مقايسة بين موسي و علي











مقايسة بين موسي و علي



قال الله عزوجل في ـ قصة موسي:/ فلما أتيها نودي من شاطي ء الواد الأيمن في البقعة المبارکة من الشجرة أن يا موسي إني أنا الله رب العالمين، و أن ألق عصاک فلما راها تهتز کأنها جآن ولي مدبرا و لم يعقب يا موسي أقبل و لا تخف إنک من الآمنين، اسلک يدک في جيبک تخرج بيضاء من غير سوء و اضمم إليک جناحک من الرهب فذانک برهانان من ربک إلي فرعون و ملائه إنهم کانوا قوما فاسقين، قال رب إني قتلت منهم نفسا فاخاف أن يقتلون/[1] .

خلاصة الآيات: أن موسي ـ علي نبينا و آله و عليه السلام ـ لما رجع من مدين مع أهله، و ما معه من الغنم ضل الطريق، و بينما هو کذلک إذ رأي نارا تضي ء عن بعد، فقال لأهله: انتظروا قليلا إني أبصرت نارا لعلي اتيکم منها بخبر الطريق أو آتيکم بقطعة من الحطب فيها نار لتستدفئوا بها من البرد، فلما جاء إلي النار التي أبصرها من جانب الطور ناداه ربه من الجانب الأيمن من الوادي: يا موسي! إني أنا الله رب العالمين، و أمره تعالي أن يلقي عصاه حتي يکون آية علي نبوته من الله تعالي، فألقاها فصارت حية تسعي، فلما و رآها تتحرک و تضطرب کأنها جان من الحيات لسرعة عدوها و خفه حرکتها خاف موسي عليه السلام و ولي مدبرا و لم يرجع، فجاءه النداء من الله تعالي: يا موسي! أقبل و لا تخف مما تهرب منه، هي عصاک، إنما أردنا أن نريک آية لتکون عونک، يا موسي! أدخل يدک في جيب قميصک تخرج و لها شعاع يضي ء من غير سوء و لا برص.

فلما خاف موسي عليه السلام من العصا تارة، و من شعاع يده مرة اخري، أمره ربه أن تضع يده علي صدره ليزول ما به من الخوف و الدهشة کما يشاهد من حال الطير إذا خاف نشر جناحيه، و إذا أمن ضمهما إليه. ثم قال عزوجل: يا موسي! فذانک برهانان، أي ما تقدم من جعل العصا حية، و خروج اليد بيضاء من غير سوء، و هما دليلان واضحان علي قدرة ربک و صحة نبوتک، فبناء علي ذلک فاذهب إلي فرعون و ملائه إنهم قد طغوا. قال: رب إني قتلت منهم نفسا و أخاف منهم أن يقتلون.

أيها القاري ء الکريم! انشدک بالله، هل تجد منصفا يقضي بالمساواة بين هذه الآيات التي جاءت في موسي عليه السلام مع اشتمالها علي خوفه من الحية و هربه منها و خوفه من القتل، و بين آية التطهير التي هي مشتملة علي إذهاب جميع أنواع الرجس عن أهل البيت عليهم السلام حتي الاضطراب و الوسوسة و الريب و الخوف؟ و يقول: لا فرق بين هذه الآيات و الآية التي جائت في تضحية علي عليه السلام بنفسه الشريفة، و ذلک حين أراد النبي صلي الله عليه و آله و سلم الهجرة من مکة أمره عليه السلام أن ينام و يبيت في فراشه؟! و هي قوله عزوجل:/ و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤف بالعباد/.[2] .

و قد روي کثير من علماء العامة نزولها في أميرالمؤمنين عليه السلام. قال الفخر الرازي: «في سبب النزول روايات، )و الرواية الثالثة( نزلت في علي بن أبي طالب، بات علي فراش رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ليلة خروجه إلي الغار، و يروي أنه لما نام علي فراشه قام جبرئيل عليه السلام عند رأسه، و ميکائيل عند رجليه، و جبرئيل ينادي: بخ بخ، من مثلک يا ابن أبي طالب؟ يباهي الله بک الملائکة، و نزلت الآية[3] .

و قال ابو حيان الاندلسي: «و قيل: نزلت في علي عليه السلام حين خلفه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بمکة لقضاء ديونه و رد الودائع، و أمره بمبيته علي فراشه ليلة خرج مهاجرا صلي الله عليه و آله و سلم[4] .

و قال الآلوسي: «و قال الإمامية و بعض منا: إنها نزلت في علي ـ کرم الله تعالي وجهه ـ حين استخلفه النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي فراشه بمکة لما خرج إلي الغار[5] .

و قال القرطبي: «و قيل: نزلت في علي ـ رضي الله عنه ـ حين ترکه النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي فراشه ليلة خرج إلي الغار، علي ما يأتي بيانه في براءة إن شاء الله[6] .

و قال الحافظ، الشيخ سليمان الحنفي القندوزي: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أوحي الله إلي جبرئيل و ميکائيل: أني آخيت بينکما و جعلت عمر أحدکما أطول من عمر صاحبه، فايکما يؤثر أخاه عمره؟ فکلاهما کرها الموت، فأوحي الله إليهما: أني آخيت بين علي وليي و بين محمد نبيي، فآثر علي حياته للنبي، فرقد علي فراش النبي يقيه بمهجته، اهبطا إلي الأرض و احفظاه من عدوه، فهبطا فجلس جبرئيل عند رأسه، و ميکائيل عند رجليه، و جعل جبرئيل يقول: بخ بخ، من مثلک يا ابن أبي طالب؟ و الله عزوجل يباهي بک الملائکة، فأنزل الله الآية[7] .

و لنزول هذه الآية في شأن علي عليه السلام مصادر عديدة من کتب العامة و الخاصة، فإن شئت أکثر مما ذکرنا فراجع «تذکرة الخواص»، و «کفاية الطالب»، و «البحار»، )ج 9، ط أمين الضرب( و «مسند أحمد»، و «الفصول المهمة»، و تفاسير الفريقين ذيل الآية الشريفة.

و يعجبني أن اورد ما ذکره عبد الکريم الخطيب في کتابه القيم «علي ابن أبي طالب بقية النبوة و خاتم الخلافة[8] ، قال: «لقد دعا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا ليلة الهجرة، و طلب إليه أن يبيت في المکان الذي اعتاد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أن يبيت فيه، و أن يتغطي بالبرد الحضرمي الذي کان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يتغطي به حتي إذا نظر ناظر من قريش إلي الدار رأي کأن النبي صلي الله عليه و آله و سلم نائم في مکانه مغطي بالبرد الذي يتغطي به. و هذا الذي کان من علي في ليلة الهجرة إذا نظر إليه في فجر الإحداث التي عرضت للإمام علي في حياته بعد تلک الليلة فإنه يرفع لعيني الناظر أمارات واضحة و إشارات دالة علي أن هذا التدبير الذي کان في تلک الليلة لم يکن أمرا عارضا، بل هو عن حکمة لها آثارهاـ إلي أن قال: ـ إنه إذا غاب شخص الرسول کان علي هو الشخصية المهياة لأن تخلفه و تمثل شخصه و تقوم مقامه.

حين نظرنا إلي علي و هو في برد الرسول و في مثوي منامه الذي اعتاد أن ينام فيه فقلنا: هذا خلف الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و القائم مقامه ـ انتهي ملخصا».









  1. القصص، 28: 33ـ 30.
  2. البقرة، 2: 207.
  3. فخر الدين رازي: التفسير الکبير، ج 5: ص 223، ط مصر.
  4. أبو حيان: البحر المحيط، ج 2: ص 118، ط مصر..
  5. الآلوسي: روح المعاني، ج 2: ص 97.
  6. القرطبي: الجامع لاحکام القرآن، ج 3: ص 21.
  7. قندوزي: ينابيع المودة، ص 92.
  8. عبد الکريم الخطيب: علي بن ابي طالب بقية النبوة و خاتم الخلافة، صص 103 و 107، ط دار المعرفةـ بيروت..