الامام علي و عدله











الامام علي و عدله



کان منهجه عليه السلام في العدل کمنهج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إن لم نقل إنه عينه لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «کفي و کف علي في العدل سواء[1] و «يدي و يد علي بن أبي طالب في العدل سواء[2] و «إنه أوفاکم بعهد الله تعالي، و أقومکم بأمر الله، و أعدلکم في الرعية، و أقسمکم بالسوية، و أعظمکم عند الله مزية[3] .

و لقوله عليه السلام: «و الله، لأن أبيت علي حسک السعدان مسهدا، أو اجر في الأغلال مصفدا أحب إلي من ألقي الله و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، و غاصبا لشي ء من الحطام... و الله، لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاکها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته[4] .

و قوله عليه السلام: «من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، و ليکن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، و معلم نفسه و مؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس و مؤدبهم[5] .

و قوله عليه السلام: «إني و الله، ما أحثکم علي طاعة إلا و أسبقکم إليها، و لا أنهاکم عن معصية، إلا و أتناهي قبلکم عنها[6] .

و قوله عليه السلام في صفة خصومه: «و قد أرعدوا و أبرقوا، و مع هذين الأمرين الفشل، و لسنا نرعد حتي نوقع، و لا نسيل حتي نمطر[7] .

فهلم معي حتي ننظر إلي نماذج من عدله عليه السلام ليطابق القول الفعل، و الدعوي العمل.

1ـ قال ابن أبي الحديد: «عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن عليا عليه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال: «ألا إن کل قطيعة أقطعها عثمان، و کل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شي ء، و لو وجدته قد تزوج به النساء، و فرق في البلدان لرددته إلي حاله، فأن في العدل سعة، و من ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق».

قال الکلبي: ثم أمر عليه السلام بکل سلاح وجد لعثمان في داره مما تقوي به علي المسلمين فقبض...، و أمر بقبض سيفه و درعه، و أمر أن لا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين، و بالکف عن جميع أمواله التي وجدت في داره و غير داره، و أمر أن ترجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث اصيب أو أصيب أصحابها، فبلغ ذلک عمرو بن العاص ـ و کان بأيلة من أرض الشام أتاها حيث وثب الناس علي عثمان فنزلهاـ فکتب إلي معاوية: ما کنت صانعا فاصنع إذ قشرک ابن أبي طالب من کل مال تملکه کما تقشر عن العصا لحاها[8] .

2ـ و قال ـ أيضا: «قال أبو جعفرـ المعروف بالإسکافي ـ )المتوفي سنة 240(: لما اجتمعت الصحابة في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد قتل عثمان للنظر في أمر الإمامة أشار أبو الهيثم بن التيهان، و رفاعة بن رافع، و مالک بن العجلان، و أبو أيوب الأنصاري، و عمار بن ياسر بعلي عليه السلام، و ذکروا فضله و سابقته و جهاده و قرابته، فأجابهم الناس إليه، فقام کل واحد منهم خطيبا يذکر فضل علي عليه السلام، فمنهم من فضله علي أهل عصره خاصة، و منهم من فضله علي المسلمين کلهم کافة.

ثم بويع و صعد المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعةـ و هو يوم السبت لإحدي عشرة ليلة بقين من ذي الحجةـ، فحمد الله و أثني عليه، ثم ذکر محمدا فصلي عليه، ثم ذکر نعمة الله علي أهل الإسلام ـ إلي أن قال عليه السلام: ـ «و أقبلت الفتن کقطع الليل المظلم، و لا يحمل هذا الأمر إلا أهل الصبر و البصر و العلم بمواقع الأمر، و إني حاملکم علي منهج نبيکم صلي الله عليه و آله و سلم، و منفذ فيکم ما امرت به إن استقمتم لي و بالله، المستعان، ألا إن موضعي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد وفاته کموضعي منه أيام حياته...

ألا لا يقولن رجال منکم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار، و فجروا الأنهار، و رکبوا الخيول الفارهة، و اتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلک عليهم عارا و شنارا إذا ما منعتهم ما کانوا يخوضون فيه، و أصرتهم إلي حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلک و يستنکرون و يقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا، ألا و أيما رجل من المهاجرين و الأنصار من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يري أن الفضل له علي من سواه لصحبته فإن الفضل النير غدا عند الله، و ثوابه و أجره علي الله.

و أيما رجل استجاب لله و للرسول، فصدق ملتنا، و دخل في ديننا، و استقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام و حدوده، فأنتم عباد الله، و المال مال الله، يقسم بينکم بالسوية، لا فضل فيه لأحد علي أحد، و للمتقين عند الله غدا أحسن الجزاء و أفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرا و لا ثوابا، و ما عند الله خير للأبرار، و إذا کان غداـ إن شاء الله ـ فاغدوا علينا، فإن عندنا مالا نقسمه فيکم، و لا يتخلفن أحد منکم عربي و لا عجمي، کان من أهل العطاء أو لم يکن إلا يکن إلا حضر إذا کان مسلما حرا، أقول قولي هذا، و أستغفر الله لي و لکم، ثم نزل.

قال شيخنا أبو جعفر: «و کان هذا أول ما أنکروه من کلامه عليه السلام، و أورثهم الضغن عليه، و کرهوا إعطاءه و قسمه بالسوية، فلما کان من الغد غدا، و غدا الناس لقبض المال، فقال لعبيد الله بن أبي رافع کاتبه: ابدأ بالمهاجرين فنادهم و أعط کل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير، ثم ثن بالأنصار فافعل معهم مثل ذلک، و من يحضر من الناس کلهم الأحمر و الأسود فاصنع به مثل ذلک».

فقال سهل بن حنيف: «يا أميرالمؤمنين! هذا غلامي بالأمس، و قد أعتقته اليوم، فقال: نعطيه کما نعطيک، فأعطي کل واحد منهما ثلاثد دنانير، و لم يفضل أحدا علي أحد[9] .

3ـ قال العلامة الفيض الکاشاني رحمه الله: «خطب أميرالمؤمنين عليه السلام فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أيها الناس! إن آدم لم يلد عبدا و لا أمة، و إن الناس کلهم أحرار، و لکن الله خول بعضکم بعضا، فمن کان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به علي الله تعالي، ألا و قد حضر شي ء و نحن مسوون فيه بين الأسود و الأحمر، فقال مروان لطلحة و الزبير: ما أراد بهذا غيرکما، قال: فأعطي کل واحد ثلاثة دنانير، و أعطي رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير، و جاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير، فقال الأنصاري: يا أميرالمؤمنين! هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني و إياه سواء؟ فقال: إني نظرت في کتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل علي ولد إسحاق فضلا[10] .

4ـ قال العلامة المجلسي رحمه الله: «عن محمد بن إبراهيم النوفلي رفعه إلي جعفر بن محمد عليهما السلام أنه ذکر عن آبائه عليهم السلام أن أميرالمؤمنين عليه السلام کتب إلي عماله: أدقوا أقلامکم، و قاربوا بين سطورکم، و احذفوا عني فضولکم، و اقتصدوا قصد المعاني، و إياکم و الإکثار، فإن أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار[11] .

5ـ و قال: «قال علي بن أبي طالب عليه السلام: احاج الناس يوم القيامة بسبع: إقامة الصلاة، و إيتاء الزکاة، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنکر، و القسم بالسوية، و العدل في الرعية، و إقام الحدود[12] .

6ـ و قال: «عن هلال بن مسلم الجحدري؟، قال: سمعت جدي حرة [أو حوة] قال: شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام اتي بمال عند المساء، فقال: اقسموا هذا المال، فقالوا: قد أمسينا يا أميرالمؤمنين، فأخره إلي غد، فقال لهم: تقبلون أن أعيش إلي غد؟ فقالوا: ماذا بأيدينا؟ قال: فلا تؤخروه حتي تقسموه، فأتي بشمع فقسموا ذلک المال من تحت ليلتهم[13] .

7ـ و قال: «دخل عليه عمرو بن العاص ليلة و هو في بيت المال، فطفي ء السراج و جلس في ضوء القمر، و لم يستحل أن يجلس في الضؤء بغير استحقاق[14] .

8ـ و قال: «عن أبي مخنف الأزدي قال: أتي أميرالمؤمنين عليه السلام رهط من الشيعة، فقالوا: يا أميرالمؤمنين! لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء و الأشراف، و فضلتهم علينا حتي إذا استوسقت الأمور عدت إلي أفضل ما عودک الله من القسم بالسوية و العدل في الرعية، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: و يحکم! أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام؟ لا و الله، لا يکون ذلک ما سمر السمير، و ما رأيت في السماء نجما، و الله، لو کانت أموالهم مالي لساويت بينهم، فکيف و إنما هي أموالهم...[15] .

9ـ و قال: اتي علي بمال من إصفهان، و کان أهل الکوفة أسباعا، فقسمه سبعة أسباع، فوجد فيه رغيفا فکسره بسبعة کسر، ثم جعل علي کل جزء کسرة، ثم دعا امراء الأسباع فأقرع بينهم[16] .

أقول: قال الحافظ ابن عبد البر في «الإستيعاب» ـ بعد ذکره قصة الرغيف و کسره: «و أخباره في مثل هذا من سيرته لا يحيط بها کتاب[17] .

10ـ و قال: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما ولي علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: إني و الله، لا أرزؤکم من فيئکم درهما ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقکم أنفسکم أفتروني مانعا نفسي و معطيکم؟ قال: فقام إليه عقيل ـ کرم الله وجهه ـ فقال له: الله لتجعلني و أسود بالمدينة سواء؟ فقال: اجلس، أما کان ههنا أحد يتکلم غيرک؟ و ما فضلک عليه إلا بسابقة أو بتقوي[18] .

11ـ و قال: «روي أبو إسحاق الهمداني: أن امرأتين أتتا عليا عليه السلام، إحداهما من العرب و الاخري من الموالي، فسألتاه، فدفع إليهما دراهم و طعاما بالسواء، فقالت إحداهما: إني امرأة من العرب و هذه من العجم؟ فقال: إني و الله، لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي ء فضلا علي بني إسحاق[19] ـ قال المولي صالح الکشفي الحنفي: «کان أميرالمؤمنين علي عليه السلام دخل ليلة في بيت المال يکتب قسمة الأموال، فورد عليه طلحة و الزبير، فأطفأ عليه السلام السراج الذي بين يديه، و أمر بإحضار سراج آخر من بيته، فسألاه عن ذلک فقال عليه السلام: کان زيته من بيت المال لا ينبغي أن نصاحبکم في ضوئه[20] .

13ـ قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «و الله، لقد رأيت عقيلا، و قد أملق حتي استماحني من برکم صاعا، و رأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان من فقرهم کأنما سودت وجوههم بالعظلم، و عاودني مؤکدا، و کرر علي القول مرددا، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، و أتبع قياده مفارقا طريقتي فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، و کاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثکلتک الثواکل، يا عقيل! أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، و تجرني إلي نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من الأذي و لا أئن من لظي؟[21] .

قال عبده في شرحه: «عقيل: أخوه، و أملق: افتقر أشد الفقر، و استماحني: استعطاني، و البر: القمح، و شعث: جمع أشعث و هو من الشعر المتلبد بالوسخ، و الغبرـ بضم الغين ـ جمع أغبر: متغير اللون، و العظلم ـ کزبرج ـ: سواد يصبغ به، قيل: هو النيلج، أي النيلة، القياد: ما يقادبه کالزمام، الدنف ـ بالتحريک ـ: المرض، و الميسم ـ بکسر الميم و فتح السين ـ: المکواة، و ثکل، کفرح: أصاب ثکلا ـ بالضم ـ و هو فقدان الحبيب أو خاص بالولد، و الثواکل: النساء، دعاء عليه بالموت لتألمه من نار ضعيفة الحرارة، و طلبه عملا و هو تناول شي ء من بيت المال زيادة عن المفروض له يوجب الوقوع في نار سجرهاـ اي أضرمهاـ الجبار، و هوالله، للانتقام ممن أعطاه، و لظي اسم جهنم».

أقول: هکذا کان تصلبه عليه السلام في الله تعالي، و أداؤه الأمانة التي استأمن الله الولاة عليها. نعم، إن هذا العمل لثقيل علي کل إنسان لا مسحة له بالعدل فإنه أوسع الأشياء في التناصف، إنه عليه السلام عمل هذه الوتيرة ليحمل الناس، لا سيما الولاة و القضاة علي أن يتخذوا طريقه، و يحذوا حذوه في تحقيق العدل و التسوية بين الناس، حتي لا يهملوا قريبا أو بعيدا، صغيرا أو کبيرا.


صلي الإله علي جسم تضمنه قبر
فأصبح فيه العدل مدفونا


و هذه السيرة المرضية قد اتخذها من نبيه و اسوته صلي الله عليه و آله و سلم فقد ورد في الخبرـ کما «في من لا يحضره الفقيه» و «صحيح البخاري» و مسلم و سنن أبي داود، و اللفظ له ـ: «عن أميرالمؤمنين عليه السلام، أنه قال لابن أعبد: ألا احدثک عني و عن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ـ و کانت من أحب أهله إليه ـ و کانت عندي؟ قال: بلي، قال: إنها جرت بالرحي حتي أثرت في يدها، و استقت بالقربة حتي أثرت في نحرها، و کنست البيت حتي اغبرت ثيابها، فأتي النبي خدم ـ يعني سبي ـ، فقلت: لو أتيت أباک فسألته خادما، فأتته فوجدت عنده حداثا فرجعت، فأتاها من الغد فقال: ما کان حاجتک؟ فسکتت، فقلت: أنا احدثک يا رسول الله، جرت بالرحي حتي أثرت في يدها، و حملت القربة حتي أثرت في نحرها، فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيک فتستخدمک خادما يقيها حر ماهي فيه.

قال صلي الله عليه و آله و سلم: اتقي الله، يا فاطمة! و أدي فريضة ربک، اعملي عمل أهلک، و إذا أخذت مضجعک فسبحي ثلاثا و ثلاثين، و احمدي ثلاثا و ثلاثين، و کبري أربعا و ثلاثين، فتلک مائة، فهو خير لک من خادم، قالت: رضيت عن الله و عن رسوله. و زاد في رواية: «و لم يخدمها».

أقول: و قد أفاد الفاضل المحقق، محشي من لا يحضره الفقيه ما يعجبني ذکره و إيراده هنا، و إليک نصه: «فقف، أيها القاري ء الکريم! و تأمل جيدا في هذا الخبر الشريف المجمع عليه، فإن بضعة المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم و قرة عينه الوحيدة تطلب منه من السبي و الغنائم خادما ليعينها في مهام منزلها، و يزيل عنها شيئا من تعبها، و هو سلطان نافذ الکلمة، وراع مسيطر في وقته، بيده الأموال بل النفوس، و له القدرة بأعظم مظاهرها بحيث يقول ناعته: لم أر قبله و لا بعده مثله، مع ذلک کله يأمر ابنته الوحيدة، و فلذة کبده الفريدة بالتقوي، و القيام بواجب بيتها، و الاکثار من ذکر ربها، و لم يرض أن يعطيها من بيت مال المسلمين خادما، و قال ـ صلي الله عليه و عليهما: ألا اعلمکما ما هو خير لکما من الخادم؟ )کما في الخبر الوارد في متن الفقيه(، فتجيب المعصومة عليها السلام طائعة مشعوفة مختارة: «رضيت عن الله و رضيت عن رسوله»، فخذها مثالا يلمسک الحقيقة جدا في معرفة من حذا حذو الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و من مال عن طريقته و نأي بجانبه و حاد عن سنته ممن يدعي الخلافة بعده، فرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هو الإمام المتبع فعله، و الرئيس لمقتفي أثره.

هذا علي بن أبي طالب عليه السلام ترک التفضيل لنفسه و ولده علي أحد من أهل الإسلام، دخلت عليه اخته ام هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهما، فسألت ام هاني مولاتها العجمية، فقالت: کم دفع إليک أميرالمؤمنين؟ فقالت عشرين درهما، فانصرفت مسخطة، فقال لها: انصرفي ـ رحمک الله ـ ما وجدنا في کتاب الله فضلا لإسماعيل علي إسحاق.

و بعث إليه من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدري ما قيمتها، فقالت ابنته ام کلثوم: أتجمل به و يکون في عنقي؟ فقال: يا أبا رافع! أدخله إلي بيت المال، ليس إلي ذلک سبيل حتي لا يبقي امرأة من المسلمين إلا و لها مثل ذلک.

ثم ذکر خطبته علي المهاجرين و الأنصار، و کلامه مع عقيل، ثم قال: و هذا ابن عفان أعطي سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاعة جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب، و هي طرابلس الغرب إلي طنجة من غير أن يشرکه فيه أحدا من المسلمين، و أعطي أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحکم بمائة ألف، و أتاه أبو موسي بأموال من العراق جليلة فقسمها کلها في بني اميةـ ذلک کله في شرح ابن أبي الحديد[22] و سعد بن أبي سرح هذا هو الذي أباح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم دمه يوم الفتح کما في «سنن أبي داود» و «أنساب الأشراف للبلاذري»، و في بعض المصادر عبد الله بن أبي سرح، و بالجملة هاتان السيرتان مقياسان لمن يروم معرفة المحق و المبطل ممن کان بيده بيت المال[23] .

أقول: و إذا بلغ الکلام إلي المقايسةـ و إن کان قياسا بغير قياس ـ فلا بأس بنقل بعض مظالم الخلفاء و تعديهم في بيت مال المسلمين مما نقله رواتهم و محدثوهم، قال ابن أبي الحديد: «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف، کنيته أبو عمرو، و امه أروي بنت کريز بن ربيعة بن حنين بن عبد شمس، بايعه الناس بعد انقضاء الشوري و استقرار الأمر له، و صحت فيه فراسة عمر فإنه أو طألبني امية رقاب الناس، و ولاهم الولايات، و أقطعهم القطائع، و افتتحت إفريقية في أيامه، فأخذ الخمس کله فوهبه لمروان، فقال عبد الرحمن بن حنبل الحملي:


أحلف بالله رب الأنام
ما ترک الله شيئا سدي


و لکن خلقت لنا فتنة
لکي نبتلي بک أو تبتلي


فإن الأمينين قد بينا
منار الطريق عليه الهدي


فما أخذا درهما غلية
و لا جعلا درهما في هوي


و أعطيت مروان خمس البلاد
فهيهات سعيک ممن سعي


الأمينان: أبو بکر و عمر، و طلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه أربعةآلاف درهم، و أعاد الحکم بن أبي العاص بعد أن کان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد سيره ثم لم يرده أبو بکر و لا عمر، و أعطاه مائة ألف درهم، و تصدق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بموضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور[24] علي المسلمين فأقطعه عثمان الحارث بن الحکم أخا مروان بن الحکم، و أقطع مروان فدک و قد کانت فاطمة عليها السلام طلبتها بعد وفاة أبيهاـ صلوات الله عليهماـ تارة بالميراث، و تارة بالنحلة فدفعت عنها، و حمي المراعي حول المدينة کلها من مواشي المسلمين کلهم إلا عن بني امية، و أعطي عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب و هي من طرابلس الغرب إلي طنجة من غير أن يشرکه فيه أحدا من المسلمين، و أعطي أبا سفيان بن الحرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحکم بمائة ألف من بيت المال، و قد کان زوجه ابنته ام أبان

و جاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان و بکي، فقال عثمان: أتبکي أن وصلت رحمي؟ قال: لا، و لکن أبکي لأني أظنک أنک أخذت هذا المال عوضا عما کنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و الله، لو أعطيت مروان مائة درهم لکان کثيرا! فقال: ألق المفاتيح يا ابن أرقم! فإنا سنجد غيرک. و أتاه أبو موسي بأموال من العراق جليلة فقسمها کلها في بني امية، و أنکح الحارث بن الحکم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من بيت المال...[25] .









  1. ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، ص 129 و 130.
  2. ابن المغازلي: مناقب علي بن ابي طالب، ص 129 و 130.
  3. الحمويني: فرائد السمطين، ج 1: ص 176.
  4. نهج البلاغة، خ 224. و السعدان: نبت له شوک. و مسهدا: ساهرا أرقا. و مصفدا: مقيدا.
  5. نهج البلاغة، خ 73.
  6. المصدر، خ 175.
  7. المصدر، خ 9. قال عبده: و اذا أمطرنا أسلنا، أما اولئک الذين يقولون: نفعل و نفعل، و ما هم بفاعلين، فهم بمنزلة من يسيل قبل المطر، و هو محال غير موجود، فهم کالاعدام فيما به يوعدون.
  8. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 1: ص 269.
  9. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 7: ص 36.
  10. القاساني: الوافي، ج 3/ الجزء 14: ص 20 الي 38 و 107.
  11. المجلسي: بحار الأنوار، ج 41: ص 105.
  12. المجلسي: بحار الأنوار، ج 41: ص 107.
  13. المجلسي: بحار الأنوار، ج 41: ص 116.
  14. المجلسي: بحار الأنوار، ج 41: ص 122.
  15. المجلسي: بحار الأنوار، ج 41: ص 118.
  16. المجلسي: بحار الأنوار، ج 41: ص 116 و 122 و 118.
  17. المجلسي: بحار الأنوار، ج 41: ص 116 و 122 و 118.
  18. هاشمي الإصابة، ج 3: ص 49، ط مصر.
  19. المجلسي: بحار الأنوار، ج 41: ص 137.
  20. المناقب المرتضوية، ص 365.
  21. نهج البلاغة، خ 222.
  22. ابن ابي الحديد: شرح النهج، ج 1: ص 67ـ من طبعه الذي کمل في أربعة مجلد.
  23. هامش من لا يحضره الفقيه، ج 1: صص 324ـ 322، طبع مکتبة الصدوق.
  24. کذا في «شرح النهج»، و في «معجم الادباء» للحموي: «وادي مهزور» و قال: بفتح أوله و سکون ثانيه ثم زاء و واو ساکنة و راء. و مهزور و مذينب و اديان يسيلان بماء المطر خاصة، و قال: قال أبو عبيد: مهزور وادي قريظة.
  25. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 1: ص 198.