تحريف مكانة الرجال لتشيعهم لعلي











تحريف مکانة الرجال لتشيعهم لعلي



و بعد ما تلونا عليک و أوضحنا لک ما وقع من التحريف في بعض الکتب إخفاء لمناقب أميرالمؤمنين عليه السلام و تمويها لحقه أو لمصالح يراها المحرف و الحاذف، لا بأس بأن نشير إلي خواص من الموالين لأهل البيت عليهم السلام الذين لم تبق مکانتهم سالمة من أقلام المحرفين و ألسنة المعاندين لولائهم لعترة خير المرسلين، و لدفاعهم عن الأئمة الطاهرين، لا سيما إمام المتقين و قائد الغر المحجلين، روح الرسول و زوج البتول، الذي لولاه لما قام للاسلام عمود و لا اخضر له عود، حتي تکلم بعض الناصبين و الملحدين ظلما و حسدا في صادق أئمة التقي عليهم السلام و حامل علم الهدي، ناشر علم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و قائد علماء العترة الفحول.

1ـ الامام الصادق عليه السلام:

قال ابن حجر العسقلاني: «جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي، ابو عبد الله المدني الصادق، و امه ام فروة بنت القاسم ابن محمد بن أبي بکر، و قال ابن المديني: سئل يحيي بن سعيد عنه فقال: في نفسي منه شي ء، و مجالد أحب إلي منه[1] .

و قال سعيد بن أبي مريم: قيل لأبي بکر بن عياش: مالک لم تسمع من جعفر، و قد أدرکته؟ قال: سألناه عما يتحدث به من الأحاديث: أشي ء سمعته؟ قال: لا، و لکنها رواية رويناها عن آبائنا.

و قال ابن سعد: کان )جعفر( کثير الحديث، و لا يحتج به و يستضعف، سئل مرة: هل سمعت هذه الأحاديث عن أبيک؟ قال: نعم، و سئل مرة فقال: إنما وجدتها في کتبه[2] .

و مما يهيج الأحزان و الهموم، و تثير الأشجان و الغموم احتجاج محمد ابن إسماعيل البخاري في صحيحه ببعض شياطين النواصب کعمران بن حطان، و مروان بن حکم، و عدم احتجاجه بجعفر بن محمد الصادق عليه السلام، و ليت شعري ما عذر البخاري عند الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم!

قال ابن حجر: «عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور کان يري رأي الخوارج، و هو الذي رثي عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي عليه السلام»، ثم ذکر عنه حديثا أخرجه البخاري عنه في صحيحه[3] .

و قال أيضا: «مروان بن الحکم بن أبي العاص بن امية ابن عم عثمان... و هؤلاء )أي المذکورون من الصحابة و التابعين( أخرج البخاري أحاديثهم عنه... و قد اعتمد مالک علي حديثه و رأيه، و الباقون سوي مسلم[4] .

أقول: و هؤلاء هم/ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا/[5] ، و لقد أجاد أبوبکر بن شهاب الحضرمي الشيعي الامامي[6] .


قضية تشبه بالمرزءة
هذا البخاري إمام الفئة


بالصادق الصديق ما احتج في
صحيحه و احتج بالمرجئة


و مثل عمران بن حطان و مر
وان و ابن المرأة المخطئة


إلي أن قال:


إن الامام الصادق المجتبي
بفضله الآي أتت منبئة


أجل من في عصره رتبة
لم يقترف في عمره سيئة


قلامة من ظفر إبهامه
تعدل من مثل البخاري مائة


ـ أبو سعيد، أبان بن تغلب بن رباح البکري:

قال ابن حجر العسقلاني بعد ذکر المدح له من المحدثين و توثيقهم اياه: «قال الجوزجاني زايغ مذموم المذهب مجاهر[7] .

و قال: «قوله )أي الذهبي في «ميزان الاعتدال»( في ترجمة أبان بن تغلب: فإن قيل: کيف ساغ توثيق مبتدع، و حد الثقة العدالة و الاتفاق، فکيف يکون عدلا و هو صاحب بدعة؟ و جوابه أن البدعة علي ضربين: فبدعة صغري کغلو التشيع أو کالتشيع بلا غلو و لا تحرق فهذا کثير في التابعين و أتباعهم مع الدين و الورع و الصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، و هذه مفسدة بينة. ثم بدعة کبري کالرفض الکامل و الغلو و الحط علي أبي بکر و عمرـ رضي الله عنه ـ و الدعاء إلي ذلک، فهؤلاء لا يقبل حديثهم و لا کرامة، و أيضا فلا أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا و لا مأمونا بل الکذب شعارهم، و التقية و النفاق دثارهم، فکيف يقبل من هذا حاله؟ حاشا و کلا، فالشيعي الغالي في زمان السلف و عرفهم هو من تکلم في عثمان و الزبير و طلحة و طائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه و تعرض لسبهم، و الغالي في زماننا و عرفنا هو الذي کفر هؤلاء السادة، و تبرأ من الشيخين أيضا، فهذا ضال مفتر[8] .

قال العلامة المجاهد، السيد محمد بن عقيل الحضر موتي بعد نقل الکلام المذکور مختصرا: «علي أن في قوله: «فالشيعي ـ إلي قوله: ـ و طائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه و تعرض لسبه» غموضا، لأن لفظ الطائفة يصدق علي الواحد فأکثر، فما تفسيره هنا؟ أهي ام المؤمنين عائشة وحدها أم من عدا أهل النهروان من الناکثين و القاسطين؟ و عليه يکون الحسنان و عمار و من معهم ممن صح عنهم لعن القاسطين غلاة.

و قوله: «و تعرض لسبه»[9] يحتمل عود الضمير في «تعرض» إلي فاعل «حارب»، و الضمير في لسبه يعود إلي علي عليه السلام، و عليه يکون لعن و سب الذين يلعنون و يسبون عليا من الغلو، و يحتمل أن يعود الضمير في «تعرض» إلي علي عليه السلام، و عليه يکون الاقتداء بعلي في سب من سبه علي من الغلو[10] .

و قال العسقلاني أيضا: «و التشيع محبة علي و تقديمه علي الصحابة، فمن قدمه علي أبي بکر و عمر فهو غال في تشيعه، و يطلق عليه رافضي، و إلا فشيعي، و إن انضاف إلي ذلک السب أو التصريح بالبغض فغال في الرفض، و إن اعتقد الرجعة إلي الدنيا فاشد في الغلو[11] .

و قال العلامة الحضرموتي ـ أيضا: «و لا يخفي أن معني کلامه هذا ان جميع محبي علي المقدمين له علي الشيخين روافض، و أن محبيه المقدمين له علي سوي الشيخين شيعة، و کلا الطائفتين مجروح العدالة، و علي هذا فجملة کبيرة من الصحابة الکرام کالمقداد، و زيد بن أرقم، و سلمان، و أبي ذر، و خباب، و جابر، و أبي سعيد الخدري، و عمار، و ابي بن کعب، و حذيفة، و بريدة، و أبي أيوب، و سهل بن حنيف، و عثمان بن حنيف، و أبي الهيثم بن التيهان، و خزيمة بن ثابت، و قيس بن سعد، و أبي الطفيل عامر بن واثلة، و العباس بن عبد المطلب و بنيه، و بني هاشم، و بني المطلب کافة و کثير غيرهم کلهم روافض لتفضيلهم عليا علي الشيخين و محبتهم له، و يلحق بهؤلاء من التابعين و تابعي التابعين من أکابر الأئمة و صفوة الامه من لا يحصي عددهم، و فيهم قرناء القرآن، و جرح عدالة هؤلاء و الله قاصمة الظهر[12] .

أقول: کيف يکون هذا الرجل العظيم زائغا مذموم المذهب مجاهرا و قد أوجع موته قلب جعفر بن محمد عليهما السلام؟ أسخن الله عيون النواصب، و صب عليهم عذابه الواصب لما يرمون رجال المذهب بهذه الأراجيف و الشتائم.

و کيف يکون کذلک و قد قال له أبو جعفر الباقر عليه السلام: اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس، فإني احب أن يري في شيعتي مثلک! و قال أبو عبد الله عليه السلام لما أتاه نعيه: أما و الله، لقد أوجع قلبي موت أبان[13] .

و قال المحدث القمي رحمه الله: أبان بن تغلب ـ کتضرب ـ الکوفي ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي أبا محمد علي بن الحسين و أبا جعفر و أبا عبد الله عليهم السلام... و کان رحمه الله مقدما في کل فن من العلم في القرآن و الفقه و الحديث و الأدب و النحو و اللغة، و له کتب منها: تفسير غريب القرآن، و کان قاريا من وجوه القراء فقيها لغويا، سمع من العرب و حکي عنهم، و روي عن أبي عبد الله عليه السلام ثلاثين ألف حديث، و روي عن أبان بن محمد ابن أبان بن تغلب قال: سمعت أبي يقول: دخلت مع أبي علي أبي عبد الله عليه السلام، فلما بصر به أمر بوسادة فالقيت له و صافحه و اعتنقه و سائله و رحب به، و کان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحلق[14] و اخليت له سارية النبي صلي الله عليه و آله و سلم[15] .

3- اصبغ بن نباتة:

قال ابن حجر العسقلاني: «اصبغ بن نباتة التميمي ثم الحنظلي أبو القاسم الکوفي، روي عن عمر و علي و الحسن بن علي و عمار بن ياسر و أبي أيوب...، و قال ابن سعد: کان شيعيا، و کان يضعف في روايته، و کان علي شرطة علي... و قال الساجي: منکر الحديث، و قال الدارقطني: منکر الحديث، و قال ابن عدي: عامة ما يرويه عن علي لا يتابعه أحد عليه، و هو بين الضعف. و قال الجوزجاني: زائغ، و قال البزار: أکثر أحاديثه عن علي لا يرويها غيره، و قال العقيلي: کان يقول بالرجعة، و قال ابن حبان: فتن بحب علي فأتي بالطامات فاستحق الترک»[16] .

أقول: و ما لهذا الرجل العظيم ذنب إلا حبه لعلي عليه السلام و قربه منه.


حب علي کله ضرب
يرجف من خيفته القلب


قال الشعبي: ماذا لقينا من علي عليه السلام! إن أحببناه ذهبت دنيانا، و إن أبغضناه ذهب ديننا.

4ـ الحارث الأعور الهمداني:

قال ابن حجر العسقلاني: «الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الخارفي، أبو زهير الکوفي، و يقال: الحارث بن عبيد، و يقال: الحوتي ـ و حوت بطن من همدان ـ روي عن علي و ابن مسعود و زيد بن ثابت و بقيرة امرأة سلمان... قال ابن عبد البر في کتاب العلم له ـ لما حکي عن إبراهيم أنه کذب الحارث ـ: أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث کذاب، و لم يبن من الحارث کذبه، و إنما نقم عليه إفراطه في حب علي، و قال ابن سعد: کان له قول سوء، و هو ضعيف في رأيه... و قال الجوزجاني: سألت علي بن المديني عن عاصم و الحارث، فقال: مثلک يسأل عن ذا؟ الحارث کذاب... قال ابن حبان: کان الحارث غاليا في التشيع واهيا في الحديث، مات سنة 65[17] .

أقول: تعسا لقوم يکذبون رجلا له منزلة رفيعة عند أميرالمؤمنين عليه السلام حتي قال له سيده و مولاه: ابشرک يا حار، لتعرفني عند الممات، و عند الصراط، و عندالحوض و عند المقاسمة...»[18] .

ثم إنهم لم يکتفوا بجرح رجال الشيعة و نالة مکانتهم فحسب، بل رموا و قذفوا کل محدث من أهل مذهبهم و طريقتهم يروي منقبة علي عليه السلام بالتشيع و الرفض[19] بل بالتکفير و القتل قال العلامة الحسن المغربي: «و قد تطورت الحالة و المحنة إلي حد التفسيق و التکفير، فذهب القوم إلي نجاسة من يروي منقبة أو فضيلة في فضل الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام، و مقابلته بالجرح و القدح، و هذه الطامة لا شک أنها من صنع النواصب التي دسوها بين أهل الحديث ليتوصلوا بها إلي إبطال کل ما ورد في فضل علي عليه السلام، و ذلک إنهم جعلوا آية تشيع الراوي و علامة بدعته هي روايته فضائل علي عليه السلام»[20] ، و إليک أسماء بعضهم:

1ـ الحافظ الکبير الحاکم النيسابوري:

قال الذهبي: «الحافظ الکبير إمام المحدثين أبو عبد الله، محمد بن عبد الله ابن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع، صاحب التصانيف، ولد سنة إحدي و عشرين و ثلاثمائة في ربيع الأول... قال الخطيب أبوبکر: أبو عبد الله الحاکم کان ثقة، کان يميل إلي التشيع، فحدثني إبراهيم بن محمد الارموي ـ و کان صالحا عالماـ قال: جمع الحاکم أحاديث و زعم أنها صحاح علي شرط البخاري و مسلم، منها حديث الطير، و حديث «من کنت مولاه فعلي مولاه»، فأنکر عليه أصحاب الحديث فلم يلتفتوا إلي قوله... و قال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل الأنصاري عن الحاکم فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث، ثم قال ابن طاهر: کان شديد التعصب للشيعة في الباطن، و کان يظهر التسنن في التقديم و الخلافة، و کان منحرفا عن معاوية و آله متظاهرا بذلک و لا يعتذر منه. قلت: أما انحرافه عن خصوم علي فظاهر، و أما أمر الشيخين فمعظم لهما بکل حال، فهو شيعي لا رافضي، و ليته لم يصنف المستدرک فإنه غض من فضائله بسوء تصرفه...[21] .

2ـ ابن السقاء:

قال الذهبي: «الحافظ الإمام محدث واسط أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي... و قال علي بن محمد الطيب الجلابي في تاريخه: ابن السقاء من أئمة الواسطيين و الحفاظ المتقنين، توفي في جمادي الآخرة سنة ثلاث و سبعين و ثلاثمائة، قال السلفي: سألت خميسا الحوزي عن ابن السقاء فقال: هو من مزينة مضر، و لم يکن سقاء بل لقب له، من وجوه الواسطيين و ذي الثروة و الحفظ، رحل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة و أبي يعلي، و ابن زيدان البجلي، و المفضل بن الجندي، و بارک الله في سنه و علمه، و اتفق أنه أملي حديث الطير، فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا به و أقاموا و غسلوا موضعه، فمضي و لزم بيته، فکان لا يحدث أحدا من الواسطيين، فلهذا قل حديثه عندهم، و توفي سنة احدي و سبعين و ثلاثمائة[22] .

3ـ الحافظ النسائي:

قال المحدث القمي رحمه الله: «أبو عبد الرحمن أحمد بن علي ابن شعيب النسأي[23] الحافظ، کان من کبراء عصره في الحديث، ولد بنسا مدينة بخراسان، و سکن مصر، و کان يسکن بزقاق القناديل، کان کثير التهجد و العبادة، يصوم يوما و يفطر يوما، و عن الحاکم قال: کان النسأئي أفقه مشايخ عصره و أعرفهم بالصحيح و السقيم من الآثار، و أعرفهم بالرجال، و عن الذهبي أنه أحفظ من مسلم، إلي غير ذلک، له کتاب الخصائص و السنن أحد الصحاح الستة.

حکي أنه لما أتي دمشق و صنف کتاب الخصائص في مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام انکر عليه ذلک و قيل له: لم لا صنفت في فضائل الشيخين؟ فقال: دخلت دمشق و المنحرف عن علي بها کثير، فصنفت کتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله تعالي به، فدفعوا في حضنيه و أخرجوه من المسجد، ثم ما زالوا به حتي أخرجوه من دمشق إلي الرملة فمات بها...

قال محمد بن إسحاق الاصبهاني: سمعت مشايخنا بمصر يقولون: إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره و خرج إلي دمشق، فسئل عن معاوية و ما روي من فضائله، فقال: أما يرضي معاوية أن يخرج رأسا برأس حتي يفضل؟ و في رواية اخري: ما أعرف له فضيلة إلا «لا أشبع الله بطنک»[24] ، و کان يتشيع، فما زالوا يدفعون في حضنه حتي أخرجوه من المسجد... و کان وفاته في سنة 303 )شج(، و نساـ بفتح أوله و القصرـ اسم بلدة بخراسان، بينها و بين سرخس يومان[25] .

4ـ الحافظ الکنجي الشافعي:

قال الحافظ فخر الدين أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن محمد الکنجي الشافعي، المقتول سنة 658 في مقدمة کتابه «کفاية الطالب»: «أما بعد، فإني لماجلست يوم الخميس لست ليال بقين من جمادي الآخرة سنة سبع و أربعين و ستمائة بالمشهد الشريف بالحصباء من مدينة الموصل، و دار الحديث المهاجرية، حضر المجلس صدور البلد من النقباء و المدرسين و الفقهاء و أرباب الحديث، فذکرت بعد الدرس أحاديث، و ختمت المجلس بفضل في مناقب أهل البيت عليهم السلام، فطعن بعض الحاضرين لعدم معرفته بعلم النقل في حديث زيد بن أرقم في غدير خم، و في حديث عمار في قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «طوبي لمن أحبک و صدق فيک»، فدعتني الحمية لمحبتهم علي إملاء کتاب يشتمل علي بعض ما رويناه عن مشايخنا في البلدان من أحاديث صحيحة من کتب الأئمة و الحفاظ في مناقب أميرالمؤمنين علي عليه السلام الذي لم ينل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فضيلة في آبائه و طهارة في مولده إلا و هو قسيمه فيها».

هذا، و قد قال الذهبي في شأن هذا الرجل الموالي لآل الله عليهم السلام: «و المحدث المفيد، فخر الدين، محمد بن يوسف الکنجي قتل بجامع دمشق لدبره[26] و فضوله[27] .

و قال محقق کتاب «کفاية الطالب»: «و تبجح ابن تغري بردي بالفعلة الدنيئة، فقال: فسر عوام دمشق و أهلها بذلک سرورا زائدا، و قتلوا فخر الدين محمد بن يوسف بن محمد الکنجي في جامع دمشق، و کان المذکور من أهل العلم لکنه کان فيه شر، و کان رافضيا خبيثا، و انضم علي التتار[28] .

5ـ نصر بن علي الأزدي الجهضمي:

قال العسقلاني: «و قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن نصر بن علي و أبي حفص الصيرفي، فقال: نصر أحب و أوثق و أحفظ من أبي حفص، قلت: فما تقول في نصر؟ قال: ثقة، و قال أبو علي بن الصواف عن عبد الله بن أحمد: لما حدث نصر بن علي بهذا الحديث ـ يعني حديث علي بن أبي طالب: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخذ بيد حسن و حسين فقال: من أحبني و أحب هذين و أباهما و أمهما کان في درجتي يوم القيامةـ أمر المتوکل بضربه ألف سوط، فکلمه فيه جعفر بن عبد الواحد، و جعل يقول: هذا من أهل السنة، فلم يزل به حتي ترکه[29] .

6ـ علي بن رباح:

قال العسقلاني: «علي بن رباح... ذکره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل مصر، قال: کان ثقة...، و ذکره ابن حبان في «الثقات»، و قال الليث قال علي بن رباح: لا أجعل في حل من سماني «علي» فإن اسمي «علي»، و قال المقري: کان بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلک رباحا فقال: هو علي، و کان يغضب من علي، و يحرج علي من سماه به[30] .

أقول: و بعد ما تلونا عليک أسماء من لم تسلم مکانتهم من سهام المتعصبين المسمومة، نتلو عليک أسماء رجال عدلوهم و وثقوهم مع نصبهم لعلي عليه السلام و انحرافهم عنه، و هذا أسوء تقليب و تحريف، فقبحا لقوم حرفوا الحقائق، و قلبوها، و هم الذين اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاکا، و اتخذهم له أشراکا، فباض و فرخ في صدورهم، و دب و درج في حجورهم، فنظر بأعينهم، و نطق بألسنتهم[31] ، فتعسا لجماعة جعلت السب و التحامل و الوقيعة الشديدة في سيد الأولياء وأمير البرايا تصلبا في السنة، و بغضه علامة للديانة.

1ـ إبراهيم الجوزجاني:

قال العسقلاني: «إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي أبو إسحاق الجوزجاني... قال الخلال: إبراهيم جليل جدا، کان أحمد بن حنبل يکاتبه و يکرمه إکراما شديدا... و قال الدار قطني:... کان من الحفاظ المصنفين و المخرجين الثقات... و قال السلمي، عن الدار قطني بعد أن ذکر توثيقه: لکن فيه انحراف عن علي، اجتمع علي بابه أصحاب الحديث فأخرجت جارية له فروجه[32] لتذبحها، فلم تجد من يذبحها، فقال سبحان الله، فروجة لا توجد من يذبحها، و علي يذبح في ضحوة نيفا و عشرين ألف مسلم!... و قال ابن حبان في الثقات: کان حروري المذهب، و لم يکن بداعية، و کان صلبا في السنة حافظا للحديث إلا أنه من صلابته ربما يتعدي طوره، و قال ابن عدي: کان شديد الميل إلي مذهب أهل دمشق في الميل علي علي... قلت: و رأيت نسخة من کتاب ابن حبان: حريزي المذهب، و هو بفتح الحاء المهملة و کسر الراء و بعد الياء زاي، نسبة إلي حريز بن عثمان المعروف بالنصب[33] .

و قال ـ أيضاـ في ترجمة «مصدع»: «و الجوزجاني مشهور بالنصب و الإنحراف[34] .

قال العلامة الحضرموتي رحمه الله: «أقول: قوله «حروري المذهب» أو «حريزي المذهب» أيهما کان کاف في إثبات نفاق الرجل و فسقه و خبثه، و قوله: «صلبا في السنة؟ ما هي تلک السنة؟» ما أراها إلا التي أنکر أهل دمشق علي عمر بن عبد العزيز ترکها، و هي لعن مولي المؤمنين، و صاحوا به، فلعنها الله من سنة و لعن من سنها و من عمل بها کائنا من کان، آمين، و قوله کالمعتذر عنه «إنه من صلابته ربما کان يتعدي طوره» عذر أقبح من الذنب، لأنه من باب غسل النجاسة بأخبث منها[35] .

2ـ حريز بن عثمان الحمصي:

قال العسقلاني: «حريز بن عثمان بن جبر بن أبي أحمر بن السعد الرحبي المشرقي...، و قال الآجري عن أبي داود: شيوخ حريز کلهم ثقات، قال: و سألت أحمد بن حنبل عنه، فقال: ثقة، ثقة، و قال أيضا: ليس بالشام أثبت من حريز، و قال ابن المديني: لم يزل من أدرکناه من أصحابنا يوثقونه و قال دخيم: حمصي جيد الإسناد صحيح الحديث، و قال ـ أيضا: ثقة[36] .

و قال ـ أيضا: «وثقه أحمد و ابن معين و الائمة... و قال أبو حاتم: لا أعلم بالشام أثبت منه، و لم يصح عندي ما يقال عنه من النصب، قلت: قد جاء عنه ذلک من غير وجه، و جاء عنه خلاف ذلک[37] .

و قال ـ أيضا: «و قال العجلي: شامي ثقة، و کان يحمل علي علي، و قال عمرو بن علي کان ينقص عليا و ينال منه، و قال في موضع آخر: ثبت شديد التحامل علي علي، و قال أحمد بن سعيد الدارمي عن أحمد بن سليمان المروزي: سمعت إسماعيل بن عياش قال: عادلت حريز بن عثمان من مصر إلي مکة، فجعل يسب عليا و يلعنه، و قال الضحاک بن عبد الوهاب: و هو متروک متهم، حدثنا إسماعيل ابن عياش: سمعت حريز بن عثمان يقول: هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسي» حق و لکن أخطأ السامع، قلت: فما هو؟ فقال: إنما هو: أنت مني بمنزلة هارون من موسي...» قيل ليحيي بن صالح: لم لم تکتب عن حريز؟ فقال: کيف أکتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين، فکان لا يخرج من المسجد حتي يلعن عليا سبعين مرة، و قال ابن حبان: کان يلعن عليا بالغداة سبعين مرة، و بالعشي سبعين مرة، فقيل له في ذلک، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي و أجدادي[38] .

قال ابن أبي الحديد: «و قد کان في المحدثين من يبغضه )يعني عليا عليه السلام(، و روي فيه الأحاديث المنکرة، منهم حريز بن عثمان، کان يبغضه و ينتقصه و يروي فيه أخبارا مکذوبة. قال محفوظ: قلت ليحيي بن صالح الوحاظي: قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز، فما بالک لم تحمل عن حريز؟ قال: إني أتيته فناولني کتابا فإذا فيه: «حدثني فلان عن فلان أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما حضرته الوفاة أوصي أن تقطع يد علي بن أبي طالب»، فرددت الکتاب، و لم أستحل أن أکتب عنه شيئا[39] .

أقول: إذا شاهدت ما تقدم من توثيقهم له و اعتمادهم عليه، و نقل البخاري عنه حديثين في صحيحه ـ کما في «هدي الساري» )ج 2: ص 157( ـ و تعديل أحمد إياه بقوله «ثقة، ثقة» مع تصريحهم بأنه يلعن عليا و يبغض عليا و ينتقص عليا و يسب عليا و کان يحمل علي علي، تنکشف لک الحقيقة، و تقول بعد الحوقلة: بخ بخ لثقة و ياله من عدالة!


إن کان هذا عندک عادلا
فان المرادي لا محالة أعدل


3ـ خالد بن عبد الله القسري:

قال العسقلاني: «خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري الأمير أبو القاسم، يقال: أبو الهيثم الدمشقي، ذکره ابن حبان في الثقات، و قال يحيي الحماني: قيل لسيار: تروي عن خالد؟! قال: إنه کان أشرف من أن يکذب[40] .

و قال ابن أبي الحديد: «و ذکر المبرد في الکامل: أن خالد بن عبد الله القسري لما کان أمير العراق في خلافة هشام کان يلعن عليا عليه السلام علي المنبر فيقول: اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم صهر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بنته و أبا الحسن و الحسين، ثم يقبل علي الناس فيقول: هل کنيت[41] .

أقول: إن خالدا هذا لما لاموه علي ظلمه و إرساله سعيد بن جبير إلي الحجاج ليقتله، قال: «و الله، لو علمت أن عبد الملک لا يرضي عني إلا بنقض هذا البيت حجرا حجرا لنقضته في مرضاته[42] ، فهل يسوغ لمسلم أن يقول في هذا و أمثاله: ثقة؟! قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «ما عادانا کلب إلا و قد جرب، و ما عادانا بيت إلا و قد خرب، من لم يصدق فليجرب».

4ـ عمران بن حطان السدوسي:

قال العسقلاني: «و قد وثقه العجلي، و قال قتادة: کان لا يتهم في الحديث، و قال أبو داود: ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج، ثم ذکر عمران هذا و غيره... و قال العقيلي: حدث عن عائشة، و لم يتبين سماعه منها، قلت: لم يخرج له البخاري سوي حديث واحد من رواية يحيي بن أبي کثير عنه... و هوالذي رثي عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي عليه السلام بتلک الأبيات السائدة[43] .

قال العلامة الحضرموتي رحمه الله: «و أما ما رثي به عمران ابن ملجم فهو قوله ـ أخزاهما الله و لعنهماـ:


يا ضربة من تقي ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا


إني لأذکره يوما فأحسبه
أوفي البرية عند الله ميزانا


أکرم بقوم بطون الأرض أقبرهم
لم يخلطوا دينهم بغيا و عدوانا


لله در المرادي الذي سفکت
کفاه مهجة شر الخلق إنسانا


أمسي عشية عشاه بضربته
مما جناه من الآثام عريانا


و أقول: لا يشک أن هذه الأبيات أشد إيلاما للنبي و لوصيه ـ عليهما و علي آلهما الکرام أفضل الصلاة و السلام ـ من تلک الضربة، فمن الوقاحة و الإيذاء للنبي و الوصي ذکر ابن ملجم و عمران و من علي شاکلتهما بغير اللعن ممن يدعي الإسلام، و قد رد علي ابن حطان بعض علماء أهل السنة، منهم القاضي أبو الطيب رحمه الله فقال:


إني لأبرأ مما أنت قائله
في ابن ملجم الملعون بهتانا


إني لأذکره يوما فألعنه
دينا و ألعن عمران بن حطانا


عليک ثم عليه الدهر متصلا
لعائن الله إسرارا و إعلانا


فأنتم من کلاب النار جاءلنا
نص الشريعة برهانا و تبيانا


و منهم أبو المظفر طاهر بن محمد الإسفرائيني رحمه الله فقال:


کذبت و أيم الذي حج الحجيج له
و قد رکبت ضلالا منک بهتانا


لتلقين بها نارا مؤججة
يوم القيامة لا زلفي و رضوانا


تبت يداه لقد خابت و قد خسرت
و صار أبخس من في الحشر ميزانا


هذا جوابي لذاک النذل مرتجلا
أرجو بذاک من الرحمن غفرانا[44] .


5ـ عمر بن سعد بن أبي وقاص:

قال العسقلاني: «عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري أبو حفص المدني سکن الکوفة، و قد روي عن أبيه، و أبي سعيد الخدري... قال العجلي: کان يروي عن أبيه أحاديث، و روي الناس عنه، و هو تابعي ثقة، و هو الذي قتل الحسين[45] أقول: في ذکر قتل الحسين عليه السلام بعد قوله: «ثقة»، ما لا يخفي.

6ـ مروان بن حکم:

قال العسقلاني: «و قال عروة بن الزبير: کان مروان لا يتهم في الحديث، و قد روي عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا علي صدقه... و هؤلاء )يعني أبا بکر بن عبد الرحمن بن الحارث، و عروة، و سهل الساعدي( أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه[46] .

أقول: نعم، أخرج البخاري أحاديثهم عنه، و هو الذي نقل عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيه قال: «هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون» ثم يتجنب عن الرواية عن جعفر بن محمد عليهما السلام! أخرج ابن عساکر مرفوعا فيه: «ويل لامتي من هذا و ولد هذا»، قاله صلي الله عليه و آله و سلم لما جاؤوا به مولودا ليحنکه فلم يفعل... و عن عبد الرحمن بن عوف قال: کان لا يولد لأحد مولود إلا اتي به النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيدعو له، فادخل عليه مروان بن الحکم فقال ـ عليه الصلاة و السلام ـ: «هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون[47] .

قال ابن أبي الحديد بعد قوله في الحکم: «و أما مروان ابنه فأخبث عقيدة و أعظم إلحادا و کفرا، و هو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين عليه السلام إلي المدينة، و هو يومئذ أميرها، و قد حمل الرأس علي يديه فقال:


يا حبذا بردک في اليدين
و حمرة تجري علي الخدين


کأنما بت بمحشدين

ثم رمي بالراس نحو قبر النبي، و قال: يا محمد يوم بيوم بدر[48] .

7ـ لمازة بن زبار الأزدي:

قال العسقلاني: «لمازة بن زبار الازدي الجهضمي أبو اللبيد البصري، ذکره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة، و قال: سمع من علي، و کان ثقة، و له أحاديث و قال حرب، عن أبيه: کان أبو اللبيد صالح الحديث، و أثني عليه ثناء حسنا... و ذکره ابن حبان في الثقات... و عن مطر بن حمران: کنا عند أبي اللبيد فقيل له: أتحب عليا؟ فقال:ء أحب عليا و قد قتل من قومي في غداة واحدة ستة آلاف؟... و قال عباس الدوري، عن يحيي بن معين: حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن أبي اللبيد و کان شتاما قلت: زاد العقيلي: قال وهب: قلت لأبي: من کان يشتم؟ قال: کان يشتم علي بن أبي طالب... و عن جرير بن حازم: حدثني زبير بن خريت، عن أبي اللبيد قال: قلت له: لم تسب عليا؟ قال: ألا أسب رجلا قتل منا خمس مائة و ألفين و الشمس هيهنا؟[49] .

أقول: أنشدکم الله و رسوله و أولياءه، الا تقولون إن کان الرجل يسب و يشتم کما يشتم عليا عليه السلام غيره من المهاجرين، هل هم يقولون فيه ثقة، أو صالح الحديث؟ فکيف يعدلون هؤلاء النواصب مع تصريحهم بنصبهم و سبهم عليا عليه السلام؟ و ما عذرهم عند الله و رسوله؟ نعوذ بالله من الخذلان.

نعم، قد اعتذر عنهم ابن حجر العسقلاني، و ياليته لم يدافع و لم يعتذر عنهم علي هذا الطريق، و قد رد عليه العلامة الحضرموتي رحمه الله حرفا حرفا، و ها نحن نورد کلامهما بنصه مع التلخيص و الاقتصار علي موضع الحاجة.

قال العسقلاني: «و قد کنت أستشکل توثيقهم الناصبي غالبا [خ ل ] و توهينهم الشيعة مطلقا، و لا سيما أن عليا ورد في حقه: «لا يحبه إلا مؤمن، و لا يبغضه إلا منافق» ثم ظهر لي في الجواب عن ذلک أن البغض هنا مقيد بسبب و هو کونه نصر النبي صلي الله عليه و آله و سلم، لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق المبغض، و الحب بعکسه، و ذلک ما يرجع إلي امور الدنيا غالبا، و الخبر في حب علي و بغضه ليس علي العموم، فقد أحبه من أفرط فيه حتي ادعي أنه نبي أو أنه إله ـ تعالي الله عن إفکهم ـ، و الذي ورد في حق علي من ذلک قد ورد مثله في حق الأنصار.

و أجاب عنه العلماء أن بغضهم لأجل النصر کان ذلک علامة نفاقه، و بالعکس، فکذا يقال في حق علي، و أيضا فأکثر من يوصف بالنصب يکون مشهورا بصدق اللهجة و التمسک بامور الديانة، بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم کاذب و لا يتورع في الأخبار. و الأصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن علياـ رضي الله عنه ـ قتل عثمان أو کان أعان عليه، فکان بغضهم له ديانة بزعمهم، ثم اضاف إلي ذلک أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي[50] .

أقول: محصل کلامه أن بغض النواصب لعلي عليه السلام شخصية، لا مذهبية، لأنه عليه السلام قتل أقاربهم في الحروب الإسلامية، و الجواب عن ذلک ما قاله العلامة الحضرموتي رحمه الله فاستمع لما يتلي:

قال ـ رحمة الله و رضوانه عليه ـ: «قال الشيخ: «ثم ظهر لي في الجواب عن ذلک أن البغض ههنا مقيد بسبب...» و أقول: ليس الأمر کما ظهر له، و دعواه التقييد و ذکره السبب مما لا دليل عليه. و الدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات، أبناؤها أدعياء و الصواب ـ إن شاء الله تعالي ـ أن بغض علي عليه السلام لا يصدر من مؤمن أبدا، لأنه ملازم للنفاق، و حبه لا يتم من منافق أبدا، لأنه ملازم للايمان، فتقييد الشيخ بغض علي الدال علي النفاق بأنه الذي يکون سببه نصره للنبي صلي الله عليه و آله و سلم خطأ و غفلة ظاهرة، لأنه يلزم منه إلغاء کلام المعصوم بتخصيصه عليا بهذا، لأن البغض لأجل نصر النبي صلي الله عليه و آله و سلم کفر بواح سواء کان المبغض بسببه عليا عليه السلام أو غيره، مسلما کان، أو کافرا، أو حيوانا، أو جمادا، ألا تري لو أن مکلفا أبغض المطعم بن العدي، أو أبا البختري اللذين ماتا علي الشرک لأجل سعيهما في نقض الصحيفة القاطعة، و وصلهما بذلک رحم النبي صلي الله عليه و آله و سلم و رحم بني هاشم، ألا يکون ذلک المبغض کافرا لبغضه الکافر من هذه الجهة؟

و لو أن آخر أبغض کلبا من أجل حراسته للنبي صلي الله عليه و آله و سلم، أو حمارا من أجل حمله إياه، أو الغار من أجل ستره له عن المشرکين لکان کافرا بذلک إتفاقا، فما هي إذا فائدة تخصيص علي عليه السلام بالذکر فيما يعم المسلم و الکافر و الحيوان و الجماد؟ فتقييد الشيخ إلغاء و إهدار لکلام المعصوم و إبطال له، و الحق ـ إن شاء الله تعالي ـ أن حب علي عليه السلام مطلقا علامة لرسوخ الإيمان في قلب المحب، و بغضه علامة لوجود النفاق فيه، خصوصية فيه کما هي في أخيه النبي ـ صلوات الله و سلامه عليهما و علي آلهماـ...[51] .

ثم قال: قال الشيخ: «لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق المبغض، و الحب بالعکس»، و أقول: ليس هذا من هذا الباب، فإن عليا عليه السلام لم يسي ء إلي أحد من مبغضيه، و من قتله علي من آباء مبغضيه و قراباتهم فإنما قتله الحق، و نفذ فيه علي عليه السلام أمر الله ـ جل جلاله ـ و أمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فهو في قتله لهم محسن مستحق لشکر أولئک الذين أبغضوه، و لو جاز بغضه علي ذلک أو عذرناهم في بغضهم له لذلک لکان لمنافقي قريش و أشباههم عذر في بغضهم للنبي صلي الله عليه و آله و سلم لقتله صناديدهم، و لا قائل بذلک، کيف لا و ربنا سبحانه و تعالي يقول:/ فلا و ربک لا يؤمنون حتي يحکموک فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما/[52] .

ثم قال: قال الشيخ «و ذلک ما يرجع إلي امور الدنيا غالبا»، و أقول: لم يظهر لي ما أراد الشيخ بهذه العبارة، لأنه إن أراد أن عليا ظلمهم في دنياهم، فذلک لم يقله أحد يعتد به لا قبل الشيخ و لا بعده، و إن أراد أن عليا کحبهم عن الظلم، و عن اتخاذهم عباد الله خولا و مال الله دولا و عن قلبهم الدين ظهرا لبطن، عاد الأمر إلي ما ذکرناه آنفا من أن عليا منفذ لأمر الله تعالي و أمر نبيه ـ عليه و آله أفضل الصلاة و التسليم ـ فيجب حبه لذلک، و يکون بغضه بسببه من أقوي علامات النفاق»...

ثم قال: قال الشيخ: «و الخبر في حب علي، و بغضه ليس علي العموم، فقد أحبه من أفرط فيه...»، و أقول: هذه القضية لا تخص عليا وحده، فمن أحب النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أعتقد أنه إله فهو کافر ضال، مثل الذين زعموا أن المسيح أو عزيزا عليهما السلام إله، و لا دخول لهذا فيما نحن بصدده، و مثل هؤلاء جهال غلاة بعض المتصوفة فيما يعتقدونه في بعض المشايخ و الدراويش، و نحن لا نمدح و لا نحب إلا من أحب ـ کما أمره الله ـ من أحبه الله تعالي و أمرنا بحبه.

ثم قال: قال الشيخ: «و الذي ورد في حق علي من ذلک قد ورد مثله في حق الأنصار»، و أقول... علي أن ههنا فرقا بين علي و الأنصار يظهر من لفظ الحديثين الواردين في هذه المنقبة، إذ الوارد عن الشارع في حق الأنصار رتب فيه الحکم علي الصفة المشتقة من النصر و هي لفظ الأنصار، و فيه إيماء إلي العلة و هي النصر، و يدل عليه عدوله إليه عن نحو أبناء قيلة أو الأوس أو الخزرج مثلا، و هذا هو مسلک من مسالک العلة يسميه الاصوليون بالإيماء، قالوا: و من الإيماء ترتيب الحکم علي وصف مشتق، نحو «أکرم العلماء» فترتيب الإکرام علي العلم القائم بالعلماء لو لم يکن لعلية العلم له لکان بعيدا، فکذا يقال في ترتيب الحکم علي النصر القائم بالأنصار.

و أما الوارد في حق الإمام علي عليه السلام فقد رتب الشارع فيه الحکم، و هو إثبات النفاق للمبغض، و الإيمان للمحب علي ذات علي عليه السلام و باسمه العلم، فلو علم الشارع إمکان تلبس علي بأي صفة تسوغ بغضه و لا يکون مبغضه لأجلها منافقا لما رتب الحکم بالنفاق علي اسمه العلم بدون قيد، فالسياق دال علي أن ذات علي عليه السلام قدسية مطهرة لا تنفک عنها صفاتها التي لا يتصور أن يبغضه لواحدة منها إلا المنافق، فانتفت دعوي المساواة بين علي و الأنصار، و ظهر الفرق جليا، قرر هذا شيخنا العلامة السيد أبو بکر بن شهاب الدين ـ جزاه الله أحسن الجزاءـ و هو واضح جلي.

ثم قال: قال الشيخ: «وـ أيضاـ فأکثر من يوصف بالنصب يکون مشهورا بصدق اللهجة...» و أقول: و هذه ـ أيضاـ هفوة منه و غفلة عما ثبت عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم في الصحيحين و السنن و غيرهما في مروق الخوارج من الدين و في ذمهم، و منه أنهم کانوا مسلمين فصاروا کفارا يمرقون من الدين ثم لا يعودون فيه... و لعل الشيخ سها عما تقدم نقلنا له من کتابيه «تهذيب التهذيب» و «لسان الميزان» من اعتراف بعض من تاب منهم بأنهم کانوا إذا هووا أمرا صيروه حديثا، أفبعد هذا يسوغ أن يقال في کلاب النار و شر الخلق و الخليقةـ کما في الحديث ـ ما زعمه الشيخ آنفا )و هو صدق اللهجة و الديانة(؟ حاشا و کلا، بل الخوارج من أفسق خلق الله و أکذبهم، و الکذب من صفة المنافق، و الله يعلم أن المنافقين لکاذبون، و هيهات أن يصح قوله «فأکثر من يوصف بالنصب ـ الخ» و أني بهذا في طائفة شأنها الکذب...

و ما ذکر الشيخ آنفا به الشيعة في قوله «بخلاف من يوصف ـ الخ» فهو مما لا يصح علي إطلاقه، و کيف و فيهم الکثير الطيب من سلالة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و العدد الجم من أئمة الهدي من أهل العلم و الفضل و الزهادة و العبادة و الورع و العدالة من الذين أثني عليهم المخالف و الموافق...

ثم قال: قال الشيخ: «و الأصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا رضي الله عنه قتل عثمان...»، و أقول: يفهم من عبارته هذه الاعتذار للناصبةـ عاملهم الله بعدله ـ بأن اعتقادهم و تدينهم بما ذکره من بغض من هو نفس النبي صلي الله عليه و آله و سلم مسوغ لهم ذلک، و فساد هذا بديهي لا يشک فيه منصف، لأنه لو ساغ أن يکون الاعتقاد و التدين بالباطل مما يعذر الله به أحدا لکان لليهود و النصاري واسع العذر في کفرهم و بغضهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لأنهم اعتقدوا کذبه، و تدينوا به تبعا لقول أحبارهم و رهبانهم، و بديهي بطلان هذا و ذاک[53] .

و أما قول الشيخ: «ثم انضاف إلي ذلک...» و أقول: و هذاـ أيضاـ لا يصح کونه عذرا لهم، لأن الحق قتل آباءهم و قراباتهم، و قاتلهم منفذ فيهم حکم الله تعالي، فهو مأجور ممدوح علي قتله لهم...[54] .

هذا آخر کلامنا في تحريف الکتب و مکانة الرجال لأجل تشيعهم أو لنقلهم فضائل علي عليه السلام، و هذه قصيرة من طويلة، و فيها غني و کفاية إن شاء الله تعالي.

المستدرک لصفحة 572

وقوع الاسقاط في تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 37

قال عبد الرحمن احمد البکري في کتاب حياة الخليفة عمر بن الخطاب صفحه 37ـ طبع بيروت ـ لندن:

أخرج المتقي الهندي، عن الضحاک أنه قال: قال عمر: يا ليتني کنت کبش أهلي. سمنوني ما بدا لهم حتي إذا کنت أسمن زارهم بعض ما يحبون فجعلوا بعضي شواء، و بعضي قديدا[55] ثم أکلوني فأخرجوني عذرة، و لم أک بشرا[56] .

و قال الشيخ جلال الدين السيوطي:

أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الضحاک أنه قال: قال أبوبکر:

و الله لوددت أني کنت شجرة إلي جنب الطريق، فمر علي بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاکني ثم ازدردني[57] ، ثم أخرجني بعرا، و لم اکن بشرا. فقال عمر: ياليتني کنت کبش أهلي سمنوني ما بدالهم، حتي إذا کنت أسمن ما يکون زارهم من يحبون، فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء و بعضي قديدا ثم أکلوني و لم أکن بشرا[58] .

المؤلف )يعني عبد الرحمن احمد البکري(: الشيخ السيوطي بتر من الحديث: )و أخرجوني عذرة( و قد ذکرها کل من صاحب کنز العمال ط حيدرآباد ـ الهند، و الفتوحات الإسلامية لزيني بن دحلان و حياة الصحابة للکاندهلوي، و حلية الأولياء لأبي نعيم، و نور الأبصار للشيخ مؤمن الشبلنجي، و غيرهم و غيرهم.









  1. ان شئت أن تدري من مجالد؟ و کيف حاله؟ فلاحظ تهذيب )ج 10: ص 39، ط حيدرآباد ـ دکن( قال: «و کان أحمد بن حنبل لا يراه شيئا، و قال البخاري: کان يحيي بن سعيد يضعفه، و قال أبو طالب: عن أحمد: ليس بشي ء، و قال ابن خيثمة، عن ابن معين: ضعيف واهي الحديث.
  2. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 2: ص 102، ط حيدر آباد ـ دکن.
  3. ابن حجر: هدي الساري، ج 2: ص 200، ط مصطفي البابي بمصر.
  4. المصدر، ج 2: ص 212.
  5. الکهف، 104:18.
  6. کان عالما جليلا حاويا لفنون العلم مؤلفا في کثير منها، قوي الحجة ساطع البرهان، أديبا شاعرا مخلص الولاء لاهل البيت، ولد سنة 1262، و توفي سنة 1341 بحيدرآباد دکن )القمي: الکني و الالقاب، ج 1: ص 23 [و الاشعار موجودة فيه ](.
  7. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 1: ص 93.
  8. ابن حجر: لسان الميزان، ج 1: ص 9، ط حيدر آباد ـ دکن.
  9. الکلمة في المتن: «تعرض لسبهم» فالاعتراض عليه في غير موقعه. )م(.
  10. الحضرموتي: العتب الجميل علي أهل الجرح و التعديل، ص 34، ط بيروت.
  11. ابن حجر: هدي الساري، ج 2: ص 131، ط مصر.
  12. الحضرموتي: العتب الجميل، ص 33.
  13. الاردبيلي: جامع الرواة، باب الالف.
  14. أي تفرقت اليه الصفوف.
  15. القمي: سفينة البحار، ج 1: ص 7.
  16. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 1: ص 362 )أوردناه بالتلخيص و التقديم و التأخير، و کذا ما نقلناه منه فيما يأتي(.
  17. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 2: ص 145.
  18. المفيد: کتاب أمالي/ المجلس الاول )و قد تقدم بيانه(.
  19. و هذان اللقبان عندهم تنابز بالالقاب و من ألفاظ الجرح، و لکن عندنا من أفضل الالقاب لان المتشيعة و الرافضة هم الذين شايعوا عليا و أولاده عليهم السلام و رفضوا طاعة الطواغيت و الغصاب، و هذا اسم قد سمي الله تعالي به في التوراة سبعين رجلا من عسکر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسي عليه السلام، کما عن أبي جعفر الباقر عليه السلام.
  20. فتح الملک العلي، ص 109 )علي ما في مقدمة «کفاية الطالب»، ص 16(.
  21. تذکرة الحفاظ، ج 3: ص 1039.
  22. الذهبي: المصدر، ج 3: ص 965.
  23. کذا في المصدر.
  24. دعاء من النبي صلي الله عليه و آله.
  25. القمي: الکني و الالقاب، ج 3: ص 413.
  26. أي تعديه عن حده.
  27. الذهبي: تذکرة الحفاظ، ج 4: ص 1441.
  28. نقلا من «النجوم الزاهرة» )ج 6: ص 80(.
  29. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 10: ص 430.
  30. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 7: ص 318 )و نقل الترمذي أن إبنه موسي يقول: لا أجعل أحدا في حل صغر اسم أبي(.
  31. اقتبسناه من نهج البلاغة، الخطبة 7.
  32. الفروجةـ بالفتح و تشديد الراء: واحدة الفروج ـ بالضم و التشديد ـ و هو فرخ الدجاجة خاصة.
  33. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 1: ص 181.
  34. المصدر، ج 10: ص 158.
  35. الحضرموتي: العتب الجميل علي أهل الجرح و التعديل، ص 105.
  36. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 2: ص 237.
  37. ابن حجر: هدي الساري، ج 2: ص 157.
  38. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 2: ص 238.
  39. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 69.
  40. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 3: ص 101.
  41. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 57.
  42. ابن قتيبة: الامامة و السياسة، ج 2: ص 42.
  43. العسقلاني: هدي الساري، ج 2: ص 200.
  44. العتب الجميل، ص 122.
  45. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 7: ص 450.
  46. هدي الساري، ج 2، ص 212.
  47. الحضرموتي: العتب الجميل، ص 101.
  48. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 71.
  49. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 7: ص 450.
  50. ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 8: ص 458.
  51. هذا. مع أن بغضهم له عليه السلام ليست شخصية و إنما هي علي الدين، لأنه عليه السلام قتلهم لشرکهم، أو لمروقهم عن الدين، فما ندبهم علي أعظم حائلة و أرواح في النار هاوية؟ او قال الله تعالي:/ لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو کانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم/ ـ الآية )المجادلة: 22(. و قد أشار إلي هذا العلامة الحضرموتي فيما يأتي. )م(.
  52. النساء، 65:4.
  53. و مضافا إلي ذلک کون هذا القول اعترافا من حيث لا يشعر، بأن بغضهم له عليه السلام علي الدين، و کانت مذهبية لا شخصية، و هذا خلاف ما قاله من قبل، و قد صدق مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام حيث قال: «ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه و صفحات وجهه». )م(.
  54. الحضرموتي: العتب الجميل، ص 41 فصاعدا.
  55. القديد: اللحم المجفف في الشمس. النهاية لابن اثير: 22:4 ط مصر.
  56. کنز العمال: 365:6 حيدر آباد الهند رقم الحديث 5536، الفتوحات الإسلامية لمفتي مکة: 408:2، حياة الصحابة للکاند هلوي: 99:2، حلية الأولياء لأبي نعيم: 52:1، نور الأبصار شبلنجي: ص 60.
  57. ازدردها: ابتلعها. مصباح المنير للفيومي: ص 252.
  58. تاريخ الخلفاء: ص 142.