آية التطهير
فأقول مستعينا بالله عزوجل: أجمع أصحابنا في أن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس في هذه الآية هم الخمسة الذين کانوا أصحاب الکساء، و هم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ابن عمة علي المرتضي الذي هو بمنزلة روحه و نفسه و ابنته التي هي مهجة قلبه و ثمرة فؤاده، و سبطاه الشهيدان اللذان هما ريحانتاه من الدنيا، فهؤلاء هم أصحاب هذه الآية. و أما الأخبار و الأحاديث الدالة علي هذا المعني التي جاءت من طريق العامة کثيرة جدا يصعب إحصاؤها: ذکر ابو جعفر محمد بن جرير الطبري )المتوفي سنة 310( في تفسيره الکبير المسمي ب «جامع البيان[2] خمسة عشر حديثا بأسانيد مختلفة. قال: «اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: «أهل البيت»، فقال بعضهم عني به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ـ رضوان الله عليهم ـ. ذکر من قال ذلک عن أبي سعيد الخدري قال: 1ـ قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «نزلت هذه الآية في خمسة: في و في علي ـ رضي الله عنه ـ و حسن ـ رضي الله عنه ـ و حسين ـ رضي الله عنه ـ و فاطمةـ رضي الله عنهاـ:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/. 2ـ عن عائشة: «خرج النبي صلي الله عليه و آله و سلم ذات غداة و عليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا./. 3ـ عن أنس: «أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم کان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر کلما خرج إلي الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت،/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا./. 4ـ عن شهر بن حوشب، عن ام سلمة قالت: «کان النبي عندي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام فجعلت لهم خزيرة فأکلوا و ناموا و غطي عليهم عباءة أو قطيفة، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا». 5ـ عن أبي الحمراء قال: «رابطت المدينة سبعة أشهر علي عهد النبي صلي الله عليه و آله و سلم، قال: رأيت النبي إذا طلع الفجر جاء إلي باب علي و فاطمة فقال: الصلاة، الصلاة،/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا./ 6ـ يونس بن أبي إسحاق بإسناده عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم مثله.ـ عن أبي عمار قال: «إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذا ذکروا علياـ رضي الله عنه ـ فشتموه، فلما قاموا، قال: اجلس حتي اخبرک عن هذا الذي شتموه، إني عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إذ جاءه علي و فاطمة و حسن و حسين، فألقي عليهم کساء له، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا». 8ـ عن أبي سعيد الخدري، عن ام سلمة، قالت: «لما نزلت هذه الآية/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/ دعا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فحال عليهم کساء خيبريا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا». قالت ام سلمة: ألست منهم؟ قال: أنت إلي خير». 9ـ عن عطية، عن أبي سعيد، عن ام سلمة زوج النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أن هذه الآية نزلت في بيتها/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا./ قالت: و أنا جالسة علي باب البيت، فقلت: أنا يا رسول الله ألست من أهل بيت؟ قال: إنک إلي خير، أنت من أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم. قالت: و في البيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ـ رضي الله عنهم». 10ـ عن أبي الديلم، قال: قال علي بن الحسين عليه السلام لرجل من أهل الشام: «أما قرأت في الأحزاب:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا؟ قال: و لأنتم هم؟ قال: نعم». و أورد العلامة، جلال الدين السيوطي في تفسيره «الدر المنثور[3] عشرين رواية من طرق متعددة في أن المراد من أهل البيت هم الخمسةـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ. قال: أخرج الطبراني عن ام سلمةـ رضي الله عنهاـ أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال لفاطمةـ رضي الله عنهاـ: ايتيني بزوجک و ابنيه، فجاءت بهم، فآلقي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليهم کساء فدکيا، ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء أهل محمد [و في لفظ آخر: آل محمد] فاجعل صلواتک و برکاتک علي آل محمد کما جعلتها علي آل إبراهيم، إنک حميد مجيد. قالت ام سلمةـ رضي الله عنهاـ: فرفعت الکساء لادخل معهم، فجذبه من يدي و قال: إنک علي خير». أقول: و أخرج هذا الحديث أحمد بن حنبل أيضا في مسنده )ج 6، ص 323(. و أخرج الحافظ الکبير، أبو القاسم الحسکاني الحنفي النيشابوري من أعلام القرن الخامس في کتابه «شواهد التنزيل لقواعد التفضيل[4] ، أکثر من مائتي طريق في أن الآية نزلت في رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي و الحسن و الحسين و امهما فاطمة الزهراءـ صلوات الله و تحياته عليهم أجمعين ـ. أخي العزيز! إن شئت أن تظهر لک الحقيقة و تکون علي بصيرة من الأمر فاقرأ کلاما جيدا و هو أطيب من نفحة أزهار و نسمة أسحار للإمام الشريف، السيد شرف الدين الموسوي اللبناني ـ حشره الله مع أوليائه الکرام ـ. قال رحمه الله في کتابه الأغر «الکلمة الغراء» )ص 12(: «فيا أهل البصائر برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم العارفين بمبلغه من الحکمة و العصمة، المقدرين قدر أفعاله و أقواله! هل تجدون وجها لحصرهم تحت الکساء عند تبليغه الآية عن الله تعالي إلا المبالغة البليغة في توضيح ما قلناه من إختصاصها بهم و إمتيازهم بها عن العالمين؟ و هل تفهمون من قوله: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا» إلا الحصر بهم و القصر عليهم؟ و هل ترون وجها لجذب الکساء من يد ام سلمة و منعها من الدخول معهم ـ علي جلالة قدرها و عظم شأنهاـ إلا الذي ذکرناه؟ فأين تذهبون؟ و أني تؤفکون؟/ إنه لقول رسول کريم، ذي قوة عند ذي العرش مکين، مطاع ثم أمين، و ما صاحبکم بمجنون/ فيکون بحجبه إياهم في کسائه عابثا؟ أو يکون بقوله: «اللهم، هؤلاء أهل بيتي» هاذيا؟ أو يکون بجذبه الکساء من ام سلمة مجازفا؟ حاشا لله/ إن هو إلا وحي يوحي*علمه شديد القوي/ و قد تکررت منه صلي الله عليه و آله و سلم قضية الکساء حتي احتمل بعض العلماء تکرار نزول الآيةـ أيضاـ، و الصواب عندنا نزول الآية مرة واحدة، لکن حکمة الصادق الأمين في نصحه ببلاغه المبين اقتضت القضيه اقتضت تکرير القضية مرة في بيت ام سلمة[5] عند نزول الآية و تبليغها لأهلها المخاطبين فيها، و اخري في بيت فاطمة[6] و في کل مرة يتلو عليهم الآية مخاطبا لهم بها و هم في معزل عن الناس تحت ذلک الکساء درءا للشبهة في نحور أهل الزيغ. و قد بلغ ـ بأبي هو و امي ـ في توضيح اختصاص الآية بهم کل مبلغ، و سلک في إعلان ذلک مسالک ينقطع معها شغب المشاغب، و لا يبقي بعدها أثر لهذيان النواصب حتي کان بعد نزول الآية کلما خرج إلي الفجر يمر ببيت فاطمة فيقول: الصلاة يا أهل البيت/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/ و قد استمر علي هذا ستة أشهر في رواية أنس )في مسند أحمد بن حنبل ج 3: ص 259( و عن ابن عباس سبعة أشهر، و في رواية ذکرها النبهاني و غيره ثمانية أشهر. فصرح الحق عن محضه، و بدا الصبح لذي عينين» انتهي کلامه، رفع مقامه. أقول: قال العلامة المتکلم الشيخ زين الدين النباطي البياضي في کتابه القيم «الصراط المستقيم»: ذکر ابن قرطة في «مراصد العرفان» عن ابن عباس، قال: «شهدنا النبي صلي الله عليه و آله و سلم تسعة عشر شهرا، يأتي کل يوم عند کل صلاة إلي باب علي عليه السلام فيسلم عليهم، و يتلو الآية، و يدعوهم إلي الصلاة[7] .
من کرائم الآيات التي علي أن عليا و أولاده المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ أفضل من جميع الأنبياء و المرسلين سوي خاتم النبيين صلي الله عليه و آله و سلم آية التطهير، و هي قوله عزوجل:/ إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا/[1] و وجه الإستدلال بها يظهر بعد أن نذکر نبذة يسيرة من الأحاديث التي وردت في شأن الآية من طريق العامة و الخاصة، و بعد تبين مفردات الآية من کلمة «إنما» و «الرجس» و «أهل البيت» و غيرها، إن شاء الله تعالي.