الامام علي و الحكمة، و الفلسفة، و العرفان











الامام علي و الحکمة، و الفلسفة، و العرفان



1ـ نقل العلامة البياضي رحمه الله في خبر طويل: «فقال الدهقان: ما رأيت أعلم منک إلا أنک ما أدرکت علم الفلسفة، فقال عليه السلام: من صفي مزاجه اعتدلت طبايعه، و من اعتدلت طبايعه قوي أثر النفس فيه، و من قوي أثر النفس فيه سما إلي ما يرتقيه، و من سما إلي ما يرتقيه تخلق بالأخلاق النفسانية و أدرک العلوم اللاهوتية، و من أدرک العلوم اللاهوتية صار موجودا بما هو إنسان دون أن يکون موجودا بما هو حيوان و دخل في باب الملکي الصوري و ما له عن هذه الغاية معبر. فسجد الدهقان و أسلم.[1] .

2ـ و قال ـ أيضا: «سئل عليه السلام عن العالم العلوي، فقال: صورة عارية عن المواد، عالية عن القوة و الاستعداد، تجلي الله لها فأشرقت، و طالعها فتلألأت، و ألقي في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله، و خلق الإنسان ذا نفس ناطقة، إن زکاها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها، و إذا اعتدل مزاجها و فارقت الأضداد فقدشارک بها السبع الشداد[2] .

3ـ قال عليه السلام: «قد أحيا عقله، و أمات نفسه، حتي دق جليله، و لطف غليظه، و برق له لامع کثير البرق، فأبان له الطريق، و سلک به السبيل، و تدافعته الأبواب إلي باب السلامة و دار الإقامة، و ثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن و الراحة بما استعمل قلبه، و أرضي ربه[3] .‌

قال ابن أبي الحديد: «و اعلم، أن قوله عليه السلام: «و برق له لامع کثير البرق» هو حقيقة مذهب الحکماء، و حقيقة قول الصوفية أصحاب الطريقة و الحقيقة، و قد صرح به الرئيس أبو علي، ابن سينا في کتاب «الاشارات»، فقال في ذکر السالک إلي مرتبة العرفان: «ثم إنه إذا بلغت به الارادة و الرياضة حدا ما عنت له خلسات من اطلاع نور الحق إليه لذيذة کأنها بروق توميض إليه ثم تخمد عنه، و هي التي تسمي عندهم أوقاتا...». قال القشيري في الرسالة...: «هي بروق تلمع ثم تخمد، و أنوار تبدو ثم تخفي... ـ إلي أن قال: ـ فهو کما تراه يذکر البروق اللامعة حسبما ذکره الحکيم، و کلاهما يتبعان ألفاظ أميرالمؤمنين عليه السلام، لأنه حکيم الحکماء، و عارف العارفين، و معلم الصوفية، و لو لا أخلاقه و کلامه و تعليمه للناس هذا الفن تارة بقوله، و تارة بفعله لما اهتدي أحد من هذه الطائفة، و لا علم کيف يورد، و لا کيف يصدر[4] .









  1. البياضي: الصراط المستقيم، ج 1: ص 214.
  2. البياضي: الصراط المستقيم، ج 1: ص 222.
  3. نهج البلاغة، خ 218.
  4. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 11: ص 137.