ايقاظ و إزاحة اشتباه











ايقاظ و إزاحة اشتباه



قد أوردنا في )ج 13: ص 85( في طرق الحديث الشريف «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» عن صحيح مسلم، و نقلنا عنه بلا واسطة، و لکنه ـ مع الأسف ـ اشتباه مطبعي و الصحيح هکذا:

و منهم العلامة الشيخ محيي الدين ابو محمد عبد القادر بن أبي الوفاء )المتوفي سنة 775( في «الجواهر المضيئة» )ج 2: ص 457، ط حيدرآباد ـ دکن( روي عن صحيح مسلم ما هذا لفظه: و قوله في «صحيح مسلم»: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»[1] .

إن کان الحديث موجودا و عثر عليه لم يحتج إلي هذا الکلام و لا إلي الإيقاظ و إزاحة الاشتباه[2] .

11ـ التحريف في ديوان حسان

1ـ قال العلامة الأميني رحمه الله في الغدير )ج 2: ص 41(: إن لحسان في مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام مدايح جمة غير ما سبقت الإشارة إليه، و سنوقفک علي ما التقطناه من ذلک، فمن هذه الناحية نعرف أن يد الأمانة لم تقبض عليها يوم مدت إلي ديوانه، فحرفت الکلم عن مواضعها، و لعبت بديوان حسان کما لعبت بغيره من الدواوين و الکتب و المعاجم التي أسقطعت منها مدايح أهل البيت عليهم السلام و فضائلهم، و الذکريات الحميدة لأتباعهم کديوان الفرزدق الذي أسقطوا منها ميميته المشهورة في مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام مع إشارة الناشر إليها في مقدمة شرح ديوانه، و قد طفحت بذکرها الکتب و المعاجم، و کديوان کميت فإنه حرفت منه أبيات کما زيدت عليه اخري، و کديوان أمير الشعراء، أبي فراس، و کديوان کشاجم الذي زحزحوا عنه کمية مهمة من مراثي سيدنا الإمام السبط الشهيد سلام الله عليه.

12ـ التحريف في قصيدة الناشي ء الصغير

و من القصائد التي وقع التحريف فيها قصيدة مشهورة للناشي ء الصغير )المتوفي سنة 365(، أبو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف الحلاء. جاء في «وفيات الأعيان» هو من شعراء المحسنين، و له في أهل البيت قصائد کثيرة، و کان متکلما بارعا، أخذ علم الکلام عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت المتکلم، و کان من کبار الشيعة، و له تصانيف کثيرة، و کان جده وصيف مملوکا، و أبوه عبد الله عطارا، و الحلاءـ بفتح الحاء و تشديد اللام، و انما قيل له ذلک لأنه کان يعمل حلية من النحاس[3] .

قال الشاعر رحمه الله:


بآل محمد عرف الصواب
و في أبياتهم نزل الکتاب


هم الکلمات و الأسماء لاحت
لآدم حين عز له المتاب


و هم حجج الإله علي البرايا
بهم و بحکمهم لا يستراب


و أنوار تري في کل عصر
لإرشاد الوري فهم شهاب


و لا سيما أبو حسن علي
له في الحرب مرتبة تهاب


علي الدر و الذهب المصفي
و باقي الناس کلهم تراب


کأن سنان ذابله ضمير
فليس عن القلوب له ذهاب


و صارمه کبيعته بخم
معاقدها من القوم الرقاب


إذا لم تبر من أعداء علي
فما لک في محبته ثواب


هو البکاء في المحراب ليلا
هو الضحاک إن جد الضراب


هم النبأ العظيم و فلک نوح
و باب الله و انقطع الخطاب[4] .


قال العلامة الأميني رحمه الله: الأصح إن هذه القصيدة للناشي ء، کما صرح به ابن شهر آشوب[5] .

أقول: و لکن جاء بعض هذه الابيات في بعض المطبوعات المصرية محرفا مغيرا فلاحظ حتي يتضح لک الحقيقة. قال ابن خلکان في «وفيات الأعيان» )ج 3: ص 52/ بتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد(:


کأن سنان ذابله ضمير
فليس من القلوب له ذهاب


و صارمه لبغتته کنجم
مقاصدها من الخلق الرقاب


فانظر کيف حرفت الکلمة عن موضعها فصارت کلمة «کبيعته بخم» «لبغتته کنجم»!

13ـ التحريف في أبيات لأبي تمام الطائي رحمه الله

3ـ قال العلامة الأميني رحمه الله في «الغدير» )ج 2: ص 331(: لا أجد لذي لب منتدحا عن معرفة يوم الغدير لا سيما و بين يديه کتب الحديث و السير و مدونات التاريخ و الأدب، کل يومي إليه بسبابته و يوعز إليه ببنانه، کل يلمس يدي القاري ء حقيقة يوم الغدير، فلا يدع له ذکرا خاليا منه ـ إلي أن قال: ـ و لعل الواقف علي کتابنا هذا من البدء إلي الغاية يجد فيه نماذج مما قلناه.

إذا فهلم معي و اعجب من الدکتور ملحم إبراهيم الأسود، شارح ديوان شاعرنا المترجم حيث يقول عند قوله: «و يوم الغدير استوضح الحق أهله»: يوم الغدير واقعة حرب معروفة.

و ذکر بعده في قوله: «يمد بضبعيه و يعلم أنه» ما يکشف عن أنها کانت من المغازي النبوية. قال )ص 381(: يمد بضبعيه يساعده و ينصره، و الهاء راجعة الي الإمام علي، أي کان رسول صلي الله عليه و آله و سلم ينصره و يعلم أنه ولي، کان العضد و المساعد الوحيد للنبي صلي الله عليه و آله و سلم في الغدير، و الرسول نفسه کان ينصره عالما أنه سيکون وليا علي شعبه بعده و خليفة له....

و قال رحمه الله )في ص 333(: أبو تمام أحد رؤساء الإمامية کما قال الجاحظ، و الأوحد من شيوخ الشيعة في الأدب في العصور المتقادمة و من أئمة اللغة، و منتجع الفضيلة و الکمال، کان يؤخذ عنه الشعر و أساليبه، و ينتهي إليه السير و يلقي لديه المقالد... و في معاهد التنصيص: إنه کان يحفظ أربعة عشر ألف ارجوزة للعرب غير المقاطيع و القصائد. و في التکلمة: أنه أخمل في زمانه خمسائة شاعر کلهم مجيد.

14ـ التحريف في ديوان أبي الطيب المتنبي

قال العلامة السيد عبد الزهراء في «مصادر نهج البلاغة» )ج 1: ص 146، ط بيروت ـ مؤسسة الاعلمي(: قال أبو الطيب المتنبي ـ و قد عوتب علي ترکه مدح امير المؤمنين عليه السلام ـ:


و ترکت مدحي للوصي تعمدا
إذ کان نورا مستطيلا شاملا


و إذا استطال الشي ء قام بنفسه
و صفات ضوء الشمس تذهب باطلا


جاء في ذيل الصفحة المذکورة: مما يؤسف له إن هذين البيتين حذفتا من بعض طبعات ديوان المتنبي حتي إن الاستاذ عبد الرحمن البرقوقي ذکرهما في الطبعة ذات الجزئين )ج 2: ص 546( و حذفهما في الطبعة ذات الأربعة أجزاء )و علي هذه فقس ما سواها(.

15ـ کتاب عقائد النسفي

قال العلامة الأميني رحمه الله في «الغدير» )ج 10: ص 360/ في باب نظرة في أحاديث معاوية(: قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، ذکره التفتازاني في شرح المقاصد )ج 2: ص 275( و جعله لدة قوله تعالي:/ أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و اولي الأمر منکم/ في المفاد. و بهذا اللفظ ذکره التفتازاني ـ أيضاـ في شرح عقائد النسفي )المطبوع سنة 1302( غير أن يد الطبع الأمينة علي ودائع العلم و الدين حرفت من الکتاب في طبع سنة 1313 سبع صحائف يوجد فيها هذا الحديث، و حکاه الشيخ علي القاري صاحب المرقاة في خاتمة «الجواهر المضيئة» )ج 2: ص 509( و قال )في ص 457(: و قوله صلي الله عليه و آله و سلم في صحيح مسلم: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، معناه من لم يعرف من يجب عليه الاقتداء و الاهتداء به في أوانه ـ انتهي.

16ـ کتاب اکمال الدين

محمد بن يحيي العطار، قال: حدثنا الحسن بن علي النيسابوري، قال: حدثني الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح، قال: جاءني يوما فقال لي: البشارة! ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد عليه السلام و أمر بکتمانه، و أمر أن يعق عنه ثلاث مائة شاة[6] ... وـ أيضاـ نسخة قديمة في المکتبة العامة في المسجد الجامع بطهران لآية الله السعيد الطهراني رحمه الله و لکن لم توجد هذه العبارات في الطبعات الأخيرة من الکتاب، و لعل النساخ و المصححين لما لم يوقفوا و لم يطلعوا علي سر هذا العدد في العقيقة أسقطوا العبارة و حذفوها. نعم، ان ههنا سرا عظيما و حکمة دقيقة يعلم من أهل البيت عليهم السلام فان الصادق عليه السلام أخبر عن ذلک، فلاحظ ما قاله عليه السلام: «کل مولود مرتهن بالعقيقة[7] فالحديث الشريف يدل علي أن العقيقة تأمن حياة الطفل و تطيل عمره، و لما کان صاحب العصر و الزمان عليه السلام الذي قدر الله له تبارک و تعالي أن يعيش عشرة آلاف سنين أو أکثر فاقتضي أن يعق عنه ثلاث مائة شاة. و الله أعلم بحقائق الامور.

17ـ اسد الغابة

جاء في کتاب «سبيل النجاة في تتمة المراجعات» بتحقيق و تعليق حسين الراضي ـ جزاه الله عن صاحب الولاية خير الجزاءـ )ص 77(:/ و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله و الله رؤف بالعباد/ )البقره، 2: 202( نزلت هذه الآية في أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حين بات علي فراش رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عند الهجرة. راجع ذلک في «شواهد التنزيل» للحسکاني الحنفي )ج 1: ص 96/ ح 133 و ص 134 و 135 و 136 و 137 و 139 و 140 و 141 و 142( «کفاية الطالب» للکنجي الشافعي )ص 22، ط الحيدرية(، ـ إلي أن قال: ـ اسد الغابة لابن أثير الجزري الشافعي )ج 4: ص 25، المطبعة الوهبية( بمصر ذکر الحديث صحيحا، ثم قامت المکتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ بتصوير اسد الغابة بالاوفست و حرفت هذا الحديث فأبدلت کلمة «بات علي فراشه» إلي کلمة «بال علي فراشه» إهانة للامام أميرالمؤمنين و سيد الوصيين، فإنا لله و إنا إليه راجعون.

أنا أقول: اللهم إن کان في هذا تعمد و عناد فالعنه لعنا يتعوذ منه أهل النار، و عذبه عذابا شديدا. آمين يا رب العالمين.









  1. ملحقات الإحقاق، ج 14: ص 2.
  2. کتاب المعارف لابن قتيبة بتعليق ثروت عکاشة.
  3. ابن خلکان: وفيات الأعيان، ج 3: ص 52.
  4. أوردناها ملخصا.
  5. الأميني: الغدير، ج 4: ص 27.
  6. الصدوق: کمال الدين، ج 2: ص 106، ط طهران المطبوع بالترجمة الفارسية سنة 1396. و أيضا: النجعة، کتاب النکاح، ص 166ـ 167، و مستدرک الوسائل 15/ 141، و فيه: لم تکن هذه الزيادة في نسخة العلامة المجلسي.
  7. المجلسي: بحار الانوار، ج 104: ص 120، ط طهران.