الامام علي و عدالته في القاضي و القضاء و الحكومة، و شي ء من











الامام علي و عدالته في القاضي و القضاء و الحکومة، و شي ء من قضائه



1ـ قال ابن أبي الحديد: «و استعدي رجل علي علي بن أبي طالب عليه السلام عمر بن الخطاب و علي جالس، فالتفت عمر إليه فقال: قم، يا أبا الحسن! فاجلس مع خصمک، فقام فجلس معه و تناظرا، ثم انصرف الرجل و رجع علي عليه السلام إلي مجلسه، فتبين عمر التغير في وجهه فقال: يا أبا الحسن! مالي أراک متغيرا؟ أکرهت ما کان؟ قال: نعم، قال: و ما ذاک؟ قال: کنيتني بحضرة خصمي، هلا قلت: قم، يا علي! فاجلس مع خصمک[1] .

2ـ عن الشعبي قال: «وجد علي عليه السلام درعا له عند نصراني فجاء به إلي شريح يخاصمه إليه... ثم قال علي عليه السلام: أن هذه درعي لم أبع و لم أهب، فقال )شريح( للنصراني: ما يقول أميرالمؤمنين؟ فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي، و ما أميرالمؤمنين عندي بکاذب، فالتفت شريح إلي علي عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين! هل من بينة؟ قال: لا، فقضي بها للنصراني، فمشي هنيئة ثم أقبل فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحکام النبيين، أميرالمؤمنين يمشي بي إلي قاضيه و قاضيه يقضي عليه! أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريک له، و أن محمدا عبده و رسوله، الدرع ـ و الله ـ درعک يا أميرالمؤمنين، انبعث الجيش و أنت منطلق إلي صفين، فخرت من بعيرک الأورق، فقال: أما إذا أسلمت فهي لک، و حمله علي فرس[2] .

3ـ «إن أميرالمؤمنين عليه السلام ولي أبا الأسود الدؤلي القضاء ثم عزله، فقال له: لم عزلتني و ما خنت و ما جنيت؟ فقال: إني رأيت کلامک يعلو کلام خصمک[3] .

4ـ عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في الاشارة و في النظر و في المجلس[4] .

5ـ و قال عليه السلام في عهده لمحمد بن أبي بکر: «و آس بينهم في اللحظة و النظرة، حتي لا يطمع العظماء في حيفک لهم، و لا ييأس الضعفا من عدلک عليهم[5] .

6ـ و قال عليه السلام في عهده للأشتر: «فلا تکونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أکلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لک في الدين، أو نظير لک في الخلق».[6] .

7ـ قال روکس بن زائد: «فالإمام علي عليه السلام أعجوبة من أعاجيب القضاء، لأنه أول قاض فرق بين الشهود لئلا يتواطأ اثنان منها علي شهادة تشوه جمال الحق أو تطمس معالمه، فسن بهذه السنة الحميدة البارعة للقضاء ما يجعل سبيل الحق لهم واضحا، و ينزه أحکامهم عن الشبهات، و يحول بين الذين يتلاعبون بضمائر الناس... و هو أول من سجل شهادة الشهود حتي لا تبدل شهادة بإغراء من رشوة أو تدليس من طمع أو ميل مع عاطفة، فکان بذلک مبتکرا من أعظم المبتکرين، لأن صيانة حقوق الناس من العبث و الغش أثمن من حياة الناس نفسها، فجاءت الأجيال و الامم و الحکومات و الدول تسير علي الاسلوب الذي رسمه الإمام الأعظم...».

و قال ـ أيضا: و هو أول مکتشف أو مبتکر للتفريق ما بين لبن ام الانثي و ام الذکر[7] .

أقول: و إنه عليه السلام هو الذي استفاد في مقام القضاء من عاطفة عميقة بين الام و ولدها، و هو عليه السلام اول من استفاد من ضمير الباطن کما يظهر لک، إن شاء الله تعالي.

8ـ عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: «إن شابا قال لأميرالمؤمنين عليه السلام: إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في السفر فرجعوا و لم يرجع أبي، فسألتهم عنه فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله فقالوا: ما ترک مالا، فقد متهم إلي شريح فاستحلفهم، و قد علمت أن أبي خرج و معه مال کثير، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: و الله، لأحکمن بينهم بحکم ما حکم به خلق قبلي إلا داود النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

يا قنبر! ادع لي شرطة الخميس، فدعاهم، فوکل بکل رجل منهم رجلا من الشرطة، ثم نظر إلي وجوههم فقال: ماذا تقولون؟ تقولون إني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتي؟ إني إذا لجاهل، ثم قال: فرقوهم و غطوا رؤوسهم.

قال: ففرق بينهم و اقيم کل رجل منهم إلي اسطوانة من أساطين المسجد و رؤوسهم مغطاة بثيابهم، ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع کاتبه فقال: هات صحفة و دواة، و جلس أميرالمؤمنين عليه السلام في مجلس القضاء و جلس الناس إليه، فقال لهم: إذا أنا کبرت فکبروا، ثم قال للناس: اخرجوا، ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه و کشف عن وجهه ثم قال لعبيد الله: اکتب إقراره و ما يقول.

ثم أقبل عليه بالسؤال، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: في أي يوم خرجتم من منازلکم و أبو هذا الفتي معکم؟ فقال الرجل: في يوم کذا و کذا، فقال: و في أي شهر؟ فقال: في شهر کذا و کذا، قال: في أي سنة؟ فقال: في سنة کذا و کذا، فقال: و إلي أين بلغتم في سفرکم حتي مات أبو هذا الفتي؟ قال: إلي موضع کذا و کذا، قال: و في منزل من مات؟ قال: في منزل فلان بن فلان، قال: و ما کان مرضه؟ قال: کذا و کذا، قال: و کم يوما مرض؟ قال: کذا و کذا، و في أي يوم مات، و من غسله، و من کفنه و بما کفنتموه، و من صلي عليه، و من نزل قبره؟ فلما سأله عن جميع ما يريد کبر أميرالمؤمنين عليه السلام و کبر الناس جميعا، فارتاب اولئک الباقون و لم يشکوا أن صاحبهم قد اقر عليهم و علي نفسه، فأمر أن يغطي رأسه و ينطلق به إلي السجن، ثم دعا بآخر فأجلسه بين يديه و کشف عن وجهه و قال: کلا، زعمتم أني لا أعلم ما صنعتم؟ فقال: يا أميرالمؤمنين! ما أنا إلا واحد من القوم، و لقد کنت کارها لقتله، فأقر، ثم دعا بواحد بعد واحد کلهم يقر بالقتل و أخذ المال، ثم رد. الذي کان أمر به إلي السجن فأقرـ أيضاـ، فألزمهم المال و الدم ـ الحديث[8] .

9ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال: «کان لرجل علي عهد علي عليه السلام جاريتان، فولدت إحداهما ابنا و الاخري بنتا، فعمدت صاحبة البنت فوضعت بنتها في المهد الذي فيه الابن و أخذت ابنها، فقالت صاحبه البنت: الابن ابني، و قالت صاحبة الإبن: الابن ابني، فتحا کمتا إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، فأمر أن يوزن لبنهما و قال: أيتهما کانت أثقل لبنا فالابن لها[9] .

10ـ روي المفيد رحمه الله: «إن امرأتين تنازعتا علي عهد عمر في طفل، ادعته کل واحدة منهما ولدا لها بغير بينة و لم ينازعهما فيه غيرهما، فالتبس الحکم في ذلک علي عمر، ففزع فيه إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، فاستدعي المرأتين و وعظهما وخوفهما، فأقامتا علي التنازع، فقال علي عليه السلام: ايتوني بمنشار، فقالت المرأتان: فما تصنع به؟ فقال: أقده نصفين لکل واحد منکما نصفه، فسکتت إحداهما، و قالت الاخري: الله، الله، يا أبا الحسن! إن کان لا بد من ذلک فقد سمحت به لها، فقال: الله أکبر، هذا ابنک دونها، و لو کان ابنها لرقت عليه و أشفقت، و اعترفت الاخري أن الحق لصاحبتها و أن الولد لها دونها[10] .

11ـ قال أبو جعفر عليه السلام: «توفي رجل علي عهد أميرالمؤمنين عليه السلام و خلف ابنا و عبدا فادعي کل واحد منها أنه الابن و أن الآخر عبد له، فأتيا أميرالمؤمنين عليه السلام فتحا کما إليه، فأمر عليه السلام أن يثقب في حائط المسجد ثقبتين، ثم أمر کل واحد منهما أن يدخل رأسه في ثقب، ففعلا، ثم قال: يا قنبر! جرد السيف، و أشار إليه لا تفعل ما آمرک به، ثم قال: اضرب عنق العبد، فنحي العبد رأسه، فأخذه أميرالمؤمنين عليه السلام و قال للآخر: أنت الابن و قد أعتقت هذا و جعلته مولي لک[11] .

12ـ عن جابر الجعفي، عن تميم بن حزام الاسدي: «أنه رفع إلي عمر منازعة جاريتين تنازعتا في ابن و بنت، فقال: أين أبو الحسن مفرج الکرب؟ فدعي له به، فقص عليه القصة، فدعا بقارورتين فوزنهما، ثم أمر کل واحدة فحلبت في قارورة، و وزن القارورتين فرجحت إحداهما علي الاخري، فقال: الابن للتي لبنها أرجح، و البنت للتي لبنها أخف، فقال عمر: من أين قلت ذلک يا أبا الحسن؟ فقال: لان الله جعل للذکر مثل حظ الانثيين، و قد جعلت الأطباء ذلک أساسا في الاستدلال علي الذکر و الانثي[12] .

13ـ أخرج الحافظ عبد الرزاق، و عبد بن حميد و ابن المنذر بأسانيدهم عن الدؤلي، قال: «رفع إلي عمر امرأة ولدت لستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها، فجائت اختها إلي علي بن أبي طالب، فقالت: إن عمر يرجم اختي، فأنشدک الله إن کنت تعلم أن لها عذرأ لما أخبرتني به، فقال علي: إن لها عذرأ، فکبرت تکبيرة سمعها عمر و من عنده، فانطلقت إلي عمر فقالت: إن عليا زعم أن لاختي عذرا، فأرسل عمر إلي علي: ما عذرها؟ قال: إن الله يقول: و الوالدات يرضعن أولادهن حولين کاملين[13] ، فقال: و حمله و فصاله ثلاثون شهرا[14] و قال: و فصاله في عامين[15] ، و کان الحمل هنا ستة أشهر، فترکها عمر، قال ثم بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر[16] .

14ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اتي أميرالمؤمنين عليه السلام برجل وجد في خربة و بيده سکين ملطخ بالدم، و إذا رجل مذبوح يتشحط في دمه، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: ما تقول؟ قال: يا أميرالمؤمنين! أنا قتلته، قال: اذهبوا به و أقيدوه به، فلما ذهبوا به ليقتلوه به أقبل رجل مسرع فقال: لا تعجلوه و ردوه إلي أميرالمؤمنين، فردوه فقال: و الله يا أميرالمؤمنين! ما هذا صاحبه، أنا قتلته، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام للأول: ما حملک علي إقرارک علي نفسک؟ فقال: يا أميرالمؤمنين! و ما کنت أستطيع أن أقول و قد شهد علي أمثال هؤلاء الرجال فأخذوني و بيدي سکين ملطخة بالدم و الرجل يتشحط في دمه و أنا قائم عليه، و خفت الضرب فأقررت، و أنا رجل کنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة فأخذني البول، فدخلت الخربة فرأيت الرجل يتشحط في دمه، فقمت معجبا فدخل علي هؤلاء فأخذوني.

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: خذوا هذين فاذهبوا بهما إلي الحسن عليه السلام، و قولوا له: ما الحکم فيهما؟ قال: فذهبوا إلي الحسن عليه السلام و قصوا عليه قصتهما، فقال الحسن عليه السلام: قولوا لأميرالمؤمنين عليه السلام: إن هذا إن کان ذبح ذاک فقد أحيي هذا، و قد قال الله عزوجل: و من أحياها فکأنما أحي الناس جميعا[17] يخلي عنهما و تخرج دية المذبوح من بيت المال[18] .

15ـ جاء رجل إلي علي عليه السلام، فقال: يا أميرالمؤمنين! اني کنت أعزل عن امرأتي و إنها جاءت بولد، فقال عليه السلام: و انا شدک الله، هل وطئتها ثم عاودتها قبل أن تبول؟ قال: نعم، قال: فالولد لک[19] .

قال الاستاذ الشيخ محمد تقي الفلسفي: «من هذه الجملة يعلم أن الرجل کان يعزل )يقذف السائل المنوي خارج مهبل زوجته( لمنع الحمل، و مع ذلک فقد حدث أن حملت المرأة، فأدي الأمر إلي أن يشک الرجل في زوجته، فجاء يسأل عليا عليه السلام و إلا فإنه لم يکن يرضي بأن يفشي سره، فنجد الإمام عليه السلام حين يسمع بالقصة يسأله هل اتفق له أن جامع زوجته مرتين من دون أن يبول في الأثناء؟ فأجابه بوقوع ذلک، فصرح الإمام بأن الولد له، و السر في ذلک واضح، لأنه عليه السلام کان يعلم أن ذرة صغيرة من النطفة کافية لأن تلقح بويضة المرأة فتحمل، فبما أن الرجل جامع زوجته في المرة الاولي ثم قذف السائل خارجا، و بقي مدة لم يبل فيها فبقيت الحيا من في المجري، و حين جامعها للمرة الثانية خرجا في المرة الثانية إلا أن الحيا من المبتقية في المجري کانت قادرة علي الاحتفاظ بنشاطها لمدة 48 ساعة، و کذلک فعلت[20] .

و قال ـ أيضا: «لم يکن بإمکان البشر قبل أربعة عشر قرنا أن يتصوروا أن منشأ ظهور الإنسان هو موجود صغير و ضئيل يوجد منه في نطفة الرجل مئات الملايين في کل مرة، و هذه الذرة الصغيرة کافية في أن تلقح امرأة[21] .

وـ ايضاـ نقل عن الدکتور الکسيس کارل: «إن الحيا من المنوية قادرة علي الاحتفاظ بقابليتها علي التلقح لمدة 48 ساعة بعد الخروج من الرجل، و ذلک في وسط قلوي )قاعدي( و تحت درجة حرارة 37 منوية[22] .









  1. ابن ابي الحديد: شرح النهج، ج 17: ص 65/ ذيل عهده عليه السلام الي الأشتر النخعي.
  2. الثقفي: الغارات، ج 1: ص 124.
  3. النوري: مستدرک الوسائل، ج 3: ص 197.
  4. الحر العاملي: مسائل الشيعة: ج 18، ص 157 ط عبد الرحيم.
  5. الرضي )المجمع(: نهج البلاغة، ر 27.
  6. نهج البلاغة، ر 53.
  7. الامام علي أشد الإسلام و قديسه.
  8. الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 18: ص 204، ط عبد الرحي.
  9. الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 18: ص 210، ط عبد الرحيم.
  10. الحر العاملي: الوسائل، ج 18: ص 212.
  11. الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 18: ص 211.
  12. ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، ج 2: ص 367.
  13. البقرة، 233:2.
  14. الاحقاف، 15:46.
  15. لقمان، 14:31.
  16. الاميني: الغدير، ج 6: ص 93.
  17. المائدة، 32:5.
  18. الحويزي: تفسير نور الثقلين، ج 1: ص 620.
  19. البحار، ج 104، ص 64.
  20. محمد تقي الفلسفي: الطفل بين الوراثة و التربية/ التعريب و التعليق: فاضل الحسيني الميلاني، ج 1: صص 84 و 83.
  21. محمد تقي الفلسفي: الطفل بين الوراثة و التربية/ التعريب و التعليق: فاضل الحسيني الميلاني، ج 1: صص 84 و 83.
  22. المصدر.