الامام علي و تصلبه و تنمره في ذات الله تعالي











الامام علي و تصلبه و تنمره في ذات الله تعالي



1ـ عن سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام: «و ما الذي نقموا من أبي حسن؟ نقمواـ و الله ـ نکير سيفه، و شدة وطأته، و نکال وقعته، و تنمره في ذات الله. و تالله تکافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا عتلقه، و لسار إليهم سيرا سجحا لا تکلم خشاشه، و لا يتعتع راکبه، و لأوردهم منهلا نميرا فضفاضا يطفح ضفتاه، و لأصدرهم بطانا قد تحير بهم الرأي غير متحل بطائل إلا بغمر الناهل وردعه سورة الساغب، و لفتحت عليهم برکات من السماء و الارض، و سيأخذهم الله بما کانوا يکسبون[1] .

2ـ قال ابن شهر آشوب: «عن ابن مردويه: إنه لما أقبل )علي عليه السلام( من اليمن تعجل إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و استخلف علي جنده الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلک الرجل فکسا کل رجل من القوم حلة من البز الذي کان مع علي، فلما دناجيشه خرج علي ليتلقاهم، فإذا هم عليهم الحلل، فقال: ويلک ما هذا؟ قال: کسوتهم ليجملوا به إذا قدموا في الناس. قال: ويلک، من قبل أن تنتهي إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم! قال: فانتزع الحلل من الناس وردها في البز، و أظهر الجيش شکاية لما صنع بهم.

ثم روي عن الخدري أنه قال: شکا الناس عليا عليه السلام فقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خطيبا فقال: أيها الناس لا تشکوا عليا، فو الله إنه لخشن في ذات الله[2] .

أقول: و في بعض الروايات: «لاخيشن» و هو أفعل تفضيل من خشن خشونة: ضد لان، و التصغير هنا للتعظيم، قاله السيد علي خان المدني رحمه الله[3] .

3ـ عن عبد الواحد الدمشقي قال: «نادي حوشب الحميري عليا يوم صفين فقال: انصرف عنا يا ابن أبي طالب، فإنا ننشدک الله في دمائنا، فقال علي: هيهات يا ابن أم ظليم! و الله لو علمت أن المداهنة تسعني في دين الله لفعلت، و لکان أهون علي في المؤونة، و لکن الله لم يرض من أهل القرآن بالادهان و السکوت، و الله يقضي[4] .

4ـ قال الدينوري: «و ذکروا أن عليا کتب إلي جرير: أما بعد فإن معاوية إنما أراد بما طلب أن لا يکون لي في عنقه بيعة، و أن يختار من أمره ما أحب، و قد کان المغيرة بن شعبة أشار علي ـ و أنا بالمدينةـ أن أستعمله علي الشام، فأبيت ذلک عليه، و لم يکن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعک الرجل و إلا فأقبل[5] .

5ـ قال العلامة المجلسي رحمه الله: «و قصد علي عليه السلام دار أم هاني ء متقنعا بالحديد يوم الفتح و قد بلغه أنها آوت الحارث بن هشام و قيس بن السائب و ناسا من بني مخزوم، فنادي: أخرجوا من آويتم، فيجعلون يذرقون کما يذرق الحباري خوفا منه، فخرجت إليه أم هاني ءـ و هي لا تعرفه ـ فقالت: يا عبد الله! أنا أم هاني ء بنت عم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و اخت أميرالمؤمنين، انصرف عن داري، فقال عليه السلام: أخرجوهم، فقالت: و الله لأشکونک إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فنزع المغفر عن رأسه فعرفته، فجاءت تشتد حتي التزمته فقالت: فديتک، حلفت لأشکونک إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقال لها: اذهبي فبري قسمک فإنه بأعلي الوادي.

فأتت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقال لها: إنما جئت يا أم هاني ء تشتکين عليا؟ فإنه أخاف أعداء الله و أعداء رسوله، شکر الله لعلي سعيه، و أجرت من أجارت أم هاني ء لمکانها من علي بن أبي طالب عليه السلام[6] .

6ـ و قال ـ أيضا: «إن سارة مولاة أبي عمرو بن سيفي بن هشام أتت النبي صلي الله عليه و آله و سلم من مکة مسترفده، فأمر بني عبد المطلب بإسدانها، فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة دنانير علي أن تحمل کتابا بخبر و فود النبي صلي الله عليه و آله و سلم إلي مکة و کان صلي الله عليه و آله و سلم أسر ذلک ليدخل عليهم بغتةـ فأخذت الکتاب و أخفته في شعرها و ذهب. فأتي جبرئيل عليه السلام و قص القصة علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فأنفذ عليا و الزبير و مقدادا و عمارا و عمر و طلحة و أبا مرثد خلفها، فأدرکوها بروضة خاخ يطالبونها بالکتاب، فأنکرت، و ما وجدوا معها کتابا، فهموا بالرجوع، فقال علي عليه السلام: و الله ما کذبنا و لا کذبنا، و سل سيفه و قال: أخرجي الکتاب و إلا و الله لأضربن عنقک، فأخرجته من عقيصتها، فأخذ أميرالمؤمنين عليه السلام الکتاب و جاء إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم...[7] .

7ـ قال ابن أبي الحديد: «و روي صاحب «کتاب الغارات»: أن عليا عليه السلام لما حد النجاشي[8] غضبت اليمانية لذلک، و کان أخصهم به طارق بن عبد الله بن کعب النهدي، فدخل عليه فقال: يا أميرالمؤمنين ما کنا نري أن أهل المعصية و الطاعة و أهل الفرقة و الجماعة عند ولاة العدل و معادن الفضل سيان في الجزاء حتي رأيناها ما کان من صنيعک بأخي الحارث، فأو غرت صدورنا، و شتت امورنا، و حملتنا علي الجادة التي کنا نري أن سبيل من رکبها النار.

فقال علي عليه السلام: و إنها لکبيرة إلا علي الخاشعين[9] يا أخا نهد! و هل هو إلا رجل من المسلمين انتهک حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا کان کفارته؟ إن الله تعالي يقول:/ و لا يجر منکم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي/[10] .

قال: فخرج طارق من عنده فلقيه الأشتر فقال: يا طارق! أنت القائل لأميرالمؤمنين: «أو غرت صدورنا، و شتت امورنا»؟ قال طارق: نعم، أنا قائلها، قال: و الله، ما ذاک کما قلت، إن صدورنا له لسامعة، و إن امورنا له لجامعة. فغضب طارق و قال: ستعلم يا أشتر! أنه غير ما قلت، فلما جنه الليل همس هو و النجاشي إلي معاوية، فلما قدما عليه دخل آذنه فأخبره بقدومهما، و عنده وجوه أهل الشام منهم عمرو بن مرة الجهني و عمرو بن صيفي و غيرهما، فلما دخلا نظر معاوية إلي طارق و قال: مرحبا بالمورق غصنه، و المعرق أصله، المسود غير المسود من رجل کانت منه هفوة و نبوة باتباعه صاحب الفتنة، و رأس الضلالة و الشبهة، الذي اغترز في رکاب الفتنة حتي استوي علي رجلها، ثم أوجف في عشوة ظلمتها و تيه ضلالتها، و اتبعه رجرجة من الناس، و أشابة من الحثالة لا أفئدة لهم،/ أفلا يتدبرون القرآن/ أم علي قلوب أقفالها/[11] .

فقام طارق فقال: يا معاوية! إني متکلم فلا يسخطک، ثم قال: و هو متکي ء علي سيفه: إن المحمود علي کل حال رب علا فوق عباده، فهم منه بمنظر و مسمع، بعث فيهم رسولا منهم لم يکن من قبله يتلو کتابا، و لا يخطه بيمينه إذا لارتاب المبطلون، فعليه السلام من رسول کان بالمؤمنين برا رحيما.

أما بعد، فإن ما کنا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عامل مع رجال من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أتقياء مرشدين، ما زالوا منارا للهدي، و معالم للدين، خلفا عن سلف مهتدين، أهل دين لا دنيا، کل الخير فيهم، و اتبعهم من الناس ملوک و أقيال أهل بيوتات و شرف ليسوا بناکثين و لا قاسطين، فلم يکن رغبة من رغب عنهم و عن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها، و لو عورته حيث سلکوها و غلبت عليهم دنيا مؤثرة، و هوي متبع، و کان أمر الله قدرا مقدورا... فبلغ عليا عليه السلام قوله، فقال: لو قتل النهدي يومئذ لقتل شهيدا[12] .

و قال ـ أيضا: و أکثر مبغضيه عليه السلام أهل البصرة کانوا عثمانية، و کانت في أنفسهم أحقاد يوم الجمل، و کان هو عليه السلام قليل التألف للناس شديدا في دين الله، لا يبالي مع علمه بالدين و اتباعه الحق من سخط و من رضي[13] .

8ـ قال جورج جرداق: «و کثر عدد المنحرفين اللاحقين معاوية بکثرة الذين يريدون الدنيا لأنفسهم وحدهم، و ما کان من طبائع الناس کلهم أن يتحملوا الحق و أن يقولوه و يفعلوه، و لا کان من طبائعهم کلهم أن يوالوا عليا الذي يشتد بالحق علي نفسه و ذويه و الخلق جميعا... فکيف لا يلحق معاوية و يترک عليا ذلک الوالي الذي يبعث إليه علي: «و إني اقسم بالله، لئن بلغني أنک خنت من في ء المسلمين شيئا صغيرا أو کبيرا لأشدن عليک شدة تدعک قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر[14] ، أو ذاک الآخر الذي يتلقي من علي مثل هذا الکتاب: «بلغني أنک جردت الأرض، و أخذت ما تحت قدميک، و أکلت ما تحت يديک، فارفع إلي حسابک[15] .

کيف يستطيع العاديون من الخلق أن يرتفعوا إلي هذا المستوي العظيم من صفة الإنسان الحق، فيقبل وجيههم أو واليهم أن يقول له علي: «و لئن کان ما بلغني عنک حقا لجمل أهلک و شسع نعلک خير منک[16] ! و کيف يرضي الغاصبون أن يحکمهم من يقول: «و الله، لأن أبيت علي حسک السعدان مسهدا، أو اجر في الأغلال مصفدا أحب إلي من أن ألقي الله و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، و غاصبا لشي ء من الحطام[17] .

9ـ عن رزين قال: «کنت أتوضأ في ميضأة الکوفة فإذا رجل قد جاء فوضع نعليه و وضع درته فوقها، ثم دنا فتوضأ معي فزحمته حتي وقع علي يديه. فقام فتوضأ، فلما فرغ ضرب رأسي بالدرة ثلاثا، ثم قال: إياک أن تدفع فتکسر فتغرم، فقلت: من هذا؟ فقالوا، أميرالمؤمنين، فذهبت أعتذر إليه فمضي و لم يلتفت إلي[18] .

أقول: هذا الخبر و إن لم يکن نصا في الباب لکنه مناسب له لأنه يشعر بأن ما کان مهما في نظر علي عليه السلام إحياء الدين و إن عني في سبيل إحيائه.

10ـ قال العلامة المجلسي رحمه الله: «أرسل علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليه السلام إلي لبيد العطاردي بعض شرطه فمروا به علي مسجد سماک، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فحال بينهم و بينه، فأرسل أميرالمؤمنين عليه السلام إلي نعيم فجي ء به، قال: فرفع أميرالمؤمنين عليه السلام شيئا ليضربه، فقال نعيم: و الله إن صحبتک لذل، و إن خلافک لکفر، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: و تعلم ذلک؟ قال: نعم، قال: خلوه[19] .

11ـ و کتب عليه السلام إلي بعض عماله: «أما بعد، فإني کنت أشرکتک في أمانتي، و جعلتک شعاري و بطانتي، و لم يکن رجل من أهلي أوثق منک في نفسي لمواساتي و مؤازرتي، و أداء الأمانة إلي. فلما رأيت الزمان علي ابن عمک قد کلب، و العدو قد حرب، و أمانة الناس قد خزيت، و هذه الامة قد فنکت و شغرت قلبت لابن عمک ظهر المجن، ففارقته مع المفارقين، و خذلته مع الخاذلين، و خنته مع الخائنين! فلا ابن عمک آسيت، و لا الأمانة أديت، و کأنک لم تکن الله تريد بجهادک، و کأنک لم تکن علي بينة من ربک، و کأنک إنما کنت تکيد هذه الامة عن دنياهم، و تنوي غرنهم عن فيئهم، فلما أمکنتک الشدة في خيانة الأمة أسرعت الکرة، و عاجلت الوثبة، و اختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم و أيتامهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزي الکسيرة، فحملته إلي الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثم من أخذه، کأنک ـ لا أبا لغيرک ـ حدرت إلي أهلک تراثا من أبيک و أمک! فسبحان الله! أما تؤمن بالمعاد؟ أو ما تخاف نقاش الحساب؟

أيها المعدود! کان عندنا من ذوي الألباب کيف تسيغ شرابا و طعاما و أنت تعلم أنک تأکل حراما و تشرب حراما؟ و تبتاع الإماء، و تنکح النساء من مال اليتامي و المساکين و المؤمنين و المجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال، و أحرز بهم هذه البلاد، فاتق الله واردد إلي هؤلاء القوم أموالهم، فإنک إن لم تفعل ثم أمکنني الله منک لأعذرن إلي الله فيک، و لأضربنک بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار، و والله لو أن الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما کانت لهما عندي هوادة، و لا ظفرا مني بإرادة حتي آخذ الحق منهما، و أزيح الباطل من مظلمتهما، و أقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم حلال لي، أترکه ميراثا لمن بعدي، فضح رويدا فکأنک قد بلغت المدي، و دفنت تحت الثري، و عرضت عليک أعمالک بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة، و يتمني المضيع فيه الرجعة، ولات حين مناص[20] .









  1. ابن ابي الحديد: شرح النهج، ج 16: ص 233».

    و الخطبة طويلة مشهورة نقلها جمع من الاعلام ـ مع اختلاف في بعض الالفاظ ـ کالطبرسي في «الاحتجاج» )ج 1: ص 147( و ابن طيفور في «بلاغات النساء» )ص 20( و المجلسي رحمه الله في «البحار» مع شرحه )ج 43: ص 158ـ 170(.

  2. مناقب ابن شهر آشوب، ج 2، ص 110 و المستدرک للحاکم، ج 3، ص 134.
  3. رياض السالکين، ص 1.
  4. المتقي الهندي: کنز العمال )بهامش المسند(، ج 5: ص 449.
  5. الدينوري الامامة و السياسة، ج 1: ص 95.
  6. المجلسي، بحار الأنوار، ج 4190: ص 10.
  7. المجلسي: بحار الأنوار، ج 4190، ص 8.
  8. النجاشي الشاعر من بني الحارث بن کعب کان شاعر أهل العراق بصفين، و کان علي عليه السلام يأمره بمحاربة شعراء أهل الشام مثل کعب بن جعيل و غيره، فشرب الخمر بالکوفة، فحده علي عليه السلام، فغضب و لحق بمعاوية، وهجا عليا عليه السلام، فضربه ثمانين، ثم زاده عشرين سوطا، فقال: يا أميرالمؤمنين! أما الحد فقد عرفته، فما هذه العلاوة؟ قال: لجرئتک علي الله، و افطارک في شهر رمضان. ثم أقامه في سراويله للناس، فجعل الصبيان يصيحون به: خزي النجاشي، خزي النجاشي. )ابن ابي الحديد: شرح النهج، ج 4: ص 89(.
  9. البقرة، 45:2.
  10. المائدة، 8:5.
  11. محمد )ص(، 24:47.
  12. ابن ابي الحديد: شرح النهج، ج 4: ص 94.
  13. ابن ابي الحديد: شرح النهج، ج 4: ص 89.
  14. راجع نهج البلاغة، ر 20. و الوفر: المال. و ثقيل الظهر: من عجز عن نفقة عياله. و الضئيل: الحقير.
  15. النهج، ر 40 و 71.
  16. النهج، ر 40 و 71.
  17. النهج، خ 222، جرداق: الإمام علي صوت العدالة الانسانية ج 4: ص 9601.
  18. الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 18: ص 583، ط عبد الرحيم.
  19. المجلسي: بحار الأنوار، ج 42: ص 186.
  20. نهج البلاغة، ر 41. و اختلف في المکتوب اليه بين عبد الله بن عباس و عبيد الله ابن عباس و غيرهما فليراجع في ذلک المطولات من الشروح.