وحدانية الله











وحدانية الله



«الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، و لا يحصي نعماءه العادون، و لا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدرکه بعد الهمم، و لا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، و لا نعت موجود، و لا وقت معدود، و لا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته و نشر الرياح برحمته، و وتد بالصخور ميدان أرضه.

أول الدين معرفته، و کمال معرفته التصديق به، و کمال التصديق به توحيده، و کمال توحيده الإخلاص له، و کمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة کل صفة أنها غير الموصوف، و شهادة کل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، و من قرنه فقد ثناه، و من ثناه فقد جزاه، و من جزأه فقد جهله، و من جهله فقد أشار إليه، و من أشار إليه فقد حده، و من حده فقد عده، و من قال (فيم؟) فقد ضمنه، و من قال (علام؟) فقد أخلي منه.

کائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم.

مع کل شي ء لا بمقارنة، و غير کل شي ء لا بمزايلة، فاعل لا بمعني الحرکات و الآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سکن يستأنس به، و لا يستوحش لفقده.أنشأ الخلق إنشاء، و ابتدأه ابتداء، بلا روية أجالها، و لا تجربة استفادها، و لا حرکة أحدثها، و لا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، و لأم بين مختلفاتها، و غرز غرائزها، و ألزمها أشباحها، عالما بها قبل ابتدائها، محيطا بحدودها و انتهائها، عارفا بقرائنها و أحنائها»[1] .

«الأول لا شي ء قلبه، و الآخر لا غاية له، لا تقع الأوهام له علي صفة، و لا تقعد القلوب منه علي کيفية، و لا تناله التجزئة و التبعيض، و لا تحيط به الأبصار و القلوب»[2] .

«لم يولد سبحانه فيکون في العز مشارکا، و لم يلد فيکون موروثا هالکا، و لم يتقدمه وقت و لا زمان، و لم يتعاوره زيادة و لا نقصان، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن، و القضاء المبرم»[3] .

«الحمد لله الکائن قبل أن يکون کرسي أو عرش أو سماء أو أرض أو جان أو إنس، لا يدرک بوهم، و لا يقدر بفهم، و لا يشغله سائل، و لا ينقصه نائل، و لا ينظر بعين، و لا يحد بأين، و لا يوصف بالأزواج، و لا يخلق بعلاج، و لا يدرک بالحواس، و لا يقاس بالناس»[4] .

هکذا حدد أمير المؤمنين (ع) مفهوم و حدانية الله سبحانه و تعالي، و هکذا عرف علي (ع) الله رب العالمين، و وصفه کما أراد الله تعالي أن يوصف به، فقد نزهه عن التشبيه و التجسيم و المکان و التجزئة و التبعيض، و کل نقص، و أخرجه بوصفه عن کل صفة من صفات مخلوقاته، کما شاء الله تعالي أن يوصف، و کما علم أولياءه أن ينعتوه.









  1. نهج البلاغة/خطبة رقم 1.فطر الخلائق: ابتدعها علي غير مثال سابق.وتد: ثبت.الميدان: التحرک بتمايل.لا عن حدث: لا عن إيجاد موجد.المزايلة: المفارقة و الإختلاف.الروية: التکفير.أجال: ردد أو أدار.همامة: اهتمام الأمر و انشغال بال.لأم: قرن.غرز الغرائز: أودع فيها الطباع. قرائن: جمع قرونة و هي النفس.الأحناء: الجوانب.
  2. المصدر السابق/نص رقم 85.لا تقعد القلوب منه علي کيفية: أي ليست له کيفية فيتحکم بها.
  3. المصدر السابق/رقم النص 182.يتعاوره: تطرأ عليه الزيادة و النقصان.
  4. المصدر السابق/خطبة رقم 182.و هم: تفکير و توهم.النائل: العطاء.أين: إشارة للمکان.