في أن الله عزوجل ألقي الحقائق علي لسان المخالف











في أن الله عزوجل ألقي الحقائق علي لسان المخالف



قال إبن أبي الحديدـ عند شرح کلام علي عليه السلام )خطبة 154 من نهج البلاغة: «نحن الشعار و الأصحاب، و الخزنة و الأبواب، و لا تؤتي البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقاـ «و اعلم أن أميرالمؤمنين عليه السلام لو فخر بنفسه، و بالغ في تعديد مناقبه و فضائله بفصاحته التي آتاه الله تعالي إياها و اختصه بها و ساعده علي ذلک فصحاء العرب کافة لم يبلغوا إلي معشار ما نطق به الرسول الصادق ـ صلوات الله عليه ـ في أمره، و لست أعني بذلک الأخبار العامة الشائعة التي يحتج بها الإمامية علي إمامته کخبر الغدير، و المنزلة، و قصة براءة، و خبر المناجاة، و قصة خيبر، و خبر الدار بمکة في ابتداء الدعوة، و نحو ذلک، بل الأخبار الخاصة التي رواها فيه أئمة الحديث التي لم يحصل أقل القليل منها لغيره. و أنا أذکر من ذلک شيئا يسيرا مما رواه علماء الحديث الذين لا يتهمون فيه، و جلهم قائلون بتفضيل غيره عليه، فروايتهم فضائله توجب سکون النفس ما لا توجبه رواية غيرهم ـ ثم قال:

الخبر الاول: )قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم(: «يا علي! إن الله قد زينک بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إليه منها، هي زينة الأبرار عند الله تعالي: الزهد في الدنيا، جعلک لا ترزأ من الدنيا شيئا، و لا ترزأ الدنيا منک شي ء، و وهب لک حب المساکين، فجعلک ترضي بهم أتباعا، و يرضون بک إماما». رواه أبو نعيم الحافظ في کتابه المعروف ب «حلية الأولياء». و زاد فيه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في المسند: «فطوبي لمن أحبک و صدق فيک، و ويل لمن أبغضک و کذب فيک».

الخبر الثاني: )قال لوفد ثقيف(: «لتسلمن أو لأبعثن إليکم رجلا مني ـ أو قال: عديل نفسي ـ فليضربن أعناقکم، و ليسبين ذراريکم، و ليأخذن أموالکم، قال عمر: فما تمنيت الامارة إلا يومئذ، و جعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول: هو هذا. فالتفت فأخذ بيد علي و قال: هو هذاـ مرتين ـ». رواه أحمد في المسند.

الخبر الثالث: «إن الله عهد إلي في علي عهدا، فقلت: يا رب بينه لي. قال: اسمع، إن عليا راية الهدي، و إمام أوليائي، و نور من أطاعني، و هو الکلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه فقد أحبني، و من أطاعه فقد أطاعني، فبشره بذلک، فقلت: قد بشرته يا رب، فقال: أنا عبد الله و في قبضته، فإن يعذبني فبذنوني، لم يظلم شيئا، و إن يتم لي ما وعدني فهو أولي بي. و قد دعوت له فقلت: اللهم اجل قلبه، و اجعل ربيعه الإيمان بک، قال: قد فعلت ذلک غير أني مختصه بشي ء من البلاء لم أختص به أحدا من أوليائي، فقلت: رب! أخي و صاحبي، قال: إنه سبق في علمي أنه لمبتلي و مبتلي». ذکره أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء عن أبي برزة الأسلمي، ثم رواه بإسناد آخر بلفظ آخر عن أنس بن مالک: «إن رب العالمين عهد في علي إلي عهدا أنه راية الهدي، و منار الإيمان، و إمام أوليائي، و نور جميع من أطاعني. إن عليا أميني غدا في القيامة، و صاحب رايتي، بيد علي مفاتيح خزائن رحمة ربي».

الخبر الرابع: «من أراد أن ينظر إلي نوح في عزمه، و إلي آدم في علمه، و إلي إبراهيم في حلمه، و إلي موسي في فطنته، و إلي عيسي في زهده، فلينظر إلي علي بن أبي طالب». رواه أحمد بن حنبل في المسند، و رواه أحمد البيهقي في صحيحه. الخبر الخامس: «من سره أن يحيي حياتي، و يموت ميتتي، و يتمسک بالقضيب من الياقوتة التي خلقها الله تعالي بيده ثم قال لها: کوني، فکانت، فليتمسک بولاء علي بن أبي طالب». ذکره أبو نعيم الحافظ في کتاب حلية الأولياء.

الخبر السادس: «و الذي نفسي بيده، لو لا أن تقول طوائف من امتي فيک ما قالت النصاري في ابن مريم، لقلت اليوم فيک مقالا لا تمر بملاء من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدميک للبرکة». ذکره أبو عبد الله، أحمد بن حنبل في المسند.

الخبر السابع: «خرج صلي الله عليه و آله و سلم علي الحجيج عشية عرفة فقال لهم: إن الله باهي بکم الملائکة عامة، و غفر لکم عامة، و باهي بعلي خاصة و غفر له خاصة. إني قائل لکم قولا غير محاب فيه لقرابتي: إن السعيد، کل السعيد، حق السعيد من أحب عليا في حياته و بعد موته». رواه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في کتاب فضائل علي عليه السلام، و في المسند أيضا

الخبر الثامن: رواه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في الکتابين المذکورين: «أنا أول من يدعي به يوم القيامة، فأقوم عن يمين العرش في ظله، ثم أکسي حلة، ثم يدعي بالنبيين بعضهم علي أثر بعض، فيقومون عن يمين العرش، و يکسون حللا، ثم يدعي بعلي بن أبي طالب لقرابته مني و منزلته عندي، و يدفع إليه لوائي لواء الحمد، آدم و من دونه تحت ذلک اللواء. ثم قال لعلي: فتسير به حتي تقف بيني و بين إبراهيم الخليل، ثم تکسي حلة و ينادي مناد من العرش: نعم العبد أبوک إبراهيم، و نعم الاخ أخوک علي. أبشر فإنک تدعي إذا دعيت، و تکسي إذا کسيت، و تحيا إذا حييت».

الخبر التاسع: «يا أنس! اسکب لي وضوءا. ثم قام فصلي رکعتين، ثم قال: أول من يدخل عليک من هذا الباب إمام المتقين، و سيد المسلمين، و يعسوب الدين، و خاتم الوصيين، و قائد الغر المحجلين. قال أنس: فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، و کتمت دعوتي، فجاء علي عليه السلام فقال صلي الله عليه و آله و سلم: من جاء يا أنس؟ فقلت: علي، فقام إليه مستبشرا، فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه، فقال علي: يا رسول الله ـ صلي الله عليک و آلک ـ لقد رأيت منک اليوم تصنع بي شيئا ما صنعته بي قبل! قال: و ما يمنعني؟ و أنت تؤدي عني، و تسمعهم صوتي، و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي». رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء.

الخبر العاشر: «ادعوا لي سيد العرب عليا، فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟ فقال: أنا سيد ولد آدم، و علي سيد العرب. فلما جاء، أرسل إلي الأنصار، فأتوه، فقال لهم: يا معشر الأنصار! ألا أدلکم علي ما إن تمسکتم به لن تضلوا أبدا؟ قالوا: بلي، يا رسول الله! قال: هذا علي، فأحبوه بحبي، و أکرموه بکرامتي، فإن جبرئيل أمرني بالذي قلت لکم عن الله عزوجل». رواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء.

الخبر الحادي عشر: «مرحبا بسيد المؤمنين، و إمام المتقين، فقيل لعلي عليه السلام کيف شکرک؟ فقال: أحمد الله علي ما آتاني، و أسأله الشکر علي ما أولاني، و أن يزيدني مما أعطاني». ذکره صاحب الحلية أيضا.

الخبر الثاني عشر: «من سره أن يحيي حياتي، و يموت مماتي، و يسکن جنة عدن التي غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، و ليوال وليه، و ليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، و رزقوا فهما و علما، فويل للمکذبين من امتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي». ذکره صاحب الحلية أيضا.

الخبر الثالث عشر: «بعث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خالد بن الوليد في سرية، و بعث عليا عليه السلام في سرية اخري، و کلاهما إلي اليمن، و قال: إن اجتمعتما فعلي علي الناس، و ان افترقتما فکل واحد منکما علي جنده. فاجتمعا و أغارا، و سبيا نساء، و أخذا أموالا، و قتلا ناسا. و أخذ علي جارية فاختصها لنفسه، فقال خالد لأربعة من المسلمين منهم بريدة الأسلمي: اسبقوا إلي رسول الله، فاذکروا له کذا، و اذکروا له کذا لأمور عددها علي علي عليه السلام. فسبقوا إليه، فجاء واحد من جانبه، فقال: إن عليا فعل کذا، فأعرض عنه، فجاء الآخر من الجانب الآخر فقال: إن عليا فعل کذا، فأعرض عنه، فجاء بريدة الأسلمي فقال: يا رسول الله إن عليا فعل ذلک، فأخذ جارية لنفسه. فغضب صلي الله عليه و آله و سلم حتي احمر وجهه، و قال: دعوا لي علياـ يکررهاـ إن عليا مني، و أنا من علي، و إن حظه في الخمس أکثر مما أخذ، و هو ولي کل مؤمن من بعدي». رواه أبو عبد الله أحمد في المسند غير مرة، و رواه في کتاب فضائل علي، و رواه أکثر المحدثين.

الخبر الرابع عشر: «کنت أنا و علي نورا بين يدي الله عزوجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام. فلما خلق آدم قسم ذلک فيه و جعله جزئين، فجزء أنا، و جزء علي عليه السلام». رواه أحمد في المسند و في کتاب فضائل علي عليه السلام. و ذکره صاحب کتاب الفردوس و زاد فيه: «ثم انتقلنا حتي صرنا في عبد المطلب، فکان لي النبوة، و لعلي الوصية».

الخبر الخامس عشر: «النظر إلي وجهک، يا علي، عبادة. أنت سيد في الدنيا، و سيد في الآخرة، من أحبک أحبني، و حبيبي حبيب الله، و عدوک عدوي، و عدوي عدو الله، الويل لمن أبغضک»، رواه أحمد في المسند.

الحديث السادس عشر: «لما کانت ليلة بدر قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: من يستقي لنا ماء؟ فأحجم الناس[1] ، فقام علي فاحتضن قربة[2] ، ثم أتي بئرا بعيدة القعر مظلمة، فانحدر فيها، فأوحي الله إلي جبرئيل و ميکائيل و إسرافيل أن تأهبوا[3] لنصر محمد أخيه و حزبه، فهبطوا من السماء، لهم لغط يذعر من يسمعه[4] ، فلما حاذوا البئر سلموا عليه من عند آخر هم إکراما له و إجلالا». رواه أحمد في کتاب فضائل علي عليه السلام.

الحديث السابع عشر: «خطب صلي الله عليه و آله و سلم الناس يوم الجمعة، فقال: أيها الناس! قدموا قريشا و لا تقدموها، و تعلموا منها و لا تعلموها، قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من غيرهم، و أمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم. أيها الناس! اوصيکم بحب ذي قرباها أخي، و ابن عمي علي بن أبي طالب، لا يحبه إلا مؤمن، و لا يبغضه إلا منافق، من أحبه فقد أحبني، و من أبغضه فقد أبغضني، و من أبغضني عذبه الله بالنار». رواه أحمد في کتاب فضائل علي عليه السلام.

الحديث الثامن عشر: «الصديقون ثلاثة: حبيب النجار الذي جاء من أقصي المدينة يسعي، و مؤمن آل فرعون الذي کان يکتم إيمانه، و علي بن ابي طالب، و هو أفضلهم». رواه أحمد في کتاب فضائل علي عليه السلام.

الحديث التاسع عشر: «اعطيت في علي خمسا هن أحب إلي من الدنيا و ما فيها: أما واحدة فهو کاب )أو متکاي( بين يدي الله عزوجل حتي يفرغ من حساب الخلايق. و اما الثانية فلواء الحمد بيده، آدم و من ولد تحته. و أما الثالثة فواقف علي عقر حوضي[5] يسقي من عرف من امتي. و أما الرابعة فساتر عورتي و مسلمي إلي ربي. و أما الخامسة فإني لست أخشي عليه أن يعود کافرا بعد إيمان، و لا زانيا بعد إحصان». رواه أحمد في کتاب الفضائل.

الحديث العشرون: کانت لجماعة من الصحابة أبواب شارعة في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فقال ـ عليه الصلاة و السلام ـ يوما: «سدوا کل باب في المسجد إلا باب علي، فسدت. فقال في ذلک قوم حتي بلغ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقام فيهم فقال: إن قوما قالوا في سد الأبواب، و ترکي باب علي، إني ما سددت و لا فتحت، و لکني امرت بأمر فاتبعته». رواه أحمد في المسند مرارا و في کتاب الفضائل.

الحديث الحادي و العشرون: «دعا صلي الله عليه و آله و سلم عليا في غزاة الطائف فانتجاه، و أطال نجواه حتي کره قوم من الصحابة ذلک، فقال قائل منهم: لقد أطال اليوم نجوي ابن عمه. فبلغه ـ عليه الصلاة و السلام ـ ذلک، فجمع منهم قوما، ثم قال: إن قائلا قال: لقد أطال اليوم نجوي إبن عمه، أما إني ما انتجيته و لکن الله انتجاه». رواه أحمد في المسند.

الحديث الثاني و العشرون: «يا علي! أخصمک[6] بالنبوة، فلا نبوة بعدي، و تخصم الناس بسبع لا يجاحد فيها أحد من قريش. أنت أولهم إيمانا بالله، و أوفاهم بعهد الله، و أقومهم بأمر الله، و أقسمهم بالسوية، و أعدلهم في الرعية، و أبصبرهم بالقضية، و أعظمهم عند الله مزية». رواه أبو نعيم، الحافظ، في حلية الأولياء.

الخبر الثالث و العشرون: قالت فاطمة عليها السلام: «إنک زوجتني فقيرا لا مال له! فقال صلي الله عليه و آله و سلم: زوجتک أقدمهم سلما، و أعظمهم حلما، و أکثرهم علما، ألا تعلمين أن الله اطلع إلي الأرض اطلاعة فاختار منها أباک، ثم اطلع إليها ثانية فاختار منها بعلک؟» رواه أحمد في المسند.

الحديث الرابع و العشرون: لما انزل/ إذا جاء نصر الله و الفتح/ بعد انصرافه عليه السلام من غزاة حنين جعل يکثر من سبحان الله، أستغفر الله، ثم قال: «يا علي! إنه قد جاء ما وعدت به، جاء الفتح و دخل الناس في دين الله أفواجا، و إنه ليس أحد أحق منک بمقامي لقدمک في الاسلام، و قربک مني، و صهرک و عندک سيدة نساء العالمين، و قبل ذلک ما کان من بلاء أبي طالب عندي حين نزل القرآن، فأنا حريص علي أن اراعي ذلک لولده». رواه أبو إسحاق الثعلبي في تفسير القرآن.

و اعلم، أنا إنما ذکرنا هذه الأخبار هيهنا لأن کثيرا من المنحرفين عنه عليه السلام إذا مروا علي کلامه في نهج البلاغة و غيره المتضمن للتحدث بنعمة الله عليه من

إختصاص الرسول صلي الله عليه و آله و سلم له و تميزه إياه عن غيره ينسبونه إلي التيه و الزهو و الفخر، و قد سبقهم بذلک قوم من أصحابة، قيل لعمر: ول عليا أمر الجيش و الحرب، فقال: «هو أتيه من ذلک[7] و قال زيد بن ثابت: «ما رأينا أزهي من علي و اسامة». فأردنا بإيراد هذه الأخبار هيهنا عند تفسير قوله «نحن الشعار و الأصحاب» أن ننبه علي عظم منزلته عند الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و أن من قيل في حقه ما قيل لورقي إلي السماء، و عرج في الهواء، و فخر علي الملائکة و الأنبياء تعظما و تبجحا لم يکن ملوما، بل کان بذلک جديرا، فکيف و هو عليه السلام لم يسلک قط مسلک التعظم و التکبر في شي ء من أقواله و لا من أفعاله، و کان ألطف البشر خلقا، و أکرمهم طبعا، و أشدهم تواضعا، و أکثرهم إحتمالا، و أحسنهم بشرا، و أطلقهم وجها حتي نسبه من نسبه إلي الدعابة و المزاح، و هما خلقان ينافيان التکبر و الإستطالة. و إنما کان يذکر أحيانا ما يذکره من هذا النوع نفثة مصدور و شکوي مکروب و تنفس مهموم، و لا يقصد به إذا ذکره إلا شکرا للنعمة و تنبيه الغافل علي ما خصه الله به من الفضيلة[8] .









  1. الاحجام: ضد الاقدام، و أحجم، أي کف.
  2. الاحتضان: احتمالک الشي ء.
  3. أي تهيأوا، و الاهبة: العدة.
  4. اللغط: الصوت المبهم، و ذعر: فزع.
  5. العقر: مؤخر الحوض.
  6. أي أغلبک.
  7. رجل تائه: أي جسور في الامور.
  8. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 9: ص 166، بتحقيق محمد أبي الفضل ابراهيم.