الامام علي شهادته و وصيته











الامام علي شهادته و وصيته



1ـ قال العلامة الطبرسي: «عاش علي عليه السلام ثلاثا و ستين سنة، منها عشر سنين قبل البعثة، و أسلم و هو ابن عشر، و کانت مدة مقامه مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد البعثة ثلاثا و عشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة بمکة قبل الهجرة في امتحان و ابتلاء متحملا عنه أکبر الأثقال، و عشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يکافح عنه المشرکين، و يقيه بنفسه عن أعدائه في الدين، حتي قبض الله تعالي نبيه إلي الجنة، و رفعه في عليين ـ صلوات الله عليه ـ و له يومئذ ثلاث و ثلاثون سنة، و أقام بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو ولي أمره و وصيه ثلاثين سنة، و غصب حقه منها و منع من التصرف فيه أربعا و عشرين سنة و أشهرا، و کان عليه السلام مستعملا فيها التقية و المدارة، و ولي الخلافة خمس سنين و أشهرا ممتحنا بجهاد المنافقين من النکاثين و القاسطين و المارقين کما کان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثلاث عشرة سنة من أيام نبوته ممنوعا من أحکامها خائفا و محبوسا و هاربا و مطرودا غير متمکن من جهاد الکافرين و لا مستطيع دفعا عن المؤمنين، ثم هاجر و أقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للمشرکين مبتلي بالمنافقين إلي أن قبضه الله تعالي إليه....

مضي ـ صلوات الله عليه ـ ليلة الحادية و العشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي أشقي الآخرين ـ لعنة الله عليه ـ في مسجد الکوفة، و ذلک أنه خرج عليه السلام يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة، و کان ابن ملجم اللعين ارتصده من أول الليل لذلک، فلما مر به في المسجد و هو مستخف بأمره فماکر بإظهار النوم ثار إليه و ضربه علي ام رأسه و کان مسموما، فمکث عليه السلام يوم تسعة عشر و ليلة العشرين و يومها و ليلة إحدي و عشرين إلي نحو الثلث الأول من الليل: ثم قضي نحبه ـ صلوات الله عليه ـ شهيدا و لقي ربه تعالي مختضبا لحيته بدمه مظلوما.

و لسبب قتله شرح طويل لا يحتمله هذا الموضع، و تولي الحسن و الحسين عليهما السلام غسله و تکفينه بأمره عليه السلام، و حملاه إلي الغري من نجف الکوفة و دفن هناک ليلا قبل طلوع الفجر، و دخل قبره الحسن و الحسين و محمد بنو علي و عبد الله بن جعفرـ رضي الله عنه ـ، و عفي أثر قبره بوصية منه عليه السلام، فلم يزل قبره عليه السلام مخفيا لا يهتدي إليه في دولة بني أمية حتي دل عليه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في دولة بني العباس[1] .

2ـ قال عليه السلام للحسن و عليه السلام الحسين عليهما السلام حين ضربه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ: «أوصيکما بتقوي الله، و أن لا تبغيا الدنيا و إن بغتکما، و لا تأسفا علي شي ء منها زوي عنکما، و قولا بالحق، و اعملا للأجر، و کونا للظالم خصما و للمظلوم عونا.

أوصيکما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه کتابي بتقوي الله، و نظم أمرکم، و صلاح ذات بينکم، فإني سمعت جدکما صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام».

و الله الله، في الأيتام فلا تغبوا أفواههم، و لا يضيعوا بحضرتکم، و الله الله، في جيرانکم فإنهم وصية نبيکم مازال يوصي بهم حتي ظننا أنه سيورثهم. و الله الله، في القرآن لا يسبقکم بالعمل به غيرکم، و الله الله في الصلاة فإنها عمود دينکم، والله الله في بيت ربکم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترک لم تناظروا، و الله الله في الجهاد بأموالکم و أنفسکم و ألسنتکم في سبيل الله، و عليکم بالتواصل و التباذل، و إياکم و التدابر و التقاطع، لا تترکوا الأمر بالمعروف، و النهي عن المنکر فيولي عليکم شرارکم، ثم تدعون فلا يستجاب لکم.

يا بني عبد المطلب! لا الفينکم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون «قتل أميرالمؤمنين» ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، و لا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «إياکم و المثلة و لو بالکلب العقور[2] .

3ـ و من وصية له عليه السلام قبل موته لما ضربه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ: وصيتي لکم أن لا تشرکوا بالله شيئا، و محمد صلي الله عليه و آله و سلم فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، و أوقدوا هذين المصباحين، و خلاکم ذم مالم تشردوا، أنا بالأمس صاحبکم، و اليوم عبرة لکم، و غدا مفارقکم، غفر الله لي و لکم، إن أبق فأنا ولي دمي، و إن أفن فالفناء ميعادي، و إن أعف فالعفولي قربة، و هو لکم حسنة، فاعفوا ألا تحبون أن يغفر الله لکم؟ و الله، ما فجأني من الموت وارد کرهته، و لا طالع أنکرته، و ما کنت إلا کقارب ورد، و طالب وجد، و ما عند الله خير للأبرار[3] .

أقول: قوله عليه السلام: «و الله، ما فجأني من الموت ـ الخ» ظاهر في أن الامام ـ صلوات الله و سلامه عليه ـ کان يتطلع إلي الشهادة شوقا، و علم أن ما أخبر به الصادق الأمين صلي الله عليه و آله و سلم لا محالة يأتيه کما أن الساعة آتية لا ريب فيها، و ما لو عده مترک، و کان عليه السلام ينتظرها بفارغ الصبر، و يقول: ما ينتشر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذاـ علي ما ذکره غير واحد من الأعلام کابن عبد البر و غيره ـ و قال أکثر من مرة: «و الله ليخضبنها من فوقها».

و أما الوقايع التي وقعت بعد شهادته عليه السلام فکثيرة جدا تحتاج إلي تأليف برأسه و لا مجال هنا لذکرها فطوينا عنها و أشرنا إلي واقعة کونية و هي ما أورده الزمخشري في «ربيع الأبرار» علي ما في «تاريخ الخميس» في هجرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن أم معبد، قالت: «لما توضأ صلي الله عليه و آله و سلم مج في أصل عوسجة يابسة عندنا فأينعت و أثمرت کنا نستشفي بثمارها في حياته ـ إلي ـ فأصبحت ذات شوک من اسفلها إلي أعلاها و تساقط ثمرها و ذهبت نضرتها و ما شعرنا إلا بقتل أميرالمؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ، فما أثمرت بعد ذلک و کنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا و إذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط و قد ذبل ورقها إذا أتانا خبر مقتل الحسين عليه السلام و يبست الشجرة».

فسلام عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حيا. و لله الحمد أولا و آخرا.









  1. تاج المواليد، ص 18.
  2. نهج البلاغة، ر 47. و زوي: منع، و لا تغبوا أفواههم: أطعموهم في کل يوم و ليس في يوم دون يوم. و عامة الصلاة: جميع أنواعه من الفرائض و النوافل و من أي نوع من الصلاة.
  3. نهج البلاغة، ر 23. و «محمد» صلي الله عليه و آله و سلم عطف علي «ألا تشرکوا» مرفوع. و الآيتان في النور، 22:24، و آل عمران، 198:3.