اول المؤمنين











اول المؤمنين



حين تلقي الرسول (ص) بيان التکليف الإلهي بحمل الرسالة، عاد إلي بيته فأطلع عليا[1] (ع) علي أمره، فاستقبله بالتصديق و اليقين، کذلک فعلت خديجة الکبري، فانبثق من أجل ذلک أول نواة لمجتمع المتقين في الأرض.

علي أنه يجدر بنا، أن نعي أن عليا (ع) لم يدعه الرسول (ص) إلي الاسلام کما دعا غيره فيما بعد أبدا، لأن عليا (ع) کان مسلما علي فطرة الله تعالي، لم تصبه الجاهلية بأوضارها، و لم يتفاعل مع شي ء من سفسافها و کل الذي کان: أن عليا (ع) قد أطلعه الرسول القائد (ص) علي أمر دعوته و منهج رسالته، فأعلن تصديقه و أيقن بالرسالة الخاتمة، و بادر لتلقي توجيهاته المبارکة تلقي تنفيذ و تجسيد، و لهذا يقال (کرم الله وجهه).

فإن عليا (ع) کان مؤهلاـکما بينا في مطلع الحديثـلاتباع رسول الله (ص) في دعوته، لأنه (ص) کان قد أنشأ شخصيته، و أرسي لبناتها الأساسية.

و لا نضيف جديدا إذا قلنا إن الإمام (ع) لم يفاجأ بأمر الدعوة المبارکة، طالما عاش في کنف رسول الله (ص) و تفيأ ظلاله، فالمصطفي محمد (ص) ـکما نعلمـکان يعبد ربه تعالي و ينأي عن الجاهلية في مفاهيمه و سلوکه و علاقاته قبل أن يتنزل عليه وحي السماء، بأول سورة من القرآن الکريم.و علي (ع) کان مطلعا علي عبادة أخيه رسول الله (ص) و ممارساته و تحولاته الروحية و الفکرية، فکان يتعبد معه، و ينهج نهجه، و يسلک سبيله في تلک السن المبکرة من عمره.

أما حين فاتحه رسول الله (ص) بأمر الدعوة الإلهية، فقد لبي النداء بروحه و وعيه و کل جوارحه، دون أن يباغت في الأمر، و إن کان هناک من جدة في المسألة، فإنما هي في الکيفية و درجة المسؤولية الواجب تحملها، أو في تفاصيل الأحکام.

و حين بلغ رسول الله (ص) بأمر التکليف الإلهي لحمل الدعوة المبارکة، بلغ کذلک، أن تنصب دعوته أولا علي الخاصة من أهل بيته، و قد أشار ابن هشام في سيرته لذلک بقوله:

«فجعل رسول الله (ص) يذکر ما أنعم الله به عليه، و علي العباد به، من النبوة سرا من يطمئن إليه من أهله»[2] .

و من أجل ذلک فاتح عليا و خديجة بالدعوةـکما ذکرناـو بعدهما زيد بن حارثة، و بقي أمر الدعوة طي الکتمان لا يعلمه غير هؤلاء، و بعض الخاصة من أهل البيت (ع).

و قد أشار الإمام علي بن الحسين (ع) في حديث له حول إسلام جده علي بن أبي طالب (ع) بقوله:

«و لقد آمن بالله تبارک و تعالي و برسوله (ص) و سبق الناس کلهم إلي الإيمان بالله و برسوله و إلي الصلاة ثلاث سنين»[3] .

و لأسبقيته في حمل الدعوة أشار الإمام (ع) في حديث جاء فيه:

«و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) و خديجة، و أنا ثالثهما، أري نور الوحي و الرسالة، و أشم ريح النبوة».

و بعد أن تخطت الدعوة مرحلة دعوة الخاصة من أهل البيت جاءت مرحلة دعوة من يتوسم رسول الله (ص) فيهم القبول لدعوته، فانخرط عدد من الناس في سلک الدعوة، کان أغلبهم من الشباب، و کانت لقاءاتهم من أجل قراءة القرآن الکريم، و التعرف إلي أحکام دين الله تعالي تتم بصورة سرية.









  1. اضافة إلي کتب التاريخ التي تصرح بأن عليا أول الناس اسلاما، کالسيوطي الذي قال: «إنه أول من أسلم، و نقل بعضهم الاجماع عليه»ص 185 من تاريخ الخلفاء، فهناک عدة أحاديث عن رسول الله (ص) تجسد هذه الحقيقة، راجع المستدرک/ج 3/ص 136، التاريخ الکبير للخطيب البغدادي/ج 2/ص 81، و مناقب الخوارزمي، و حلية الأولياء/ج 1/ص 66، و السيرة الحلبية/ج 1/ص 268، و سيرة زيني دحلان في هامش الحلبية/ج 1/ص 173.
  2. ابن هشام/السيرة النبوية/ج 1/ص 259.
  3. الکليني/الکافي/ج 8/ص 339، و هناک أحاديث بهذا الصدد يرويها کل من النسائي و ابن ماجة، و الحاکم في المستدرک/ج 3/ص 111، و محب الدين الطبري في ذخائر العقبي/ص 60، و الطبري في تاريخه، و الرياض النضرة/ج 2/ص 158، و کتاب صفين لنصر بن مزاحم/ص 100 و غيرها، راجع کتاب الغدير/ج 3/ص 221ـ240، علي أن تلک الروايات تشير إلي أن إيمان علي و عبادته قد سبق فيها الناس بسبع أو تسع سنين، و هي لا تخالف القول بثلاث سنين أبدا، فان المراد بأنه سبق بالتصديق بالاسلام بعد الدعوة بثلاث سنين، و سبق سواه بالإيمان و التعبد مع الرسول (ص) في مرحلة الإعداد التي أشار إليها في خطبته القاصعة بسنوات اخري.