مقايسة بين آدم و بينهم











مقايسة بين آدم و بينهم



قال الله عزوجل/ و قلنا يا آدم اسکن أنت و زوجک الجنة و کلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما کانا فيه/ ـ الآية[1] .

و قال عزوجل:/ و يا آدم اسکن أنت و زوجک الجنة فکلا من حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمين، فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما و قال ما نهيکما ربکما عن هذه الشجرة إلا أو تکونا ملکين أو تکونا من الخالدين، و قاسمهما إني لکما لمن الناصحين، فدليهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة و ناداهما ربهما ألم أنهکما عن تلکما الشجرة و أقل لکما إن الشيطان لکما عدو مبين/[2] .

و قال عزوجل:/ و لقد عهدنا الي آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما، و إذ قلنا للملائکة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبي، فقلنا يا ادم إن هذا عدو لک و لزوجک فلا يخرجنکما من الجنة فتشقي، إن لک ألا تجوع فيها و لا تعري، و أنک لا تظمؤا فيها و لا تضحي، فوسوس إليه الشيطان قال يا ادم هل أدلک علي شجرة الخلد و ملک لا يبلي، فأکلا منها فبدت لهما سواتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة و عصي ادم ربه فغوي[3] .

خلاصة الآيات، أن الله عزوجل خلق آدم و زوجه، و اسکنهما الجنة و أباح لهما الجنة و جميع نعمه إلا قربهما من شجرة منهية، و أذن لهما في الأکل أکلا واسعا هنيئا من أي مکان کان لأنه عزوجل قال:/ و کلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها/ أي حولها و زحزحهما عن الجنة/ فأخرجهما مما کانا فيه/ أي من ذلک المکان أو النعمة الذي کانا فيها/. و في سورة الأعراف:/ فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما/ و في سورة طه:/ و عصي آدم ربه فغوي/

أخي العزيز! شاهدت ما أوردناه قبلا من معني التطهير من الرجس في اللغة بتطهيرهم من کل ما تنفر عنه الطبع و ما يعده العقل قبيحا، أفليست الزلة من آدم و زوجه مما يعده العقل قبيحا؟ و ما معني العصيان؟ و ما معني الغواية؟ و هل علمت معني/ و لقد عهدنا إلي ادم من قبل فنسي و لم نجد له عزما؟/ أنشدک الله و رسوله کيف تقايس آية التطهير بالآيات التي جاءت في آدم و زوجه؟ هل/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/ مساوية مع هذه الآيات:/ لا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها و فوسوس لهما الشيطان و فدليهما بغرور و بدت لهما سواتهما و ألم أنهکما عن تلکما الشجرة و و لقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما و عصي آدم ربه فغوي؟/

و هل هذه الآيات التي جاءت في شأن آدم و زوجه و خروجهما عن الجنة بقربهما إلي الشجرة المنهية مساوية مع الآيات التي جاءت في سورة الإنسان في شأن علي عليه السلام و أهل بيته عليهم السلام و هي قوله تعالي:

/ و يطعمون الطعام علي حبه مسکينا و يتيما و أسيرا، إنما نطعمکم لوجه الله لا نريد منکم جزاء و لا شکورا/[4] .


فآدم لما أن عصي زال فضله
و في هل أتي شکر الإمام علي الرفد


خلاصة آيات سورة الدهر )الإنسان(:/ و يطعمون الطعام علي حبه مسکينا و يتيما و أسيرا/ المراد بإطعام الطعام الإحسان إلي المحتاجين بأي وجه کان، و مؤاساتهم مع أن الطعام محبوب لهم لأنهم في حال الفاقة و الحاجة./ إنما نطعمکم لوجه الله لا نريد منکم جزاء و لا شکورا/ أي لا نمن عليکم و لا نتوقع منکم مکافأة مما ينقص الأجر، و لا نطلب منکم مجازاة تکافئوننا بها و لا تشکرونا لدي الناس. و عن سعيد بن جبير: «أما و الله ما قالوه بألسنتهم و لکن علم الله ما في قلوبهم فأثني به عليهم».

أيها القاري ء الکريم! فانظر تفاسير العامة في شأن نزول الآيات حتي اتضح

لک الحقيقة في المقايسة بين أهل البيت ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ و غيرهم. قال جار الله الزمخشري في تفسيره «الکشاف[5] : «عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: إن الحسن و الحسين عليهما السلام مرضا، فعادهما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت علي ولديک، فنذر علي و فاطمة عليهما السلام و فضه جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا، و ما معهم شي ء، فاستقرض علي عليه السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة عليها السلام صاعا فاختبزت خمسة أقراص علي عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليکم، أهل بيت محمد! مسکين من مساکين المسلمين، أطعموني أطعمکم الله من موائد الجنة، فآثروه و باتوا لم يذوقوا إلا الماء، و أصبحوا صياما، فلما أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، و وقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلک، فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن و الحسين عليهما السلام و أقبلوا إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلما أبصرهم و هم يرتعشون کالفراخ من شدة الجوع قال صلي الله عليه و آله و سلم: ما أشد ما يسوءني ما أري بکم، و قام فانطلق معهم، فرأي فاطمة عليها السلام في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، و غارت عيناها، فساءه ذلک، فنزل جبرئيل عليه السلام و قال: خذها يا محمد، هناک الله في أهل بيتک، فأقرأه السورة».

و ذکر العلامة النيشابوري في تفسيره «غرائب القرآن[6] عين ما تقدم، ثم قال: «و يروي أن السائل في الليالي جبرائيل، أراد بذلک ابتلاء هم بأذن الله سبحانه».

قال أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي في «روح المعاني[7] بعد نقل ما تقدم من «الکشاف» بمثله: «و ما ذا عسي يقول امرؤ فيهما[يعني عليا و فاطمة عليها السلام ] سوي أن عليا مولي المؤمنين، و وصي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، وفاطمة البضعة الأحمدية و الجزء المحمدي صلي الله عليه و آله و سلم، و أما الحسنان فالروح و الريحان و سيدا شباب الجنان، و ليس هذا من الرفض بل ما سواه عندي هو الغي. و من اللطائف علي القول بنزولها فيهم أنه سبحانه لم يذکر فيها الحور العين، و أنما صرح عزوجل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول و قرة عين الرسول صلي الله عليه و آله و سلم».

أقول: و أن شئت زيادة توضيح فراجع: «الدر المنثور»، لجلال الدين السيوطي[8] ، و «البحر المحيط» لأبي حيان الأندلسي المغربي[9] ، «ينابيع المودة، للشيخ سليمان القندوزي الحنفي[10] و «کفاية الطالب» للحافظ الکنجي الشافعي[11] و فيه: «أن السائل الأول کان جبرئيل، و الثاني ميکائيل، و الثالث کان إسرافيل عليهم السلام.









  1. البقرة، 36: 2.
  2. الاعراف، 22ـ 19.
  3. طه، 121ـ 115.
  4. الانسان، 8 و 9.
  5. المصدر، ج 4: ص 197، ط قاهرة..
  6. النيشابوري: غرائب القرآن، ج..
  7. المصدر، ج 29: ص 158، ط بيروت..
  8. السيوطي: الدر المنثور، ج 6: ص 299، ط بيروت.
  9. ابو حيان: تفسير البحر المحيط، ج 8: ص 395.
  10. القندوزي: ينابيع المودة، ص 93، ط اسلامبول.
  11. الکنجي: کفاية الطالب/ الباب 98: ص 345، ط الغري.