عود الي بدء











عود الي بدء



أقول: أما قوله: «فإن کلمة «نساءنا» لا يقولها العربي و يريد بها بنته لا سيما إذا کان له أزواج، و لا يفهم هذا من لغتهم، و أبعد من ذلک أن يراد ب «أنفسنا» علي ـ رضوان الله عليه ـ فتلک کلمة واهية لا وزن لها عند أهل التحقيق و الدقة. و إني أتعجب من رجل يعد من المفسرين و له تلاميذ يأخذون منه التفسير و مع ذلک يتکلم بکلام ليس له قدر عند أهل الفن، و المظنون عندي جدا هذا کلام تلميذه سيد رشيد رضا الذي کان نصب الشيعة من خصوصياته. و کأن الرجل لم ير و لم يقرأ هذه الآية:/ و إن کانوا إخوة رجالا و نساء فللذکر مثل حظ الانثيين، يبين الله لکم أن تضلوا و الله بکل شي ء عليم/[1] يعني إذا تکون ورثة الميت إخوة أبناء و بناتا فللأبناء سهمان و للبنت سهم واحد. ففي هذه الآية اطلقت کلمة النساء علي البنات بلا خلاف.

و أيضا قوله تعالي:/ يوصيکم الله في أولادکم للذکر مثل حظ الانثيين فإن کن نساء فوق اثنتين ـ الآية/[2] فلما ذا يقول: «إن کلمة «نساءنا» لا يقولها العربي و يريد بها بنته»؟ أليس القرآن بلسان عربي مبين؟! نعم، هو يعلم، و لکنه أخلد إلي الأرض و اتبع هواه، فمن لم يجعل الله له نورا فماله من نور.

و أما قوله: «و أبعد من ذلک أن يراد ب «أنفسنا» علي ـ عليه رضوان الله ـ» فلاحظ کلام الواحدي النيشابوري و هو من أعلام القرن الرابع و من أعاظم علماء العامة، فإنه قال: «قال جابر: فنزلت فيهم )أي في أهل الکساء( هذه الآية: «فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم ـ الآية» قال الشعبي: «أبناءنا» الحسن و الحسين، و «نساءنا» فاطمة. و «أنفسنا» علي بن أبي طالب رضي الله عنهم[3] .

و قال ابن حجر الهيثمي المکي: «عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما فتح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مکة انصرف إلي الطائف فحصرها سبع عشرة ليلة أو تسع عشرة ليلة، ثم قام خطيبا فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أوصيکم بعترتي خيرا، و إن موعدکم الحوض، و الذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة و لتؤتن الزکاة أو لأبعثن إليکم رجلا مني کنفسي، يضرب أعناقکم. ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ثم قال: هو هذا[4] .

و قال الحافظ أخطب خوارزم: «عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لوفد ثقيف حين جاؤوه: لتسلمن أو ليبعثن الله رجلا مني ـ أو قال: مثل نفسي ـ[5] و قال: «قلت عائشة: من خير الناس بعدک يا رسول الله؟ قال: علي بن أبي طالب، هو نفسي و أنا نفسه[6] .

و قال الحافظ العلامة الکنجي: «... فقالت فاطمة عليه السلام: يا رسول الله ما أراک قلت في علي شيئا! قال صلي الله عليه و آله و سلم: إن عليا نفسي، هل رأيت أحدا يقول في نفسه شيئا؟[7] .

و قال العلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ: «سئل النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن بعض أصحابه، فذکر فيه، فقال له قائل: فعلي؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: إنما سألتني عن الناس و لم تسألني عن نفسي[8] .

و قال أيضا: «قال صلي الله عليه و آله و سلم )عند المباهلة مع نصاري نجران(: اللهم هذا نفسي و هو عندي عدل نفسي، اللهم هذه نسائي أفضل نساء العالمين، و قال: اللهم هذان ولداي و سبطاي، فأنا حرب لمن حاربوا، و سلم لمن سالموا[9] .

و قال ـ أيضاـ عند ذکر غزوة أحد حين انهزم الناس يوم احد و ما بقي أحد إلا علي عليه السلام و أبو دجانة سماک بن خرشة: «فدعاه النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا أبا دجانة انصرف و أنت في حل من بيعتک، فأما علي فهو أنا، و أنا هو. فتحول و جلس بين يدي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بکي و قال: لا، و الله...[10] .

و قال أيضا: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا ابن أبي طالب! إنما أنت عضو من أعضائي، تزول أينما زلت[11] .

و قال العلامة سبط ابن الجوزي في قضية بني وليعة: «عن أنس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لينتهين بنو وليعة، أو لأبعثن إليهم رجلا کنفسي، يمضي فيهم أمري، و يقتل المقاتلة، و يسبي الذرية. قال أبوذر: فما راعني إلا برد کف عمر من خلفي فقال: من تراه يعني؟ قال: فقلت: ما يعنيک، و إنما يعني خاصف النعل علي بن أبي طالب». و بنو وليعة قوم من العرب[12] .

و قال العلامة القندوزي: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: علي مني کنفسي، طاعته طاعتي، و معصيته معصيتي[13] .

و قال الحافظ الکنجي: «قال ابن عباس: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خلق الله قضيبا من أن يخلق الدنيا بأربعين ألف عام، فجعله أمام العرش حتي کان أول مبعثي، فشق منه نصفا، فخلق منه نبيکم، و النصف الآخر علي بن أبي طالب[14] .

و قال الحافظ محب الدين الطبري: «عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: علي مني بمنزلة رأسي من جسدي[15] .

و قال العلامة، السيد الشريف الرضي: «و من سأل عن قوله تعالي:/ فمن حاجک فيه من بعد ما جاءک من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم و نساءنا و نساءکم و أنفسنا و أنفسکم/ ـ الآية، فقال: أما دعاء الأبناء و النساء فالمعني فيه ظاهر، فما دعاء الأنفس؟ و الإنسان لا يصح أن يدعو نفسه کما لا يصح أن يأمر و ينهي نفسه.

فالجواب عن ذلک: أن العلماء أجمعوا و الرواة أطبقوا علي أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لما قدم عليه و فد نصاري نجران و فيهم الأسقف )و هو ابو حارثة بن علقمة( و السيد و العاقب، و غيرهم من رؤسائهم، فدار بينهم و بين رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في معني المسيح عليه السلام ما هو مشروح في کتب التفاسير )و لا حاجة بنا إلي استقصاء شرحه لأنه خارج عن غرضنا في هذا الکتاب(. فلما دعاهم صلي الله عليه و آله و سلم إلي الملاعنة أقعد بين يديه أميرالمؤمنين عليا، و من ورائه فاطمة، و عن يمينه الحسن، و عن يساره الحسين عليهم السلام أجمعين، و دعاهم )هو( صلي الله عليه و آله و سلم إلي أن يلاعنوه، فامتنعوا من ذلک خوفا علي أنفسهم و إشفاقا من عواقب صدقه و کذبهم.

و کان دعاء الأبناء مصروفا إلي الحسن و الحسين عليهما السلام، و دعاء النساء مصروفا إلي فاطمة عليها السلام، و دعاء الأنفس مصروفا إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، إذ لا أحد في الجماعة يجوز أن يکون ذلک متوجها إليه غيره، لأن دعاء الإنسان نفسه لا يصح کما لا يصح أن يأمر نفسه، و لأجل ذلک قال الفقهاء: إن الآمر لا يجوز أن يدخل تحت الامر، لأن من حقه أن يکون فوق المأمور في الرتبة و يستحيل أن يکون فوق نفسه.

و مما يوضح ذلک ما رواه الواقدي في کتاب «المغازي» من أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لما أقبل من بدر و معه اساري المشرکين کان سهيل بن عمرو مقرونا إلي ناقة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فلما صار من المدينة علي أميال انتشط )اجتذب( نفسه من القرن )الحبل( و هرب. فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: من وجد سهيل بن عمرو فليقتله، و افترق القوم في طلبه فوجده النبي صلي الله عليه و آله و سلم من بينهم منقبعا إلي جذع شجرة )مستترا في أصل الشجرة( فلم يقتله و أعاده إلي الوثاق لأنه لم يصح دخوله تحت أمر نفسه، و لو وجد غيره من أصحابه لوجب عليه أن يقتله لما صح أن يدخل تحت أمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم...

و من شجون )شعبة( هذه المسألة ما حکي عن القاسم بن سهل النوشجاني، قال: «کنت بين يدي المأمون في ايران أبي مسلم بمرو و علي بن موسي الرضا عليه السلام قاعد عن يمينه، فقال لي المأمون: يا قاسم! أي فضائل صاحبک أفضل؟ فقلت: ليس شي ء منها أفضل من آية المباهلة فإن الله سبحانه جعل نفس رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و نفس علي عليه السلام واحدة. فقال لي: إن قال لک خصمک: إن الناس قد عرفوا الأبناء في هذه الآية و النساء و هم الحسن و الحسين و فاطمة، و أما الأنفس فهي نفس رسول الله وحده، بأي شي ء تجيبه؟»

قال النوشجاني: «فأظلم علي ما بينه و بيني و أمسکت لا اهتدي بحجة. فقال المأمون للرضا عليه السلام: ما تقول فيها يا أبا الحسن؟ فقال له: في هذا شي ء لا مذهب عنه.

قال: و ما هو؟ قال: هو أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم داع و لذلک قال الله سبحانه:/ قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم.../ ـ الآية، و الداعي لا يدعو نفسه إنما يدعو غيره، فلما دعا الأبناء و النساء و لم يصح أن يدعو نفسه لم يصح أن يتوجه دعاء الأنفس إلا إلي علي بن أبي طالب عليه السلام إذ لم يکن بحضرته ـ بعد من ذکرناه ـ غيره ممن يجوز توجه دعاء الانفس إليه، و لو لم يکن ذلک کذلک لبطل معني الآية».

قال النوشجاني: «فانجلي عن بصري، و أمسک المأمون قليلا ثم قال له: يا أبا الحسن إذا اصيب الصواب انقطع الجواب[16] .

أقول: هذا آخر کلامنا في البحث عن آية المباهلة فلنعطف إلي البحث عن آية اخري في أفضلية أميرالمؤمنين عليه السلام.









  1. النساء، 4: 176.
  2. النساء، 4: 10.
  3. الواحدي: أسباب النزول، ص 68، ط ايران..
  4. ابن حجر: الصواعق المحرقة، ص 126.
  5. اخطب خوارزم: المناقب، ص 81.
  6. اخطب خوارزم: المناقب، ص 90.
  7. الکنجي: کفاية الطالب، الباب 71: ص 289.
  8. المجلسي: بحار الانوار، ج 38: ص 296.
  9. المجلسي: البحار، ج 37: ص 49.
  10. المجلسي: بحار الأنوار، ج 20: ص 107.
  11. المجلسي: بحار الأنوار، ج 38: ص 311.
  12. ابن الجوزي: تذکرة الخواص، ص 39.
  13. القندوزي: ينابيع المودة، ص 55.
  14. الکنجي: کفاية الطالب، الباب 87: ص 314.
  15. المحب الطبري: ذخائر العقبي، ص 63.
  16. حقائق التأويل، ج 5: ص 109.