الامام علي عند أصحابه و مواليه











الامام علي عند أصحابه و مواليه



إن أصحابه عليه السلام کثيرون، و نحن نذکر هناـ إن شاء الله تعالي ـ من وفد منهم علي معاوية بن أبي سفيان بعد شهادته عليه السلام ذکورا و إناثا لاشتمال أحوالهم و قصصهم علي جلالته عليه السلام عندهم و موقعيته لديهم و ما وصفوا من سيرته و عدله ثم علي وفائهم له عليه السلام.

1ـ قال العلامة الشيخ جعفر النقدي رحمه الله: «لما اجتمع الناس إلي معاوية بن أبي سفيان کتب إلي زياد بن سمية و کان عامله بالکوفة: أوفد علي أشراف أصحاب علي بن أبي طالب و لهم الأمان، و ليکونوا عشرة نفر، خمسة من أهل الکوفة و خمسة من أهل البصرة، فلما ورد عليه الکتاب بعث إلي حجر ابن عدي، و عدي بن حاتم الطائي، و عمرو بن الحمق الخزاعي و هاني ء بن عروة المرادي، و عامر بن واثلة الکناني ـ و کان يکني بأبي الطفيل ـ و دعاهم تجهزوا إلي أميرالمؤمنين فقد جعل لکم الأمان و أحب رؤيتکم.

و کتب إلي خليفته بالبصرة أن أوفد إلي الأحنف بن قيس، و صعصعة ابن صوحان، و حارثة بن قدامة السعدي، و خالد بن معمر السدوسي، و شريک ابن الأعور. فلما قدموا عليه أشخصهم جميعا إلي معاوية، فلما قدموا علي معاويةحجبهم يومهم و ليلتهم، و بعث إلي رؤساء الشام، فلما جاؤوا و أخذوا مجالسهم قال معاوية لصاحب إذنه: أدخل علي حجر بن عدي.

فلما دخل و سلم، قال له معاوية: يا ابن الأدبر القبيح المنظر أنت القاطع منا الأسباب، و الملتمس بحربنا الثواب، و المساعد علينا أبا تراب؟ فقال حجر: صه يا معاوية لا تذکر رجلا کان لله خائفا، و لما يسخطه عائفا، و بما يرضي الله عارفا، خميص الضلوع، طويل الرکوع، کثير السجود، ظاهر الخشوع، قليل الهجوع، قائما بالحدود، طاهر السريرة، محمود السيرة، نافذ البصيرة، ملک أمرنا فکان کبعضنا، لم يبطل حقا، و لم يظلم أحدا... ثم بکي حتي نشج، ثم رفع رأسه فقال: أما توبيخک إياي فيما کان من نفسي، فاعلم يا معاوية أني غير معتذر إليک مما فعلت، و لا مکترث مما صنعت، فأعلن بسرک، و أظهر أمرک.

فقال معاوية لصاحب إذنه: أخرجه عني و أدخل علي عمرو بن الحمق الخزاعي. فلما دخل عليه قال له معاوية: يا أبا خزاعة فارقت الطاعة، و أشهرت علينا سيفک، و أهديت إلينا حيفک، فأطلت الإعراض، و شتمت الأعراض، و دلاک بغرور جهلک المحذور، فکيف رأيت صنع الله بصاحبک؟ قال: فبکي عمرو حتي سقط لوجهه، فرفعه الشرطي فقال: يا معاوية بأبي و امي من ذکرت و تنقصت، کان ـ و الله ـ العالم بحکم الله، المجد في طاعة الله، المحدود في غيظ الله، الزاهد في الفانية، الراعب في الباقية، لا يظهر منکرا، و لا يظهر تجبرا، يعمل بما يرضي الله عنه... فقد مزقنا فقده، و تمنينا الموت بعده.

فقال معاوية لصاحب إذنه: أخرجه عني و أدخل علي عدي بن حاتم الطائي. فلما دخل عليه قال له معاوية: ما أبقي الدهر من ذکر علي بن أبي طالب؟ فقال عدي: فهل رعي إلا ذکره؟ قال: و کيف حبک له؟ فتنفس الصعداء و قال: حبي و الله، جديد لا يبيد، و قد تمکن من شغاف الفؤاد إلي يوم المعاد. و قد امتلا من حبه صدري، و فاض في جسدي و فکري فقال الامويون: يا أميرالمؤمنين أصبح عدي بعد صفين ذليلا، فبکي عدي ـ رحمه الله ـ و أنشأ يقول:


يجادلني معاوية بن حرب
و ليس إلي الذي يبغي سبيل


يذکرني أبا الحسن عليا
و خطبي في أبي حسن جليل


فکان جوابه مني شديدا
و يکفي مثله مني القليل


و قد قال الوليد و قال عمرو
عدي بعد صفين ذليل


فقلت: قد صدقتم هدرکني
و فارقني الذين بهم أصول


سيخسر من يوادده ابن هند
و يربح من يوادده الرسول


فقال معاوية لصاحب إذنه: أخرجه و أدخل علي عامر بن واثلةـ و کان يکني أبا الطفيل ـ، فلما دخل عليه رحب معاوية، فقال أصحابه: من هذا الذي رحبت به يا أميرالمؤمنين؟ فقال: هذا خليل أبي تراب، و فارس أهل العراق، و شاعرهم يوم صفين، فقالوا: الام فارس، و أفحش شاعر، و نالوا منه، فغضب أبو الطفيل و قال: أما و الله يا معاوية ما هؤلاء سبوني، و لا أدري من هم، و إنما أنت شتمتني، فأخبرني من هم؟ و إلاـ و حق علي ـ شتمتک فقال معاوية: هذا عمرو بن العاص، و هذا مروان بن الحکم، و هذا سعيد بن العاص، و هذا ابن اختي.

فقال أبو الطفيل: أما عمرو فأنطقته جباية مصر، و أما مروان و سعيد فأنطقتهما جباية الحجاز، و أما ابن اختک فقد وهبته لک، فقال معاوية: يا أبا الطفيل ما أبقي الدهر لک من حب علي؟ قال: و الله حب ام موسي لموسي، و أشکو إلي الله التقصير. قال: فما أبقي لک الدهر من وجدک عليه؟ قال: وجد العجوز المقلاة و الشيخ الرؤوف. قال: فما ابقي من بغضک لنا؟ قال: بغض آدم لإبليس لعنه الله.

فقال معاوية لصاحب إذنه: أخرجه عني و أدخل علي هاني ء بن عروة المرادي، فلما دخل قال له معاوية: يا هاني ء أنت المائل مع علي بن أبي طالب، و المحارب للمسلمين مع علي يوم صفين؟ فقال له هاني ء: أني لک يا معاوية بالشرف الشامخ، و المجد الباذخ؟ و ما کنتم إلا شظية يخطفها العرب حتي بعث محمد صلي الله عليه و آله و سلم فلان له العباد في جميع البلاد، و أما خروجي عليک يا ابن هند فغير متعذر إليک منه، و لو کنت رأيتک ذلک اليوم لنفذت رمحي بين حضنيک، و الله ما أحببناک مذ أبغضناک، و لا بعنا السيوف التي بها ضربناک.

فقال معاوية لصاحب إذنه: أخرجه عني و أدخل علي صعصعة بن صوحان، فلما دخل عليه نظر فإذا الرجال عليهم السلاح وقوف، و معاوية جالس علي سريره، فقال صعصعة: سبحان الله، و لا إله إلا الله، و الله أکبر يرفع بها صوته ـ، فالتفت معاوية يمنة و يسرة فلم ير شيئا يفزعه، فقال: يا صعصعة أظنک تدري ما الله؟ فقال: بلي و الله يا معاوية ربنا و رب آبائنا الأولين، و إنه لبالمرصاد من وراء العباد، فقال معاوية: يا صعصعة! ما کنت أحب أن تقوم هذا المقام حتي يصيبک ظفر من أظفاري، قال: و أنا يا معاوية لقد أحببت أن لا أحييک بتحية الخلافة حتي تجري مقادير الله فيک.

فالتفت معاوية إلي عمرو بن العاص و قال: أوسع لصعصعة ليجلس إلي جانبک، فقال عمرو: لا، و الله، لا أوسعت له علي ترابيته، فقال صعصعة: نعم، و الله، يا عمرو! إني لترابي و من عبيد أبي تراب، و لکنک مارج من نار، منها خلقت، و إليها تعود، و منها تبعث إن شاء الله، فقال معاوية: يا صعصعة و الله إني هممت أن أحبس عطايا أهل العراق في هذه السنة، فقال صعصعة: و الله، يا معاوية! لو رمت ذلک منهم لدهمک مائة ألف أمرد علي مائة ألف أجرد، و صيروا بطنک ميادين لخيولهم، و قطعوک بسيوفهم و رماحهم، قال: فامتلا معاوية غيظا، و أطرق طويلا ثم رفع رأسه و قال: لقد أکرمنا الله حيث يقول لنبيه و إنه لذکري لک و لقومک[1] و نحن قومه، وقال تعالي: لإيلاف قريش ـ إلي قوله ـ و آمنهم من خوف[2] و نحن قريش، و قال تعالي لنبيه: و أنذر عشيرتک الأقربين[3] و نحن عشيرته الأقربون، فقال صعصعة: علي رسلک يا معاوية فإن الله تعالي يقول: فکذب به قومک و هو الحق[4] ، و أنتم قومه، و قال تعالي: و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا[5] و لو زدت زدناک يا معاوية، فأفحمه.

قال معاوية لصاحب إذنه: أخرجه عني و أدخل علي خالد بن معمر السدوسي. فلما دخل قال له معاوية: يا خالد! لقد رأيتک تضرب أهل الشام بسيفک علي فرسک الملهوب. فقال خالد: يا معاوية و الله، ما ندمت علي ما کان مني، و لا زلت علي عزيمتي اثني، و مع ذلک إني عند نفسي مقصر، و الله المستعان و المدبر. فقال له معاوية: ما علمت يا خالد، ما نذرت عند قدومک في قومک؟ قال: لا، فقال: نذرت أن انذر مقاتلهم، و أسبي نساءهم، ثم أفرق بين الامهات و الأولاد فيبايعون. فقال خالد: و ما تدري ما قلت في ذلک؟ قال: لا، قال: فاسمعه مني، فأنشأ يقول:


يروم ابن هند نذره من نسائنا
و دون الذي يبغي سيوف قواضب


قال معاوية لصاحب إذنه: أخرجه عني و أدخل علي جارية بن قدامة السعدي ـ و کان قصيرا. فلما دخل قال له معاوية: أرکضت علينا الخيل يوم صفين في بني سعد تمنيهم الفتن، و تحملهم علي قديمات الإحن مع قتلة أميرالمؤمنين عثمان، و قاتلت ام المؤمنين عائشة، و ما أنت إلا جارية! فقال جارية: إن الله فضل علي اسمک اسمي، قال: و کيف ذلک؟ قال: لأن الجارية لا تکون إلا من أحياء العرب، و المعاوية لا تکون إلا من إناث الکلاب. و أما ما ذکرت من أميرالمؤمنين عثمان فأنتم خذلتموه و قتلتموه، و الدار عند نازحة. و أما ام المؤمنين عائشة فلما نظرنا في کتاب الله عزوجل و لم نجد لها علينا حقا يلزمنا إلا أن تطيع ربها و تقر بيتها، فلما ألقت الجلابيب عن وجهها بطل ما کان لها علينا من حق. و أما رکضي الخيل عليک يوم صفين فإنما ذلک حيث أردت أن تقطع أعناقنا عطشا فلم ننظر في عاقبة، و لم نخف جائحة فثنينا الخيل مع أقدم الناس اسلاما، و أحسنهم کلاما، و أعلمهم بکتاب الله و سنة نبيه، حين أراد جهادک علي بصيرة، و أنت علي الحمية الجاهلية، فإن أردت نريک مثل ذلک اليوم، فخيلنا معدة، و رماحنا محدة.

قال معاوية لصاحب إذنه، أخرجه و أدخل علي شريکا الحارثي، فلما دخل ـ و کان دميم المنظرـ فقال له معاوية: إنک شريک و مالله شريک، و إنک الأعور، و الصحيح خير من الأعور، و إنک لابن الأصفر، و الأبيض خير من الأصفر، و إنک مخالف، و المستقيم خير من المخالف، و إنک لدميم، و الجميل خير من الدميم، فکيف سدت قومک؟ فقال شريک: إنک لمعاوية و ما معاوية إلا کلبة عوت فاستعوت، فاستنبحتها الکلاب فسميت معاوية:، و انک لابن صخر، و السهل خير من الصخر، و ابن حرب، و السلم خير من الحرب، و ابن امية، و ما امية إلا أمة صغرتها العرب، فکيف صرت أميرالمؤمنين علينا؟ فأمر معاوية بإخراجه، فخرج و هو يقول:


أيشتمني معاوية بن حرب
و سيفي صارم و معي لساني


و حولي من بني عمي رجال
ضراغمة نهش إلي الطعان


يعير بالدمامة من سفاه
و ربات الجمال من الغواني


قال: ثم نهض معاوية من مجلسه و دخل داره، و في اليوم الثاني دعي بهم فاحضروا، و أکرمهم و ردهم إلي أهليهم مکرمين[6] .









  1. الزخرف، 43: 44، و في المصحف: «لذکر لک.
  2. قريش، 106: 1ـ4.
  3. الشعراء، 214:26.
  4. الانعام، 6: 66. و في المصحف: «و کذب.
  5. الفرقان، 30:254.
  6. أشعة الأنوار في فضل الحيدر الکرار، ص 314، ط نجف.