: «و قد روت العامة من طريق جابر بن عبد الله الأنصاري و أبي سعيد الخدري ـ رحمهما الله تعالي ـ عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: «علي خير البشر». و هذا نص في موضع الخلاف. و روي عنها )أي عائشة( أنها قلت في الخوارج حين ظهر أميرالمؤمنين عليه السلام و قتلهم: «ما يمنعني ما بيني و بين علي بن أبي طالب أن أقول فيه ما سمعته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيه و فيهم، سمعته يقول: هم شر الخلق و الخليقة، يقتلهم خير الخلق و الخليقة». و رووا عن جابر بن عبد الله الأنصاري إنه قال: «علي سيد البشر، لا يشک فيه إلا کافر». و الأخبار في هذه کثيرة، و فيما اثبتناه مقنع، و الإحتجاج بکل خبر منها له وجه، و الأصل في جميعها منهجه ما ذکرناه، و الله ولي التوفيق[23] . 6ـ عن العلامة الجليل محمد بن علي بن عثمان الکراجکي رحمه الله: «الذي نذهب إليه في ذلک هو أن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ أفضل من جميع البشر ممن تقدم و تأخر سوي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و علي هذا القول إجماع الشيعة الأمامية، و لم يخالف فيه منهم إلا الأصاغر الذين حادوا عن الطريق المعروفة بما هم عليه من إهمالهم[24] . 7ـ عن نابغة عصره، يحيي بن الحسن الحلي، المعروف بابن البطريق )المتوفي سنة 600(: «فأما ما يدل علي أن ولايته عليه السلام أعظم من سائر الفروض و آکد من جميع الواجبات فهو قوله تعالي:/ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمک من الناس/[25] ، فولايته قامت مقام النبوة لأن بصحة تبليغها عن الله ينفع شهادة أن لا إله إلا الله، و عدم تبليغها يبطل تبليغ الرسالة، فإذا حصلت صح تبليغ الرسالة، و متي عدم التبليغ بهذا الأمر لا يجدي تبليغ الرسالة، و ما کان شرطا في صحة وجود أمر من الأمور ما صح وجوده إلا بوجوده و وجب کوجوبه... و أما القسم الثاني: و هو أنه عليه السلام أفضل رتبة من المتقدمين و المتأخرين من الأنبياء و الصديقين هو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أفضل الأنبياء، و رسالته أفضل الرسالات، و قد أمر القديم سبحانه و تعالي سيد رسله صلي الله عليه و آله و سلم بإبلاغ فرض ولاية أميرالمؤمنين ـ صلي الله عليه ـ و جعل في نفس وجوب أداء تبليغ ولايته سبب صحة تبليغ رسالته و أنه لم يصح تبليغ هذه الرسالة التي هي أفضل الرسالات إلا بتبليغ ولايته ـ صلي الله عليه. و علي هذا حيث ثبت الولاية کثبوت هذه الرسالة صارت شيئا واحدا، و إذا کانت إمامته کرسالته صار نفس هذه کنفس هذه و فضلها کفضلها، إذ ليس يوجد من خلق الله تعالي من نفسه کنفس رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سواه بدليل قوله تعالي في آية المباهلة: «و أنفسنا و أنفسکم»، فجعله تعالي نفس رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، فإذا کان نفس الرسول و ولايته نفس ولايته کما قدمناه بطلت مماثلته من کافة خلق الله تعالي[26] . 8ـ قال الفخر الرازي، ذيل الآية الکريمة:/ تلک الرسل فضلنا بعضهم علي بعض/[27] : «أجمعت الامة علي أن بعض الأنبياء عليهم السلام أفضل من بعض، و علي أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم أفضل من الکل، و يدل عليه من وجوه، أحدها قوله تعالي:/ و ماأرسلناک إلا رحمة للعالمين/[28] فلما کان رحمة لکل العالمين لزم أن يکون أفضل من کل العالمين[29] . أقول: إن هذا الدليل بعينه يدل علي أن عليا عليه السلام أفضل من الکل لأنه عليه السلام عديل النبي و نفسه صلي الله عليه و آله و سلم بنص آية المباهلة کما اعترف و أذعن به الفخر الرازي فإنه في ذيل آية المباهلة بعد نقل کلام محمود بن الحسن الحمصي، و هو کلام جيد في أفضلية علي علي الأنبياءـ و قد قدمناه في کتابنا هذا )ص 200( مفصلاـ قال: «و أما سائر الشيعة )يعني غير المحمود( فقد کانوا قديما و حديثا يستدلون بهذه الآية علي أن علياـ رضي الله عنه ـ مثل نفس محمد صلي الله عليه و آله و سلم إلا علي عليه السلام أفضل أيضا من سائر الصحابة. هذا تقرير کلام الشيعة[30] ـ انتهي. فإن الفخر لم يخالف الشيعة في هذا الکلام و لم يناقشها کأنه أقر و أذعن بأن عليا نفس النبي صلي الله عليه و آله و سلم مع أنه إمام المشککين. نعم، ناقش الشيعة من جهة اخري لم نطل المقال بذکرها. يقول الازري رحمه الله: هو في آية التباهل فعلي هذا کما أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أفضل من الکل يکون نفس النبي صلي الله عليه و آله و سلم أفضل من الکل. قال الازري رحمه الله: لک ذات کذاته حيث لو لا و قال ـ أيضا: «إن دين محمد عليه السلام أفضل الأديان فيلزم أن يکون محمد صلي الله عليه و آله و سلم أفضل الأنبياء. بيان الأول: أنه تعالي جعل الإسلام ناسخا لسائر الأديان و الناسخ يجب أن يکون أفضل لقوله عليه السلام: «من سن سنة حسنة فله أجرها و اجر من عمل بهاإلي يوم القيامة» فلما کان هذا الدين أفضل و أکثر ثوابا کان واضعه أکثر ثوابا. من واضعي سائر الأديان، فيلزم أن يکون محمد صلي الله عليه و آله و سلم أفضل من سائر الأنبياء[31] . أقول: إذا کان المعيار في الأفضلية أکثرية الثواب کما هو الحق فيکون علي عليه السلام أفضل من جميع الأنبياء حتي اولي العزم من الرسل، لأنه عليه السلام أکثر ثوابا و أکرم منزلة عند الله تعالي، و الشاهد علي ذلک أخبار کثيرة من طرق العامة و الخاصة، و قد أسلفناها فيما مر، و منها: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعلي ابن أبي طالب عليه السلام: «يا أبا الحسن يجب أن يکون أفضل لقوله عليه السلام: «من سن سنة حسنة فله أجرها و اجر من عمل بها إلي يوم القيامة» فلما کان هذا الدين أفضل و أکثر ثوابا کان واضعه أکثر ثوابا. من واضعي سائر الأديان، فيلزم أن يکون محمد صلي الله عليه و آله و سلم أفضل من سائر الأنبياء[32] . أقول: إذا کان المعيار في الأفضلية أکثرية الثواب کما هو الحق فيکون علي عليه السلام أفضل من جميع الأنبياء حتي اولي العزم من الرسل، لأنه عليه السلام أکثر ثوابا و أکرم منزلة عند الله تعالي، و الشاهد علي ذلک أخبار کثيرة من طرق العامة و الخاصة، و قد أسلفناها فيما مر، و منها: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعلي ابن أبي طالب عليه السلام: «يا أبا الحسن لو وضع إيمان الخلائق و أعمالهم في کفة ميزان، و وضع عملک يوم احد علي کفة اخري لرجح عملک علي جميع ما عمل الخلائق، و إن الله باهي بکل يوم أحد ملائکته المقربين، و رفع الحجب من السماوات السبع و أشرفت إليک الجنة و ما فيها و ابتهج بفعلک رب العالمين، و إن الله تعالي يعوضک ذلک اليوم ما يغبطه کل نبي و رسول و صديق و شهيد[33] . و منها: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم الأحزاب: «لضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين[34] ، و يقول الازري رحمه الله: لا فتي في الوجود إلا علي و قال ـ أيضا: «إن تفضيل بعض الأنبياء علي بعض يکون لامور، منها: کثرة المعجزات التي هي دالة علي صدقهم و موجبة لتشريفهم، و حصل في حق نبينا عليه السلام ما يفضل علي ثلاثة آلاف، و هي بالجملة علي أقسام... و منها ما يتعلق بالعلوم، کالإخبار عن الغيوب، و فصاحة القرآن[35] . أقول: ما قاله الفخر الرازي کلام صحيح لا يعتريه ريب و لا يختلج به وهم لأنه صلي الله عليه و آله و سلم کما قال البوصيري: فاق النبيين في خلق و في خلق و کل آي أتي الرسل الکرام بها و کلهم من رسول الله ملتمس نعم، هو صلي الله عليه و آله و سلم مدينة المعارف و الآيات و العلوم و الحقائق، و لکن لا يمکن لأحد أن يصل إلي مدينة العلم إلا من بابها و هو ولينا علي عليه السلام. يقول الازري رحمه الله: إنما المصطفي مدينة علم و قال العلامة المناوي الشافعي: «فإن المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات کلها، و لا بد للمدينة من باب، فأخبر أن بابها هو علي ـ کرم الله وجهه ـ، فمن أخذ طريقه دخل المدينة، و من أخطأه أخطأ طريق الهدي». و قال ـ أيضا: «علي بن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلي الحکمة، فناهيک بهذه المرتبة ما أسناها، و بهذه المنقبة ما أعلاها، و من زعم أن المراد بقوله: «علي بابها» أنه مرتفع من العلو و هو إلارتفاع فقد تمحل لغرضه الفاسد بمالا يجزيه و لا يسمنه و لا يغنيه[36] . و قال العلامة الطريحي رحمه الله في مادة «بوب»: «و في الخبر الصحيح: «أنا مدينة العلم و علي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب». رواه الکثير منهم، و نقل عليه بعضهم إجماع الامة لأنه جعل نفسه الشريفة تلک المدينة، و منع الوصول إليها إلا بواسطة الباب، فمن دخل منه کان له عن المعصية مندوحة، و فاز فوزا عظيما، و اهتدي صراطا مستقيما، نقل أن سبب الحديث أن أعرابيا أتي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال له: طمش طاح، فغادر شبلا، لمن النشب؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: للشبل مميطا، فدخل علي عليه السلام فذکر له النبي صلي الله عليه و آله و سلم لفظ الأعرابي، فأجاب بما أجاب به النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا مدينة العلم و علي بابها». و من لطيف ما نقل هنا أن أعرابيا دخل المسجد فبدأ بالسلام علي علي عليه السلام، ثم سلم علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فضحک الحاضرون و قالوا له في ذلک، فقال: سمعت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «أنا مدينة العلم و علي بابها»، فقد فعلت کما أمر صلي الله عليه و آله و سلم». أقول: الطمش ـ بالکسرـ الناس، يقال: ما أدري أي الطمش هو، أي أي الناس. و طاح: هلک، و سقط، و أشرف علي الهلاک. و المغادرة: الترک، و أغدر الشي ء: ترکه و أبقاه، و الشبل: ولد الأسد، و شبل الغلام أحسن شبول إذا نشأ، و الميط: الشي ء، و ما عنده ميط أي ما عنده شي ء[37] . و معني الخبر: رجل مات و هلک، و ترک ولدا، لمن المتاع و الترکة؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: الترکة للولد. و في «تاريخ بغداد»، عن جابر بن عبد الله، قال: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم الحديبيةـ و هو آخذ بيد علي ـ يقول: هذا أمير البررة، و قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله ـ يمد بها صوته ـ أنا مدينة العلم و علي بابها، فمن أراد البيت فليأت الباب[38] . وـ أيضاـ عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا مدينة العلم و علي بابها[39] . وـ أيضاـ عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا مدينة الحکمة و علي بابها، و من أراد الحکمة فليأت الباب[40] . وـ أيضاـ عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا مدينة الجنة و علي بابها، فمن أراد الجنة فليأتها من بابها[41] . و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «و أنا مدينة الفقه و علي بابها[42] . و عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «أتاني جبرئيل عليه السلام بدرنوک من درانيک الجنة، فجلست عليه، فلما صرت بين يدي ربي کلمني و ناجاني فما علمني شيئا إلا علمه علي، فهو باب مدينة علمي[43] . و يقول شمس الدين المالکي ـ المتوفي 780ـ: و قال رسول الله: إني مدينة من العلم و هو الباب و الباب فاقصد[44] و يقول العارف الکبير ابن فارض المصري: و أوضح بالتأويل ما کان مشکلا و ذکر الفخر الرازي أيضا: «أن أهل بيته صلي الله عليه و آله و سلم يساوونه في خمسة أشياء: في السلام، قال: السلام عليک أيها النبي، و قال:/ سلام علي آل ياسين/[45] و في الصلاة عليه و عليهم في التشهد، و في الطهارة، قال تعالي: «طه» أي، يا طاهر! و قال:/ و يطهرکم تطهيرا/[46] ، و في تحريم الصدقة، و في المحبة، قال تعالي:/ فاتبعوني يحببکم الله/[47] ، و قال:/ قل لا أسألکم عليه أجرا إلا المودة في القربي/[48] . و قال ـ أيضاـ في تفسيره: «و أنا أقول: آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم هم الذين يؤول أمرهم إليه، فکل من کان أمرهم إليه أشد و أکمل کانوا هم الآل، و لا شک أن فاطمة و عليا و الحسن و الحسين کان التعلق بينهم و بين رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أشد التعلقات، و هذا کالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يکونوا هم الآل، وـ أيضاـ اختلف الناس في الآل فقيل: هم الأرقاب، و قيل: هم امته، فإن حملناه علي القرابة فهم الآل، و إن حملناه علي الامة الذين قبلوا دعوته فهم ـ أيضاـ آل، فثبت أن علي جميع التقادير هم الآل، و أما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه[49] . 9ـ عن ابن أبي الحديد، قال: «و في خطبة الحسن بن علي عليهما السلام لما قبض أبوه: «لقد فارقکم في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون و لا يدرکه الآخرون، کان يبعثه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم للحرب و جبرئيل عن يمينه و ميکائيل عن يساره». و عنه جاء في الحديث أنه سمع يوم احد صوت من الهواء من جهة السماء يقول: لا سيف إلا ذوالفقار، و لا فتي إلا علي... فقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه صلي الله عليه و آله، قال: «يا جبرئيل! إنه )يعني عليا( مني و أنا منه[50] . و قال في قصيدته الاولي من العلويات السبع ـ و هي قصيدة طويلة تشتمل علي فتح خيبرـ: فما ماس موسي في رداء من العلي المعني: ماس، إذا تبختر في مشيه. و في هذا البيت تصريح بتفضيله علي الأنبياء عليهم السلام، و المعني أن موسي عليه السلام لم يشتمل علي علاء کامل، بل علاک أکمل و لم يرجع أيوب بذکر ما آبه بل ذکرک آبه[51] . تقيلت أفعال الربوبية التي المعني: تقيلت أي أشبهت، يقال: تقيل فلان أباه إذا أشبهه، و ذلک لأنه عليه السلام کان يصدر عنه ما لا يصدر عن البشر کالحکم بالمغيبات و غير ذلک، و قوله «عذرت بها» يريد المبالغة و المجاز، إذ العذر الحقيقي في هذا کفر[52] . و يا علة الدنيا و من بدء خلقها له المعني: علة الدنيا إي سبب وجودها، و قد وردت الأخبار بأن الأئمة عليهم السلام سبب وجودها[53] . و قال في قصيدته الخامسة في وصفه عليه السلام: و وارث علم المصطفي و شقيقه المعني: الشقيق أي الأخ، و الأواصر جمع الآصرة و هي القرابة و کل ما يعطف علي الإنسان من رحم أو صهر أو معروف، يعني إنه اشتق من النبي صلي الله عليه و آله و سلم فماثله في علاه و خلائقه الکريمة[54] . و قال في قصيدته السابعة من العلويات السبع: يا برق إن جئت الغري فقل له فيک ابن عمران الکليم و بعده بل فيک جبرئيل و ميکائيل و إس بل فيک نور الله جل جلاله فيک الأمام المرتضي فيک الوص المعني: يقفه أي يتبعه، و الملأ المقدس إشارة إلي باقي الملائکة، و أما کون النبيين و الملائکة في قبره فلأنه حوي، ما حووه من الفضل، فکأنه کلهم فيه. و ذکر موسي و عيسي و هما من اولي العزم ليحصل الاتصال بنبينا صلي الله عليه و آله و سلم و إن کان أفضل الخلائق فإن عليا عليه السلام نفسه بنص القرآن المجيد و الأخبار، و إنما بدأ بالنبيين لأن الملائکة علي رأي المعتزلة أفضل من النبيين، فکأنه ارتقي عن درجة النبيين إلي الملائکة، ثم ارتقي إلي الدرجة العليا و هو نور الله الذي لا يطفأ[55] . هذا ضمير العالم الموجود عن المعني: ضمير العالم و سره بمعني واحد، و العالم کل موجود سوي الله، و آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم سر العالم المستودع عند اولي العلم، إذ لولا هم ما أوجد العالم، فسر الوجود هو ما علمه الله تعالي من المصالح في إيجاد هذا العالم بسبب محمد و آل محمد عليهم السلام، حيث کانوا ألطافا لا يصح التکليف إلا بهم، و لا يقوم غيرهم مقامهم[56] . هذا هو النور الذي عذباته المعني: عذباته أي أطرافه، لأن عذبه اللسان و الصوت طرفاهما، و يريد بالنور نور النبوة المنتقل من آدم إلي نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم و إنه ابن عمه و قسيمه في الشرف[57] . و شهاب موسي حيث أظلم ليله لألأوه أي أنواره، و اطلق علي علي عليه السلام الشهاب ـ و هو الشعلة من النارـ إطلاقا لا سم المسبب علي السبب حيث إنه عليه السلام سبب في تفضيل موسي عليه السلام و ظهور النار له[58] . ما العالم العلوي إلا تربة المعني: جعل تربته و محل جسده الشريف العالم العلوي، و هو في ذلک بار صادق، لأن قبره عليه السلام معراج الملائکة و محل اختلاف الأرواح، و العالم العلوي عبارة عن ذلک. أقول فيک سميدع کلا و لا المعني: اسميدع أي السيد السهل الأخلاق. بل أنت في القيامة حاکم المعني: أضرب عن الصفة بالسميدع و أثبت ما هو أعلي و أجل و هو کونه حاکما في العالمين يوم القيامة، و ذلک لأنه قسيم النار و الجنة، و صاحب الحوض و الشفاعة[59] . و الله لو لا حيدر ما کانت ال و إليه في يوم المعاد حسابنا و قال في السادسة من العلويات السبع: علم الغيوب إليه غير مدافع المعني: «علم الغيوب» مبتدأ و «إليه» الخبر، و «غير مدافع» نصب علي الحال، و يجوز أن يکون «غير» خبرا بعد خبر، أما إخباره عليه السلام بالمغيبات بواسطة التعليم کما قال المادح کالصبح لا يدفع نوره بل يخرق الحجب[60] و قال أيضا في «شرح النهج» )ج 7: ص 47/ ذيل الخطبة 92(: «فاسألوني قبل أن تفقدوني، فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شي ء فيما بينکم و بين الساعة، و لا عن فئة تهدي مائة و تضل مائة إلا أنبأتکم بناعقها و قائدها و سائقها و مناخ رکابها و محط رحالها، و من يقتل من أهلها قتلا، و من يموت منهم موتا». )فصل: في ذکر امور غيبية أخبر بها الإمام ثم تحققت( و اعلم أنه عليه السلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده أنهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم و بين القيامة إلا أخبرهم به، و أنه ما صح من طائفة من الناس يهتدي بها مائة و تضل بها مائة إلا و هو مخبر لهم إن سألوه برعاتها و قائدها و سائقها و مواضع نزول رکابها و خيولها، و من يقتل منها قتلا، و من يموت منها موتا، و هذه الدعوي ليست منه عليه السلام ادعاء الربوبية و لا ادعاء النبوة و لکنه کان يقول إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخبره بذلک، و لقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقا فاستدللنا بذلک علي صدق الدعوي المذکورة، کإخبار عن الضربة التي يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته. و إخباره عن قتل الحسين ابنه عليهما السلام و ما قاله في کربلاء حيث مربها، و و اخباره بملک معاوية الأمر من بعده، و إخباره عن الحجاج و عن يوسف بن عمر، و ما أخبر به من الخوارج بالنهروان، و ما قدمه إلي أصحابه من اخباره بقتل من يقتل منهم، و صلب من يصلب، و إخباره بقتال الناکثين و القاسطين و المارقين، و إخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الکوفة لما شخص عليه السلام إلي البصرة لحرب أهلها، و اخباره عن عبد الله بن زبير، و قوله فيه: «خب ضب يروم أمرا و لا يدرکه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا و هو بعد مصلوب قريش»، و کإخباره عن هلاک البصرة بالغرق و هلاکها تارة اخري بالزنج و هو الذي صحفه قوم فقالوا: بالريح... «إلي آخر ما قال»، و إن شئت الزيادة فراجع هناک. و قال ـ ايضا: )الأخبار الواردة عن معرفة الإمام علي بالامور الغيبية(: روي ابن هلال الثقفي في کتاب «الغارات» عن زکريا بن يحيي العطار، عن فضيل، عن محمد بن علي قال: لما قال علي عليه السلام: «سلوني قبل أن تفقدوني، فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة إلا أنبأتکم بناعقها و سائقها» قام إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسي و لحيتي من طاقة شعر، فقال له علي عليه السلام: «و الله لقد حدثني خليلي أن علي کل طاقة شعر من رأسک ملکا يلعنک، و أن علي کل طاقة شعر من لحيتک شيطانا يغويک، و أن في بيتک سخلا يقتل ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم»، و کان ابنه قاتل الحسين عليه السلام يومئذ طفلا يحبو، و هو سنان بن أنس النخعي. و روي الحسن بن محبوب، عن ثابت الثمالي، عن سويد بن غفلة أن عليا عليه السلام خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال: يا أميرالمؤمنين! إني مررت بوادي القري فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له، فقال عليه السلام: و الله ما مات و لا يموت حتي يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمار، فقام رجل آخر من تحت المنبر، فقال: يا أميرالمؤمنين! أنا حبيب بن حمار، و إني لک شيعة و محب، فقال: أنت حبيب بن حمار؟ قال: نعم، فقال له ثانية: و الله إنک لحبيب بن حمار؟ فقال: إي و الله، قال: أما و الله أنک لحاملها، و لتحملنها و لتدخلن بها من هذا الباب، و أشار بها إلي باب الفيل بمسجد الکوفة. قال ثابت: فو الله، مامت حتي رأيت ابن زياد و قد بعث عمر بن سعد إلي الحسين بن علي عليهما السلام، و جعل خالد بن عرفطة علي مقدمته، و حبيب ابن حمار صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل... و روي محمد بن جبلة الخياط، عن عکرمة، عن يزيد الأحمسي أن عليا عليه السلام کان جالسا في مسجد الکوفة و بين يديه قوم منهم عمرو بن حريث إذا قبلت امرأة مختمرة لا تعرف، فوقفت فقالت لعلي عليه السلام: يا من قتل الرجال، و سفک الدماء، و أيتم الصبيان، و أرمل النساء، فقال عليه السلام: و إنها لهي هذه السلقلقة الجلعة المجعة، وإنها لهي هذه، شبيهة الرجال و النساء التي ما رأت دما قط. قال: فولت هاربة منکسة رأسها، فتبعها عمرو بن حريث، فلما صارت بالرحبة قال لها: و الله، لقد سررت بما کان منک اليوم إلي هذا الرجل، فادخلي منزلي حتي أهب لک و أکسوک، فلما دخلت منزله أمر جواريه بتفتيشها و کشفها و نزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها، فبکث، و سألته ألا يکشفها و قالت: أنا و الله، کما قال لي رکب النساء، و انثيان کانثيي الرجال، و ما رأيت دما قط، فترکها و أخرجها ثم جاء إلي علي عليه السلام فأخبره، فقال: إن خليلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخبرني بالمتمردين علي من الرجال، و المتمردات من النساء إلي أن تقوم الساعة». قلت: السلقلقة أي السليطة، و أصله من السلق و هو الذئب، و السلقلقة: الذئبة، و الجلعة المجعة: البذية اللسان، و الرکب: منبت العانة»، و من أراد الزيادة فليراجع «شرح نهج البلاغة» )الخطبة 37( أولها: «فقمت بالأمر حين فشلوا[61] . و قال ـ أيضا: «روي صاحب کتاب «الاستيعاب» و هو أبو عمر محمد بن عبد البر، عن جماعة من الرواة و المحدثين، قالوا: لم يقل أحد من الصحابةـ رضي الله عنهم ـ: «سلوني» إلا علي بن أبي طالب عليه السلام، و روي شيخنا أبو جعفر الإسکافي في کتاب «نقض العثمانية»، عن علي بن الجعد، عن ابن شبرمة، قال: ليس لأحد من الناس أن يقول علي المنبر: «سلوني» إلا علي بن أبي طالب عليه السلام[62] . و نقل عنه العلامة الخوئي هذا الکلام في شرحه )ج 7: ص 74، ط طهران( ثم قال: «أقول: و ذلک لأن أنواع السؤالات غير محصورة و لا محصاة، و أصناف الطلبات غير معدودة و لا مستقصاة، فبعضها يتعلق بالمعقول، و بعضها بالمنقول، و بعضها بعالم الشهود، و بعضها بعالم الغيب، و بعضها بما کان، و بعضها بما يکون، و بعضها بما هو کائن، و هکذا، فلا يمکن الجواب عن هذه کله، و لا يقدر علي مثل ذلک إلا من تأيد بقوة ربانية، و اقتدر بقدرة إلهية، و نفث في روعه الروح الأمين، و تعلم علوم الأولين و الآخرين، و صار منبع العلم و الحکمة و ينبوع الکمال و المعرفة، و هو أميرالمؤمنين، و يعسوب الدين، و وارث علم النبيين، و بغية الطالبين، و حلال مشکلات السائلين، فلا ينصب نفسه في هذا المنصب إلا جاهل، و لا يدعي لنفسه هذا المقام إلا تائه غافل، و في هذا المقام قال الشاعر: و من ذا يساميه بمجد و لم يزل سلوني ففي جنبي علم ورثته سلوني عن طرق السماوات إنني و لو کشف الله الغطا لم أزد به إلي أن قال: ـ عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: علم النبي علم جميع النبيين، و علم ما کان و علم ما هو کائن إلي قيام الساعة، ثم قال عليه السلام: و الذي نفسي بيده إني لا علم علم النبي و علم ما کان و علم ما هو کائن فيما بيني و بين قيام الساعة[63] .
1ـ روي ابن الکلبي قال: «بينا عمر بن عبد العزيز جالس في مجلسه إذ دخل عليه حاجبه و امرأة ادماء طويلة حسنة الجسم و القامة و رجلان متعلقان بها، و معهم کتاب من ميمون بن مهران، فدفعوا إليه الکتاب، ففضه و قرأه، و کان فيه:
فحارت في تأملها العيون
فأنت لها أبا حفص أمين
و أحکمک التجارب و الشؤون
فحضک فيهم الحظ الثمين
أصاب الحق و التمس السدادا
خلاف الحق و اجتنب الرشادا
تناوله من لا يداخله عجز
نداما و هل يغني عن القدر الحرز
نفس النبي لا غيره إياها
أنها مثلها لما آخاها
ذاک شخص بمثله الله باهي
و لم يدانوه في علم و لا کرم
فإنها اتصلت من نوره بهم
غرفا من اليم أو رشفا من الديم
و هو الباب من أتاه أتاها
علي بعلم ناله بالوصية
و لا آب ذکرا بعد ذکرک أيوب
عذرت بها من شک أنک مربوب
و سيتلو البدء في الحشر تعقيب
أخا و نظيرا في العلي و الأواصر
أتراک تعلم من بأرضک مودع
عيسي يقفه و أحمد يتبع
رافيل و الملأ المقدس أجمع
لذوي البصائر يستشف و يلمع
ي المجتبي فيک البطين الأنزع
عدم و سر وجوده المستودع
کانت بجبهة آدم تتطلع
رفعت له لألاؤه تتشعشع
فيها لجثتک الشريفة مضجع
حاشا لمثلک أن يقال سميدع
في العالمين و شافع و مشفع
دينا و لا جمع البرية مجمع
و هو الملاذلنا غدا و المفزع
و الصبح أبيض مسفر لا يدفع
يقول سلوني ما يحل و يحرم
عن المصطفي مافات مني به الفلم
بها عن سلوک الطرق في الأرض أعلم
يقينا علي ما کنت أدري و أفهم
.