المقدمة











المقدمة



الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذکره، و وسيلة إلي قربه، و الصلاة و السلام علي نبيه نور الأنوار، و محرم الأسرار، سيدنا الأمجد، أبي القاسم محمد، صلي الله عليه و علي آله الشموس الطالعة، و البدور المنيرة، الذين اشتق أنوارهم من نور الله عزوجل، و الذين جعل الله علم الأنبياء في علمهم، و عز الأولياء في عزهم، و سر الأصفياء في سرهم کالقطرة في البحر. و الذين هم أساس الدين، و عماد اليقين، إليهم يفي ء الغالي، و بهم يلحق التالي، و فيهم کرائم القرآن، و هم ألسنة الصدق، و أزمة الحق.

و لا سيما علي وصيه المؤتمن الذي جعل الله محبته و ولايته عنوان صحيفة کل مؤمن، مؤيد الأنبياء و الوصيين، و معلم الملائکة و الروحانيين، اصل شجرة طوبي، و حقيقة سدرة المنتهي، المتحد نوره مع المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، أبي الحسن المجتبي، ابي الحسن قتيل العبري، زوج فاطمة الزهراءـ صلوات الله عليهم أجمعين. و اللعن علي أعدائهم من أول الدهر إلي المنتهي.

اللهم لک الحمد علي ما ألهمتني من شکرک، و جعلتني من محبي ولاة أمرک. اللهم إنا آمنا بک و بأنبيائک، و بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم و بما دعانا إليه، و اتبعنا النور الذي انزل معه. يا رب إني أعتقد أن وعدک حق، و قولک صدق، و أن الساعة آتية لا ريب فيها.

إلهي و مولاي و سيدي! وصل إلينا من ولاة أمرک، و حماة دينک، و حججک علي خلقک: أن من وجد برد حبنا أهل البيت في قلبه فليکثر الدعاء لامه، يا ربي و مولاي بأسمائک الحسني وجدت برد حبهم في قلبي، اللهم بجودک و منک و رحمتک اغفر لوالدي و ارحمهما کما ربياني صغيرا.

مولاي، لک الحمد علي ما أعطيتني اما شربت حب الوصي، و غذتني من لبنها، و والدا هو محب و موال للائمة الطاهرين ـ صلوات الله عليهم أجمعين.


لا عذب الله امي إنها شربت
حب الوصي و غذتنيه باللبن


و کان لي والد يهوي أبا حسن
و صرت من ذي و ذا أهوي أبا حسن


اللهم و مولاي و سيدي! اغفر لاستاذي الکبير العارف الخبير علامة دهره، و قطب رحي التدريس و الولاية لأهل البيت، آية الله المولي علي الهمداني المعصومي، آمين يا رب العالمين.

اللهم اجعل هذه الوجيزة خالصا لوجهک، و ذخيرة ليوم التناد، يا رب العباد، أنت الکريم الجواد، و خير من سئل و جاد، يا أرحم الراحمين.

فبعد يقول العبد العاصي أحمد الرحماني الهمداني تراب أقدام المتمسکين بولاية أميرالمؤمنين و الأئمة الطاهرين من ولده ـ صلوات الله عليهم أجمعين: إن الله تبارک و تعالي فرض الفرائض لا لحاجة منه إليها، لأنه ـ عز شأنه و جل جلاله لا تنفعه طاعة من أطاعه، و لا تضره معصية من عصاه، بل بمنه و لطفه و رحمته فرض علينا الصلاة و الحج و الزکاة و الصوم و الجهاد و الولاية، و جعل لکل واحد منها شأنا و موضعا.

فانه عز شأنه فرض الصلاة و جعلها من دعائم الاسلام، و عمود إيمانه، و وجه شريعته. فعن النبي صلي الله عليه و آله و سلم«إن عمود الدين الصلاة، و هي أول ما ينظر فيه، فإن صحت ينظر في عمله، و إن لم تصح لم ينظر في بقية عمله[1] .

و قال الصادق عليه السلام: «أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل سائر عمله، و إن ردت رد عليه سائر عمله[2] و عن يونس بن يعقوب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «حجة أفضل من الدنيا، صلاة فريضة أفضل من ألف حجة الوسائل، ج 3: ص. 22.

». و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «لکل شي ء وجه، و وجه دينکم الصلاة الوسائل، ج 3: ص. 16.

».

و فرض الزکاة تزکية للنفس، و نماء للرزق، و اختبارا للاغنياء، و معونة للفقراء. فعن أبي عبد الله عليه السلام: «لو أن الناس أدوا زکاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، و لاستغني بما فرض الله له، و إن الناس ما افتقروا و ما احتاجوا و لا عروا إلا بذنوب الاغنياء[3] .

و فرض الحج تشييدا للدين، و وفادة إلي الله، و جهادا للضعفاء، و قياما للناس، و تعارفا بينهم، فعن هشام بن الحکم، قال«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن علة الحج ـ إلي أن قال عليه السلام إن الله خلق الخلق و أمرهم بما يکون من أمر الطاعة و الدين و مصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق و الغرب ليتعارفوا[4] .

و فرض الصوم زکاة للجسم، و مسا للعطش و الجوع، و وقاية من الشهوات، و تمرينا للارادة، فقال علي بن موسي الرضا عليهما السلام: «فإنما امروا بالصوم لکي يعرفوا ألم الجوع و العطش فيستدلوا علي فقر الآخرة[5] .

و عن أبي عبد الله عليه السلام: «لکل شي ء زکاة، و زکاة الأجسام الصيام[6] .

و فرض الجهاد سياحة للامة، و بابا للجنة، و عزا للآباء، و مجدا للأبناء، فعن عثمان بن مظعون: «قلت لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إن نفسي تحدثني بالسياحة و أن ألحق بالجبال، فقال: يا عثمان، لا تفعل، فإن سياحة امتي الغزو و الجهاد[7] و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «اغزوا تورثوا أبناءکم المجد[8] .

و عن النبي عليه السلام: «الخير کله في السيف و تحت السيف[9] .

و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «خيول الغزاة خيولهم في الجنة[10] .

و عن علي عليه السلام: «إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه[11] .

و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «من مات و لم يغز و لم يحدث نفسه بالغزو مات علي شعبة من النفاق[12] .

و فرض الولاية و جعلها مفتاحا إلي سبيله، و هاديا إلي جميع الأحکام و الفرائض.

يا اخواني و أصدقائي و أعزائي، إني اشهد الله و أنبيائه و ملائکته و أوليائه أني أعتقد أم ان کل من اعترف بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام و أولاده المعصومين ـ صلوات الله عليهم اجمعين اعترف بولاية الله عزوجل و توحيده، و ولاية محمد صلي الله عليه و آله و سلم و رسالته، و من خلع ثوب الولاية لعلي و اولاده الکرام خلع ثوب ولاية الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، لأن الله عزوجل جعل ولاية علي عليه السلام بحيث إن لم تبلغ ما بلغ رسوله صلي الله عليه و آله و سلم رسالته، و إذا ما بلغت الرسالة فما بلغ الإسلام أصلا.

أيها القاري ء العزيز، انظر بعين الانصاف هذه الآية و أقوال المفسرين من العامة في شأنها قال الله عزوجل:/ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمک من الناس إن الله لا يهدي القوم الکافرين/[13] .

قال شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي )المتوفي سنة 1270( في تفسيره روح المعاني )ج 6: ص 189، ط بيروت(: قيل: إن المراد )من الآية( إن ترکت تبليغ ما انزل إليک حکم عليک لم تبلغ أصلا.

و قال أيضا في ص 193: عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: نزلت هذه الآية في علي ـ کرم الله وجهه ـ حيث أمر سبحانه أن يخبر الناس بولاية علي عليه السلام )يوم غدير خم(، فتخوف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن يقولوا: حابي[14] ابن عمه و أن يطعنوا في ذلک عليه، فأوحي الله إليه هذه الاية. فقام بولايته يوم غدير خم و أخذ بيده فقال ـ عليه الصلاة و السلام: «من کنت مولاه فعلي مولاه، اللهم و ال من والاه، و عاد من عاداه».

و قال الشيخ محمد عبده في تفسيره المنار )ج 6: ص 463(: روي ابن أبي حاتم، و ابن مردويه، و ابن عساکر، عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب عليه السلام.

و قال جلال الدين السيوطي في تفسير الدر المنثور )ج 2: ص 298، ط بيروت(: عن ابن مردويه، عن ابن مسعود، قال: کنا نقرأ في عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليک من ربک )أن عليا مولي المؤمنين( و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمک من الناس».

و أيضا عن ابن أبي حاتم، و ابن مردويه، و ابن عساکر، عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الاية )يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليک من ربک( علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم غدير خم[15] .

و قال فخر الدين الرازي الشافعي )المتوفي سنة 606( في تفسيره )ج 12: ص 49، ط مصر(: ذکر المفسرون في سبب نزول الاية وجوهاـ و ساق الکلام إلي أن قال العاشر: نزلت الاية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام. و لما نزلت هذه الاية أخذ بيده و قال: «من کنت مولاه فعلي مولاه، اللهم و ال من والاه، و عاد من عاداه». فلقيه عمر فقال: هنيئا لک يا ابن أبي طالب، أصحبت مولاي و مولي کل مؤمن و مؤمنة. و هو قول ابن عباس، و البراء بن عازب، و محمد بن علي عليه السلام.

و قال الحافظ أبو القاسم الحسکاني الحنفي من أعلام القرن الخامس الهجري في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل )ج 1: ص 188، ط بيروت(: عن أبي إسحاق الحميدي قال: نزلت هذه الاية في علي بن أبي طالب عليه السلام/ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک/.

و قال أيضا في ص 192: عن إبن عباس، و جابر بن عبد الله، قالا: أمر الله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم أن ينصب عليا للناس ليخبرهم بولايته فتخوط رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن يقولوا: حابي ابن عمه، و أن يطعنوا في ذلک عليه. فأوحي الله إليه: «يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليک من ربک الاية». فقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بولايته يوم غدير.

أخي العزيز! إذا لاحظت الأقوال المذکورة من تفاسير العامة فلاحظ نظر العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان. قال ـ رحمه الله ـ )ج 6: ص 47(: فليس إستلزام عدم تبليغ هذا الحکم )أي ما انزل من ربک( لعدم تبليغ غيره من الأحکام، إلا لمکان أهميته، و وقوعه من الأحکام، في موقع لو أهمل أمره کان ذلک في الحقيقة إهمالا لأمر سائر الأحکام، و صيرورتها کالجسد العادم للروح التي بها الحياة الباقية، و الحس و الحرکة، و تکون الاية حينئذ کاشفة عن أن الله سبحانه کان قد أمر رسوله صلي الله عليه و آله و سلم بحکم يتم به أمر الدين، و يستوي به علي عريشة القرار. و کان من المترقب أن يخالفه الناس، و يقلبوا الأمر علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم بحيث تنهدم أرکان ما بناه من بنيان الدين، و تتلاشي أجزاؤه. و کان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يتفرس ذلک و يخافهم علي دعوته، فيوخر تبليغه إلي حين بعد حين ليجد له ظرفا صالحا و جوا آمنا عسي أن تنجح فيه دعوته و لا يخيب مسعاه. فآمره بتبليغ عاجل، و بين له أهمية الحکم، و وعده أن يعصمه من الناس )أي عصمه الله من أن يعرض موضع التهمة و أن يقولوا: إنه سلطان لا نبي، و إلا لا يخاف النبي لنفسه، قال الله عزوجل:/ الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون احدا الا الله و کفي بالله حسيبا/[16] ، ـ و ساق الکلام إلي أن قال ـ و هذا يؤيد ما وردت به النصوص من طرق الفريقين أن الاية نزلت في أمر ولاية علي، و أن الله أمر بتبليغها، و کان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يخاف أن يتهموه في ابن عمه...









  1. الوسائل، ج 3: ص 23.
  2. المصدر، ج 3: ص 22.
  3. المصدر، ج 6: ص 4.
  4. الوسائل، ج 8: ص 9.
  5. المصدر، ج 7: ص 4.
  6. المصدر، ج 7: ص 3.
  7. المصدر، ج 11، ص 10.
  8. الوسائل، ج 11: ص 9.
  9. المصدر السابق.
  10. المصدر، ج 11: ص 11.
  11. نهج البلاغة، ج 27.
  12. المنتهي للعلامة الحلي، کتاب الجهاد.
  13. المائدة: 67.
  14. حاباة: نصره، اختصه دون سواه، مال اليه.
  15. الدر المنثور، ج 2: ص 298.
  16. الاحزاب: 39.