الامام علي و عبادته











الامام علي و عبادته



1ـ قال ابن أبي الحديد: «و أما العبادة، فکان أعبد الناس، و أکثرهم صلاة و صوما، و منه تعلم الناس صلاة الليل، و ملازمة الأوراد، و قيام النافلة، و ما ظنک برجل يبلغ من محافظته علي ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده و السهام تقع بين يديه، و تمر علي صماخيه يمينا و شمالا فلا ترتاع لذلک، و لا يقوم حتي يفرغ من وظيفته! و ما ظنک برجل کانت جبهته کثفنة البعير لطول سجوده! و أنت إذا تأملت دعواته و مناجاته، و وقفت علي ما فيها من تعظيم الله سبحانه و إجلاله، و ما يتضمنه من الخضوع لهيبته و الخشوع لعزته و الاستخذاء له[1] ، عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص، و فهمت من أي قلب خرجت، و علي أي لسان جرت، و قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام ـ و کان الغاية في العبادة ـ: أين عبادتک من عبادة جدک؟ قال: عبادتي عند عبادة جدي کعبادة جدي عند عبادة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم[2] ـ قال العلامة المجلسي رحمه الله: «عن حبة العرني، قال: بينا أنا و نوف نائمين في رحبة القصر إذ نحن بأميرالمؤمنين عليه السلام في بقية من الليل واضعا يده علي الحائط شبيه الواله، و هو يقول: إن في خلق السموات و الأرض ـ الآية[3] قال: ثم جعل يقرء هذه الآيات و يمر شبه الطائر عقله، فقال لي: أراقد أنت يا حبة، أم رامق؟ قال: قلت: بل رامق، هذا أنت تعمل هذا العمل فکيف نحن؟! فأرخي عينيه فبکي، ثم قال لي: يا حبة! إن لله موقفا، و لنا بين يديه موقفا لا يخفي عليه شي ء من أعمالنا. يا حبة! إن الله أقرب إلي و إليک من حبل الوريد، يا حبة! إنه لن يحجبني و لا اياک عن الله شي ء.

قال: ثم قال: أراقد أنت، يا نوف؟ قال: قال: لا، يا أميرالمؤمنين ما أنا براقد، و لقد أطلت بکائي هذه الليلة، فقال: يا نوف! إن طال بکاؤک في هذا الليل مخافة من الله تعالي قرت عيناک غدا بين يدي الله عزوجل. يا نوف! إنه ليس من قطرة قطرت من عين رجل من خشية الله إلا أطفأت بحارا من النيران. يا نوف! إنه ليس من رجل أعظم منزلة عند الله من رجل بکي من خشية الله، و أحب في الله، و أبغض في الله. يا نوف! إنه من أحب في الله لم يستأثر علي محبته، و من أبغض في الله لم ينل ببغضه خيرا، عند ذلک استکملتم حقايق الإيمان.

ثم وعظهما و ذکرهما، و قال في أواخره: فکونوا من الله علي حذر، فقد أنذرتکما، ثم جعل يمر و هو يقول: ليت شعري في غفلاتي أمعرض أنت عني، أم ناظر إلي، و ليت شعري في طول منامي و قلة شکري في نعمک علي ما حالي؟ قال: فو الله، ما زال في هذا الحال حتي طلع الفجر...[4] .

3ـ و قال أيضا: «و إنه عليه السلام ما فرش له فراش في ليل قط، و لا أکل طعاما في هجير قط[5] .









  1. استخذي: اتضع و انقاد.
  2. ابن أبي الحديد: شرح النهج، ج 1: ص 27.
  3. آل عمران، 190:3.
  4. المجلسي: بحار الانوار، ج 41: ص 22 و 23، و الهجير: القدح العظيم.
  5. المصدر.