آية الشاهد











آية الشاهد



و من الآيات الدالة علي أفضلية أميرالمؤمنين عليه السلام علي جميع البشر حتي الأنبياء و الرسل عليهم السلام قوله تعالي:/ أفمن کان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه و من قبله کتاب موسي إماما و رحمة/[1] .

هذه الآية و إن اختلف المفسرون فيها اختلافا عجيبا من حيث المعني و الإعراب، کاختلافهم في المراد من الموصول أ هو النبي صلي الله عليه و آله و سلم أو المؤمنون من أصحابه أو من أهل الکتاب أو کل من يدين بالحق في أي زمان، و المراد من البينة أ هي بصيرة إلهية أو القرآن، و المراد من «يتلوه» أهو من التلاوة أو من التلو، و المراد من الضمير المنصوب فيه أهو عائد إلي الموصول أو إلي البينة باعتبار المعني، و المراد من الشاهد هو جبرئيل أو لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو وجهه صلي الله عليه و آله و سلم أو علي المرتضي عليه السلام، و المراد من الضمير المجرور في «منه» أهو عائد إلي الله عزوجل أو إلي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و المراد من الضمير المجرور في «قبله» أهو عائد إلي الموصول أو إلي البينة، و المراد من «إماما و رحمة» أهما حالان من الشاهد أو من کتاب موسي، حتي قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: «و أمر الآية فيما يحتمله مفردات ألفاظها و ضمائرها عجيب، فضرب بعضها في بعض يرقي إلي الوف من المحتملات بعضها صحيح و بعضها خلافه[2] إلا أن الآية الکريمة بمعونة الأخبار الکثيرة المستفيضة التي جائت من طريق العامة و الخاصة تدل علي أن من کان علي بينة من ربه هو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أن الشاهد التالي منه هو علي المرتضي عليه السلام و أنه منه أي کانه بعض من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و جزء منه، بل أوصياؤه الکرام عليهم السلام شهداء منه واحدا بعد واحد.

فلاحظ کلام الفخر الرازي و نظرائه من العامة کيف أجري الله الحقيقة علي لسانهم! قال في تفسيره: «و ثالثها )أي من الأقوال( أن المراد هو علي ابن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ، و المعني أنه يتلو تلک البينة. و قوله «منه» أي هذا الشاهد من محمد صلي الله عليه و آله و سلم و بعض منه. و المراد منه تشريف هذا الشاهد بأنه بعض من محمد عليه السلام[3] .

أقول: فاذا کان عليه السلام بعضا من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يکون أفضل من جميع أولي العزم من الرسل عليهم السلام.

و قال القرطبي في تفسيره: «روي عن ابن عباس أنه قال: هو علي بن أبي طالب. و روي عن علي أنه قال: ما من رجل من قريش إلا و قد انزلت فيه الآية و الآيتان، فقال له رجل: أي شي ء نزل فيک؟ فقال علي: و يتلوه شاهد منه[4] .

و قال الحافظ ابو حيان الاندلسي في تفسيره[5] : «و روي المنهال عن عبادة بن عبد الله: قال علي ـ کرم الله وجهه ـ: ما في قريش أحد إلا و قد نزلت فيه آية، قيل: فما نزلت فيک؟ قال عليه السلام: و يتلوه شاهد منه». و قال الآلوسي البغدادي في تفسيره: «و أخرج ابن مردويه بوجه آخر عن علي ـ کرم الله تعالي وجهه ـ قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «أفمن کان علي بينة من ربه» أنا، «و يتلوه شاهد منه» علي. و «يتلوه» اي يتبعه «شاهد» عظيم يشهد بکونه من عند الله تعالي شأنه. و معني کونه «منه» أنه غير خارج عنه[6] .

و قال العلامة، الشيخ سليمان الحنفي: «أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي المدني في «درر السمطين» بسنده عن ابي الطفيل عامر بن وائلة و جعفر بن حيان قالا: خطب الحسن بن علي ـ رضي الله عنهماـ بعد شهادة أبيه قال: أيها الناس! أنا ابن البشير، و أنا ابن النذير، و أنا ابن السراج المنيرـ إلي أن قال: ـ فأخرج جدي صلي الله عليه و آله و سلم يوم المباهلة من الأنفس أبي، و من البنين أنا و أخي الحسين، و من النساء امي فاطمة، فنحن أهله و لحمه و دمه، و نحن منه و هو منا، و هو يأتينا کل يوم عند طلوع الفجر فيقول: الصلاة، يا أهل البيت ـ يرحمکم الله ـ، ثم يتلو:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/ ، و قال الله تعالي:/ أفمن کان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه/ ، فجدي صلي الله عليه و آله و سلم علي بينة من ربه، و أبي الذي يتلوه و هو شاهد منه[7] .

و أخرج أيضا عن الحمويني: «عن ابن عباس، و بسنده عن زاذان و هما، عن علي ـ کرم الله وجهه ـ، قال: إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم کان بينة من ربه، و أنا التالي الشاهد منه[8] .

و قال الحافظ جلال الدين السيوطي في تفسيره: «أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه و أبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال عليه السلام: ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن. فقال له رجل، ما نزل فيک؟ قال عليه السلام: أما تقرأ سورة هود:/ أفمن کان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه/ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بينة من ربه، و أنا شاهد منه».

و أخرج ابن مردويه و ابن عساکر عن علي ـ رضي الله عنه ـ في الآية، قال: «رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بينة من ربه، و أنا شاهد منه[9] .

و أخرج ابن مردويه من وجه آخر، عن علي ـ رضي الله عنه ـ، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم:/ أفمن کان علي بينة من ربه/ أنا. و يتلوه شاهد منه قال: علي[10] .

و قال الإمام الحافظ، ابو جعفر، محمد بن جرير الطبري في تفسيره: و قال آخرون: هو علي بن أبي طالب. حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا زريق ابن مرزوق، قال: حدثنا صباح الفراء، عن جابر بن عبد الله بن يحيي، قال: قال علي ـ رضي الله عنه ـ: ما من رجل من قريش إلا و قد نزلت فيه الآية و الآيتان. فقال له رجل: فأنت فأي شي ء نزل فيک؟ فقال علي: أما تقرأ الآية التي نزلت في هود:/ و يتلوه شاهد منه/ ؟[11] .

و قال العلامة الفيض القاساني في تفسيره: «عن الکاظم و الرضا عليهما السلام: و أميرالمؤمنين عليه السلام الشاهد علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و رسول الله علي بينة من ربه». و أنه عليه السلام سئل عن أفضل منقبة له، فتلا هذه الآية و قال: «أنا الشاهد من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم». و في «المجمع» عن أميرالمؤمنين و الباقر و الرضا عليهم السلام: «أن الشاهد منه علي بن أبي طالب عليه السلام يشهد للنبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو منه». و عن العياشي عنه )أي الصادق( عليه السلام: «الذي علي بينة من ربه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و الذي تلاه من بعده الشاهد منه أميرالمؤمنين عليه السلام ثم أوصياؤه واحد بعد واحد»، و القمي عن الصادق عليه السلام: «إنما انزل: أفمن کان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه إماما و رحمة و من قبله کتاب موسي». و عن الباقر عليه السلام: «إنما انزلت: أفمن کان علي بينة من ربه )يعني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم( و يتلوه )علي( شاهد منه إماما و رحمة و من قبله کتاب موسي اولئک يؤمنون به. فقدموا و أخروا في التأليف[12] .

و قال العلامة، السيد علي الموسوي البهبهاني في کتابه «مصباح الهداية»: «و أما المقام الثالث و هو الإحتواء علي المنقبة الفاضلة فيظهر من مواضع منها )أي من آية الشاهد(. الأول: کونه عليه السلام شاهدا للرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي رسالته. و الثاني: أنه من الرسول. و الثالث: أنه تال له. و الرابع و الخامس: أنه إمام و رحمة.

توضيح الأمر: إن من الآثار المترتبة علي الشهادة برسالته صلي الله عليه و آله و سلم إسلام الشاهد، و هو مترتب عليها في جميع الموارد سواء کان الشاهد معصوما، أم لا. و منها ثبوت الرسالة بها، و هو إنما يترتب عليها إذا کان الشاهد عالما معصوما من الخطأ و الزلل عمدا و سهوا و جهلا. و الغرض في المقام إنما هو الثاني لا الأول، ضرورة أنه عزوجل في مقام إثبات رسالة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم بالحجج القاطعة التي لا ينبغي الإرتياب فيها ممن له حظ من مراتب التعقل، فلو لم يکن هذا الشاهد الذي ذکره تعالي معصوما من الجهل و الزلل عمدا و سهوا لم يکن لذکره في هذا المقام و جعل شهادته في مقابل بينة الرب تعالي مقدمة علي شهادة کتاب موسي مجال...

هذا کله بالنسبة إلي کونه عليه السلام شاهدا للرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي رسالته، و أما کونه من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فمنقبة اخري قد کشف عنها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي ما رواه الفريقان أنه قال صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا و علي من شجرة واحدة، و الناس من أشجار شتي» و «علي مني و أنا منه»، و هي منقبة جليلة دالة علي اتحادهما و تساويهما في الکمال، و عدم ارتقاء أحد من الناس مرتبته و درجته.

و أما کونه تاليا للرسول صلي الله عليه و آله و سلم ـ بناء علي أخذ يتلوه من التلو و رجوع ـ الضميرالمنصوب إلي الموصول کما هو الظاهر بقرينة مقابلة مع قوله عزوجل/ و من قبله کتاب موسي/ و تذکير الضمير الظاهر في الرجوع إلي المذکر و هو الموصول لا البينة، فهو دليل علي أنه عليه السلام خير الناس و أفضلهم بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم و خلافته عليه السلام بلا فصل، إذ لو تلاه غيره ابتداء لکان أحق بالذکر، بل لا مجال لذکر المتأخر و ترک المتقدم[13] .

أقول: بعد ما لاحظت کلام هذا المحقق العلامة رحمه الله و هو قوله «و أما کونه عليه السلام من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فمنقبة اخري قد کشف عنها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم» فانظر الأخبار و الأحاديث التي جائت من الفريقين بأن عليا عليه السلام من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أو عضو منه، أو جزء منه و أمثال ذلک، حتي يتضح لک ما کشف عنها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فها نحن نذکر نبذة منهاـ إن شاء الله تعالي ـ شفاء للمؤمنين و خسارا للظالمين.

1ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه: «عن علي عليه السلام قال: کنت في أيام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم کجزء من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ينظر إلي الناس کما ينظر إلي الکواکب[14] .

2ـ و قال أيضا: «عن علي عليه السلام: أنا من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم کالعضد من المنکب، و کالذراع من العضد[15] .

3ـ و قال العلامة الشيخ سليمان القندوزي: «عن علي عليه السلام: أنا من أحمد کالکف من اليد، و کالذراع من العضد، و کالضوء من الضوء[16] .

4ـ و عنه: «قال أبوذر رفعه: إن الله تبارک و تعالي ايد هذا الدين بعلي، و إنه مني و أنا منه، و فيه انزل: أفمن کان علي بينة من ربه» الآية[17] ـ و روي العلامة المناوي: «علي مني بمنزلة رأسي من بدني». و عنه صلي الله عليه و آله و سلم: «علي مني و أنا من علي، و لا يؤدي عني إلا أنا أو علي». و قال في شرحه: «أي هو متصل بي و أنا متصل به في الاختصاص و المحبة و غيرهما[18] .

6ـ قال الحافظ المحدث الکبير، الجويني الخراساني: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم... فعلي مني و أنا منه، لحمه من لحمي، و دمه من دمي[19] .

7ـ قال الحافظ المحدث محمد بن طلحة الشافعي: «عن براء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لعلي عليه السلام: أنت مني و أنا منک[20] .

8ـ قال أحمد بن حنبل الشيباني: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم )في حديث أخذنا منه موضع الحاجة(: أما أنت، يا جعفر! فأشبهت خلقي و خلقي، و أما أنت، يا علي! فمني و أنا منک، و أما أنت، يا زيد! فأخونا و مولانا، و الجارية عند خالتها، و الخالة والدة[21] .

9ـ قال الحافظ ابو عبد الله الکنجي الشافعي: «عن زاذان، عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: کنت أنا و علي نورا بين يدي الله مطيعا، يسبح ذلک النور و يقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم رکز ذلک النور في صلبه، فلم يزل في شي ء واحد حتي افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا، و جزء علي[22] .

10ـ و قال أيضا: «قال صلي الله عليه و آله و سلم: أن الله خلق الأنبياء من أشجار شتي، و خلقني و عليا من شجرة واحدة، فانا أصلها، و علي فرعها، و فاطمة لقاحها، و الحسن والحسين ثمرها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، و من زاغ عنها هوي[23] .

11ـ و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «يا علي! خلقت أنا و أنت من شجرة واحدة، أنا أصلها، و أنت فرعها، و الحسن و الحسين أغصانها. فمن تعلق بغصن منها دخل الجنة[24] .

12ـ و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «خلقت أنا و هارون بن عمران و يحيي بن زکريا و علي بن أبي طالب من طينة واحدة[25] .

13ـ و قوله صلي الله عليه و آله و سلم لام سلمة: «أتعرفينه )يعني عليا( قالت: نعم، هذا علي بن أبي طالب، قال: صدقت، سجيته سجيتي، و دمه دمي[26] .

14ـ و عن علي عليه السلام: «إن الحسن و الحسين عليهما السلام سبطا هذه الامة، و هما من محمد کمکان العينين من الرأس، و أما أنا فکمکان اليد من البدن، و أما فاطمة فکمکان القلب من الجسد، مثلنا مثل سفينة نوح، من رکبها نجا، و من تخلف عنها غرق[27] .

15ـ و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «أنت مني کروحي من جسدي» و قال صلي الله عليه و آله و سلم «أنت زري من قميصي» و قال صلي الله عليه و آله و سلم: «أنت مني کالضوء من الضوء[28] .









  1. هود، 11: 17.
  2. الطباطبايي: الميزان، ج 10: ص 192.
  3. الرازي: التفسير الکبير، ج 17: ص 200.
  4. القرطبي: الجامع لأحکام القرآن، ج 9: ص 16.
  5. ابو حيان: البحر المحيط، ج 5: ص 211.
  6. الآلوسي: روح المعاني، ج 12: ص 25.
  7. القندوزي: ينابيع الموده، ص 479.
  8. القندوزي: ينابيع الموده، ص 99.
  9. الزمخشري: الدر المنثور، ج 3: ص 324.
  10. الزمخشري: الدر المنثور، ج 3: ص 324.
  11. الطبري: جامع البيان، ج 12: ص 14.
  12. الفيض القاساني: تفسير الصافي، ج 2: ص 437.
  13. البهبهاني: مصباح الهداية، ص 59، ط القاهرة..
  14. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 20: ص 326.
  15. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 20: ص 316.
  16. القندوزي: ينابيع المودة، ص 138.
  17. القندوزي: ينابيع المودة، ص 256.
  18. المناوي: فيض القدير، ج 4: ص 356.
  19. الحمويني: فرائد السمطين، ج 1: ص 43.
  20. ابن طلحة: مطالب السؤول، ص 18.
  21. أحمد: المسند، ج 1: ص 98.
  22. الکنجي: کفاية الطالب، الباب 87: ص 315.
  23. الکنجي: کفاية الطالب، الباب 87: ص 337.
  24. الکنجي: کفاية الطالب، الباب 87.
  25. المصدر..
  26. الکنجي: کفاية الطالب، الباب 86.
  27. المجلسي: بحار الأنوار، ج 39: ص 353.
  28. المجلسي: بحار الأنوار، ج 38: ص 296.