الجهاد في سبيل الله











الجهاد في سبيل الله



و حياة علي أمير المؤمنين (ع) کلها جهاد في سبيل الله تعالي في مرحلة الدعوة، و بعد قيام الدولة الاسلامية، و إذا کان قد وقي الرسول (ص) بنفسه و فداه بوجوده و تعرض لأخطر تآمر جاهلي علي حياة رسول الله (ص) عند مبيته علي فراشه في ليلة الهجرة المبارکة، من أجل أن يصرف عنه شر عتاة الجاهلية.فإن عليا قد تحولت حياته بعد الهجرة إلي المدينة المنورة إلي حلقات متسلسلة من ذلک النوع الجهادي العظيم، فقد کان حامل لواء الزحف الاسلامي في کل غزوات أخيه رسول الله (ص)، و طليعة المجاهدين في ساحات الجهاد، و کلما حزبت الامور و حمي الوطيس انتدبه رسول الله (ص) لکشف زحف العدو عن حياض المسلمين.

و کانت کل مواقفه الجهادية من النوع المصيري الذي يحمي الرسالة و يکشف عنها خطر التصفية المحقق و الإجهاز الخطير علي وجودها، تجلي ذلک في بدر الکبري حين صفي الکثير من رؤوس الوثنيين و ملأبهم ساحة المعرکة.

و في«احد»حين أطبق جيش الضلال علي معسکر الإيمان و کانت الغلبة للعدو، نهض الإمام (ع) بدور عرقلة تقدمهم عند ما بادر إلي تصفية حملة الأولوية من بني عبد الدار واحدا تلو الآخر.

و في غزوة الأحزاب حين بلغت القلوب الحناجر و بلغ الضيق و الهلع بالمسلمين کل مبلغ، نهض الإمام (ع) بالأمر و أرهب العدو و أعاد للمسلمين الثقة بالنفس حين قتل أبرز قوادهم عمرو بن عبد ود العامري، الذي کان قتله حدا فاصلا بين المعسکرين، إذ تلاه انهزام جيش الأحزاب مع ما امتاز به من ضخامة في العدد و العدة.

و علي (ع) هو الذي اقتحم حصون خيبر و دخل عليهم عنوة، ففتح الله علي يديه حصون اليهود الرهيبة.

و دونک تأريخ الاسلام في عصره الأول: في عهد رسول الله (ص). فأمعن النظر في صفحاته، کي تحدثک بدور علي (ع) في خدمة هذه الرسالة، و فضله علي الامة و تأريخها.

و لم يکن الجانب المعنوي في جهاد علي (ع) مجسدا في حجم البطولات و عدد المعارک التي خاض غمارها فحسب، و إنما في صدق النية و حجم الإخلاص الذي امتلأ به قلب علي (ع) و هو يخوض تلک الحروب ببسالة فائقة و شجاعة نادرة و ثبات لا يرد.

و من أجل ذلک کان القرآن الکريم يثني علي تلک الروح التي کان يحملها أمير المؤمنين عبر کفاحه من أجل إعلاء کلمة الله في الأرض.

فها هو القرآن الکريم يثني علي علي (ع) يوم فدي بنفسه رسول الله (ص): (و من الناس من يشري[1] نفسه ابتغاء مرضاة الله). (البقرة/207)

و يکشف بعمق عن صدق نية الإمام (ع)[2] .

و ها هو کتاب الله العزيز يقطع بأن جهاد علي (ع) و بطولاته و تضحياته کانت من أجل الله و إعلاء کلمته في دنيا الناس، و لا يمکن أن تقرن بأي لون من ألوان العمل الآخر، فبسبب الثمن الباهظ الذي يتطلبه الجهاد، و بسبب الدافع الإيماني المخلص الذي لا تشوبه شائبة، راحت آيات الله تعالي تحدد الموقع الرفيع الذي يحتله علي (ع) في دنيا المتقين:

(أجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام کمن آمن بالله و اليوم الآخر و جاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله و الله لا يهدي القوم الظالمين). (التوبة/19)

فعلي أثر حوار تفاخري بين طلحة بن شيبة و العباس بن عبد المطلب قال فيه طلحة: «أنا أولي الناس بالبيت لأن المفتاح بيدي.فقال العباس: أنا أولي، أنا صاحب السقاية و القائم عليها! ».

و فيما کانا يتفاخران مر الإمام (ع) فافتخر عليهما بقوله:

«لقد صليت قبل الناس، و أنا صاحب الجهاد»، فنزل قول الله تعالي في ذلک کاشفا عن المستوي العظيم الذي يتبوؤه علي (ع) من ناحية عمله الاسلامي: ضخامة و إخلاصا[3] ، بعدا و جوهرا.









  1. يشري: يبيع.
  2. راجع تفسير الآية في الکشاف للزمخشري و الواحدي في أسباب النزول و ابن الأثير في أسد الغابة.
  3. تفسير الطبري، عن أنس/ج 10/ص 59.و أسباب النزول للواحدي/ص 182.و القرطبي في تفسيره/ج 8/ص 91.و الرازي في تفسيره.و النسفي و السيوطي و سواهم.