الامام علي و الإخلاص











الامام علي و الإخلاص



1ـ قال ابن شهر آشوب في «المناقب» عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: «لما أدرک عمرو بن عبدود لم يضربه، فوقع في علي عليه السلام، فرد عنه حذيفة، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: مه يا حذيفة، فإن عليا عليه السلام سيذکر سبب وقفته. ثم إنه ضربه فلما جاء سأله النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن ذلک، فقال: قد کان شتم أمي و تفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي، فترکته حتي سکن ما بي، ثم قتلته في الله[1] .

2ـ قال العلامة المجلسي رحمه الله: «لقد أصبح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوما، و قد غص مجلسه بأهله، فقال: أيکم اليوم أنفق من ماله ابتغاء وجه الله؟ فسکتوا، فقال علي: أنا خرجت، و معي دينار أريد أشتري به دقيقا، فرأيت المقداد بن أسود و تبينت في وجهه أثر الجوع، فناولته الدينار، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: وجبت، ثم قام آخر فقال: قد أنفقت اليوم أکثر مما أنفق علي، جهزت رجلا و امرأة يريدان طريقا و لا نفقة لهما، فأعطيتهما ألف درهم، فسکت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقالوا: يا رسول الله! مالک؟ قلت لعلي: وجبت، و لم تقل لهذا و هو أکثر صدقة؟ فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أما رأيتم ملکا يهدي خادمه إليه هدية خفيفة فيحسن موقعها، و يرفع محل صاحبها، و يحمل إليه من عند خادم هدية عظيمة فيردها و يستخف بباعثها؟ قالوا: بلي، قال: فکذلک صاحبکم علي دفع دينارا منقادا لله، سادا خلة فقير مؤمن، و صاحبکم الآخر أعطي ما أعطي معاندة لأخي رسول الله يريد به العلو علي علي بن أبي طالب عليه السلام، فأحبط الله عمله، و صيره و بالا عليه، أما لو تصدق بهذه النية من الثري إلي العرش ذهبا أو لؤلؤا لم يزدد بذلک من رحمة الله إلا بعدا، و لسخط الله تعالي إلا قربا، و فيه ولوجا و اقتحاما[2] .

3ـ قال عليه السلام: «إن قوما عبدوا الله رغبة، فتلک عبادة التجار، و إن قوما عبدوا الله رهبة، فتلک عبادة العبيد، و إن قوما عبدوا الله شکرا، فتلک عبادة الأحرار[3] .

4ـ و عنه عليه السلام: «إلهي ما عبدتک خوفا من عقابک، و لا طمعا في ثوابک، و لکن وجدتک أهلا للعبادة فعبدتک[4] .

5ـ و عنه عليه السلام: «الدنيا کلها جهل إلا مواضع العلم، و العلم کله حجة إلا ما عمل به، و العمل کله رياء، إلا ما کان مخلصا، و الإخلاص علي خطر حتي ينظر العبد بما يختم له[5] .

أقول: نعم، إذا کان العمل لغير الله فهو وزر علي صاحبه، و إذا کان الإنفاق للمباهاة و المفاخرة يکون نصيبا للکلاب و العقبان، فلا حظ حکاية لطيفة أورده الدميري في «حياة الحيوان»، قال: «حکي الإمام العلامة، أبو الفرج الإصبهاني و غيره: أن الفرزدق الشاعر المشهور و اسمه همام بن غالب، کان أبوه غالب رئيس قومه، و إن أهل الکوفة أصابتهم مجاعة، فعقر غالب أبو الفرزدق المذکور لأهله ناقة، و صنع منها طعاما، و أهدي إلي قوم من بني تميم جفانا من ثريد، و وجه جفنة منها إلي سحيم بن وثيل الرياحي رئيس قومه ـ و هو القائل:


أنا ابن جلا و طلاع الثنايا
متي أضع العمامة تعرفوني


و قد تمثل بذلک الحجاج في خطبته يوم قدم الکوفة أميرا، فکفأها سحيم و ضرب الذي أتي بها. و قال: أنا مفتقر إلي طعام غالب؟ إذا نحر هو ناقة نحرت أنا أخري، فوقعت المعاقرة بينهما، فعقر سحيم لأهله ناقة، فلما کان من الغد عقر لهم غالب ناقتين، فعقر سحيم لأهله ناقتين، فلما کان اليوم الثالث عقر غالب لأهله ثلاثا، فعقر سحيم لأهله ثلاثا، فلما کان اليوم الرابع، عقر غالب مائة ناقة، فلم يکن عند سحيم هذا القدر فلم يعقر شيئا و أسرها في نفسه، فلما انقضت المجاعة و دخل الناس الکوفة، قال بنو رياح لسحيم: جررت علينا عار الدهر، هلا نحرت مثل ما نحر غالب، و کنا نعطيک مکان کل ناقة ناقتين؟

فاعتذر بأن إبله کانت غائبة، ثم عقر ثلاثمائة ناقة، و قال للناس: شأنکم و الأکل، و کان ذلک في خلافة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ـ کرم الله وجهه و رضي عنه ـ فاستفتي في حل الأکل منها، فقضي بحرمتها، و قال: هذه ذبحت لغير مأکلة و لم يکن المقصود منها إلا المفاخرة و المباهاة، فالقيت لحومها علي کناسة الکوفة، فأکلها الکلاب و العقبان و الرخم[6] .









  1. النوري: مستدرک الوسائل، ج 3: ص 220.
  2. المجلسي: بحار الانوار، ج 41: ص 18.
  3. نهج البلاغة، خ 237.
  4. المجلسي: بحار الانوار، ج 41: ص 14.
  5. القمي: سفينة البحار، ج 1: ص 401.
  6. الدميري: حياة الحيوان، ج 2: ص 222/ «القرع».