الاخلاق الاجتماعية











الاخلاق الاجتماعية



بمقدور المتتبع أن يتخذ من وصف ضرار بن ضمرة لأمير المؤمنين (ع) منطلقا للدخول في عالمه الرحيب، حيث إن الرجل المذکور کان من أصحاب الإمام (ع) و المطلعين علي شؤونه.

فقد دخل ضرار علي معاويةـأيام استکان الناس و أسلموا لمعاوية القيادـفألح علي الرجل أن يصف له عليا (ع)، فتردد ضرار کثيرا، فلما مضي معاوية في إصراره، قال ضرار:

«أما إذا لا بد: فکان و الله بعيد المدي، شديد القوي، يقول فضلا، و يحکم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، و تنطق الحکمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا و زهرتها، و يستأنس بالليل و ظلمته. کان و الله غزير الدمعة، کثير الفکرة، يقلب کفه و يخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، و من الطعام ما جشب.کان و الله کأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، و يبتدئنا إذا أتيناه، و يأتينا إذا دعوناه.و نحن و الله مع قربه منا، و دنوه إلينا، لا نکلمه هيبة له، و لا نبتديه لعظمته، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.يعظم أهل الدين، و يحب المساکين، لا يطمع القوي في باطله، و لا ييأس الضعيف من عدله.فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ليلة، و قد أرخي الليل سدوله، و غارت نجومه، و قد مثل قائما في محرابه، قابضا علي لحيته، يتململ تململ السليم، و يبکي بکاء الحزين، و کأني أسمعه و هو يقول: (يا دنيا! غري غيري، أبي تعرضت؟أم إلي تشوقت؟هيهات، هيهات!! قد أبنتک ثلاثا، لا رجعة لي فيک، فعمرک قصير و عيشک حقير و خطرک کبير، آه من قلة الزاد، و بعد السفر و وحشة الطريق)»[1] و هذا الوصف للإمام (ع) علي و جازته يکشف بعمق عن الإطار العام لشخصية الإمام (ع) في شتي ملامحها: في الحقل الروحي و الاجتماعي، في علاقته بربه، و علاقته مع نفسه، و کيفية تعامله مع الناس من حوله.

و حيث قد عقدنا هذا الفصل للحديث عن الأخلاق الاجتماعية التي التزم بها (ع) في حياته العملية، فإن حديث ضرار يضع في أيدينا رأس الخيط الذي يوصلنا إلي طبيعة العلاقات الاجتماعية التي سلکها أمير المؤمنين في حياته«کان و الله کأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، و يبتدئنا إذا أتيناه، و يأتينا إذا دعوناه.و نحن و الله مع قربه منا و دنوه إلينا لا نکلمه هيبة له، و لا نبتديه لعظمته، يعظم أهل الدين، و يحب المساکين، لا يطمع القوي في باطله، و لا ييأس الضعيف من عدله».

و يبدو أن هذا اللون من علاقة أمير المؤمنين مع قومه إنما کان في أيام حکمه، مما يطرح بين أيدينا تصورا ناضجا عن عظمة أمير المؤمنين (ع) و بلوغه القمة في مدارج الکمال و الفضيلة، فمع أن الإمام (ع) کان يحتل موقع القيادة في دنيا الناس، و بيده أزمة حياتهم الفکرية و الاجتماعية، نراه کواحد من عامة الناس، و کأن موقعه ليس في أعلي مرکز قيادي، فهو يلغي الحواجز و الألقاب، و يعامل الامة کما لو کان واحدا من عامتها، بقلب حان، و نفس متواضعة، و حب صادق عميق.و هي روح لم يألفها التأريخ الانساني، منذ الآماد الموغلة في القدم حتي اليوم، في قيادة غير قيادة رسول الله (ص) و وصيه علي (ع).

و قد وفق الإمام (ع) توفيقا عظيما في قيادة الواعين لأهمية قيادته في الدنيا المسلمين علي الأقل.

کانت قيادته مبنية علي الحب و الاجلال معا، فبقدر ما کان يبذل من دف ء وده للامة، کان أتباعه يمنحونه الکثير من الود و التعظيم، الأمر الذي يذکرنا بسياسة رسول الله (ص) و يطرحها واقعا حيا في دنيا الناس، فالتجربة واحدة في هذا المضمار و سواه، و إن تغير الموقع التأريخي، و رحم الله صعصعة بن صوحان حيث يقول في وصفه للإمام (ع): «کان فينا کأحدنا، لين جانب، و شدة تواضع، و سهولة قياد، و کنا نهابه، مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف علي رأسه».

و تتجلي عظمة الإمام (ع) في أخلاقه الاجتماعية من خلال المبادئ الآتية:









  1. سبط ابن الجوزي/تذکرة الخواص/ص 119، محمد رضا/الإمام علي بن أبي طالب (ع) /ص 12.تشوقت: تزينت.أبنتک: طلقتک.