توکل صادق و يقين راسخ
فقد کان أمير المؤمنين (ع) قائدا لأهل اليقين بعد رسول الله (ص)، و يعسوبا للمتوکلين. و هذه سيرته العطرة تتحفنا بالعديد من الشواهد في هذا المضمار: فعن الإمام الصادق (ع) قال: «کان لعلي (ع) غلام اسمه قنبر، و کان يحب عليا حبا شديدا، فإذا خرج علي (ع) خرج علي أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة، فقال: (يا قنبر ما لک؟) قال: جئت لأمشي خلفک، فإن الناس کما تراهم يا أمير المؤمنين! فخفت عليک، قال: (ويحک أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟) قال: لا بل من أهل الأرض.قال (ع): (إن أهل الأرض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عز و جل فارجع). فرجع»[1] . و عن أبي عبد الله (ع) قال: «إن أمير المؤمنين (ع) جلس إلي حائط مائل يقضي بين الناس. فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور.فقال أمير المؤمنين: (حرس امرأ أجله). فلما قام أمير المؤمنين (ع) سقط الحائط، و کان أمير المؤمنين (ع) ممن يفعل هذا و أشباهه، و هذا اليقين»[2] . و عن سعيد بن قيس الهمداني قال: «نظرت يوما في الحرب إلي رجل عليه ثوبان، فحرکت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين (ع). فقلت: يا أمير المؤمنين! في مثل هذا الموضع؟فقال: (نعم، يا سعيد بن قيس! إنه ليس من عبد إلا و له من الله عز و جل حافظ و واقية، معه ملکان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليا بينه و بين کل شي ء)»[3] . هذا هو علي (ع) في قوة يقينه بالله تعالي و شدة توکله عليه سبحانه.
و حيث إن التوکل علي الله تعالي زاد المتقين، و اليقين بالله شعار المؤمنين الصادقين، يملأ قلوبهم بالثقة و الاطمئنان و العزة و الارتفاع علي جميع عقبات الحياة.