مقايسة بين زكريا و علي











مقايسة بين زکريا و علي



قال الله عزوجل في قصة زکريا:/ قال رب إني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيبا و لم أکن بدعائک رب شقيا، و إني خفت الموالي من ورائي و کانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنک وليا، يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله رب رضيا، يا زکريا إنا نبشرک بغلام اسمه يحيي لم نجعل له من قبل سميا، قال رب أني يکون لي غلام و کانت امرأتي عاقرا و قد بلغت من الکبر عتيا، قال کذلک قال ربک هو علي هين و قد خلقتک من قبل و لم تک شيئا، قال رب اجعل لي آية قال آيتک ألا تکلم الناس ثلاث ليال سويا/.[1] .

خلاصة الآيات: أن زکريا عليه السلام کان نبيا عظيما من أنبياء بني إسرائيل، و هو شيخ کبير لم يکن له ولد و کانت امرأته عاقرا، فنادي ربه نداء خفيا مستترا عن أعين الناس لأنه أبعد من الريا، قال: رب إني ضعفت قواي و وهن العظم مني ـ و ذکر العظم لأنه عمود البدن و أساسه ـ و اضطرم المشيب في سواد رأسي، و انتشر بياض الشعر کما ينشر شعاع النار في الهشيم، يا رب إني خفت من أبناء عمي من بعدي ـ و کأن بني عمه کانوا من شرار بني إسرائيل ـ فأعطني من واسع فضلک و عظم جودک و عطائک ـ لا بطريق الأسباب العاديةـ ولدا يرثني و يرث من آل يعقوب، و اجعله رب رضيا.

فاستجاب الله تبارک و تعالي دعاءه و تولي تسمية الولد بنفسه فقال: يا زکريا إنا نبشرک بغلام اسمه يحيي فلما سمع هذه البشري صار متعجبا، فقال: من أي وجه کان لي ولد و امراتي عاقر، و قد ضعفت من الکبر؟ و قال الله تعالي في رد کلامه: يا زکريا! إني إذا أردت شيئا کان دون أن يتوقف علي الأسباب العادية التي رسمتها للحمل و الولادة، يا زکريا! ليس خلق هذا الغلام الذي وعدتک بأعجب من خلق البشر جملة من العدم. قال زکريا: يا رب اجعل لي علامة تدلني علي تحقق المسؤول. فقال الله تبارک و تعالي: علامتک علي وجود المبشر به و حصول الحمل ألا تقدر علي تکلم الناس بکلامهم المعروف ثلاث ليال و أنت صحيح الجسم ليست بک علة و لا مرض.

أخي العزيز! احب أن تلاحظ الآيات مرة اخري بعين الدقة و النظر فإنه عليه السلام لما طلب من الله ولدا و نادي ربه نداء خفيا، و قال: و لم أکن بدعائک رب شقيا، استجاب الله عز شأنه دعاءه و بشره بغلام اسمه يحيي، فما معني لاستفهامه عليه السلام بقوله: أني يکون لي غلام و کانت امرأتي عاقرا و قد بلغت من الکبر عتيا مع ذکره عليه السلام هذين الأمرين في ضمن دعائه و هو قوله تعالي حکاية عنه: «قال رب إني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيبا... و کانت امرأتي عاقرا»؟ أهذا استفهام إنکاري ـ العياذ بالله ـ؟ لا، لأنه لا يناسب مقام النبوة، بل هو مبني علي استعجابه عليه السلام.

قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: «فإن من بشر بما لا يتوقعه لتوفر الموانع و فقدان الأسباب تضطرب نفسه بادي ما يسمعها، فيأخذ في السؤال عن خصوصيات ما بشر به ليطمئن قلبه و يسکن اضطراب نفسه فإن الخطورات النفسانية ربما لا تنقطع مع وجود العلم و الإيمان[2] .

نعم، إن زکريا عليه السلام کان يوقن أن الله تعالي يعطيه ولدا و سماه يحيي، مع ذلک له اضطراب و قلق و أحوال و خواطر في کيفية الإعطاء حتي قال: رب اجعل لي آية و قال الله عزوجل: إنک لا تقدر علي التکلم مع الناس إلا رمزا.

أيها القراء الکرام! أنشدکم الله و رسله هل يمکن لأحد أن يجد في شأن أهل البيت عليهم السلام موردا مثل ما ذکر من أحوال زکريا عليه السلام؟ أعني أنهم عليهم السلام طلبوا من الله تعالي شيئا، و هو عزوجل شأنه استجاب دعاءهم و بشرهم به، و مع ذلک قالوا: أني لنا ذلک؟ و أحوالنا کذا و کذا، اللهم اجعل لنا اية حتي نکون من الطمئنين. لا، و الله، فإن آية التطهير تدل دلالة واضحة و صراحة قاطعة علي أنهم عليهم السلام في أعلي درجات اليقين و الإطمينان، لا تشوبهم وسوسة من الوساوس، و لا خاطرة من الخطورات النفسانية حتي لو کشف الغطاء عنهم ما ازدادوا يقينا، لأن الله عز شأنه أذهب عنهم جميع أنواع الرجس، و من أنواعه القلق و الإضطراب، و طهرهم تطهيرا. أمن الإنصاف أن يقايس أحد هذه الآيات التي جاءت في زکريا عليه السلام بآية المباهلة التي جاءت في أهل البيت ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ في مقام الدعاء و الإبتهال؟ و نحن نذکرها و نتکلم عليها فيما بعد، إن شاء الله تعالي.









  1. مريم، 19: 10ـ 4.
  2. الطباطبائي: الميزان، ج 14: ص 14.