الفرق بين سياسة علي و غيره











الفرق بين سياسة علي و غيره



1ـ قال الفاضل المصري، الدکتور طه حسين: «إن الفرق بين علي و معاوية في السيرة و السياسة کان عظيما بعيد المدي، عرفت أن معاوية کان ينتظر عليا في ثبات و ثقة و اطمينان، کان الفرق بين الرجلين عظيما في السيرة و السياسة، فقد کان علي مؤمنا بالخلافة... يري أن من الحق عليه أن يقيم العدل بأوسع معانيه بين الناس لا يؤثر منهم أحدا علي أحد، و يري أن من الحق عليه أن يحفظ عن المسلمين مالهم لا ينفقه إلا بحقه، فهو لا يستبيح لنفسه أن يصل الناس من بيت المال، بل هو لا يستبيح لنفسه أن يأخذ من بيت المال لنفسه و أهله إلا ما يقيم الأود، لا يزيد عليه...

فأما معاوية... لا يجد في ذلک بأسا و لا جناحا، فکان الطامعون يجدون عنده ما يريدون، و کان الزاهدون يجدون عند علي ما يحبون، و ما رأيک في رجل جاء أخوه عقيل بن أبي طالب مسترفدا، فقال لابنه الحسن: إذا خرج عطائي فسر مع عمک إلي السوق فاشتر له ثوبا جديدا و نعلين جديدتين، ثم لم يزد ذلک شيئا! و ما رأيک في رجل آخر يأتيه عقيل هذا نفسه بعد أن لم يرض صلة أخيه فيعطيه من بيت المال مائة ألف...

و علي لا يدهن في الدين، و لم يکن يبغض شيئا کما يبغض وضع درهم من بيت مال المسلمين في غير موضعه أو إنفاقه في غير حقه، کما کان يبغض المکر و الکيد و کل ما يتصل بسبب من أسباب الجاهلية الأولي...[1] .

2ـ و قال: «مفتاح سياسة الإمام قوله عليه السلام: لا اداهن في ديني، و لا اعطي الدنية في أمري[2] ـ و قال جرج جرداق: «إن الذين قالوا: علي لا يعرف السياسة يريدون من علي أن يکون معاوية بن أبي سفيان، و يأبي علي إلا أن يکون ابن أبي طالب[3] .

و قال ـ أيضا: «و الذي يمعن النظر في سياسة معاوية يهوله هذا المقدار من قوي الشر و الاحتيال التي تألف منها اسلوبه في أخذ الناس... فهو اسلوب مکيافيلي خالص لا ينقصه شي ء من تفاصيل المکيافيلية المجرمة و النهب و الترويع و التقتيل[4] .

و قال ـ أيضاـ، من قول معاوية: «فاقتل من لقيته ممن ليس هو علي مثل رأيک، و انهب أموال کل من أصبت له مالا ممن لم يکن له دخل في طاعتنا».

و قال ـ أيضا: «أقول: صدق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا و عباد الله خولا[5] .

و قال ـ أيضا: «نعم، إن معاوية لم يکن علي شي ء من الإسلام، و قد شهد علي نفسه بذلک فإنه کان يلبس الحرير، و يشرب في آنية من الذهب و الفضة حتي أنکر عليه أبو الد رداء فقال له: إني سمعت رسول الله، يقول: إن الشارب فيهما لتجرجر في جوفه نار جهنم... فقال معاوية بلا مبالاة: أما أنا فلا أري بذلک بأسا[6] .

4ـ و قال عبد الکريم الخطيب: «... ترکوا عليا )يعني أصحابه( خوفا من حسابه أو يأسا من عطائه، و لحقوا بمعاوية حيث هناک لا خوف من حساب و لا يأس من عطاه، فإن بيت مال المسلمين هو بيت مال معاوية يضعه حيث يشاء، و يفتح به لنفسه إلي الناس طرقا، و في عقيل بن أبي طالب و في موقف علي منه مايغني عن کل مثل يورد و عن کل قول يقال في هذا المقام...

و طبيعي أن سياسة علي هذه کان يمکن أن تمسک عليه أهله و أصحابه و أنصاره لو کانت سياسة معاوية مماثلة لتلک السياسة أو مقاربة لها، و أما سياسة معاوية تذهب المياسرة حينا و الممالأة حينا آخر و الإغراء و الإغراق في أکثر الأحيان، فإن ذلک جدير به أن يقلب القلوب و يدير الرؤوس، و قد تحول کثير من أنصار علي إلي جبهة معاوية بفعل هذه السياسة...».

و قال ـ أيضا: نجد المال في يد علي حربا عليه يکثر من أعدائه، و يفسد عليه أصحابه و أنصاره، بينما نجد المال في يد معاوية جيشا عاملا يؤلف له العدو، و يدني إليه البعيد، و يبسط له سلطانا قائما علي الرغبة و الأمل...[7] .

و قال: «روي أبو جعفر الإسکافي: أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتي يحدث بأن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: و من الناس من يعجبک قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله علي ما في قلبه و هو ألد الخصام و إذا تولي سعي في الارض ليفسد فيها و يهلک الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد[8] فلم يرض، فبذل له مثني ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل[9] .









  1. علي و بنوه، ص 59، ط دار المعارف بمصر.
  2. الامام علي أسد الاسلام و قديسه، ص 92، ط بيروت.
  3. المغنية: في ظلال نهج البلاغة، ج 1: ص 258.
  4. علي صوت العدالة الانسانية، ج 4: ص 775.
  5. علي صوت العدالة الانسانية، ج 4: ص 779.
  6. علي صوت العدالة الانسانية، ج 4: ص 766.
  7. الإمام علي بقية النبوة و خاتم الخلافة، ص 439.
  8. البقرة، 2: 204 و 205.
  9. الإمام علي بقية النبوة و خاتم الخلافة، ص 164.