طرف من مواعظ الإمام











طرف من مواعظ الإمام



إشتدت عري البلاغة للإمام (ع)، فهو بحر لا ينزف و لا يدرک غوره، و قد سخر له الخطاب في إلقاء المواعظ البليغة التي تحمل الحجج البالغة، و تهز السامع و القارئ، و تترک أثرا عظيما في النفس.

و الموعظة عند علي (ع) تحمل مفاهيم عطاء ثرا، تحدد للمسلم طريقه إلي الله، و أساليب تفاعله مع رسالة الله تعالي و مع الناس من حوله.

و فضلا عما حمله نهج البلاغة من مواعظ لأمير المؤمنين (ع)، فإن کتب الوعظ و الإرشاد و التوجيه الاسلامي، لا يکاد يخلو منها کتاب من ذکر طرف من مواعظه (ع).

و نذکر هنا بعضا من مواعظه التي ضمنها نهج البلاغة:

«أيها الناس! لا تستوحشوا في طريق الهدي لقلة أهله، فإن الناس قد اجتمعوا علي مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل.

أيها الناس! إنما يجمع الناس الرضي و السخط، و إنما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضي، فقال سبحانه: (فعقروها، فأصبحوا نادمين) فما کان إلا أن خارت أرضهم بالخسفة خوار السکة المحماة في الأرض الخوارة.

أيها الناس! من سلک الطريق الواضح ورد الماء، و من خالف وقع في التيه»[1] .

«أيها الناس! إنما الدنيا دار مجاز، و الآخرة دار قرار، فخذوا من ممرکم لمقرکم، و لا تهتکوا أستارکم عند من يعلم أسرارکم، و أخرجوا من الدنيا قلوبکم، من قبل أن تخرج منها أبدانکم، ففيها اختبرتم، و لغيرها خلقتم.إن المرء إذا هلک قال الناس: ما ترک؟و قالت الملائکة: ما قدم؟لله آباؤکم: فقدموا بعضا يکن لکم قرضا، و لا تخلفوا کلا فيکون فرضا عليکم»[2] .

«أوصيکم عباد الله، بتقوي الله، التي هي الزاد و بها المعاذ: زاد مبلغ، و معاذ منجح، دعا إليها أسمع داع، و وعاها خير واع، فأسمع داعيها، و فاز واعيها.

عباد الله إن تقوي الله حمت أولياء الله محارمه، و ألزمت قلوبهم مخافته، حتي أسهرت لياليهم، و أظمأت هواجرهم، فأخذوا الراحة بالنصب، و الري بالظمأ، و استقربوا الأجل فبادروا العمل، و کذبوا الأمل فلاحظوا الأجل»[3] .









  1. نهج البلاغة/نص رقم 201/باب الخطب.السخط: الغضب.ثمود: قوم نبي الله صالح (ع) خارت: من الخوار صوت الثور، أي حين خسف الله أرضهم کان لها صوت کصوت الثور.السکة المحماة: حديدة المحراث.الأرض الخوارة: اللينة الهشة.
  2. نهج البلاغة/نص رقم 203.مجاز: ممر إلي الآخرة.
  3. نهج البلاغة/نص رقم 114.و عاها: فهمها و حفظها.حمت: منعت، يعني التقوي منعت الأولياء من ارتکاب الجرائم.الهواجر: الأيام الشديدة الحر و مع شدة حرارتها فقد أظمأ المتقون أنفسهم فيها صوما.النصب: التعب.