الامام علي عفوه و منه











الامام علي عفوه و منه



1ـ قال عليه السلام لما ضربه ابن ملجم المرادي ـ لعنه الله ـ: «وصيتي لکم أن لا تشرکوا بالله شيئا، و محمد صلي الله عليه و آله و سلم فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، و أوقدوا هذين المصباحين، و خلاکم ذم، أنا بالأمس صاحبکم، و اليوم عبرة لکم، و غدا مفارقکم، إن أبق فأنا ولي دمي، و إن أفن فالفناء ميعادي، و إن أعف فالعفو لي قربة و هو لکم حسنة، فاعفوا الا تحبون أن يغفر الله لکم؟ و الله، ما فجأني من الموت وارد کرهته، و لا طالع أنکرته، و ما کنت إلا کقارب ورد، و طالب وجد، و ما عند الله خير للأبرار[1] .

أقول: «خلاکم ذم» أي عداکم الذم و جاوزکم اللوم بعد قيامکم بالوصية، و لفظ العمود مستعار لهما لشبههما بعمودي البيت لکونهما سببين لقيام الإسلام، و القارب: الذي يسير إلي الماء و قد بقي بينه و بينه ليلة واحدة.

2ـ و قال عليه السلام: «يا بني عبد المطلب! لا الفينکم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أميرالمؤمنين، ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، و لا يمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: إياکم و المثلة و لو بالکلب العقور[2] .

3ـ قال جورج جرداق: «کل ما في الطبيعة کان يعصف بالثورة، إلا وجه ابن أبي طالب فقد انبسط لا يحدث بانتقام، و لا يشير إلي اشتباک، فإن العواد وقفوا بباب الإمام و کلهم جازع متألم باک يدعو إلي الله أن يرحم أميرالمؤمنين فيشفيه و يشفي به آلام الناس، و کانوا قد شدوا علي ابن ملجم فأخذوه، فلما أدخلوه عليه قال: أطيبوا طعامه و ألينوا فراشه[3] .

4ـ قال الشيخ المفيد رحمه الله، «عن هاشم بن مساحق القرشي قال: حدثنا أبي أنه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحکم، فقال بعضهم لبعض: و الله، ظلمنا هذا الرجل ـ يعنون أميرالمؤمنين عليه السلام ـ و نکثنا بيعته من غير حدث و الله، لقد ظهر علينا فما رأينا قط أکرم سيرة منه و لا أحسن عفوا بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، تعالوا حتي ندخل عليه و نعتذر إليه فيما صنعناه.

قال: فصرنا إلي بابه فاستأذناه فأذن لنا، فلما مثلنا بين يديه جعل متکلمنا يتکلم، فقال عليه السلام: أنصتوا أکفکم، إنما أنا بشر مثلکم، فإن قلت حقا فصدقوني، و إن قلت باطلا فردوا علي، أنشدکم الله أتعلمون أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قبض و أنا أولي الناس به و بالناس من بعده؟ قلنا: اللهم نعم، قال: فعدلتم عني و بايعتم أبابکر، فأمسکت و لم احب أن أشق عصا المسلمين و أفرق بين جماعاتهم، ثم إن أبابکر جعلها لعمر من بعده، فکففت و لم اهج الناس و قد علمت أني کنت أولي الناس بالله و برسوله و بمقامه، فصبرت حتي قتل و جعلني سادس ستة، فکففت و لم أحب أن أفرق بين المسلمين، ثم بايعتم عثمان، فطغيتم عليه و قتلتموه و أنا جالس في بيتي وأتيتموني و بايعتموني کما بايعتم أبابکر و عمر، و فيتم لهما و لم تفوا لي، و ما الذي منعکم من نکث بيعتهما و دعاکم إلي نکث بيعتي؟

فقلنا له: کن يا أميرالمؤمنين، کالعبد الصالح يوسف إذ قال:/ لا تثريب عليکم اليوم يغفر الله لکم و هو أرحم الراحمين/[4] ، فقال عليه السلام لا تثريب عليکم اليوم، و إن فيکم رجلا لو بايعني بيده لنکث بإسته ـ يعني مروان ابن الحکم ـ[5] .

5ـ و عنه قال: «عن حبة العرني، قال: و الله، إني لأنظرن إلي الرجل الذي ضرب الجمل ضربة علي عجزه فسقط لجنبه، فکأني أسمع عجيج الجمل ما سمعت قط عجيجا أشد منه، قال: لما عقر الجمل، و انقطع بطان الهودج، فزال عن ظهر الجمل، و انفض أهل البصرة منهزمين، و جعل عمار بن ياسر و محمد ابن أبي بکر يقطعان الحقب و الأنساع، و احتملاه ـ أي الهودج ـ و وضعاه علي الأرض، فأقبل علي بن أبي طالب حتي وقف عليها و هي في هودجها، فقرع الهودج بالرمح، و قال: يا حميراء! رسول الله أمرک بهذا المسير؟ و نادي عمار ابن ياسر يومئذ: لا تجهزوا علي جريح، و لا تتبعوا مدبرا موليا، و رأيت يومئذ سعيد و أبان ابنا[6] عثمان فجي ء بهما إلي علي بن أبي طالب عليه السلام، فلما وقفا بين يديه قال بعض من حضر: اقتلهما يا أميرالمؤمنين، فقال: بئس ما قلتم، آمنت الناس کلهم و أقتل هذين؟ ثم أقبل عليهما، و قال لهما: ارجعا عن غيکما، و انزعا و انطلقا حيث شئتما و أحببتما، فأقيما عندي حتي أصل أرحامکما، فقالا: يا أميرالمؤمنين! نحن نبايع، فبايعا و انصرفا[7] .

6ـ قال صاحب الجواهر رحمه الله: «لما هزم الناس يوم الجمل قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لا تتبعوا موليا، و لا تجهزوا علي جريح، و من أغلق بابه فهو آمن، فلما کان يوم صفين قتل المقبل و المدبر، و أجاز علي الجريح، فقال أبان بن تغلب لعبد الله بن شريک: هاتان سيرتان مختلفتان! فقال: إن أهل الجمل قتل طلحة و الزبير، و إن معاوية کان قائما بعينه و کان قائدهم.

و في الدعائم «عن أبي جعفر عليه السلام أنه: سار علي عليه السلام بالمن و العفو في عدوه من أجل شيعته، لأنه کان يعلم انه سيظهر عليهم عدوهم من بعده فأحب أن يقتدي من جاء بعده به فيسير في شيعته بسيرته، و لا يجاوز فعله ـ إلي أن قال: ـ قد تظافرت )النصوص( في أنه عليه السلام سار في أهل الجمل بالمن و العفو[8] .

7ـ و قال ـ أيضا: عن أبي جعفر عليه السلام: لو لا أن عليا عليه السلام سار في أهل حربه بالکف عن السبي و الغنيمة للقيت شيعته من الناس بلاء عظيما، ثم قال: و الله، لسيرته کانت خيرا لکم مما طلعت عليه الشمس[9] .

8ـ و قال ـ أيضاـ في ضمن کلامه: «علي أنه عليه السلام مع منه عليهم بما من و کانت سيرته معلومة لديهم، قد فعلوا في کربلا ما فعلوا[10] .

9ـ و قال ـ أيضا: «فإنه عليه السلام أمر برد أموالهم، فأخذت حتي القدور... و أن عليا عليه السلام نادي: من وجد ماله فليأخذه، فمر بنا رجل فعرف قدرا نطبخ فيها فسألناه أن يصبر حتي ينضح فلم يفعل فرمي برجله فأخذه ـ إلي أن قال: ـ و لعل الجمع بين النصوص أنه عليه السلام قد أذن لهم بأخذ المال الذي عند العسکر، ثم بعد أن وضعت الحرب أوزارها غرمه من بيت المال لأهله حتي أنه عليه السلام کان يکتفي من المدعي باليمين[11] ـ و قال ـ أيضا: «و يخطر في البال أن عليا عليه السلام کان يجوز له قتل الجميع إلا خواص شيعته، لأن الناس جميعا قد ارتدوا بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم السقيفة إلا أربعة: سلمان و أباذر و المقداد و عمار، ثم رجع بعد ذلک أشخاص، و الباقون استمروا علي کفرهم حتي مضت مدة أبي بکر و عمر و عثمان، فاستولي الکفر عليهم أجمع حتي آل الأمر إليه عليه السلام، و لم يکن له طريق إلي إقامة الحق فيهم إلا بضرب بعضهم بعضا، و أيهم قتل کان في محله إلا خواص الشيعة الذين لم يتمکن من إقامة الحق بهم خاصة. و الله العالم[12] .

11ـ قال ابن أبي الحديد: «و حاربه أهل البصرة و ضربوا وجهه و وجوه أولاده بالسيوف، و سبوه و لعنوه، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم، و نادي مناديه في أقطار العسکر: ألا لا يتبع مول، و لا يجهز علي جريح، و لا يقتل مستأسر، و من ألقي سلاحه فهو آمن، و من تحيز إلي عسکر الإمام فهو آمن، و لم يأخذ أثقالهم، و لا ذراريهم، و لا غنم شيئا من أموالهم، و لو شاء أن يفعل کل ذلک لفعل و لکنه أبي إلا الصفح و العفو و تقبل سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم فتح مکة فإنه عفا و الأحقاد لم تبرد، و الإساءة لم تنس[13] .

12ـ و قال ـ أيضا: «إن الغالب علي ذوي الشجاعة، و قتل الأنفس، و إراقة الدماء أن يکونوا قليلي الصفح بعيدي العفو، لأن أکبادهم و اغرة، و قلوبهم ملتهبة، و القوة الغضبية عندهم شديدة، و قد علمت حال أميرالمؤمنين عليه السلام في کثرة إراقة الدم و ما عنده من الحلم و الصفح و مغالبة هوي النفس، و قد رأيت فعله يوم الجمل، و لقد أحسن مهيار في قوله:


حتي إذا دارت رحي بغيهم
عليهم و سبق السيف العذل


عاذوا بعفو ماجد معود
للعفو حمال لهم علي العلل


فنجت البقيا عليهم من نجا
و أکل الحديد منهم من أکل


أطت بهم أرحامهم فلم يطع
ثائرة الغيظ و لم يشف الغلل[14] .









  1. نهج البلاغة، ر 23.
  2. نهج البلاغة، ر 47.
  3. جورج جرداق: الإمام علي صوت العدالة الانسانية، ج 4: ص 1004.
  4. يوسف، 92:12.
  5. المفيد: الجمل أو النصرة في حرب البصرة، ص 222 و 203.
  6. کذا.
  7. المفيد: الجمل او النصرة في حرب البصره، ص 222 و 203.
  8. النجفي: جواهر الکلام، ج 21/ کتاب الجهاد: ص 330.
  9. النجفي: جواهر الکلام، ج 21/ کتاب الجهاد: ص 335.
  10. النجفي: جواهر الکلام، ج 21/ کتاب الجهاد: ص 337.
  11. النجفي: جواهر الکلام، ج 21/ کتاب الجهاد: ص 340.
  12. النجفي: الجواهر، ج 41: ص 347.
  13. شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 23 و 52.
  14. شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 23 و 52.