ضرارة بن ضمرة











ضرارة بن ضمرة



2ـ إن معاوية و فد عليه ضرارة بن ضمرةـ و کان من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام و من خواصه ـ و أراد أن يفتک به، فلما رأي زهده و تقوا و اشتغاله بالآخرة عن دنيا، عدل عن ذلک و أراد امتحانه، فقال: صف لي عليا، فقال: اعفني، فقال: أقسمت عليک بحقه إلا ما وصفته، قال: أما إذا کان و لا بد فإنه ـ و الله کان بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلا، و يحکم عدلا، ينفجر العلم من جوانبه، و تنفلق الحکمة من لسانه، يستوحش من الدنيا و زهرتها، و يأنس بالليل و وحشته، کان ـ صلوات الله عليه ـ غزير الدمعة، طويل الفکرة، يعجبه من اللباس ما خشن، و من الطعام ما جشب، کان فينا کأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، و يأتينا إذا دعوناه، و نحن ـ و الله ـ مع تقربه لنا و قربه منا لا نکاد نکلمه هيبة له، کان ـ صلوات الله عليه ـ يعظم أهل الدين، و يقرب المساکين، لا يطمع القوي في باطله، و لا ييأس الضعيف من عدله، و إني أشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ـ و قد أرخي الليل سدوله و غارت نجومه ـ قابضا علي لحيته، يتململ تململ السليم، و يبکي بکاء الحزين، و هو يقول: يا دنيا غري غيري، أبي تعرضت؟ أم إلي تشوقت؟ هيهات! قد طلقتک ثلاثا لا رجعة لي فيک، فعمرک قصير، و خطرک کبير، و عيشک حقير، آه من قلة الزاد، و بعد السفر، و وحشة الطريق.

فبکي معاوية و قال: رحم الله، أبا الحسن! قد کان ـ و الله ـ کذلک، فکيف حزنک عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا يرقأ دمعتها، و لا تخفي فجعتها. فأمر له بمال جزيل، فلم يقبل منه شيئا و انصرف، و هو يندب أميرالمؤمنين عليه السلام[1] .









  1. أشعة الأنوار في فضل الحيدر الکرار، ص 326. القمي: سفينة البحار، ج 2: ص 657، مادة «وصف».