من أبعاد المعرفة عنده











من أبعاد المعرفة عنده



بمقدورنا بعد إيراد التوطئة المتعلقة بالحقل المعرفي عند أمير المؤمنين أن نقول إن تصورا قد تکامل لدينا حول عمق المعرفة و شمولها عند الإمام (ع) فهو: وريث رسول الله (ص) و المبين للامة ما بعث به، و مرجعها في کل تساؤلاتها الفکرية الملحة، کل ذلک کان حصيلة لإعداد مسبق من لدن رسول الله (ص) أشرنا لبعض مصاديقه فيما مضي من حديث.

بقي أن نشير في هذا الفصل إلي أبعاد المعرفة التي أسداها الإمام (ع) للانسان، المسلم منه و غير المسلم.

ففکر علي (ع) و إن کان رساليا هادفا إلي خدمة الرسالة الإلهية و حملتها، و عاملا علي دفع عجلة مسيرة الاسلام التاريخية إلي الأمام، فإنه يبقي منهلا عذبا تنهل منه الانسانية بشتي نحلها و اتجهاتها الفکرية، و هو کفيل بهدايتها إلي الحق و إلي صراط مستقيم.

و قبل أن نعرض الخطوط العامة للجانب المعرفي عند الإمام (ع)، جدير بنا أن نشير إلي أنه (ع) علي الرغم مما طرحه في دنيا الفکر الانساني من أبواب المعرفة المتعددة، فإنا نظل عند قناعتنا من أن الإمام (ع) لم تسعفه الظروف الاجتماعية و السياسية علي حد سواء في أن يسدي للانسان بالکثير مما عنده من معرفة.

فإذا أهملنا أثر الظروف السياسية التي ألمت بالإمام (ع) و منعته من أداء مهماته علي الشکل المرجو من أجل مصلحة الرسالة و الانسان، فإن الظروف الاجتماعية لا تقل خطرا عن تلک الظروف، فالمجتمع الذي عايشة الإمام (ع) لم يکن في مستواه من ناحية وعيه الحضاري قادرا علي إدراک الإمام و أهميته و دوره الرسالي الخطير في حياة الناس، و لعل أبلغ شاهد علي ذلک ما کان يواجهه الإمام (ع) من تساؤلات فجة و اعتراضات تافهة حين يدعو قومه للإفادة مما يحمل من علم جم، تلقاه من رسول الله (ص).

و نذکر بهذا الصدد بعض تلک المواقف التي تقطر سخفا و بلادة، فقد خاطب الناس مرة بقوله:

«(سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة إلا أنبأتکم بناعقتها و سائقتها). فقام إليه سنان بن أنس النخعي قائلا: أخبرني بما في رأسي و لحيتي من طاقة شعر!! »[1] .

و بينما کان الإمام (ع) يوما يحدث قومه عن بعض حوادث المستقبل کبر علي أعشي باهلةـعامر بن الحارثـما تحدث به الإمام (ع) فقال له:

يا أمير المؤمنين! ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة[2] .

و علي الرغم من ذلک کله فينبغي ألا نغفل عما کان ينطوي عليه ذاک المجتمع من طلاب للمعرفة من أجل الوصول إلي الهدي و الخير.

و کانت تلک الفئة واعية لحقيقة الإمام (ع) مؤمنة بقدرته الفائقة علي طرح شتي أنواع الفکر الاسلامي في العقائد و التشريع و في مختلف أبواب المعرفة الضرورية لمسيرة الانسانية کلها.

و قد قابل أمير المؤمنين (ع) اولي الألباب بنفس الثقة التي أولوها له، فخصهم بالکثير من ألوان الإعداد و التوجيه و التثقيف ليواصل المسيرة التي بدأها رسول الله (ص) و التي يقودها خط الإمامة عبر التاريخ الاسلامي، ابتداء بعلي (ع) و انتهاء بأبي القاسم الإمام المهدي (ع). و بلغ بالإمام (ع) أن يکشف الکثير من أسرار المعرفة لاولئک المتقين الأفذاذ من الرجال[3] .

کما و قد واصل الإمام (ع) أمر إعداد الحملة الحقيقيين للرسالة الإلهية ممن بدأ الرسول (ص) عملية إعدادهم أو غيرهم.

علي أن الذي توفر للإمام (ع) طرحه، من آراء و مبادئ و حکم و مفاهيم في ساحة الفکر الانساني، کفيل بعضه دون جميعه بإبراز عظمة الإمام (ع) و قدراته العلمية الفائقة.

و ها نحن أولا، نعرض صورا من المعرفة عند الامام (ع):









  1. ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 2/ص 286.و نفس الرواية في بحار الأنوار/ج 40/باب 93/ص 192.و لکنه يروي أن الرجل کان تميم بن اسامة التميمي.
  2. ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 2/ص 289.
  3. ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 2/ص 286.