آية التطهير











آية التطهير



من کرائم الآيات التي علي أن عليا و أولاده المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ أفضل من جميع الأنبياء و المرسلين سوي خاتم النبيين صلي الله عليه و آله و سلم آية التطهير، و هي قوله عزوجل:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/[1] و وجه الإستدلال بها يظهر بعد أن نذکر نبذة يسيرة من الأحاديث التي وردت في شأن الآية من طريق العامة و الخاصة، و بعد تبين مفردات الآية من کلمة «إنما» و «الرجس» و «أهل البيت» و غيرها، إن شاء الله تعالي.

فأقول مستعينا بالله عزوجل: أجمع أصحابنا في أن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس في هذه الآية هم الخمسة الذين کانوا أصحاب الکساء، و هم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ابن عمة علي المرتضي الذي هو بمنزلة روحه و نفسه و ابنته التي هي مهجة قلبه و ثمرة فؤاده، و سبطاه الشهيدان اللذان هما ريحانتاه من الدنيا، فهؤلاء هم أصحاب هذه الآية.

و أما الأخبار و الأحاديث الدالة علي هذا المعني التي جاءت من طريق العامة کثيرة جدا يصعب إحصاؤها: ذکر ابو جعفر محمد بن جرير الطبري )المتوفي سنة 310( في تفسيره الکبير المسمي ب «جامع البيان[2] خمسة عشر حديثا بأسانيد مختلفة. قال: «اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: «أهل البيت»، فقال بعضهم عني به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ـ رضوان الله عليهم ـ. ذکر من قال ذلک عن أبي سعيد الخدري قال:

1ـ قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «نزلت هذه الآية في خمسة: في و في علي ـ رضي الله عنه ـ و حسن ـ رضي الله عنه ـ و حسين ـ رضي الله عنه ـ و فاطمةـ رضي الله عنهاـ:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/.

2ـ عن عائشة: «خرج النبي صلي الله عليه و آله و سلم ذات غداة و عليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا./.

3ـ عن أنس: «أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم کان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر کلما خرج إلي الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت،/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا./.

4ـ عن شهر بن حوشب، عن ام سلمة قالت: «کان النبي عندي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام فجعلت لهم خزيرة فأکلوا و ناموا و غطي عليهم عباءة أو قطيفة، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».

5ـ عن أبي الحمراء قال: «رابطت المدينة سبعة أشهر علي عهد النبي صلي الله عليه و آله و سلم، قال: رأيت النبي إذا طلع الفجر جاء إلي باب علي و فاطمة فقال: الصلاة، الصلاة،/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا./

6ـ يونس بن أبي إسحاق بإسناده عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم مثله.ـ عن أبي عمار قال: «إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذا ذکروا علياـ رضي الله عنه ـ فشتموه، فلما قاموا، قال: اجلس حتي اخبرک عن هذا الذي شتموه، إني عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إذ جاءه علي و فاطمة و حسن و حسين، فألقي عليهم کساء له، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».

8ـ عن أبي سعيد الخدري، عن ام سلمة، قالت: «لما نزلت هذه الآية/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/ دعا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فحال عليهم کساء خيبريا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا». قالت ام سلمة: ألست منهم؟ قال: أنت إلي خير».

9ـ عن عطية، عن أبي سعيد، عن ام سلمة زوج النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أن هذه الآية نزلت في بيتها/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا./ قالت: و أنا جالسة علي باب البيت، فقلت: أنا يا رسول الله ألست من أهل بيت؟ قال: إنک إلي خير، أنت من أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم. قالت: و في البيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ـ رضي الله عنهم».

10ـ عن أبي الديلم، قال: قال علي بن الحسين عليه السلام لرجل من أهل الشام: «أما قرأت في الأحزاب:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا؟ قال: و لأنتم هم؟ قال: نعم».

و أورد العلامة، جلال الدين السيوطي في تفسيره «الدر المنثور[3] عشرين رواية من طرق متعددة في أن المراد من أهل البيت هم الخمسةـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ. قال: أخرج الطبراني عن ام سلمةـ رضي الله عنهاـ أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال لفاطمةـ رضي الله عنهاـ: ايتيني بزوجک و ابنيه، فجاءت بهم، فآلقي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليهم کساء فدکيا، ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء أهل محمد [و في لفظ آخر: آل محمد] فاجعل صلواتک و برکاتک علي آل محمد کما جعلتها علي آل إبراهيم، إنک حميد مجيد. قالت ام سلمةـ رضي الله عنهاـ: فرفعت الکساء لادخل معهم، فجذبه من يدي و قال: إنک علي خير».

أقول: و أخرج هذا الحديث أحمد بن حنبل أيضا في مسنده )ج 6، ص 323(. و أخرج الحافظ الکبير، أبو القاسم الحسکاني الحنفي النيشابوري من أعلام القرن الخامس في کتابه «شواهد التنزيل لقواعد التفضيل[4] ، أکثر من مائتي طريق في أن الآية نزلت في رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي و الحسن و الحسين و امهما فاطمة الزهراءـ صلوات الله و تحياته عليهم أجمعين ـ.

أخي العزيز! إن شئت أن تظهر لک الحقيقة و تکون علي بصيرة من الأمر فاقرأ کلاما جيدا و هو أطيب من نفحة أزهار و نسمة أسحار للإمام الشريف، السيد شرف الدين الموسوي اللبناني ـ حشره الله مع أوليائه الکرام ـ. قال رحمه الله في کتابه الأغر «الکلمة الغراء» )ص 12(:

«فيا أهل البصائر برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم العارفين بمبلغه من الحکمة و العصمة، المقدرين قدر أفعاله و أقواله! هل تجدون وجها لحصرهم تحت الکساء عند تبليغه الآية عن الله تعالي إلا المبالغة البليغة في توضيح ما قلناه من إختصاصها بهم و إمتيازهم بها عن العالمين؟ و هل تفهمون من قوله: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا» إلا الحصر بهم و القصر عليهم؟ و هل ترون وجها لجذب الکساء من يد ام سلمة و منعها من الدخول معهم ـ علي جلالة قدرها و عظم شأنهاـ إلا الذي ذکرناه؟ فأين تذهبون؟ و أني تؤفکون؟/ إنه لقول رسول کريم، ذي قوة عند ذي العرش مکين، مطاع ثم أمين، و ما صاحبکم بمجنون/

فيکون بحجبه إياهم في کسائه عابثا؟ أو يکون بقوله: «اللهم، هؤلاء أهل بيتي» هاذيا؟ أو يکون بجذبه الکساء من ام سلمة مجازفا؟ حاشا لله/ إن هو إلا وحي يوحي*علمه شديد القوي/ و قد تکررت منه صلي الله عليه و آله و سلم قضية الکساء حتي احتمل بعض العلماء تکرار نزول الآيةـ أيضاـ، و الصواب عندنا نزول الآية مرة واحدة، لکن حکمة الصادق الأمين في نصحه ببلاغه المبين اقتضت القضيه اقتضت تکرير القضية مرة في بيت ام سلمة[5] عند نزول الآية و تبليغها لأهلها المخاطبين فيها، و اخري في بيت فاطمة[6] و في کل مرة يتلو عليهم الآية مخاطبا لهم بها و هم في معزل عن الناس تحت ذلک الکساء درءا للشبهة في نحور أهل الزيغ.

و قد بلغ ـ بأبي هو و امي ـ في توضيح اختصاص الآية بهم کل مبلغ، و سلک في إعلان ذلک مسالک ينقطع معها شغب المشاغب، و لا يبقي بعدها أثر لهذيان النواصب حتي کان بعد نزول الآية کلما خرج إلي الفجر يمر ببيت فاطمة فيقول: الصلاة يا أهل البيت/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/ و قد استمر علي هذا ستة أشهر في رواية أنس )في مسند أحمد بن حنبل ج 3: ص 259( و عن ابن عباس سبعة أشهر، و في رواية ذکرها النبهاني و غيره ثمانية أشهر. فصرح الحق عن محضه، و بدا الصبح لذي عينين» انتهي کلامه، رفع مقامه. أقول: قال العلامة المتکلم الشيخ زين الدين النباطي البياضي في کتابه القيم «الصراط المستقيم»: ذکر ابن قرطة في «مراصد العرفان» عن ابن عباس، قال: «شهدنا النبي صلي الله عليه و آله و سلم تسعة عشر شهرا، يأتي کل يوم عند کل صلاة إلي باب علي عليه السلام فيسلم عليهم، و يتلو الآية، و يدعوهم إلي الصلاة[7] .









  1. الاحزاب، 33: 33.
  2. الطبري: جامع البيان، ج 22: ص 5، ط القاهرة، مصر..
  3. السيوطي، جلال الدين: الدر المنشور، ج 5: ص 198، ط دار المعرفةـ بيروت..
  4. حسکاني، ابو القاسم: شواهد التنزيل، ج 2: صص 92ـ 10.
  5. کما تدل عليه الأحاديث التي سمعتها مرويا عن أم سلمةـ منه رحمه الله.
  6. کما يدل عليه ما أخرجه الامام أحمد بن حنبل في صفحة 107 من الجزء الرابع من مسنده، عن واثلة بن الأسقع، أنه قال من جملة حديث: «أتيت فاطمة أسألها عن علي عليه السلام قالت: ذهب الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فجلست أنتظره حتي جاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و معه علي و حسن و حسين آخذا کل واحد منهما بيده، فأدني عليا و فاطمة فأجلسهما بين يديه، و أجلس حسنا و حسينا کل واحد منهما علي فخذه، ثم لف عليهم ثوبه ـ أو قال: کساءه ـ ثم تلا: إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.
  7. النباطي البياضي: الصراط المستقيم، ج 1: ص 188، ط المرتضوي..