دارمية الحجونية











دارمية الحجونية



4ـ قال ابن عبد البر: «سهل بن ابي سهل التميمي، عن أبيه قال: حج معاوية فسأل عن امرأة يقال لها: دارمية الحجونيةـ و کانت سوداء کثيرة اللحم ـ فاخبر بسلامتها، فبعث إليها فجي ء بها، فقال: ما حالک يا بنت حام؟ فقالت. لست لحام إن عبتني، أنا امرأة من بني کنانة، قال: صدقت، أتدرين لم بعثت إليک؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله، قال: قال: بعثت إليک لأسألک علام أحببت عليا و أبغضتني، و واليته و عاديتني؟ قالت: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيک، قالت: أما إن أبيت فإني أحببت عليا علي عدله في الرعية، و قسمه بالسوية، و أبغضتک علي قتال من هو أولي منک بالأمر، و طلبتک ما ليس لک بحق، و واليت عليا علي ما عقد له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الولاء، و حبه المساکين، و إعظامه لأهل الدين، و عاديتک علي سفکک الدماء، و جورک في القضاء، و حکمک بالهوي.

قال: فلذلک انتفخ بطنک، و عظم ثدياک، و ربت عجيزتک. قالت: يا هذا، بهندـ و الله ـ کان يضرب المثل في ذلک لابي. قال معاوية: يا هذه اربعي فإنا لم نقل إلا خيرا، إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، و إذا عظم ثدياها تروي رضيعها، و إذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها. فرجعت و سکنت. قال لها: يا هذه هل رأيت عليا؟ قالت: إي و الله، قال: فکيف رأيته؟ قالت: رأيته ـ و الله ـ لم يفتنه الملک الذي فتنک، و لم تشغله النعمة التي شغلتک. قال: فهل سمعت کلامه؟ قالت: نعم ـ و الله ـ يجلو القلوب من العمي کما يجلو الزيت صدا الطست. قال: نعم، قال: صدقت، فهل لک من حاجة؟ قالت: أو تفعل إذا سألتک؟ قال: نعم، قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها و راعيها. قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغدو بألبانها الصغار، و أستحيي بها الکبار، و أکتسب بها المکارم، و أصلح بها بين العشائر، قال: أعطيتک ذلک فهل أحل عندک محل علي بن أبي طالب؟ قالت: ماء و لا کصداء، و مرعي و لا کالسعدان، و فتي و لا کمالک، يا سبحان الله! أو دونه. فأنشأ معاوية يقول:


إذا لم أعد بالحلم مني عليکم
فمن الذي بعدي يؤمل للحلم


خذيها هنيئا و اذکري فعل ماجد
جزاک علي حرب العداوة بالسلم


ثم قال: أما و الله، لو کان علي حيا ما أعطاک منها شيئا، قالت: لا و الله و لا وبرة واحدة من مال المسلمين[1] .









  1. ابن عبد ربه: العقد الفريد، ج 1: ص 352. و الصداء: عين لم يکن عندهم أعذب منها. و السعدان: نبت ذو شوک، و هو أفضل مراعي الابل. و اربعي: انتظري.