استطراد في تحريف الكتب











استطراد في تحريف الکتب



لما بلغ الکلام إلي نقل العلامة الإربلي عن کتاب «المحبر» للعلامة النسابة، أبي جعفر محمد بن حبيب بن امية بن عمرو الهاشمي البغدادي )المتوفي سنة 245،( حان حين إبراز التأسف عما جنته يد التحريف أو عدم الاعتناء بشأن المقابلة و التصحيح و ما حرفته يد الطبع الأمينة في هذا الکتاب و کثير من الکتب المطبوعة، و قد فصلنا القول في هذا الباب و في تحريف مکانة کثير من الصحابة و الرواة و العلماء و الشعراء وفق ما خطته للمحرفين أنفسهم حسب نزعاتهم المذهبية و القومية و الحزبية و الحمية الجاهلية، و في هذا بلاغ للمستبصر و تذکرة للمذکر، فاستمع لما يتلي:

1ـ کتاب «المحبر»: اعلم أن النسخة التي الآن بين يدي و أمام عيني من الکتاب نسخة طبعت في سنة 1361 في مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية علي نفقتها بعاصمة الدولة الآصفية )حيدرآباد ـ دکن(، و إني طالعت الکتاب من أوله إلي آخره، و تصفحته من بدئه إلي ختمه، و تعمقت أسطاره فلم أجد فيه الکلام الذي ذکره العلامة الإربلي منه، و من أهدي إلي الکلام المذکور بعينه و نصه في أصل الکتاب أعني «المحبر» فله علي و علي زملائي حق لا ننساه. نعم، لعل الخائنين حرفوا ذلک، و ليس هذا ببعيد، و کم له من نظير.

2ـ کتاب «الفتوحات المکية»: و من ذلک حذفهم أسامي الأئمة عليهم السلام من الفتوحات المکية لمحيي الدين ابن العربي علي ما في اليواقيت و الجواهر للشعراني، فإن فيه عين عباراته کما في المطبوعة منه مع تلک الأسامي الشريفة، قال العلامة عبد الوهاب الشعراني )المتوفي 973( في «اليواقيت» )ج 2/ المبحث 65، ط دار المعرفة، بيروت ـ لبنان(، ما هذا لفظه و عبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس و الستين و ثلاثمائة من الفتوحات:

«اعلموا أنه لا بد من خروج المهدي عليه السلام، لکن لا يخرج حتي تمتلي ء الأرض جورا و ظلما، فيملأها قسطا و عدلا، و لو لم يکن من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله تعالي ذلک اليوم حتي يلي ذلک الخليفة و هو من عترة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من ولد فاطمةـ رضي الله عنه ـ، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، و والده حسن العسکري، ابن الإمام علي النقي ـ بالنون ـ، ابن الامام محمد التقي ـ بالتاء، ابن الإمام علي الرضا، ابن الإمام موسي الکاظم، ابن الإمام جعفر الصادق، ابن الإمام محمد الباقر، ابن الإمام زين العابدين علي، ابن الإمام الحسين، ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يواطي ء اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، يبايعه المسلمون بين الرکن و المقام، يشبه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الخلق ـ بفتح الخاء ـ، و ينزل عنه في الخلق ـ بضمهاـ».

هذا ما في «اليواقيت»، و في المجلد الثالث من «الفتوحات» )الباب 366، ص 419، ط بولاق ـ مصر،: «اعلم ـ أيدک الله ـ أن لله خليفة يخرج و قد امتلأت الأرض جورا و ظلما، فيملأه قسطا و عدلا، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلک اليوم حتي يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من ولد فاطمة، جده الحسن بن علي، يواطي ء اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم... إلي آخر ما قال».

فالتصحيف و التحريف في موضعين: أحدهما أن في «اليواقيت»: جده الحسين بن علي، و في «الفتوحات» من ذلک الطبع: الحسن بن علي، و الثاني حذف أسامي الأئمة عليهم السلام برمتها.

3ـ جمهرة ابن دريد: و من ذلک ما وقع التحريف في «جمهرة» ابن دريد، محمد بن الحسن )المتوفي 321( )ج 1: ص 71( قال فيه: «غدير خم معروف[1] و هو الموضع الذي قام فيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خطيبا بفضل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب»، کذا في المطبوع من الجمهرة، و قد حکي عنه ابن شهر آشوب و غيره في العصور المتقدمة من النسخ المخطوطة ما نصه: «هو الموضع الذي نص النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيه علي علي عليه السلام»، و قد حرفته يد الطبع الأمينة.

4ـ موطا مالک: و من ذلک موطأ مالک، حيث ورد فيه و في شرحه تنوير الحوالک )ط شرکة مصطفي البابي الحلبي و أولاده بمصر سنة 1370، ج 1: ص 307/ باب الجهاد(: «عن أبي النصرـ مولي عمر بن عبيد الله ـ أنه بلغه أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال لشهداء احد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بکر الصديق: ألسنا يا رسول الله، إخوانهم؟ أسلمنا کما أسلموا، و جاهدنا کما جاهدوا! فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: بلي، و لکن لا أدري ما تحدثون بعدي، فبکي أبوبکر ثم بکي ثم قال: أ إننا لکائنون بعدک»؟

و أما من طبعه بالقاهرة )سنة 1387، بتحقق عبد الوهاب عبد اللطيف( فالحديث اسقط بتمامه.

5ـ حياة محمد )ص(: و من ذلک «حياة محمد صلي الله عليه و آله و سلم» لمحمد حسنين هيکل، حيث أورد )في الخامس، ص 104، من الطبعة الأولي منه( قصة الإنذار بالتفصيل، و قال: قال صلي الله عليه و آله و سلم لهم: «... فأيکم يؤازرني علي هذا الأمر و أن يکون أخي و وصيي و خليفتي فيکم؟ فأعرضوا عنه و هموا بترکه...». و قد حذف من طبعه الثاني و الثالث )سنة 1345 و 1358 في دار الکتب المصرية( قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «و أن يکون أخي و وصيي و خليفتي فيکم».

6ـ تفسير الطبري: و من ذلک تفسير الطبري، فقد نقل فيه )ج 19: ص 112، ط 1373، مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أولاده بمصر(: «فقال )رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم(: يا بني عبد المطلب!... فأيکم يؤازرني علي هذا الأمر علي أن يکون أخي و کذا و کذا؟... ثم قال: إن هذا أخي و کذا و کذا، فاسمعوا له و أطيعوا هذا».

و قد ورد في الجزء 2 منه بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم )ص 321، ط دار المعارف بمصر(: «فقال: يا بني عبد المطلب!... فأيکم يؤازرني علي هذا الأمر علي أن يکون أخي و وصيي و خليفتي فيکم؟... ثم قال: إن هذا أخي و وصيي و خليفتي فيکم، فاسمعوا له و أطيعوا». أقول: و لا أدري أکان هذا العمل الموجب للأسف من الطبري أو من غيره، و الله أعلم.

7ـ مکاسب الشيخ الانصاري: و ذلک الذي يحرق جدا قلوب الموالي، و يوجب لهم حزنا کثيرا وقوع الحذف و الاسقاط في «المکاسب» لشيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله، قال رحمه الله في «المکاسب» )ط تبريز، سنة 1375، بخط طاهر خوشنويس، بمطبعة الإطلاعات، ص 40( عند ذکر حرمة الغيبة: «و کيف کان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة في عدها من الکبائر أظنها في غير المحل، ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن، فيجوز اغتياب المخالف کما يجوز لعنه، و توهم عموم الآية کبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جريان أحکام الاسلام عليهم إلا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة، و حل ذبائحهم و مناکحتهم، و حرمة دمائهم ـ لحکمة دفع الفتنةـ و نسائهم، لأن لکل قوم نکاحا، و نحو ذلک، مع أن التمثيل المذکور في الآية مختص بمن ثبت اخوته، فلا يعم من وجب التبري عنه، و کيف کان فلا إشکال في المسألة بعد ملاحظة الروايات الواردة في الغيبة و في حکمة حرمتها و في حال غير المؤمن في نظر الشارع ـ الخ». هذا و قد اسقط منه في طبع عبد العزيز البغدادي )صاحب المکتبة العربية، ج 3: ص 320( و من قوله «ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن ـ إلي قوله: ـ و کيف کان فلا إشکال في المسألة...» و أيضا قوله «و في حال غير المؤمن».









  1. راجع هامش الغدير، ج 1، ص 8.