الامام علي زهده في الدنيا











الامام علي زهده في الدنيا



1ـ قال عليه السلام: «فلتکن الدنيا في أعينکم أصغر من حثالة القرظ، و قراضة الجلم[1] .

أقول: الحثالةـ بالضم ـ: الردي من کل شي ء، و ما لا خير فيه، القرظ ـ بالتحريک ـ: ورق السلم، أو شجر له شوک کثير، و الجلم ـ بالتحريک ـ: مقراض يجز به الصوف، و القراضة: ما يسقط منه عند الجز و القرض.

2ـ قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: «دخلت علي أميرالمؤمنين عليه السلام بذي قار، و هو يخصف نعله فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال عليه السلام: و الله، لهي أحب إلي من إمرتکم إلا أن اقيم حقا أو أدفع باطلا[2] .

3ـ و قال عليه السلام: «و الله، لدنياکم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم[3] .

قال ابن المنظور: «و العظام إذا لم يکن عليها شي ء من اللحم سميت عراقا[4] ، وقال الشيخ محمد جواد مغنية: «و قيل هو الکرش، و من الذي يأکل کرش الخنزير، أو عظمه من يد مشوهة بالجذام، و هل في الکون کله أبشع و أشنع من هذا الطعام و اليد التي تحمله، هذه هي الدنيا في نظر علي قولا و فعلا و عاطفة و عقلا، و هذا هو واقعها و إن تحلت بالذهب، و رفلت بالديباج، و تعطرت بالعنبر، و إذا خدعت بها أنا، و غيري من طلابها و کلابها، فهل يخدع بها العقل السليم...[5] .

4ـ و قال عليه السلام: «... و لألفيتم دنياکم هذه أزهد عندي من عطفة عنز[6] .

قال ابن المنظور: «في حديث علي: «لکانت دنياکم هذه أهون علي من عفطة عنز»، و المعفطة: الإست، و العرب تقول: ما لفلان عافطة و لا نافطة، العافطة: النعجة[7] .

5ـ و قال عليه السلام: «و إن دنياکم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها[8] ، ما لعلي و لنعيم يفني، و لذة لا تبقي، نعوذ بالله من سبات العقل[9] ، و قبح الزلل، و به نستعين[10] .

6ـ و قال عليه السلام: «فو الله، ما کنزت من دنياکم تبرا، و لا ادخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا، و لا حزت من أرضها شبرا، و لا أخذت منه إلا کقوت أتان دبرة، و لهي في عيني أوهي و أهون من عفصة مقرة[11] .

أقول: الکنز: المال المدفون، و کل شي ء يرغب و يتنافس فيه، و التبرـ بکسر الأول و سکون الثاني ـ: الذهب و الفضة قبل أن يصاغ، الوفر: المال، و الطمر ـ بالکسرـ: الثوب الخلق، و الأتان: مقام المستسقي علي فم البئر و هو صخرة، وـ أيضاـ الحمارة، و علي هذا يقرأ بإضافة أتان إلي دبرة و سکون الباء في دبرة، و الدبرةـ بسکون الباءـ: البقعة من الأرض تزرع، و بفتح الباء: قرحة الدابة و البعير، و العفصة: شجرة البلوط و هو دواء قابض، و المقرة: المر.


ممقر مر علي أعدائه
و علي الأدنين حلو کالعسل


قال ابن أبي الحديد: «أقسم )علي عليه السلام( أنه ما کنز ذهبا، و لا ادخر مالا، و لا أعد ثوبا باليا سملا لبالي ثوبيه فضلا عن أن يعد ثوبا قشيبا کما يفعله الناس في إعداد ثوب جديد ليلبسوه عوض الأسمال التي ينزعونها، و لا حاز من أرضها شبراـ و الضمير في أرضها يرجع إلي دنياکم ـ و لا أخذ منها إلا کقوت أتان دبرة و هي التي عقر ظهرها فقل أکلها[12] .

أقول: يحتمل أن يکون المعني: و ما أخذت منه إلا کقوت مستسقي البقعة المزروعة في خلف الدار، يعني کما أن المتصدي لسقي البقعة يأخذ منها شيئا يسيرا، کذلک أنا ما أخذت من قوت الدنيا إلا قليلا، و هذا المعني أنسب لکلام علي عليه السلام، و کأنه مثل سائر للشي ء القليل.









  1. نهج البلاغة، خ 32.
  2. المصدر، خ 33.
  3. المصدر، خ 235.
  4. ابن المنظور: لسان العرب/ مادة «عرق»..
  5. المغنية: في ظلال نهج البلاغة، ج 4: ص 358.
  6. نهج البلاغة، خ 3.
  7. ابن المنظور: لسان العرب/ مادة «عف».
  8. أي تکسرها بالسنان.
  9. سبات العقل: نومه.
  10. نهج البلاغة، خ 222.
  11. نهج البلاغة، خ 45.
  12. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 16: ص 205.