آية خير البرية











آية خير البرية



من الأدلة الدالةـ من الآيات ـ علي أن عليا عليه السلام خير البشر من الأولين و الآخرين، حتي أولي العزم من المرسلين، قوله تعالي:/ أن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئک هم خير البرية/.[1] .

قال العلامة الحافظ، جلال الدين السيوطي في تفسيره: «أخرج ابن مردويه عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! من أکرم الخلق علي الله؟ قال: يا عائشة! أما تقرئين/ إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئک هم خير البرية/»؟

و أخرج ابن عساکر، عن جابر بن عبد الله، قال: «کنا عند النبي صلي الله عليه و آله و سلم فأقبل علي، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: و الذي نفسي بيده، إن هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة، و نزلت/ إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئک هم خير البرية/. فکان أصحاب النبي إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية».

و أخرج ابن عدي و ابن عساکر، عن أبي سعيد مرفوعا: «علي خير البرية».

و أخرج ابن عدي، عن ابن عباس، قال: «لما نزلت/ إن الذين آمنوا و عملواالصالحات اولئک هم خير البرية/ ، قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعلي: «هو أنت و شيعتک يوم القيامة راضين مرضيين».

و أخرج ابن مردويه، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «ألم تسمع قول الله/ إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئک هم خير البرية/ أنت و شيعتک[2] .

و قال العلامة، ابو جعفر، محمد بن جرير الطبري في تفسيره: «و قوله/ إن الذين آمنوا.../ يقول الله ـ تعالي ذکره ـ: إن الذين آمنوا بالله و رسوله محمد، و عبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، و أقاموا الصلاة و آتوا الزکاة، و أطاعوا الله فيما أمر و نهي، اولئک هم خير البرية. يقول: من فعل ذلک من الناس فهم خير البرية. و قد حدثنا ابن حميد قال: حدثنا عيسي بن فرقد، عن أبي الجارود، عن محمد بن علي «اولئک هم خير البرية» فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أنت يا علي و شيعتک[3] .

و قال العلامة الحافظ، الکنجي الشافعي: «عن جابر بن عبد الله، قال: کنا عند النبي صلي الله عليه و آله و سلم فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: قد أتاکم أخي، ثم التفت إلي الکعبة فضربها بيده، ثم قال: و الذي نفسي بيده، إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثم إنه أولکم إيمانا، و أوفاکم بعهد الله، و أقومکم بأمر الله، و أعدلکم في الرعية، و أقسمکم بالسوية، و أعظمکم عند الله مزية. قال: و نزلت:/ إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئک هم خير البرية/ قال: «و کان أصحاب النبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم إذا أقبل علي عليه السلام قالوا: جاء خير البرية».

قلت: هکذا رواه محدث الشام في کتابه بطرق شتي، و ذکرها محدث العراق و مورخها عن زر، عن عبد الله، عن علي، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «من لم يقل علي خير الناس فقد کفر». و في رواية عن حذيفة قال: سمعت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «علي خير البشر، من أبي فقد کفر»...

و في رواية لعائشة، عن عطاء، قال: سألت عائشة عن علي، فقالت: ذاک خير البشر، لا يشک فيه إلا کافر. قلت: هکذا ذکره الحافظ في ترجمة علي عليه السلام في تاريخه في المجلد الخمسين و کتابه يبلغ مائتا مجلد[4] .

و قال العلامة، الآلوسي البغدادي في تفسيره: «أخرج ابن مردويه، عن علي ـ کرم الله تعالي وجهه ـ قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ألم تسمع قول الله تعالي/ إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئک هم خير البرية/ ؟ هم أنت و شيعتک، و موعدي و موعدکم الحوض إذا جئت الامم للحساب يدعون غرا محجلين».

و أخرج ابن مردويه أيضا، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية/ إن الذين آمنوا/ ـ الآية قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعلي ـ رضي الله تعالي عنه و کرم وجهه ـ: هو أنت و شيعتک يوم القيامة راضين مرضيين».

و أخرج ابن مردويه، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! من أکرم الخلق علي الله تعالي؟ قال: يا عائشة! أما تقرئين:/ إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئک هم خير البرية/ ؟»

)قال الآلوسي: ( و أنت تعلم أن هذا ظاهر في أن المراد بالبرية الخليقة مطلقا... و الامامية و إن قالوا: إنه ـ رضي الله عنه ـ خير من الأنبياء و حتي اولي العزم عليهم السلام و من الملائکة المقربين عليهم السلام لا يقولون بخيريته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فإن قالوا: بأن البرية علي ذلک مخصوصة بمن عداه ـ عليه الصلاة و السلام ـ للدليل الدال علي أنه صلي الله عليه و آله و سلم خير منه ـ کرم الله تعالي وجهه ـ قيل: إنها مخصوصةـ أيضاـ بمن عدا الأنبياء و الملائکة[5] أقول: هنا ينبغي التوجه إلي نکتة أدبية و هي أن البرية فعيلة من برأ الله الخلق إلا أنه ترک فيها الهمز. و يجوز أن تکون من البري و هو التراب. قال ابن المنظور في «برأ»: «و البرية الخلق، و أصلها الهمز، و قد ترکت العرب همزها، و نظيره النبي و الذرية. و أهل مکة يخالفون غيرهم من العرب يهمزون البريئة و النبي ء و الذريئة من ذرأ الله الخلق».

و عجبا من الآلوسي مع أنه اعترف بأن البرية هي الخليقة مطلقا کيف يقول: إن علياـ کرم الله وجهه ـ خير البرية ما عدا الأنبياء و الملائکة؟! اشهد الله علي أنه ما قال هذا الکلام إلا لشي ء يتلجلج في صدره، و لکراهية کانت في نفسه من أفضلية سيد الموحدين، أميرالمؤمنين نفس النبي، عديل القرآن، أخ المصطفي، زوج فاطمة الزهراء، عليهم صلوات الله و ملائکته و أنبيائه ألف ألف مرة.

لماذا يقول الآلوسي: إنها مخصوصة أيضا بمن عدا الأنبياء و الملائکة؟ ألم ير هذا الفاضل حديث الأشباه، و حديث المؤاخاة، و حديث الطير المشوي؟ ألم يقرأ عن عمر بن الخطاب هذا الحديث أنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «لو أن إيمان أهل السموات و الأرض وضع في کفة، و وضع إيمان علي في کفة لرجح إيمان علي بن أبي طالب[6] .

فلاحظ الأخبار و الأحاديث الآتية حتي تکون علي بصيرة من أمرک إن شاء الله تعالي، و إنها لکثيرة جدا، و ها نحن نذکر نبذة يسيرة منها:

1ـ روي العلامة الشيخ سليمان الحنفي، عن جابر، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «من أراد أن ينظر إلي إسرافيل في هيبته، و إلي ميکائيل في رتبته، و إلي جبرئيل في جلالته، و إلي آدم في علمه، و إلي نوح في خشيته، و إلي إبراهيم في خلته، و إلي يعقوب في حزنه، و إلي يوسف في جماله، و إلي موسي في مناجاته، و إلي أيوب في صبره، و إلي يحيي في زهده، و إلي عيسي في عبادته، و إلي يونس في ورعه، و إلي محمد في حسبه و خلقه، فلينظر إلي علي، فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمعها الله فيه و لم يجمعها في أحد غيره[7] .

2ـ روي العلامة، الجويني الخراساني، عن أبي الحمراء، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، و إلي نوح في فهمه، و إلي إبراهيم في حلمه، و إلي يحيي بن زکريا في زهده، و إلي موسي بن عمران في بطشه، فلينظر إلي علي بن أبي طالب[8] .

3ـ أخرج العلامة، الحسکاني الحنفي، عن أبي الحمراء، قال: «کنا عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فأقبل علي فقال رسول الله: من سره أن ينظر إلي آدم في علمه، و نوح في فهمه، و إبراهيم في خلته، فلينظر إلي علي بن أبي طالب[9] .

4ـ روي الحافظ، الموفق الحنفي، المعروف بأخطب خوارزم، عن الحارث الأعورـ صاحب راية علي بن أبي طالب عليه السلام ـ قال: «بلغنا أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم کان في جمع أصحابه فقال: اريکم آدم في علمه، و نوحا في فهمه، و إبراهيم في حکمته، فلم يکن بأسرع من أن طلع علي عليه السلام، فقال أبو بکر: يا رسول الله! أقست رجلا بثلاثة من الرسل! بخ بخ لهذا الرجل، من هو يا رسول الله؟ قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أو لا تعرفه يا أبابکر؟ قال: الله و رسوله أعلم، قال: هو أبو الحسن علي بن أبي طالب. فقال أبو بکر: بخ بخ لک يا أبا الحسن، و أين مثلک يا أبا الحسن؟![10] .

5ـ روي العلامة المجلسي رحمه الله، عن علي بن الحسين، عن أبيه عليهما السلام، قال: «نظر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ذات يوم إلي علي عليه السلام قد أقبل و حوله جماعة من أصحابه فقال: من أحب ان ينظر إلي يوسف في جماله، و إلي إبراهيم في سخائه، و إلي سليمان في بهجته، و إلي داود في حکمته، فلينظر إلي هذا[11] .

6ـ رويـ أيضاـ عن سلمة بن قيس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اعطي الله عليا من الفضل جزءا لو قسم علي أهل الأرض لو سعهم، و أعطاه الله من الفهم لو قسم علي أهل الأرض لو سعهم، شبهت لينه[12] بلين لوط، و خلقه بخلق يحيي، و زهده بزهد أيوب، و سخاؤه بسخاء إبراهيم، و بهجته ببهجة سليمان بن داود، و قوته بقوة داود، و لو اوحي إلي أحد بعدي لأوحي إليه، فزين الله به المحافل، و أکرم به العساکر، و أخصب به البلاد، و أعز به الاجناد، مثله کمثل بيت الله الحرام يزار و لا يزور، و مثله کمثل القمر إذا طلع أضاء الظلمة، و مثله کمثل الشمس إذا طلعت أنارت الدنياـ الحديث[13] .

أقول: المستفاد من هذه الأحاديث التي سميت بالاشباه و النظائر لاشتمالها بمشابهات بين الأنبياء عليهم السلام و علي المرتضي عليه السلام تقدم علي علي جميع الملائکة و الأنام حيث إن النظر إليه عليه السلام وحده يقوم مقام النظر إلي جميعهم، فإن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أثبت لعلي عليه السلام في هذه الأحاديث هيبة تشبه هيبة إسرافيل، و رتبة تشبه رتبة ميکائيل، و جلالة تشبه جلالة جبرئيل، و علما يشبه علم آدم، و خشية تشبه خشية نوح، و خلة تشبه خلة إبراهيم، و حزنا يشبه حزن يعقوب، و جمالا يشبه جمال يوسف، و مناجاة تشبه مناجاة موسي، و صبرا يشبه صبر أيوب، و زهدا يشبه زهد عيسي عليهم السلام، و أن هذه الصفات تعلو فيه عليه السلام أعلي الدرجات. و أحسن ما أجاد به المولي محمد کاظم الازري رحمه الله:


لک في مرتقي العلي و المعالي
درجات لا يرتقي أدناها


أنت بعد النبي خير البرايا
و السماء خير ما بها قمراها


و استدل الفخر الرازي في تفسيره بقوله تعالي:/ اولئک الذين هدي الله فبهداهم اقتده قل لا أسئلکم عليه أجرا إن هو إلا ذکري للعالمين/[14] علي أفضلية نبينا صلي الله عليه و آله و سلم علي سائر الأنبياء لاجتماع خصال الأنبياء فيه کاستدلالنا بها علي أفضلية علي عليه السلام. قال: «احتج العلماء بهذه الآية أن رسولنا صلي الله عليه و آله و سلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام، و تقريره: هو أنا بينا أن خصال الکمال و صفات الشرف کانت مفرقة فيهم )أي في الأنبياء( بأجمعهم، فداود و سليمان کانا من أصحاب الشکر علي النعمة، و أيوب کان من أصحاب الصبر علي البلاء، و يوسف کان مستجمعا لهاتي الحالتين، و موسي عليه السلام کان صاحب الشريعة القوية القاهرة و المعجزات الظاهرة، و زکريا و يحيي و عيسي و إلياس کانوا أصحاب الزهد، و إسماعيل کان صاحب الصدق، و يونس صاحب التضرع. فثبت أنه تعالي إنما ذکر کل واحد من هؤلاء الأنبياء لأن الغالب عليه کان خصلة معينة من خصال المدح و الشرف.

ثم إنه تعالي لما ذکر الکل أمر محمداـ عليه الصلاة و السلام ـ بأن يقتدي بهم بأسرهم، فکان التقدير کأنه تعالي أمر محمدا صلي الله عليه و آله و سلم أن يجمع من خصال العبودية و الطاعة کل الصفات التي کانت مفرقة فيهم بأجمعهم و لما أمره الله تعالي بذلک امتنع أن يقال: إنه قصر في تحصيلها، فثبت أنه حصلها، و متي کان الأمر کذلک ثبت أنه اجتمع فيه من خصال الخير ما کان متفرقا فيهم بأسرهم، و متي کان الأمر کذلک وجب أن يقال: إنه أفضل منهم[15] .

أقول: فبناء علي هذا فلا تنس أحاديث الأشباه و دلالتها علي أفضلية علي عليه السلام. قال الحافظ العلامة، ابو عبد الله، الکنجي الشافعي: «قلت: تشبيهه لعلي عليه السلام بآدم في علمه، لأن الله علم آدم کل شي ء کما قال عزوجل:/ و علم آدم الاسماء کلها/.[16] فما من شي ء و لا حادثة و لا واقعة إلا و عند علي عليه السلام فيها علم، و له في استنباط معناها فهم، و شبهه بنوح في حکمته، أو في رواية «في حکمه» و کأنه أصح، لأن عليا عليه السلام کان شديدا علي الکافرين رؤوفا بالمؤمنين کما وصفه الله في القرآن:/ و الذين معه أشداء علي الکفار رحماء بينهم/.[17] و أخبر الله عزوجل عن شدة نوح علي الکافرين بقوله:/ رب لا تذر علي الأرض من الکافرين ديارا/[18] ، و شبهه في الحلم بإبراهيم خليل الرحمن کما وصفه الله عزوجل في القرآن بقوله:/ إن إبراهيم لأواه حليم/[19] ، فکان متخلقا بأخلاق الأنبياء، متصفا بصفات الأصفياء[20] .

7ـ روي العلامة، الشيخ سليمان الحنفي، عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «يا علي! لو أن أحدا عبد الله حق عبادته ثم شک فيک و أهل بيتک أنکم أفضل الناس، کان في النار[21] .

8ـ و روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: «لو وضع أعمال امتي في کفة، و وضع عملک يوم احد في کفة اخري لرجح عملک، و إن الله باهي بک يوم احد ملائکته المقربين، و رفعت الحجب من السماوات، و أشرفت إليک الجنة و ما فيها، و ابتهج بفعلک رب العالمين[22] .

9ـ روي أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الکراجکي، الفقيه المتکلم رحمه الله، عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، أنه قال لأميرالمؤمنين عليه السلام: «يا أبا الحسن! لو وضع إيمان الخلائق و أعمالهم في کفه ميزان، و وضع عملک يوم احد في الکفة الاخري لرجح عملک يوم احد علي جميع ما عمل الخلائق، و إن الله تعالي باهي بک يوم احد ملائکته المقربين، و رفع الحجب من السماوات السبع، و أشرفت إليک الجنة و ما فيها، و ابتهج بفعلک رب العالمين، و إن الله ليعوضک بذلک اليوم ما يغبطک به کل نبي و صديق و شهيد[23] .

أقول: هذه الأحاديث شاهدة لأميرالمؤمنين عليه السلام بفضل عظيم و قدر خطير لا يعادله فيه أحد من الأنبياء و المرسلين و الملائکة المقربين. يقول الازري رحمه الله:


لا فتي في الوجود إلا علي
ذاک شخص بمثله الله باها


10ـ روي الحافظ الکنجي، عن أبي عقال، عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، «سأل أبو عقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا رسول الله! من سيد المسلمين؟ فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم من تظن، يا أبا عقال؟ فقال: آدم، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: ههنا من أفضل من آدم، فقال: يا رسول الله! أليس الله خلقه بيده، و نفخ فيه من روحه، و زوجه حواء أمته، و أسکنه جنته؟ فمن يکون أفضل منه؟ فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: من فضله الله عزوجل؟ فقال: شيث. فقال صلي الله عليه و آله و سلم: أفضل من شيث؟ فقال: إدريس، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: افضل من إدريس و نوح؟ فقال: هود، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: أفضل من هود و صالح و لوط؟ فقال: موسي و هارون، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: أفضل من موسي و هارون؟ فقال: فإبراهيم إذن، قال صلي الله عليه و آله و سلم: أفضل من إبراهيم و إسماعيل و إسحاق؟ قال: فيعقوب، قال صلي الله عليه و آله و سلم: أفضل من يعقوب و يوسف؟ قال: فداود، قال صلي الله عليه و آله و سلم: أفضل من داود و سليمان؟ قال: فأيوب إذن، قال صلي الله عليه و آله و سلم: أفضل من أيوب و يونس؟ قال: زکريا إذن، قال صلي الله عليه و آله و سلم: أفضل من زکريا و يحيي؟ قال: فاليسع إذن، قال صلي الله عليه و آله و سلم، أفضل من اليسع و ذي الکفل قال: فعيسي إذن، قال صلي الله عليه و آله و سلم: أفضل من عيسي؟ قال ابو عقال: ما علمت من هو، يا رسول الله! ملک مقرب. فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم مکلمک، يا أبا عقال )يعني نفسه(.

فقال ابو عقال: سررتني، و الله يا رسول الله! فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أزيدک، يا أبا عقال؟ قال: نعم، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: اعلم يا أبا عقال أن الأنبياء و المرسلين ثلاثمائة و ثلاثة عشر نبيا، لو جعلوا في کفة و صاحبک في کفة لرجح عليهم، فقلت: ملأتني سرورا يا رسول الله، فمن أفضل الناس بعدک؟ فذکر له نفرا من قريش[24] ثم قال: علي بن أبي طالب، فقلت: يا رسول الله فأيهم أحب إليک؟ قال: علي بن أبي طالب، فقلت: لم ذلک؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: خلقت أنا و علي بن أبي طالب من نور واحدـ إلي أن قال: ـ يا أبا عقال! فضل علي علي سائر الناس کفضل جبرئيل علي سائر الملائکة». ثم قال الکنجي: «هذا حديث حسن عال[25] .

11ـ روي العلامة الکراجکي رحمه الله عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «علي أفضل من خلق الله تعالي غيري، و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، و أبوهما خير منهما، و إن فاطمة سيدة نساء العالمين[26] .

12ـ و روي عن أبي ذر رحمه الله قال: «نظر النبي صلي الله عليه و آله و سلم إلي علي ابن أبي طالب عليه السلام فقال: هذا خير الأولين و الآخرين من أهل السماوات و الأرضين...[27] .

13ـ و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم «يا علي! أنت أمير من في السماء، و أمير من في الارض، و أمير من مضي، و أمير من بقي، و لا أمير قبلک و لا أمير بعدک، و لا يجوز أن يسمي بهذا الاسم من لم يسمه الله عزوجل به[28] .

أقول: و لا يرتاب ذو مرة في أن من کان أمير من في السماء و أمير من في الأرض و أمير من مضي و من بقي لکان أفضلهم و أشرفهم و خيرهم.

14ـ روي العلامة ابن المغازلي عن حذيفة بن اليمان، قال: «آخي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بين أصحابه الأنصار و المهاجر، فکان يؤاخي بين الرجل و نظيره، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي. قال حذيفة: رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سيد المسلمين و إمام المتقين و رسول رب العالمين، الذي ليس له في الأنام شبيه و لا نظير، و علي بن أبي طالب أخوان[29] .

15ـ روي العلامة القندوزي عن زيد بن أوفي، قال: «لما آخي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بين أصحابه فقال علي عليه السلام: يا رسول الله آخيت بين أصحابک و لم تواخ بيني و بين أحد! فقال صلي الله عليه و آله و سلم: و الذي بعثني بالحق نبيا ما أخرتک إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، و أنت أخي و وارثي، و أنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة، و أنت أخي و رفيقي. ثم تلا: إخوانا علي سرر متقابلين المتحابون في الله ينظر بعضهم إلي بعض[30] .

16ـ روي العلامة، السيد هاشم البحراني رحمه الله عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «يا جابر! أي الإخوة أفضل؟ قال: قلت البنون من الأب و الأم. فقال صلي الله عليه و آله و سلم: إنا معاشر الأنبياء إخوة و انا أفضلهم، و لأحب الإخوة إلي علي بن أبي طالب، فهو عندي أفضل من الأنبياء فمن زعم أن الأنبياء أفضل منه فقد جعلني أقلهم، و من جعلني أقلهم فقد کفر، لأني لم أتخذ عليا أخا إلا لما علمت من فضله[31] .

17ـ و روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام: «أنارسول الله المبلغ عنه، و أنت وجه الله المؤتم به، فلا نظير لي إلا أنت، و لا مثل لک إلا أنا[32] .

18ـ روي العلامة الکنجي عن ابن عمر، قال: «آخي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله! آخيت بين أصحابک و لم تواخ بيني و بين أحد! فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أنت أخي في الدنيا و الآخرة. ثم قال: قلت: هذا حديث حسن عال صحيح[33] .

أقول: لحديث المؤاخاة مصادر شتي و طرق مختلفة، فان جمعا من الحفاظ و أئمة الحديث ذکروه بأسانيد متعدده تجده بنصه في «الغدير» الأغر )ج 3: ص 112 إلي 124( أخرجه العلامة الأميني ـ حشره الله مع أوليائه الکرام ـ من خمسين طريقا. و جاءت طرقه أيضا في «فضائل الخمسة» للعلامة الفيروز آبادي )ج 1: ص 318، إلي 332(. و ذکره أيضا العلامة المجلسي ـ طيب الله مرقده ـ في البحار بأسانيد شتي )ج 38: ص 330 إلي 347(.

و لا ريب أنه لم تکن هذه المؤاخاة إلا علي أساس المماثلة و المشاکلة بين الأشخاص في الکمالات النفسانية و الدرجات الروحية، و إن شئت زيادة بصيرة فأمعن النظر في کلام الحافظ الکنجي الشافعي، قال: «فإذا أردت قرب منزلته عليه السلام من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تأمل صنيعه في المؤاخاة بين الصحابة، جعل يضم الشکل إلي الشکل و المثل إلي المثل، فيؤلف بينهم إلي أن آخي بين أبي بکر و عمر، و ادخر عليا عليه السلام لنفسه و اختصه باخوته. و ناهيک بها من فضلية و شرف/ إن في ذلک لذکري لمن کان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد/[34] .

أقول: و اشهد الله و رسوله علي أن حديث المؤاخاة من أدل الدليل علي إمامةعلي عليه السلام و تقدمه علي جميع البشر ممن تقدم و تأخر سوي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، لأنه عليه السلام نظير النبي صلي الله عليه و آله و سلم و مثله کما لاحظته في الأخبار الماضية. يقول الازري رحمه الله:


لک ذات کذاته حيث لولا
أنها مثلها لما آخاها


اللهم اجعلنا ممن تمسک بولاية أميرالمؤمنين عليه السلام.

19ـ روي العلامة ابن المغازلي، عن أبي جعفر السباک، عن أنس بن مالک، قال: «اهدي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم طائر مشوي أهدته له امرأة من الأنصار، فدخل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فوضعت ذلک بين يديه. فقال: اللهم أدخل علي أحب خلقک إليک من الأولين و الآخرين ليأکل معي من هذا الطائر، قال أنس: فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلا من الأنصار من قومي، فجاء علي فطرق الباب، فرددته و قلت: رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم متشاغل، و لم يعلم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لذلک، فقال: اللهم أدخل علي أحب خلقک إليک من الأولين و الآخرين يأکل معي من هذا الطائر، قلت: اللهم اجعل رجلا من قومي الأنصار: فجاء علي فرددته، فلما جاء الثالثة قال لي رسول الله: قم فافتح الباب لعلي، فقمت ففتحت الباب، فأکل معه، فکانت الدعوة له[35] .

20ـ روي الحاکم، ابو عبد الله النيشابوري عن يحيي بن سعيد، عن أنس بن مالک، قال: «کنت أخدم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقدم لرسول الله فرخ مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقک إليک يأکل معي من هذا الطير، قال قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار. فجاء علي ـ رضي الله عنه ـ فقلت: إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي حاجة، ثم جاء فقلت: إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي حاجة، ثم جاء فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: افتح، فدخل فقال صلي الله عليه و آله و سلم: ما حبسک علي؟ فقال: إن هذه آخر ثلاث کرات يرددني أنس بزعم أنک علي حاجة، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: ما حملک علي ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله! سمعت دعاءک فأحببت أن يکون رجلا من قومي، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إن الرجل قد يحب قومه. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه[36] .

أقول: إن حديث الطير حديث معتبر متواتر، و قد روي من طرق عديدة من الصحابة و التابعين، و أخرجه العلماء و الحفاظ في کتبهم المعتبرة بصور مختلفة و عبارات متفاوتة قريبة المعني و إليک بعض نصوصها.

1ـ عن حميد الطويل، عن أنس بن مالک، قال: «اهدي إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم نحامة[37] مشوية، فقال: اللهم ابعث إلي أحب خلقک إليک و إلي نبيک يأکل معي من هذه المائدة. قال: فأتي علي ـ الحديث[38] .

2ـ عن إسماعيل بن أبي المغيرة، عن أنس بن مالک، قال: «اهدي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أطيار، فقسمها بين نسائه، فأصاب کل امرأة منهن ثلاثة، فأصبح عند بعض نسائه قطاتان[39] ، فبعثت بهما إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: اللهم ائتني بأحب خلقک إليک و إلي رسولک يأکل معي من هذا الطعام. فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فجاء علي ـ الحديث[40] .

3ـ عن عثمان الطويل، عن أنس بن مالک، قال: «اهدي للنبي صلي الله عليه و آله و سلم طير کان يعجبه أکله، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقک إليک يأکل من هذا الطائر معي، فجاء علي ـ الحديث[41] .

4ـ عن زبير بن عدي، عن أنس قال: «اهدي إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم طير مشوي، فلما وضع بين يديه قال: اللهم ائتني بأحب خلقک إليک يأکل معي من هذا الطائر، قال: فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، قال: فجاء علي ـ الحديث[42] .

5ـ عن ابن عباس، قال: «اتي النبي صلي الله عليه و آله و سلم بطائر، فقال: اللهم ائتني برجل يحبه الله و رسوله، فجاء علي ـ الحديث[43] .

6ـ عن نافع، عن أنس بن مالک: «إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قرب إليه طير، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقک إليک يأکل معي من هذا الطير، قال: فجاء علي يأکل معه[44] .

7ـ عن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالک قال: «اهي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حجل مشوي[45] بخبزة و صنابة، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم ائتني بأحب خلقک إليک يأکل معي من هذا الطعام، فقالت عائشة: اللهم اجعله أبي، و قالت حفصة: اللهم اجعله أبي، قال أنس: اللهم اجعله سعد بن عبادة، فسمعت حرکة بالباب فخرجت فإذا علي بالباب ـ[46] .

أقول: و هنا نشير إلي فوائد هامة ينبغي الإلتفات إليها:

الأولي: المستفاد من هذه الأحاديث أن عليا عليه السلام أفضل الناس بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خير البشر، لأنک قد لاحظت دعاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم «اللهم أدخل علي أحب خلقک إليک من الاولين و الآخرين ليأکل معي من هذا الطير» فجاء علي عليه السلام. و أيضا: «اللهم ائتني بأحب خلقک إليک يأکل من هذا الطائر معي، فجاء علي عليه السلام».

و أيضا: «اللهم ائتني بأحب خلقک إليک يأکل من هذا الطائر معي، فجاء علي عليه السلام».

و إن شئت أن يبرد قلبک و قرت عينک فانظر کلاما هو أطيب من نفحة الأزهار و هو ما قاله العلامة الکنجي الشافعي، قال: «و فيه )أي في حديث الطير( دلالة واضحة علي أن عليا عليه السلام أحب الخلق إلي الله، و أدل الدلالة علي ذلک إجابة دعاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم حيث قال عزوجل: «ادعوني فاستجب لکم[47] فأمر بالدعاء و وعد بالإجابة، و هو عزوجل لا يخلف الميعاد، و ما کان الله ليخلف رسله وعده، و لا يرد دعاء رسوله لأحب الخلق إليه، و من أقرب الوسائل إلي الله تعالي محبته و محبة من يحبه لحبه کما أنشدني بعض أهل العلم في معناه:


بالخمسة الغر من قريش
و سادس القوم جبرئيل


بحبهم رب فاعف عني
بحسن ظني بک الجميل[48] .


العدد الموسوم في هذا البيت أراد بهم أهل البيت أصحاب العباء الذين قال الله تعالي في حقهم: «ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا[49] و هم محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، و سادس القوم جبرئيل.

الثانية: إن أکثر هذه الأحاديث لا تذکر مصدر هذا الطير المشوي الذي أکل منه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أکل معه علي عليه السلام و إن ذکر في بعضها، فأنک شاهدت ألفاظ الأحاديث التي مرت عليک، ففيها «قدم لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو اهدي أو قرب و وضع بين يديه» و ما شابه ذلک، فهل کان هذا الطير من أطيار الدنيا أو من طيور الجنة؟ يظهر من بعض الأحاديث أن هذا الطير من أطيب طعام الجنة أتي به جبرئيل عليه السلام إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، کالخبر الاذي أخرجه العلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ ضمن حديث طويل عن علي عليه السلام في البحار، ج 38، ص. 348

و يستفاد أيضا من هذا الحديث أن عائشة کانت تمنع الإمام عليه السلام من الدخول علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و العمدة في هذا الباب أن هذه الفضيلة من خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام و أنه أحب الناس إلي الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و أفضلهم، و الاختلاف في هوامش هذه الفضيلة و جوانبها لا يقدح في أصلها.

الثالثة: إن حديث الطير من الأحاديث المعتبرة الصحيحة التي قد أجمعت أئمة الحديث و الحفاظ علي صحته و توثيق سنده، و قد تواتره وروده بطرق شتي و أسانيد عديدة، منهم الحافظ ابو عبد الله الحاکم النيشابوري في مستدرکه[50] ، قال: «و قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة علي ثلاثين نفسا». و قال الحافظ الذهبي في تلخيصه علي ما في ذيل المستدرک: «و قد رواه عن أنس أکثر من ثلاثين نفسا»، و أخرجه الحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقبه عن أربعة و عشرين طريقا.

و قال الحافظ المقتول في سنة 658 الکنجي الشافعي في کفاية الطالب[51] : «و حديث أنس الذي صدرته في أول الباب أخرجه الحاکم ابو عبد الله الحافظ النيشابوري عن ستة و ثمانين رجلا کلهم رووه عن أنس، و هذا ترتيبهم علي حروف المعجم» ثم ذکر أسامي کلهم. و أخرجه ابن عساکر من عشرين طريقا[52] ، و جاء حديث الطير في ذيل إحقاق الحق بالتفصيل[53] .

ثم إن الموضوع مما نظمه شعراء أهل البيت عليهم السلام ـ رحمه الله ـ و أرسلوه إرسال المسلمات. قال السيد إسماعيل الحميري ـ رحمه الله ـ المتوفي سنة 173:


نبئت أن أبانا کان عن أنس
يروي حديثا عجيبا معجبا عجبا


في طائر جاء مشويا به بشر
يوما و کان رسول الله محتجبا


أدناه منه فلما أن رآه دعا
ربا قريبا لأهل الخير منتجبا


أدخل إلي أحب الخلق کلهم
طرا إليک فأعطاه الذي طلبا


فاعتز[54] بالباب معتز فقال له
من ذا؟ و کان وراء الباب مرتقبا


من ذا؟ فقال: علي قال: إن له
شأنا له أهتم منه اليوم فاحتجبا[55] .


و قال صاحب بن عباد ـ رحمه الله ـ:


من کمولاي علي زاهد
طلق الدنيا ثلاثا و وفي


من دعي للطير أن يأکله
و لنا في بعض هذا مکتفي[56] .


افتراءات و شبهات وقعت حول حديث الطير:

أولها من المدعي المعاند ابن تيمية الحراني أنه قال: «فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح، و لا صححه أئمة الحديث و لکن هو مما رواه بعض الناس کما رووا أمثاله في فضل غير علي»[57] .

أقول: و قد ذکرنا آنفا تواتره من کلام أعلامهم، و ما أقول في رجل أفتي أئمة المذاهب الأربعة بفسقه و کفره، و مات في السجن.

و قال أيضا هذا الغاوي الناکب عن الحق: «إن الطير ليس فيه أمر عظيم هنا يناسب أن يجي ء أحب الخلق إلي الله ليأکل معه فإن إطعام الطعام مشروع للبر و الفاجر، و ليس في ذلک زيادة و قربة عند الله لهذا الآکل و لا معونة علي مصلحة دين و لا دنيا، فأي أمر عظيم يناسب أن يجي ء أحب الخلق إلي الله يفعله؟»[58] .

قال العلامة المظفر ـ رحمه الله ـ: «و الجواب: أن الأمر العظيم تعريف الأحب إلي الله» تعالي للناس بدليل وجداني فإنه آکد من اللفظ و أقوي في الحجة، کما عرفهم نبي الهدي صلي الله عليه و آله و سلم أن عليا حبيب الله في قصة خيبر بإخبارهم أنه يعطي الراية من يحبه الله و رسوله و يحب الله و رسوله، و أن الفتح علي يده، علي أنه يکفي في المناسبة رغبة النبي صلي الله عليه و آله و سلم بأن يأکل مع أحب الخلق إلي الله و إليه»[59] .

و مما قال ابن تيمية الحراني: «إن الحديث يناقض مذهب الرافضة فإنهم يقولون: إن النبي کان يعلم أن عليا أحب الخلق إلي الله، و أنه جعله خليفة من بعده، و هذا الحديث يدل علي أنه ما کان يعرف أحب الخلق إلي الله»[60] .

و الجواب من العلامة المظفر ـ رحمه الله ـ: «إنا لا نعرف وجه الدلالة علي أنه لا يعرفه، أتراه لو قال: ائتني بعلي يدل علي عدم معرفته له؟[61] و کيف لا يعرفه و قد قال کما في بعض الأخبار: «اللهم ائتني بأحب الخلق إليک و إلي». و قال لعلي في بعض آخر: «ما حبسک علي»؟ و قال له في بعضها: «ما الذي أبطأبک»؟ فالنبي صلي الله عليه و آله و سلم کان عارفا به لکنة أبهم و لم يقل: ائتني بعلي، ليحصل التعيين من الله سبحانه فيعرف الناس أن عليا هو الاحب إلي الله تعالي بنحو الاستدلال».

و من الشبهات حول هذا الحديث ما في المواقف و شرحها و هو أنه لا يفيد أنه عليه السلام أحب إليه في کل شي ء لصحة التقسيم و إدخال لفظ الکل و البعض، ألا تري أنه يصح أن يستفسر و يقال: أحب إليه في کل الأشياء أو في بعض الأشياء؟ فلا يدل علي الأفضلية مطلقا. و قال العلامة المظفرـ رحمه الله ـ في جوابه: «إن الإطلاق مع عدم القرينة علي الخصوص يفيد العموم في مثل المقام، ألا تري أن کلمة الشهادة تدل علي التوحيد؟ و بمقتضي ما ذکره ينبغي أن لا تدل عليه، لإمکان الاستفسار بأنه لا إله إلا هو في کل شي ء أو في السماء أو في الأرض، إلي غير ذلک فلا تفيد نفي الشرک مطلقا، و هذا لا يقوله عارف»[62] .

و من تلک الشبهات: أنه خبر واحد من أخبار الآحاد لأنه رواه أنس ابن مالک وحده.

و أجابه الشيخ المفيدـ رحمه الله ـ: بأن الامة بأجمعها قد تلقته بالقبول و لم يروا أن أحدا رده علي أنس و لا أنکر صحته عند روايته، فصار الإجماع عليه هو الحجة في صوابه مع أن المتواتر قد ورد بأن أميرالمؤمنين عليه السلام احتج به في مناقبه يوم الدار فقال: «أنشدکم الله هل فيکم أحد قال له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم ائتني بأحب خلقک إليک يأکل معي من هذا الطائر، فجاء أحد غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: اللهم اشهد». فاعترف الجميع بصحته، و لم يکن أميرالمؤمنين عليه السلام ليحتج بباطل لا سيما و هو في مقام المنازعة»[63] .

و لنختم هذا البحث بنقل کلام عن العلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ:

قال )ره( بعد ذکر أخبار الطير: «اعلم أن تلک الأخبار مع تواترها و اتفاق الفريقين علي صحتها تدل علي کونه ـ صلوات الله عليه ـ أفضل الخلق و أحق بالخلافة بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. أما دلالتها علي کونه أفضل فلأن حب الله تعالي ليس إلا کثرة الثواب و التوفيق و الهداية المرتبة علي کثرة الطاعة و الاتصاف بالصفات الحسنة کما برهن في محله أنه تعالي منزه عن الانفعالات و التغيرات، و إنما اتصافه بالحب و البغض و أمثالهما باعتبار الغايات... فظهر أن حبه تعالي إنما يترتب علي متابعة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فثبت أنه ـ صلوات الله عليه ـ أفضل من جميع الحلق.

و إنما خص الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بالاجماع و بقرينة أنه کان هو القائل لذلک فالظاهر أن مراده أحب سائر الخلق إليه تعالي.

و أما کونه أحق بالخلافة فلأن من کان أفضل من جميع الصحابة بل من سائر الأنبياء و الأوصياء لا يجوز العقل تقدم غيره عليه»[64] .









  1. البينة، 98: 7.
  2. الزمخشري: الدر المنثور، ج 6: ص 379.
  3. الطبري: جامع البيان، ج: 29/ ذيل الآية..
  4. الکنجي: کفاية الطالب، ص 245.
  5. الآلوسي: روح المعاني، ج 30: ص 207.
  6. القندوزي: ينابيع المودة، ج 2: ص 127.
  7. القندوزي: ينابيع المودة، الباب 56: ج 2/ ص 80.
  8. الحمويني: فرائد السمطين، ج 1: ص 170.
  9. الحسکاني: شواهد التنزيل، ج 1: ص 19.
  10. الخوارزمي: المناقب، ص 45.
  11. المجلسي: بحار الأنوار، ج 39: صص 35ـ 37.
  12. اللين: ضد الخشونة.
  13. المجلسي: بحار الأنوار، ج 39: صص 35ـ 37.
  14. الانعام، 6: 90.
  15. الرازي: التفسير الکبير، ج 13: ص 69.
  16. البقرة، 2: 31.
  17. الفتح، 48: 29.
  18. نوح، 71: 26.
  19. التوبة، 9: 114.
  20. الکنجي: کفاية الطالب، الباب 23: ص 122.
  21. القندوزي: ينابيع المودة، ج 2: ص 78.
  22. المصدر السابق، ج 17: ص 127.
  23. التفضيل، ص 25. و أورده صاحب «ينابيع المودة»، )في ج 1: ص 63(..
  24. کذا، و الظاهر أن الخبر دخيل. )م(.
  25. الکنجي: کفاية الطالب، ص 316.
  26. التفضيل، ص 16 و 19.
  27. المصدر..
  28. المصدر..
  29. ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، ص 38.
  30. القندوزي: ينابيع المودة، ج 1: ص 55.
  31. البحراني: البرهان في تفسير القرآن، ج 4: ص 148.
  32. البحراني: البرهان في تفسير القرآن، ج 4: ص 148.
  33. الکنجي: کفاية الطالب، الباب 47: ص 194.
  34. ق، 50: 37.
  35. ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، ص 168.
  36. المستدرک، ج 3، ص 130، ط حلب..
  37. النحامة: طائر أحمر يقال له بالفارسية: سرخ آوي )ابن منظور: لسان العرب(.
  38. ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، صص 167ـ 156.
  39. المصدر.
  40. المصدر..
  41. المصدر..
  42. ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، صص 167ـ 156.
  43. المصدر..
  44. ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، ص 167.
  45. الحجل: القبح، و بالفارسية: کبک، و هو طائر معروف. و الصناب ـ بالکسرـ: ادام يتخذ من الخردل و الزبيب، أو الخردل و الزيت.
  46. ابن عساکر، تاريخ دمشق، ج 2: ص 112.
  47. الغافر، 40: 60.
  48. الکنجي الشافعي، کفاية الطالب، الباب 33، ص 151.
  49. الاحزاب، 33: 33.
  50. المصدر، ج 3، ص 131.
  51. الکنجي الشافعي، کفاية الطالب، الباب 33، ص 152.
  52. ابن عساکر، تاريخ دمشق، ج 2: ص 105.
  53. ابن عساکر، تاريخ دمشق، ج 2: ص 105.
  54. اعتز: تشرف و تعظم.
  55. ديوان الحميري، ص 69، ط دار مکتبة الحياة.
  56. کفاية الطالب، الباب 46، ص 192.
  57. منهاج السنة، ج 4، ص 99، ط الرياض. أقول: و قد ينبغي جدا أن نسميه منهاج الضلالة.
  58. المصدر.
  59. دلائل الصدق، ج 2، ص 283.
  60. منهاج السنة، ج 4، ص 99.
  61. قال مصحح الکتاب: أتراه صلي الله عليه و آله أنه قال يوم خيبر: «لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله» أکان لا يعرفه حين هذا القول؟ و لو کان لا يعرفه فکيف أعطي الراية عليا؟ علي أن قبيل هذا الکلام انما يصدر ممن يکون عارفا بالمقصود و انما يکني به ليکون أوضح في الدلالة، و هذا ما لا يجهله من له آدني المام بالادب. )استادولي(.
  62. دلائل الصدق، ج 2، ص 438.
  63. البحار، ج 38، ص 358.
  64. البحار، ج 38، ص 358.