البحث عن مفردات الاية











البحث عن مفردات الاية



أيها القاري ء العزيز! أنت بعد ما سمعت الأخبار و الأحاديث في شأن نزول الآية من طريق العامة ينبغي لنا أن نشير إلي مفردات الآية حتي يسهل لنا استفادة ما هو المقصود من الآية و تفسيرها. و ها نحن نذکر نظرات أئمة المفسرين و اللغويين في مفردات الآيةـ إن شاء الله ـ بوجه ما. فأول کلمة رأيناها لفظة «إنما»، فقالوا: هي للحصر و القصر.

قال شيخ الطائفة، ابو جعفر، محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله في تفسير التبيان: «إن لفظة «إنما» تجري مجري ليس. و قد دللنا علي ذلک فيما تقدم و حکيناه عن جماعة من أهل اللغة کالزجاج و غيره، فيکون تلخيص الکلام: ليس يريد الله إذهاب الرجس علي هذا الحد إلا عن أهل البيت. فدل ذلک علي أن إذهاب الرجس قد حصل فيهم، و ذلک يدل علي عصمتهم[1] .

قال امين الإسلام الطبرسي رحمه الله و هو من أکابر علماء الإمامية و فحولهم رضوان الله عليهم ـ في تفسير «مجمع البيان»: «فإن قول القائل: إنما لک عندي درهم، و إنما في الدار زيد، يقتضي أنه ليس له عنده سوي الدرهم، و ليس في الدار سوي زيد[2] و أما الارادة، فهي المصدر من باب الإفعال ل «أراد، يريد» و منقولة من «راد، يرود». قال الراغب في «معجم مفردات الفاظ القرآن»: «و الإرادة منقولة من «راد، يرود» إذا سعي في طلب شي ء. و الإرادة في الأصل قوة مرکبة من شهوة، و حاجة، و أمل، و جعل إسما لنزوع النفس إلي الشي ء مع الحکم فيه، بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، ثم يستعمل مرة في المبدء و هو نزوع النفس إلي الشي ء، و تارة في المنتهي و هو الحکم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، فإذا استعمل في الله فإنه يراد به المنتهي دون المبدء، فإنه يتعالي عن معني النزوع[3] .

و قال الشيخ الطوسي رحمه الله في «التبيان»: «ليس يخلو إرادة الله الإذهاب الرجس عن أهل البيت من أن يکون ما أراد منهم من فعل الطاعات و اجتناب المعاصي، أو يکون عبارة عن أنه أذهب عنهم الرجس بأن فعل لهم لطفا اختاروا عنده الإمتناع من القبائح. و الأول لا يجوز أن يکون مرادا، لأن هذه إلارادة حاصلة مع جميع المکلفين فلا إختصاص لأهل البيت في ذلک، و لا خلاف في أن الله تعالي خص بهذه فلا اختصاص الآية أهل البيت بأمر لم يشرکهم فيه غيرهم فکيف يحمل علي ما يبطل هذا التخصيص و يخرج الآية من أن يکون لهم فيها فضيلة و مزية علي غيرهم؟[4] .

و قال العلامة الطباطبائي رحمه الله في تفسير الآية: «و المعني أن الله سبحانه تستمر إرادته أن يخصکم بموهبة العصمة بإذهاب اعتقاد الباطل و أثر السيي ء عنکم أهل البيت.[5] .

و أما مفهوم الإذهاب، فهو يستعمل علي قسمين، مرة يطلق و يراد منه إزالة الشي ء عن المحل بعد ثبوته، کقول الفقيه: «الماء يذهب القذارة و النجاسة» أو «أذهبت التوبة و الإنابة ذنبي»، و تارة يطلق و يراد منه دفع الشي ء عن المحل قبل عروضه و إن کان المحل ممکنا في حد ذاته لعروضه، کقولک لخليلک: «أذهب حبک و الوصول إليک مشقة الطريق عني» أو «أذهب الله عنک السوء و البلاء» أو کقولک للحفار: «ضيق فم الرکية» و کقول النحاة: «جرد المبتدء عن العوامل اللفظية» أو «إن مصيبة فلان أذهب عني النوم». اي فإن حبک و الوصول إليک يمنع عروض التعب علي، فإن الله يدفع عنک السوء و البلاء و فإن الحفار يضيق فم الرکية من بدء الأمر، و المبتدء جاء ابتداء من دون العوامل اللفظية. فإن هذه الأمثال کلها للدفع بخلاف الأمثال الأولية، فإن الماء أذهب القذارة بعد عروضه في المحل، و التوبة و الإنابة الذنب بعد وقوعه في النفس.

و أما مفهوم الرجس، فهو ما قال الراغب في «المفردات»: «الرجس الشي ء القذر، و الرجس يکون علي أربعة أوجه: إما من حيث الطبع، و إما من جهة العقل، و إما من جهة الشرع، و إما من کل ذلک کالميتة، فإن الميتة تعاف طبعا و عقلا و شرعا. و الرجس من جهة الشرع الخمر و الميسر، و جعل الکافرين رجسا من حيث إن الشرک بالعقل أقبح الأشياء[6] .

و قال ابن المنظور في «لسان العرب»: «قال الزجاج: الرجس في اللغة اسم لکل ما استقذر من عمل. قالوا: رجس نجس. و الرجس المأثم و في حديث: لما ولد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ارتجس إيوان کسري، أي اضطرب. و في الحديث: إذا کان أحدکم في الصلاة فوجد رجسا فلا ينصرف حتي يسمع صوتا و رجس الشيطان وسوسته. و الرجس الشک، العقاب[7] .

و قال العلامة الطباطبائي في «الميزان»: «و الرجس ـ بالکسر فالسکون ـ صفةمن الرجاسة و هي القذارة، و القذارة هيئة في الشي ء توجب التجنب و التنفر منها، و تکون بحسب ظاهر الشي ء کرجاسة الخنزير، و بحسب باطنه و هو الرجاسة و القذارة المعنوية کالشرک و الکفرـ إلي أن قال: ـ و أياما کان فهو إدراک نفساني و أثر شعوري من تعلق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيي ء[8] .

ثم إن الرجس الذي هر معرف باللام في الآية و إن کان في حد ذاته لا يفيد العموم لأنه في سياق الإثبات إلا أنه يفيده باعتبار وقوعه مفعولا ليذهب، لأن الإذهاب في معني سلب الرجس و نفيه، و لا يصدق سلبه إطلاقا إلا بانتفاء کل فرد منه خصوصا مع قوله تعالي: «و يطهرکم تطهيرا» ضرورة عدم حصول التطهير برفع بعض الأقذار دون بعض. فبناء علي هذا فالآية الکريمة تدل علي تنزههم عليهم السلام عن کل رجس يصدق عليه عنوان الرجس سواء کان ذنبا أو غير ذنب، بل مطلق اتباع الهوي و لو في المباحات.

و أما مفهوم أهل البيت، فهو ما قال الراغب في «المفردات»: «أهل الرجل من يجمعه و إياهم نسب، أو دين، أو ما يجري مجراهما من صناعة، و بيت، و بلد. فأهل الرجل في الأصل من يجمعه و إياهم مسکن واحد، ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل في الأصل من يجمعه و إياهم نسب. و تعورف في اسرة النبي عليه [و آله ] الصلاة و السلام مطلقا إذا قيل أهل البيت، لقوله عزوجل:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ـ الآية/.

و قال أيضا في مادة «بيت»: «أصل البيت مأوي الإنسان بالليل لأنه يقال: بات أقام بالليل، کما يقال: ظل بالنهار. ثم قد يقال للمسکن: بيت، من غير اعتبار الليل فيه ـ إلي أن قال: ـ و صار أهل البيت متعارفا في آل النبي عليه [و آله ] الصلاة و السلام». و قال ابن المنظور في «لسان العرب»: «و البيت من الشعر مشتق من بيت الخباء لأنه يضم الکلام کما يضم البيت أهله».

و قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: «و بالبناء علي ما تقدم تصير لفظة أهل البيت اسما خاصا في عرف القرآن بهؤلاء الخمسة، و هم النبي و علي و فاطمة و الحسنان ـ عليهم الصلاة و السلام ـ لا يطلق علي غيرهم، و لو کان من أقربائه الأقربين، و إن صح بحسب العرف العام إطلاقه عليهم[9] .

و أقوي دليل علي أن المراد بأهل البيت هم الخمسة الطيبة و الأئمة المعصومون عليهم السلام هو ما کان يفعله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد نزول قوله تعالي:/ و أمر أهلک بالصلاة و اصطبر عليها/[10] ، فإنه صلي الله عليه و آله و سلم بعد نزولها کان يمر علي بيت أميرالمؤمنين و فاطمة عليهما السلام و يقول: «الصلاة رحمکم الله ـ/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/.

أيها القاري ء الذکي! أنت خبير بأن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أفضل الناس حکمة، و أصوبهم رأيا، و أظهرهم عصمة، و أقواهم نظما، و أصلحهم علما و عملا، فلا بد من أن يکون عمله هذا إلي ستة أشهر، أو ثمانية، أو تسعة، أو ثمانية عشر شهرا، أو إلي أن فارق الدنياـ کما سيأتي عن القمي رحمه الله ـ عن مصلحة مهمة و حکمة تامة، فإن فعله صلي الله عليه و آله و سلم هو الفضل، و ما هو بالهزل لأنه مدينة الحکمة و المعرفة و الحقيقة، فکأن في استمرار قوله و فعله صلي الله عليه و آله و سلم علي ذلک إلي آخر عمره الشريف إعلانا و تبيانا و إفصاحا بأن المراد من الأهل في الآيةـ کما استظهره الآلوسي في تفسيره ذيل الآية و أيده أخبار کثيرة عنهم عليهم السلام ـ هم الذين يمر عليهم في کل يوم خمس مرات، و هم المراد من الآية التي يتلو عليهم «إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/ لا غيرهم من الأقرباء و الأزواج، و من هنا لم يوجد في الأخبار و الأحاديث شي ء يدل علي مروره صلي الله عليه و آله و سلم علي بيت غير علي و فاطمة عليهما السلام، و لم يدع ذلک أحد حتي المنحرفون عن علي عليه السلام کمقاتل و عکرمة و عروة، الذين سعوا في إطفاء نور الله

تعالي و إنکار المسلمات.

اعلم أيها المدقق! أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم فسر هاتين الآيتين الکريمتين بقوله، و فعله کما فسر و بين آية المباهلة بقوله، و فعله، و عمله علي ما جاء في «تذکرة الخواص»: «إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم غدا محتضنا الحسين، آخذا بيد الحسن، و فاطمة تمشي خلفه، و علي عليه السلام خلفهم». و في آخر، قال صلي الله عليه و آله و سلم: «هلموا فهؤلاء أبناؤناـ و أشار إلي الحسن و الحسين ـ و هذه نساؤناـ يعني فاطمةـ و هذه أنفسناـ يعني نفسي ـ و أشار إلي علي عليه السلام[11] .

و قال الشيخ العالم الکامل، محمد بن أبي طلحة الشافعي: «فانظر بنور بصيرتک ـ أيدک الله بهدايتهاـ إلي مدلول هذه الآية و ترتيب مراتب عبارتها، و کيفية إشاراتها إلي علو مقام فاطمة عليها السلام في منازل الشرف و سمو درجاتها، و قد بين صلي الله عليه و آله و سلم ذلک و جعلها بينه و بين علي عليهما السلام تنبيها علي سر الآية و حکمتها، فإن الله عزوجل جعلها مکتنفة من بين يديها و من خلفها ليظهر بذلک الاعتناء بمکانتها، و حيث کان المراد من قوله «أنفسنا» نفس علي مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم جعلها بينهما، إذا الحراسة بالإحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأبناء في دلالتها[12] .

أقول: و إليک شطر من الأخبار و الأحاديث في ذلک من العامة و الخاصة.









  1. الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان، ج 8: ص 340.
  2. الطبرسي، فضل بن الحسن: مجمع البيان، ج: ص، ط دار المعرفةـ بيروت..
  3. الراغب الاصبهاني: معجم مفردات الفاظ القرآن/ تحقيق: نديم مرعشلي، ص.
  4. الطوسي، محمد بن الحسن: التبيان، ج 8، ص 356.
  5. الطباطبائي، محمد حسين: الميزان، ج 16: ص 331.
  6. الراغب الاصبهاني: معجم مفردات الفاظ القرآن/ تحقيق: نديم مرعشلي ص.
  7. ابن منظور: لسان العرب/ تحقيق: علي شيري، ج: ص [مع تلخيص و تقديم و تأخير]..
  8. الطباطبائي، محمد حسين: الميزان، ج 16: ص 330. ط الآخوندي.
  9. الطباطبائي، محمد حسين: الميزان، ج 16: ص 330. ط الآخوندي..
  10. طه: 132.
  11. ابن الجوزي: تذکرة الخواص الامة، ص 14.
  12. ابن ابي طلحة الشافعي: مطالب السؤول، ص 7.