انباء المستقبل











انباء المستقبل



و المقصود بها هنا ما تحدث به الإمام (ع) عن امور مستقبلية و شيکة الوقوع بعد عصره، منها ما يختص بأفراد معينين، و منها ما يتعلق بمسيرة الامة المسلمة کمجموع.و بطبيعة الحال فإن ما طرحه الإمام (ع) من هذا القبيل کان قد تلقاه من رسول الله (ص) مباشرة، أو وعاه بنفسه بما أعطاه الله من طاقة روحية هائلة تمنحه القدرة علي استقراء المستقبل و الاستشراف علي حوادثه و قواه المؤثرة، و جوانبه الإيجابية و السلبية.

و لقد رأينا في بداية هذا الفصل کيف أن الإمام (ع) يعلن علي المنبر مرارا عن قدرته علي کشف الکثير من أحداث المستقبل:

«فو الله لا تسألونني عن فئة تضل مائة، و تهدي مائة، إلا أنبأتکم بناعقتها و سائقتها»[1] .

و إذا تتبعنا الفکر المستقبلي الذي حفظته لنا سيرة أمير المؤمنين (ع) وجدناهـعلي الرغم من قلته بالقياس إلي غيره من أبواب فکر الإمام (ع) ـآية علي عظمة الإمام (ع) و سمو کيانه الروحي الذي أهله لمعرفة الکثير من أسرار المستقبل، بما فيها من متغيرات في دنيا الأفراد و الجماعات.

و هذه جملة مما حفظ لنا المؤرخون في هذا المضمار:

1ـعن سويد بن غفلة، أن عليا (ع) خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره، فقال: «يا أمير المؤمنين! إني مررت بوادي القري، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له، فقال (ع): (و الله ما مات و لا يموت حتي يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمار). فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين! أنا حبيب بن حمار و إني لک شيعة و محب، فقال: (أنت حبيب بن حمار؟) قال: نعم.فقال له ثانية: (و الله إنک لحبيب بن حمار؟) فقال: إي و الله! فقال (ع): (أما و الله إنک لحاملها و لتحملنها، و لتدخلن بها من هذا الباب، «و أشار إلي باب الفيل بمسجد الکوفة») قال ثابت الشمالي، الذي روي الحديث عن سويد بن غفلة: فو الله ما مت حتي رأيت ابن زياد، و قد بعث عمر بن سعد إلي (حرب) الحسين بن علي (ع) و جعل خالد بن عرفطة علي مقدمته، و حبيب بن حمار صاحب رايته فدخل بها من باب الفيل»[2] .

2ـعن إسماعيل بن رجاء قال: «قام أعشي باهلةـو هو غلام يومئذ حدثـإلي علي (ع) و هو يخطب و يذکر الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين! ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة! فقال علي (ع): (إن کنت آثما فيما قلت يا غلام! فرماک الله بغلام ثقيف)، ثم سکت فقام رجال، فقالوا: و من غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟قال: (غلام يملک بلدتکم هذه لا يترک لله حرمة إلا انتهکها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه)، فقالوا: کم يملک يا أمير المؤمنين؟قال: (عشرين إن بلغها)، قالوا: فيقتل قتلا أم يموت موتا؟قال: (بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لکثرة ما يخرج من جوفه). قال إسماعيل: فو الله لقد رأيت بعيني أعشي باهلة، و قد احضر في جملة الأسري الذي اسروا من جيش عبد الرحمان بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجاج ابن يوسف الثقفي فقرعه، و وبخه و استنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرحمان علي الحرب، ثم ضرب عنقه في ذلک المجلس»[3] .

3ـعن شمير بن سدير الأزدي قال: قال علي (ع) لعمرو بن الحمق الخزاعي:

«(يا عمرو! إنک لمقتول بعدي و إن رأسک لمنقول، و هو أول رأس ينقل في الاسلام، و الويل لقاتلک! أما إنک لا تنزل بقوم إلا أسلموک برمتک).

قال الأزديـراوي الحديثـ: فو الله ما مضت الأيام حتي تنقل عمرو بن الحمق الخزاعي في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب خائفا مذعورا، حتي نزل في قومه من بني خزاعة، فأسلموه، فقتل، و حمل رأسه من العراق إلي معاوية بالشام، و هو أول رأس حمل في الاسلام من بلد إلي بلد».

4ـإخبار الإمام (ع) عن الضربة التي يضرب في رأسه فتخضب منها لحيته بسيف ابن ملجم المرادي لعنه الله تعالي.

5ـإخباره بامتلاک معاوية لأمر المسلمين بعده.

6ـإخباره عن قتل الإمام الحسين (ع) في کربلاء.

7ـإخباره عن الحجاج بن يوسف الثقفي و ما يکون من فعله.

8ـإخباره عن حرکة عبد الله بن الزبير و فشله و قتله.

9ـو عن هلاک البصرة بالغرق مرة، و بسيطرة الزنج عليها اخري.

10ـو إخباره عن مقتل محمد صاحب النفس الزکية و أخيه إبراهيم بعد ثورتهما علي العباسيين في عهد أبي جعفر المنصور.

11ـو عن قيام الدولة العلوية في المغرب، و دولة بني بويه في العراق.

12ـإخباره عبد الله بن العباس عن انتقال الحکم إلي أولاده و قيام الحکم العباسي.

13ـو عن خروج الإمام المهدي عجل الله فرجه و قيام دولة الاسلام المبارکة.[4] .

و من نافلة القول أن نشير إلي أن نهج البلاغة ينطوي علي الکثير من النصوص التي تناول الإمام (ع) فيها الحديث عن امور مستقبلية، وقعت بعد عصره، و اخري نعايش طرفا منها[5] .









  1. ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 2/ص 286.
  2. المصدر السابق/ص 287.
  3. المصدر السابق/ص 289 و 290.أعشي باهلة: عامر بن الحارث.
  4. محمد مهدي شمس الدين/دراسات في نهج البلاغة/ط 2 سنة 1972 م/ص 186 و ما بعدها.و للاستزدادة يراجع فصل المغيبات من نفس الکتاب.ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 2/ص 286 و ما بعدها.
  5. مثل خطب الملاحم رقم 101، 128، 138، 150، 158، 187، و الخطب التي تتحدث عن آخر الزمان مثل 103، 108،. 166تعليقات:.