و من طريق الخاصة
9ـ و قال المولي الفيض القاساني رحمه الله: «و في «العيون»، عن الرضا عليه السلام في هذه الآية قال: خصنا الله بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع الامة بإقامة الصلاة، ثم خصنا من دون الامة، فکان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يجي ء إلي باب علي و فاطمة عليهما السلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر، في کل يوم عند حضور کل صلاة خمس مرات فيقول: الصلاةـ رحمکم الله ـ. و ما أکرم الله أحدا من ذراري الأنبياء بمثل هذه الکرامة التي أکرمنا بها و خصنا من دون جميع أهل بيتهم[2] . 10ـ قال الشيخ الطبرسي رحمه الله: «روي ابو سعيد الخدري، قال: لما نزلت هذه الآية/ و أمر أهلک بالصلاة/ کان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يأتي باب فاطمة و علي عليهما السلام تسعة أشهر عند کل صلاة فيقول: الصلاةـ رحمکم الله ـ/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/ و رواه ابن عقدةـ بإسناده من طرق کثيرةـ عن أهل البيت عليهم السلام و عن غيرهم مثل أبي برزة و أبي رافع. و قال ابو جعفر عليه السلام: أمره الله تعالي أن يخض أهله دون الناس ليعلم الناس ان لأهله عند الله منزلة ليست للناس عامة، ثم أمرهم خاصة. «و اصطبر عليها» أي و اصبر علي فعلها و علي أمرهم بها[3] أيها القاري ء الکريم! و بعد ما بيناه و أوضحناه من مفردات آية التطهير و شأن نزولها ينبغي لنا أن نشير إلي ما هو المقصود من الآية في هذا الباب. نعم، غرضنا من هذه الآية الکريمة أن نستفيد منها أن أهل البيت ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ هم أفضل البشر و خير البرية من الأولين و الآخرين بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و بيان ذلک: أن الآية تصرح علي حصر الإرادة و قصرها من الله تعالي في إذهاب الرجس بجميع أنواعه و أقسامه حتي اتباع الأميال و الأهواء في المباحات عن أهل البيت عليهم السلام و تطهيرهم تطهيرا کاملا، لأنک لاحظت و شاهدت فيما سبق أن الآية مصدرة بلفظة «إنما» و هي للحصر، مع استمرار الإرادة من الله تعالي بإرادة خاصة و عناية ربانية لإذهاب الرجس و دفعه في جميع الشؤون عن أهل البيت عليه السلام مع تطهير هم تطهيرا خاصا، لأنه اکد بالمصدر، فيصير المعني هکذا: يا أهل بيت النبي، يا أصحاب الکساء! أنتم الذين أراد الله هکذاـ فقط ـ أن يذهب عنکم أقسام الرجس، و يطهرکم تطهيرا کاملا شاملا. ففي هذه الآية الکريمة فضيلة عظيمه لأهل البيت عليهم السلام. قال ابن حجر الهيتمي المکي في کتابه «الصواعق»[4] : «ثم هذه الآية منبع فضائل أهل البيت النبوي لاشتمالها علي غرر من مآثرهم و الاعتناء بشأنهم حيث ابتدأت ب «إنما» المفيدة لحصر إرادته تعالي في أمرهم علي إذهاب الرجس ـ الذي هو الاثم أو الشک فيما يجب الإيمان به ـ عنهم و تطهيرهم من سائر الأخلاق و الأحوال المذمومة، و سيأتي في بعض الطرق تحريمهم علي النار، و هو فائدة ذلک التطهير و غايته، إذ منه إلهام الانابة إلي الله تعالي و إدامة الأعمال الصالحةـ إلي أن قال: ـ و من تطهيرهم تحريم صدقة الفرض، بل و النفل علي قول لما لک عليهم لأنها أو ساخ الناس مع کونها تنبي ء عن ذل الآخذ و عز المأخوذ منه، و عوضوا عنها خمس الفي ء و الغنيمة المنبي ء عن عز الآخذ و ذل المأخوذ منه ـ إلي أن قال ـ و حکمة ختم الآية ب «تطهيرا» المبالغة في وصولهم لأعلاه و في رفع التجوز عنه، ثم تنوينه تنوين التعظيم و التکثير و الإعجاب المفيد إلي أنه ليس من جنس ما يتعارف و يؤلف. ثم أکدـ صلي الله عليه ـ ذلک کله بتکرير طلب ما في الآية لهم بقوله: «اللهم هؤلاء أهل البيتي...»، و أکده أيضا بطلب الصلاة عليهم بقوله: «فاجعل صلاتک عليهم»، و أکده أيضا بقوله: «أنا حرب لمن حاربهم»... فأقامهم مقام نفسه. و الحقوا به أيضا في قصة المباهلة». انتهي ملخصا. و قال العلامة الأميني ـ حشره الله مع أوليائه الکرام ـ في «الغدير»[5] «إن سد الأبواب الشارعة في المسجد کان لتطهيره عن الأدناس الظاهرية و المعنوية، فلا يمر به أحد جنبا، و لا يجنب فيه أحد. و أما ترک بابه صلي الله عليه و آله و سلم و باب أميرالمؤمنين عليه السلام فلطهارتهما عن کل رجس و دنس بنص آية التطهير حتي إن الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما، کما يعطي ذلک التنظير بمسجد موسي الذي سأل ربه أن يطهره لهارون و ذريته، أو أن ربه أمره أن يبني مسجدا طاهرا لا يسکنه إلا هو و هارون. و ليس المراد بتطهيره من الأخباث فحسب، فإنه حکم کل مسجد. و يعطيک خبرا بما ذکرناه ما مر في الأحاديث من أن أميرالمؤمنين عليه السلام کان يدخل المسجد و هو جنب، و ربما مر و هو جنب، و کان يدخل و يخرج منه و هو جنب، و ما ورد عن أبي سعيد الخدري من قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري و غيرک»، و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «ألا إن مسجدي حرام علي کل حائض من النساء و کل جنب من الرجال إلا علي محمد و أهل بيته: علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم أجمعين»، و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «ألا لا يحل هذا المسجد لجنب و لا لحائض إلا لرسوله الله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين. ألاقد بينت لکم الأسماء أن لا تضلوا»[6] ، و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: لعلي «أما أنت فإنه يحل لک في مسجدي ما يحل لي، و يحرم عليک ما يحرم علي. قال حمزة بن مطلب: يا رسول الله! أنا عمک، و أنا أقرب إليک من علي! قال: صدقت يا عم، إنه ـ و الله ـ ما هو عني، إنما هو عن الله تعالي». ـ إلي أن قال رحمه الله: فزبدة المخض من هذه کلها: أن إبقاء ذلک الباب و الإذن لأهله بما أذن الله لرسوله مما خص به مبتن علي نزول آية التطهير النافية عنهم کل نوع من الرجاسة، و يشهد لذلک حديث منا شدته يوم الشوري، و فيه قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «أفيکم أحد يطهره کتاب الله غيري؟ حتي سد النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أبواب المهاجرين، و فتح بابي إليه» ـ إلي آخر ما قاله رحمه الله. و السر في فضل صلاة المسجد بقطرة من دمه مطهرة و النص في المعصوم بالغسل ورد عن أبي طيبة الحجام قال: «حجمت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أعطاني دينارا و شربت دمه، فلما اطلع علي ذلک قال: ما حملک علي ذلک؟ قلت: أتبرک به، قال: أخذت أمانا من الأوجاع و الإسقام و الفقر و الفاقة، و لا يمسک النار أبدا». و في زيارة الحسين عليه السلام: «و أشهد أن دمک سکن في الجنة». و ورد في الأخبار: «تخضب فاطمة عليها السلام في الجنة بدم ولدها الحسين». و من الزيارة الجامعة التي رواها ابن طاووس رحمه الله «إن الله طهرکم من الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، و من کل ريبة و رجاسة و نجاسة». و ذکر العلامة الحلي رحمه الله في «تذکرة الفقهاء» في أول نکاحه عند عد جملة فضائل النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «إنه يتبرک بدمه و بوله، و ظاهره الطهارة[7] ـ عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «إن ابنتي فاطمة حوراء آدمية لأنها لم تحض و لم تطمث[8] . 2ـ و عنه صلي الله عليه و آله و سلم: «سميت فاطمة بتولا لأنها تبتلت و تقطعت عما هو معتاد العورات في کل شهر، و لأنها ترجع کل ليلة بکرا، و سميت مريم بتولا لأنها ولدت عيسي بکرا[9] . 3ـ و عنه صلي الله عليه و آله و سلم: «و إنما سميت فاطمة البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس[10] . 4ـ عن علي عليه السلام قال: «إن النبي صلي الله عليه و آله و سلم سئل عن بتول و قل: إنا سمعناک يا رسول الله تقول: مريم بتول، و فاطمة بتول؟ فقال: البتول لم تر حمرة قط ـ أي لم تحض ـ فإن الحيض مکروه في بنات الأنبياء[11] . 5ـ عن أبي جعفر عليه السلام، عن آبائه عليه السلام قال: «إنما سميت فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله و سلم الطاهرة، لطهارتها من کل دنس، و طهارتها من کل رفث، و ما رأت قط يوما حمرة و لا نفاسا[12] . 6ـ عن الله عزوجل: «إني فطمتک بالعلم، و فطمتک عن الطمث. ثم قال أبو جعفر عليه السلام: و الله لقد فطمهاـ تبارک و تعالي ـ بالعلم و عن الطمث بالميثاق[13] . 7ـ عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «يا حميراء إن فاطمة ليست کنساء الآدميين، لا تعتل کما تعتلين[14] أخي العزيز! يستفاد من آية التطهير بمعونة هذه الأخبار و الأحاديث أنها عليها السلام لا تزال کانت بکرا، و أنها عليها السلام طاهرة مطهرة دائما کحورات الجنان، قال الله عزوجل في شأنهن:/ إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبکارا/[15] و قال الطبرسي رحمه الله في تفسيرها: «کلما يأتيهن أزواجهن وجدوهن أبکارا». و روي العلامة المجلسي رحمه الله، عن الصادق عليه السلام: «حرم الله النساء علي علي ما دامت فاطمة حية لأنها طاهرة لا تحيض[16] انتهي. و يستفاد منها أيضا أن الله عزوجل طهر أهل البيت عليهم السلام من کل دنس سواء کان ظاهرية أو باطنية، صلوات الله عليهم أجمعين. قال العلامة المظفر في «دلائل الصدق[17] : «و منها [أي الأخبار] ما حکاه عن ابن أبي شيبة بسنده عن ام سلمةـ رضي الله عنهاـ قالت: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ألا إن مسجدي حرام علي کل حائض من النساء، و کل جنب من الرجال إلا علي محمد و أهل بيته: علي و فاطمة و الحسن و الحسين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ و يعضد هذه الأخبار و يفيد مفادها أخبار عديدةـ ثم قال ـ فظهر حلية المسجد لعلي عليه السلام جنابة و نوما، و ليس هو إلا لطهارة نفسه القدسية طهارة لا يدنسها ما يدنس غيره ـ إلي أن قال: ـ و بالجملة لا وجه لاستثناء باب أبي بکر و هو ليس ممن طهرهم الله من الرجس حتي يحسن دخوله المسجد جنبا[18] . و قال العلامة الشيخ السعيد، جمال الدين، الحسن بن زين الدين، الشهيد الثاني في «منتقي الجمان[19] : «و روي الصدوق في کتاب «من لا يحضره الفقيه» عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم ـ مرسلا ـ أنه قال: «إن فاطمةـ صلوات الله عليهاـ ليست کأحد منکن، إنهالا تري دما في حيض و لا نفاس کالحورية». و قال بعد نقل خبر آخر: «و لا يخفي ما في هذه الروايات من المنافاة لما سبق في حديث قضاء الحائض للصوم دون الصلاة من أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم کان يأمر فاطمة عليها السلام بذلک. و وجه الجمع حمل أمره صلي الله عليه و آله و سلم لها علي إرادة تعليم المؤمنات، و هو نوع من التجوز في الخطاب شائع، و لعل المقتضي له في هذا الموضع رعاية خفاء هذه الکرامة کغيرها مما ينافي ظهوره بلاء التکليف».
8ـ قال علي بن إبراهيم القمي رحمه الله في تفسيره: «فإن الله أمره أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهل محمد صلي الله عليه و آله و سلم عند الله منزلة خاصة ليست للناس، إذ أمرهم مع الناس عامة، ثم أمرهم خاصة، فلما أنزل الله هذه الآية کان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يجي ء کل يوم عند صلاة الفجر حتي يأتي باب علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام فيقول: السلام عليکم و رحمة الله و برکاته، فيقول علي و فاطمة و الحسن و الحسين: و عليک السلام يا رسول الله و رحمة الله و برکاته، ثم يأخذ بعضادتي الباب و يقول: الصلاة، الصلاةـ يرحمکم الله ـ/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/ فلم يزل يفعل ذلک کل يوم إذا شهد المدينة حتي فارق الدنيا. و قال أبو الحمراء خادم النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أنا أشهد به يفعل ذلک[1] .
قبر لمعصوم به مستشهد
طهره الله لعبد ذکره
تعبدا بالغسل مع طهر الجسد