التقدمة











التقدمة



الحديث عن الإمام علي عليه السلام حديث عن حياة الانسان و بواعث سعاداته و مخزاته، فما يعيش الانسان علي وجه الأرض فهو بحاجة من البحث و التحقيق عن حياة هذا الإمام عليه السلام، اذ هو نموذج الانسانية الراقية و المثل الأعلي لتصعيده و شموخه، فهو حقيقة راهنة تخلد خلود الحياة.

ثم إن عبقرية الإمام علي عليه السلام أوسع من أن تحيط به نطاق البحث، و يجول في هذا المضمار واحد من الناس، قيل: إن محمد بن شهر آشوب المازندراني رحمه الله کان في مکتبته حين تأليف کتاب «المناقب» زهاء ألف تصنيف في مناقب الإمام علي عليه السلام کلها بعنوان المناقب، و هذه قصيرة من طويلة. فبقدر الميسور يمکن تحليل مناقبه عليه السلام إلي ثلاثة أقسام:

1( قسم راجع إلي النصوص التي وردت بنصبه للخلافة و الإمامة، و في طي هذا القسم فضائل له جمة لا تحصي، کحديث الاخوة و النصرة و الولاية و الوصاية و المنزلة و الثقلين و السفينة و...

2( و قسم راجع إلي فضائله النفسية و کمالاته الروحية و هبية و اکتسابية، کالحديث عن نورانيته و کيفية خلق نوره و اتحاد نوره بنور النبي صلي الله عليه و آله و سلم و البحث عن عصمته و طهارته، و سبقه بالإسلام و الهجرة و اختصاصه بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و أمره في الملأ الأعلي و حب الملائکة له و افتخارهم بخدمته، و وجوب حبه و حرمة بغضه، و يقينه و تنمره في ذات الله، و عبادته و خوفه و سخاؤه و إيثاره و حسن خلقه و حلمه و عفوه و تواضعه و مهابته و شجاعته و جهاده و نصيحته لله و لرسوله صلي الله عليه و آله، و سلم، و ولايته التکوينية المسيطرة علي الأشياء، و عمله بالامور الغيبية و جميع المکارم التي يحتوي هو عليها، و جامعيته للأضداد و إلي ذلک من جميع الکمالات.

و لعمري إن هذا البحث ضروري جدا إذ هو الحجر الأساسي للبحث عن إمامته، إذ به يعرف مکانته و استعداده لهذا المقام، و کل من يدعي الخلافة فما کان له من خلاق ما خلا عن هذه المزايا الروحية النفيسة. فذکر فضائله علي هذه الوتيرة بحث معقول متجة غائي يورث أهليته للإمامة و بون غيره عن هذه المرتبة الإلهية، و من ثم حث أئمتنا عليهم السلام علي ذکر فضائلهم و مناقبلهم معللا بأن فيه إحياء أمرهم، و هي غاية المأمول، فليس وراء عبادان قرية.

3( و قسم راجع إلي سيرته عليه السلام في نفسه و في الأمور الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و التربوية و غير ذلک. و ما أحوج الأمة الإسلامية بل کل الامم اليوم إلي درس هذه السيرة للشخصية العظيمة التي خلدتها تفانيها في الحق. إن الامة في عصرنا هذا قد بعدت کثيرا عن المثل الإسلامية العليا، و لذلک وصلت إلي ما يري من تفريق الکلمة و تشتيت الشمل و اختلاف الأفئدة، و دراسة حياة هذا الإمام العظيم و سيرته تکفي الامة لسلوک طريقة القويم و إرجاع مکانتها السامية البائدة. و لا شک أن دراسة حياة الإمام علي عليه السلام هي دراسة حياة النبي عليه السلام إذ هو صورة تطابق الأصل، يمثله في خلقه و هديه و جميع مکارم أخلاقه. فالبحث عنه عليه السلام ليس من الامور الشاغلة عن الوظائف العاجلة الفائتة، بل بالنظر إلي غايته هو من أهم المباحث الفردية و الاجتماعية و الدنيوية و الاخروية، و الغرض منه توجيه الامة نحو الحق الصريح و توحيد الصفوف الإسلامية و لم شعثهم و تغليف سيوفهم الشاهرة بينهم إذ ـ کما قال الشهرستاني ـ: «ما سل في الإسلام سيف علي قاعدة دينية مثل ما سل علي الإمامة في کل زمان».