الناصب و معناه











الناصب و معناه



عن أبي عبد الله عليه السلام: «إن الله لم يخلق خلقا شرا من الکلب، و الناصب لنا أهون علي الله من الکلب[1] .

و عن الصادق عليه السلام: «إن الله تبارک و تعالي لم يخلق خلقا أنجس من الکلب، و إن الناصب لنا أهل البيت أنجس منه[2] .

أخي العزيز! ينبغي لنا أن نعلم ما معني النصب، و من الناصب؟ فنقول: جاء في أقرب الموارد في مادة «نصب»: «الناصبية و النواصب المتدينون ببغضة علي عليه السلام لأنهم نصبوا له أي عادوه ـ انتهي».

و في «القاموس»: «النواصب و أهل النصب المتدينون ببغض علي ـ رضي الله عنه ـ لأنهم نصبوا له أي عادوه».

و قال الطريحي في «مجمع البحرين»: «النصب المعاداة، يقال: نصبت فلانا إذا عاديته، و منه الناصب و هو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ أو لمواليهم لأجل متابعتهم لهم. قال بعض الفضلاء: اختلف في تحقيق الناصبي، فزعم البعض أن المراد من نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام، و زعم آخرون أنه من نصب العداوة لشيعتهم، و في الاحاديث ما يصرح بالثاني، فعن الصادق عليه السلام: «أنه ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنه لا تجد رجلا يقول: أنا ابغض محمدا و آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و لکن الناصب من نصب لکم و هو يعلم أنکم تولونا و أنتم من شيعتنا» أقول: فيه ما لا يخفي و سيأتي الکلام فيه.

و عن شرح المقدادـ علي ما في «الجواهر» ج 6: ص 66ـ: إن الناصب يطلق علي خمسة أوجه: الخارجي القادح في علي عليه السلام. الثاني من ينسب إلي أحدهم عليهم السلام ما يسقط العدالة. الثالث من ينکر فضيلتهم لو سمعها. الرابع من اعتقد أفضلية غير علي عليه السلام عليه. الخامس من أنکر النص علي علي». قال صاحب الجواهر رحمه الله: «قد يقوي في النفس تعميم الناصب للعدو لأهل البيت عليهم السلام و إن لم يکن متدينا به ـ إلي أن قال: ـ بل في جامع المقاصد و مجمع البحرين تعميمه لناصب العداوة لشيعتهم».

13ـ عن العلامة الکبير الفقيه الهمداني المشهور بالحاج آغا رضا الهمداني رحمه الله: «إن المراد بالناصب في الروايات علي الظاهرـ مطلق المخالفين لا خصوص من أظهر العداوة لأهل البيت و تدين بنصبهم کما يشهد لذلک خبر المعلي بن خنيس، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس الناصب لنا من نصب لنا أهل البيت لأنک لا تجد أحدا يقول: أنا ابغض محمدا و آل محمد، و لکن الناصب من نصب لکم و هو يعلم أنکم تتولونا و تتبرؤون من أعدائنا». و يدل أيضا علي تحقق النصب بمجرد إزالة الأئمة عليهم السلام عن مراتبهم و معاداة من يعرف حقهم من شيعتهم ما رواه ابن إدريس في «مستطرفات السرائر» )ص 479( عن محمد بن عيسي، قال: «کتبت إليه )يعني الهادي عليه السلام( أسأله عن الناصب، هل احتاج في إمتحانه إلي أکثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاده إمامتهما؟ فرجع الجواب: من کان علي هذا فهو ناصب[3] .

أقول: خبر المعلي بن خنيس لا يقاوم الأخبار التي کان معناها أن الناصب هو المبغض لهم و لمن يتولاهم لکون المعلي ضعيفا جدا، مع أنه خلاف الإعتبار حيث إن وجود المبغضين لأميرالمؤمنين و أولاده المعصومين عليهم السلام المتظاهرين بالعداوة و المصحرين بها لهم عليهم السلام أشهر و أظهر من أن ينکره أحد، مع أن ما في ذيل الخبر من أن الناصب من نصب لکم لأجل ولايتکم لنا هو ظاهر أيضا في عداوتهم لهم عليهم السلام، حيث يبغضون من يتولاهم إذا لم يقدروا علي اظهار عداوتهم لهم عليهم السلام جهارا و الفرق بين مبغضيهم و معانديهم و بين الذين لا يعرفونهم واضح و لا حاجة إلي بيان أزيد من ذلک.

و أما خبر محمد بن عيسي، فمعناه أن الناصب من قدم عليهم غيرهم مع علمه بشأنهم و عرفانه، بأن الحق لهم و معهم و فيهم و مع ذلک قدم غيرهم عليهم، و ليس المراد من لا يعرف شأنهم أو لا يعتقد بعصمتهم و أنهم عليهم السلام حجج الله علي الخلق، و البون بين من عرف الحق فأنکره و عانده، و بين من طلب الحق فأخطأه بعيد جدا و لا يخفي علي أي أحد.

14ـ قال الشيخ يوسف البحراني: «إن الآية التي دلت علي تحريم الغيبة و إن کان صدرها مجملا إلا أن قوله ـ عزوجل ـ فيها:/ أيحب أحدکم أن يأکل لحم أخيه ميتا/[4] مما يعين الحمل علي المؤمنين، فإن إثبات الأخوة بين المؤمن و المخالف له في دينه لا يکاد يدعيه من شم رائحة الأيمان و لا من أحاط خبرا بأخبار السادة الأعيان لاستفاضتها بوجوب معاداتهم و البراءة منهم[5] .

15ـ و في «الجواهر» عن «الحدائق»: «إن الحکم بکفر المخالفين و نصبهم و نجاستهم هو المشهور في کلام أصحابنا المتقدمين مستشهدا بما حکاه عن الشيخ ابن نوبخت، و هو من متقدمي أصحابنا في کتابه «فص الياقوت»: دافعوا النص کفرة عند جمهور أصحابناـ إلي آخره[6] .

16ـ و لکن أکثر علماء الامامية حکموا بطهارة سائر المخالفين و نجاسة النواصب و الخوارج. قال استاذ الکل، الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه الله: «فالظاهر أن العامة منهم ناصب، و منهم مستضعف، و منهم الواسطة بينهما. و المحکوم بنجاسته بالأخبار و الاجماع هو الأول. بل ربما يستشکل الحکم في الأول بأن الظاهر من الأخبار و التواريخ أن کثيرا من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الکائنين في زمن الأمير عليه السلام، و أصحاب الجمل، و صفين، بل کافة أهل الشام، بل و کثير من أهل الحرمين کانوا في أشد العداوة لأهل البيت عليهم السلام، فقد روي أن أهل الشام شر من أهل الروم، و أن أهل مکة يکفرون بالله جهرة و أهل المدينة أخبث منهم سبعين ضعفا، مع أنه لم ينقل الاحتراز عنهم ـ إلي أن قال: ـ نعم، يمکن دفع ما ذکر بمنع کون جميع من ذکر مبغضا واقعيا، بل کثير منهم سيما في دولة بني امية کان يظهر البغض لهم تقيةـ إلي أن قال: ـ مضافا إلي أن الحکم بنجاسة الناصب يمکن أن يکون قد انتشر في زمن الصادقين عليهما السلام إذ کثير من الأحکام کان مخفيا قبل زمانهما، کما يظهر من الأخبار و کلمات بعض الأخيار. و الکلام في الخوارج يظهر مما ذکرنا في الناصب فإنهم أشد النواصب، مضافا إلي إطلاق المشرک عليهم في الزيارة الجامعة: «و من حاربکم مشرک». و بالجملة فلا شي ء أوضح و أشهر من کفر يزيد، لعنه الله )و علي من شيد بنيانه([7] .

17ـ و قال أيضا: «بل في «شرح المفاتيح»: إن من بديهيات المذهب أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم کان يشاور المنافقين، و ما کان يجتنب منهم إلا أن يقال: إن هذه المعاملة مع المنافقين المظهرين الإسلام کان مختصا بصدر الإسلام، و من هنا يضعف ما في «المعتبر» من الإستدلال علي طهارة العامة بعدم اجتناب النبي صلي الله عليه و آله و سلم لفلان و فلان و فلانة و فلانة، فإن هذا لو تم لدل علي عدم نجاسة النواصب، فلا محيص عن حملها علي مصلحة اقتضت عدم إيجاب التحرز عنهم و عن أمثالهم من المنافقين ـ إلي أن قال: ـ و لا يتوهم من الحکم بطهارتهم الحکم بثبوت مزية لهم، إنما نحکم بذلک دفعا للحرج عن المؤمنين[8] .

18ـ قال الفقيه الهمداني رحمه الله: «قد يشکل الحکم بکفرهم بشيوع النصب في دولة بني امية و اختلاط أصحاب الأئمة عليهم السلام مع النصاب و الخوارج و عدم معروفية تجنب الأئمة عليهم السلام و أصحابهم عنهم، بل الظاهر أنهم کانوا يعاملون معهم معاملة المسلمين من حيث المعاشرة، و تنزيل مثل هذه المعاشرة في الأعصار الطويلة علي التقية في غاية البعد. و قد يجاب عن ذلک بأن أغلب الناس کانوا يظهرون النصب و التبري من الأئمة عليهم السلام خوفا من سلطان الجور و إلا فلم يکونوا في الواقع نواصب. و فيه أن ظاهر القول و الفعل حجة مبررة لا يجوز رفع اليد عنه. و الأولي في الجواب ما نبه عليه شيخنا المرتضي رحمه الله من أن أغلب الأحکام الشرعية انتشرت في عصر الصادقين عليهما السلام، فلا مانع من أن يکون کفر النواصب منها، فأصحاب الأئمة عليهم السلام کانوا يخالطون النواصب في دولة بني امية لا يعلمون ذلک، و أما الأئمةـ صلوات الله عليهم ـ فلم يعلم معاشرتهم مع النواصب و الخوارج في غير مقام التقية، و الله أعلم[9] .









  1. النجفي: الشيخ محمد حسن: جواهر الکلام، ج 6: ص 63.
  2. الحر العاملي: وسائل الشيعة، تحقيق: عبد الرحيم الرباني ج 1: ص 159.
  3. الهمداني، الآغا رضا: مصباح الفقيه، کتاب الطهارة، ص 568.
  4. الحجرات، 12: 49.
  5. البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 18: ص 150، ط النجف الأشرف..
  6. النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الکلام، ج 6: ص 61.
  7. الهمداني، الآغا رضا: مصباح الفقيه/ کتاب الطهارة، النظر السادس في النجاسات: ص 334.
  8. الهمداني، الآغا رضا: مصباح الفقيه/ کتاب الطهارة، النظر السادس في النجاسات: ص 334.
  9. المصدر: ص 568.